المَطلَبُ الأوَّلُ: الفَخْرُ والحَماسةُ
ظلَّتْ أشْعارُ الحَماسةِ والفَخْرِ أهمَّ مَوْضوعاتِ الشِّعْرِ في الجاهِليَّةِ والإسْلامِ؛ فالشِّعْرُ يُشعِلُ الحَماسَ في القُلوبِ، ويَنْفي عنها الرُّعْبَ والخَوْفَ والتَّثاقُلَ والمَيْلَ إلى الفِرارِ، كما أنَّه يُبيِّنُ ما للمُسْلِمينَ مِن النَّعيمِ المُقيمِ في الجنَّةِ، وفيه الافْتِخارُ بالإسْلامِ وجَماعةِ المُسْلِمينَ، وقد اسْتَمرَّتْ عادةُ النَّاسِ في الرَّجَزِ في أثْناءِ الحُروبِ؛ تَقْويةً لنُفوسِهم وتَثْبيتًا لأقْدامِهم.
وقد ساعَدَتْ كَثْرةُ الغَزواتِ والسَّرايا على تَقْويةِ ذلك الغَرَضِ في أشْعارِ الإسْلاميِّينَ.
ومِن شِعْرِ الفَخْرِ والحَماسةِ قَولُ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ:نَحن الخِيارُ مِن البَرِيَّةِ كلِّها
ونِظامُها وزِمامُ كلِّ زِمامِ
الخائِضو غَمَراتِ كلِّ كرَيهةٍ
والدَّافِعونَ حَوادِثَ الأيَّامِ
والمُبْرِمونَ قُوى الأمورِ بعَزْمِهم
والنَّاقِضونَ مَرائِرَ الإبْرامِ
في كُلِّ مَعْركةٍ تُطيرُ سُيوفُنا
فيها الجَماجِمَ عن فِراخَ الهامِ
وتَرُدُّ عاديةَ الخَميسِ رِماحُنا
وتُقيمُ رأسَ الأصْيَدِ القُمْقامِ
فاللهُ أكْرَمَنا بنَصْرِ نَبيِّه
وبنا أقامَ دَعائِمَ الإسْلامِ
[339] ((ديوان حسان بن ثابت)) (ص: 230). وقالَ حسَّانُ أيضًا:عَدِمْنا خَيْلَنا إنْ لم تَرَوْها
تُثيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُها كَداءُ
يُبارِينَ الأسِنَّةَ مُصْغياتٍ
على أكْتافِها الأسَلُ الظِّماءُ
تَظَلُّ جِيادُنا مُتمطِّراتٍ
يَلطِمُهُنَّ بالخُمُرِ النِّساءُ
فإمَّا تُعْرِضوا عنَّا اعْتَمرَنا
وكانَ الفَتْحُ وانْكَشَفَ الغِطاءُ
وإلَّا فاصْبِروا لجِلادِ يَوْمٍ
يُعينُ اللهُ فيهِ مَن يَشاءُ
وقالَ اللهُ قدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا
هُمُ الأنْصارُ عُرْضتُها اللِّقاءُ
لنا في كلِّ يَوْمٍ مِن مَعَدٍّ
قِتالٌ أو سِبابٌ أو هِجاءُ
فنَحكُمُ بالقَوافي مَن هَجانا
ونَضرِبُ حينَ تَخْتلِطُ الدِّماءُ
وقالَ اللهُ قدْ أرْسلْتُ عَبْدًا
يقولُ الحَقَّ إنْ نفَعَ البَلاءُ
شَهِدْتُ بهِ وقومي صَدَّقوهُ
فقُلْتُم ما نُجيبُ وما نَشاءُ
وجِبْريلٌ أمينُ اللهِ فينا
ورُوحُ القُدْسِ ليس لهُ كِفاءُ
[340] ((ديوان حسان بن ثابت)) (ص: 17).