تَمْهيدٌ: الأدَبُ في العَصْرِ الأنْدَلُسيِّ
التَّعْريفُ ببِلادِ الأنْدَلُسِ:تُطلَقُ كَلِمةُ الأنْدَلُسِ على كلِّ الأجْزاءِ الَّتي سَيْطَرَ عليها المُسلِمونَ في شِبْهِ الجَزيرةِ الإيبيريَّةِ، وظَلَّتْ تُطلَقُ على ما في أيْديهم حتَّى عنْدَما انْحَصَرَ وُجودُهم في مَدينةِ "غَرْناطةَ" وَحْدَها.
وتَعودُ تلك الكَلِمةُ في الأصْلِ إلى "الوندال" أو "الفاندال" أو "فندالوشيا"، وهي تَعْني مَجْموعةَ القَبائِلِ الجَرَمانيَّةِ الَّتي غَزَتْ "أيْبيريا" أو هاجَرَتْ إليها مِن سَواحِلِ بَحْرِ الشَّمالِ في القَرْنِ الخامِسِ الميلاديِّ، واسْتَقرَّتْ في المَناطِقِ الجَنوبيَّةِ مِنها، ولمَّا دَخَلَ المُسلِمونَ هذه المَناطِقَ أطْلَقوا اسمَ الأنْدَلُسِ على شِبْهِ الجَزيرةِ الإيبيريَّةِ كُلِّها بعْدَ أن سَيْطروا على مُعظَمِها، وبَقيَتْ الكَلِمةُ مُسْتخدَمةً حتَّى نِهايةِ الحُكْمِ الإسلاميِّ.
ولا تَزالُ تلك الكَلِمةُ تُطلَقُ حتَّى الآنَ على بعضِ المَناطِقِ في إسْبانيا، وهي ثَماني مُحافَظاتٍ في جَنوبِ إسْبانيا: المَرِّيَّةُ، غَرْناطةُ، جَيَّانُ، قُرْطُبة، مالَقةُ، قادِشُ، ولبَّةُ، إشْبيليَة.
وتَقَعُ تلك الجَزيرةُ في الجُزْءِ الجَنوبيِّ الغَرْبيِّ مِن أوْروبَّا، يَحُدُّها البَحْرُ المُتوسِّطُ مِن جِهةِ الشَّرْقِ، والمُحيطُ الأطْلَنْطيُّ مِن غَرْبِها وشَمالِها الغَرْبيِّ، ويَفصِلُ بيْنَها وبَيْنَ القارَّةِ الإفْريقيَّةِ مَضيقُ جَبَلِ طارِقٍ، وهي شِبْهُ جَزيرةٍ مُخَمَّسةُ الشَّكْلِ، تَصِلُ مَساحتُها إلى حوالي 600 ألْفِ كيلومِتْرٍ مُربَّعٍ، وتَحتَلُّ إسْبانيا مِنها حاليًّا خَمْسةَ أسْداسِها.
وقدْ بَدَأَ المُسلِمونَ جُهودَهم في فَتْحِ الأنْدَلُسِ في سَنَةِ 92ه، على يَدِ التَّابِعيِّ الجَليلِ والقائِدِ الفاتِحِ
موسى بنِ نُصَيرٍ، ومعَه قائِدُه ومَولاه الطَّارِقُ بنُ زِيادٍ، وجَيْشٌ قِوامُه لا يَتَعدَّى ثَلاثينَ ألْفَ مُقاتِلٍ، واسْتَمرُّوا في فَتْحِ البِلادِ حتَّى سَنَةِ 95ه، ليَبْدَأَ بعْدَها عَصْرٌ إسلاميٌّ جَديدٌ في تلك الجَزيرةِ الأوْروبيَّةِ، اسْتَمَرَّ مِن فَتْحِها حتَّى أن سَقَطَتْ نِهائيًّا بسُقوطِ غَرْناطةَ سَنَةَ 897ه، بعْدَ أكْثَرِ مِن ثَمانيةِ قُرونٍ عَرفَتْ فيه أوْروبَّا دينَ الإسلامِ وحَضارتَه
[686] يُنظر: ((فتوح البلدان)) للبلاذري (ص: 228)، ((دولة الإسلام في الأندلس)) لمُحمَّد عبد الله عنان (1/ 27)، ((تاريخ المسلمين في المغرب والأندلس)) لطه عبد المقصود (ص: 169). .
العُصورُ السِّياسيَّةُ في الأنْدَلُسِ:اعْتادَ المُؤَرِّخونَ تَقْسيمَ دَوْلةِ الإسلامِ في الأنْدَلُسِ إلى عُصورٍ.
أوَّلًا: عَصْرُ الوُلاةِ الفاتِحينَ: (92ه - 138ه)يَبدَأُ هذا العَصْرُ مِن نُزولِ أوَّلِ جُنديٍّ لطَريفِ بنِ مالِكٍ أرْضَ الأنْدَلُسِ، وما تَلاه مِن سَرايا بقِيادةِ الطَّارِقِ بنِ زِيادٍ، ثُمَّ قُدومِ
موسى بنِ نُصَيرٍ إليه، حتَّى سَنَةِ 95ه، حينَما اسْتَدْعى الوَليدُ بنُ عبْدِ المَلِكِ قائِدَه
موسى بنَ نُصَيرٍ ومعَه الطَّارِقُ بنُ زِيادٍ، فتَرَكا الأنْدَلُسَ وعادا، واسْتَمرَّتْ بِلادُ الأنْدَلُسِ تحتَ إمْرةِ الوُلاةِ التَّابِعينَ للدَّوْلةِ الإسلاميَّةِ في المَشرِقِ.
ثانيًا: عَصْرُ الدَّوْلةِ الأُمَوِيَّةِ في الأنْدَلُسِ: (138ه - 422ه)لمَّا سَقَطَتِ الدَّوْلةُ الأُمَوِيَّةُ في بِلادِ المَشرِقِ سَنَةَ (132ه) اسْتَطاعَ
صَقْرُ قُرَيشٍ عبْدُ الرَّحْمنِ بنُ مُعاوِيةَ بنِ هِشامِ بنِ عبْدِ المَلِكِ الفِرارَ مِن العبَّاسيِّينَ، وهَرَبَ إلى بِلادِ المَغرِبِ، ومِنها راسَلَ زُعَماءَ الأُمَوِيِّينَ في الأنْدَلُسِ وجَمَعَهم إليه، ثُمَّ أبْحَرَ إليها وحارَبَ والِيَيْها الصَّميلَ بنَ حاتِمٍ ويوسُفَ الفِهْريَّ وهَزَمَهما سَنَةَ 138ه، وأعْلَنَ الأنْدَلُسَ دَوْلةً أُمَوِيَّةً. وقد تَعاقَبَ على حُكْمِ الأنْدَلُسِ عَدَدٌ مِن الحُكَّامِ الأقْوياءِ، مِثلُ
عبْدِ الرَّحْمنِ بنِ مُعاوِيةَ الدَّاخِلِ، وعبْدِ الرَّحْمنِ الأوْسَطِ، وعبْدِ الرَّحْمنِ النَّاصِرِ، والحَكَمِ المُسْتنْصِرِ، وغيْرِهم. إلى أن تَكالَبَ زُعَماءُ قُرْطُبةَ وأسْقَطوا الخِلافةَ الأُمَوِيَّةَ، وعَزَلوا الخَليفةَ المُعْتَدَّ سَنَةَ (422ه).
ثالثًا: عَصْرُ مُلوكِ الطَّوائِفِ: (422ه - 484ه)نَتَجَ عن إلْغاءِ الخِلافةِ الأُمَوِيَّةِ في الأنْدَلُسِ أن انْشَقَّتْ عِدَّةُ مَمالِكَ في الأنْدَلُسِ، وصارَتْ يُحارِبُ بعضُها بعضًا، وهي:
1- إمارةُ قُرْطُبةَ: وقد اسْتَقَلَّ بها أبو الحَزْمِ جَهْوَرُ بنُ مُحمَّدٍ (ت 435ه) مَريرةٍ معَ بَني ذي النُّونِ أصْحابِ طُلَيْطِلةَ، حتَّى سَقَطَتْ إمارتُهم في قَبْضةِ المُعْتمِدِ بنِ عَبَّادٍ صاحِبِ إشْبيليَةَ.
2- إمارةُ إشْبيليَةَ: وقد اسْتَقلَّ بها بَنو عَبَّادٍ، جيرانِهم مِن المُسلِمينَ، وضَمُّوا عَدَدًا مِن الإماراتِ المُجاوِرةِ، في الوَقْتِ الَّذي كانوا يَدفَعونَ فيه الجِزْيةَ لمُلوكِ ليون وقَشْتالةَ، وفي زَمَنِ المُعْتمِدِ كانَت وَقْعةُ الزَّلَّاقةِ عامَ 483ه، وانْتَهى حُكْمُه إلى (أغْماتَ) بالمَغرِبِ، وبها ماتَ عامَ 488ه.
3- إمارةُ طُلَيطِلةَ: وقد اسْتَقلَّ بها بَنو ذي المَأمونُ (ت 467ه)، ثُمَّ حَفيدُه القادِرُ، وفي عَهْدِه دَخَلَ ألْفونس السَّادِسُ مَلِكُ قَشْتالة طُلَيْطِلةَ عامَ 478ه، وهي أُولى المُدُنِ الأنْدَلُسيَّةِ الكُبْرى ضَياعًا.
4- إمارةُ بَلَنْسِيةَ: وكانَتْ تابِعةً لأحَدِ أحْفادِ المَنْصورِ بنِ أبي عامِرٍ، ثُمَّ اتَّحَدَتْ معَ طُلَيْطِلةَ زَمَنَ المَأمونِ بنِ ذي النُّونِ، ولمَّا سَقَطَتْ طُلَيْطِلةُ نَقَلَ ألْفونس السَّادِسُ القادِرَ بنَ ذي النُّونِ إلى بَلَنْسِيةَ، وفي عَصْرِه ظَهَرَ السَّيِّدُ القنبيطورُ الَّذي حاصَرَ بَلَنْسِيةَ واقْتَحَمَها عامَ 485ه، وأحْرَقَ قاضيَها أحْمَدَ بنَ جَحَّافٍ، وذَبَحَ الآلافَ مِن أبْنائِها، وظَلَّتْ في يَدِه حتَّى اسْتَردَّها
5- إمارةُ سَرَقُسْطةَ: وقد اسْتَقلَّ بها مُنذِرُ بنُ عنها دِفاعًا مَشْهودًا ضِدَّ غاراتِ النَّصارى الَّذين اسْتَولَوا على حِصْنِ (بريشتر) عامَ 456ه، وأنْزَلوا بأهْلِه مَذْبحةً بَشِعةً، ثُمَّ تَمكَّنَ المُقْتدِرُ بنُ هودٍ مِن اسْتِردادِ الحِصْنِ عامَ 457ه، ودَخَلَتْ سَرَقُسْطةَ
6- إمارةُ غَرْناطةَ: وقد اسْتَقلَّ بها بَنو زيري الصِّنْهاجِيُّونَ (زاوي ثُمَّ حبوسُ ثُمَّ باديسُ ثُمَّ عبْدُ اللهِ بنُ بلقينَ)،
7- إمارةُ دانيةَ: وكانَتْ بيَدِ مُجاهِدٍ الصَّقْلَبيِّ (ت436ه)، ثُمَّ ابنِه إقْبالِ الدَّوْلةِ الَّذي سَلَّمَها لبَني هودٍ في سَرَقُسْطةَ، ثُمَّ دَخَلَتْ معَ سَرَقُسْطةَ في طاعةِ المُرابِطينَ.
8- إمارةُ مُرْسِيَةَ: وكانَتْ بيَدِ المُرْتَضى المَرْوانيِّ، ثُمَّ صارَتْ إلى ابنِ عَمَّارٍ، ثُمَّ المُعْتمِدِ بنِ عَبَّادٍ، ثُمَّ دَخَلَها المُرابِطونَ بعْدَ الإطاحةِ ببَني عَبَّادٍ.
9- إمارةُ المَرِّيَّةَ: وقدِ اسْتَقلَّ بها بَنو نُغِّصَ علينا كلُّ شيءٍ حتَّى المَوْتُ!
10- إمارةُ بَطَلْيوسَ: وقدِ اسْتَقلَّ بها بَنو الأفْطَسِ (عبْدُ اللهِ ت: 437ه، ثُمَّ ابنُه المُظَفَّرُ ت: 460ه، ثُمَّ ابنُه وقَبَضَ على المُتوَكِّلِ، وقَتَلَه معَ وَلَدَيه يَوْمَ الأضْحى، ولَعَلَّ قَسْوتَه عليهم كانَتْ بسَبَبِ مُراسَلتِهم للنَّصارى ودَفْعِ الجِزْيةِ لهم.
رابِعًا: عَصْرُ المُرابِطينَ: (484ه - 581ه)لمَّا اسْتَوْلى ألْفونسُ السَّادِسُ على طُلَيْطِلةَ سَنَةَ 478ه، أحَسَّ أُمَراءُ باقي الطَّوائِفِ في الأنْدَلُسِ بفَداحةِ ما هُمْ فيه، فأجْمَعوا أمْرَهم على الاسْتِنجادِ بأميرِ المُؤْمِنينَ في المَغرِبِ يوسُفَ بنِ تاشفينَ، فأرْسَلوا إليه وَفْدًا مِن الفُقَهاءِ، فعَبَرَ بجُندِه إلى الأنْدَلُسِ وانْضَمَّ إليه المُعْتمِدُ بنُ عَبَّادٍ وهَزَما ألْفونسَ هَزيمةً ساحِقةً في مَعْركةِ الزَّلَّاقةِ سَنَةَ 479ه، ولمَّا عادَ يوسُفُ بنُ تاشفينَ إلى المَغرِبِ رَجَعَ مُلوكُ الطَّوائِفِ إلى حالِهم الأُولى مِن الاقْتِتالِ فيما بيْنَهم، والاسْتِعانةِ بالنَّصارى على بعضِهم، فعَبَرَ الأنْدَلُسَ يوسُفُ بن تاشفين عازِمًا على تَوْحيدِها سَنَةَ 483ه، ودَخَلَ بعضُ مُلوكِ الطَّوائِفِ طَوْعًا في إمْرتِه، ومِنهم مَن قاتَلَه حتَّى قَتَلَه يوسُفُ أو نَفاه إلى المَغرِبِ كما نَفى المُعْتمِدَ، وقدِ اسْتَتبَّ الأمْرُ لابنِ تاشفينَ سَنَةَ 484ه.
وقدْ قامَ المُرابِطونَ بشَنِّ حَمَلاتٍ كَثيرةٍ على النَّصارى، واسْتَردُّوا أكْثَرَ المُدُنِ الأنْدَلُسيَّةِ، مِثلُ بَلَنْسِيةَ وجُزُرِ البليارِ، إلَّا أنَّ دَوْلةَ المُرابِطينَ بَدَأَتْ في الضَّعْفِ بعْدَ هَزيمتِهم في مَعْركةِ كتندةَ سَنَةَ 514ه أمامَ ألْفونسَ الأوَّلِ مَلِكِ أراجون، ومِن بعْدِها قامَ بعضُ رُؤَساءِ المُدُنِ الأنْدَلُسيَّةِ بالثَّوْرةِ على المُرابِطينَ، والاسْتِعانةِ بالنَّصارى عليهم، حتَّى سَقَطَتْ سَرَقُسْطةَ سَنَةَ 512ه، وساعَدَ على ذلك ثَوْرةُ ابنِ تومرتَ عليهم في بِلادِ المَغرِبِ.
أدَّتِ الحَرْبُ الَّتي شَنَّها ابنُ تومرتَ على المُرابِطينَ في المَغرِبِ، والاشْتِباكُ معَهم هنالك إلى غيابِهم عن ساحةِ الأنْدَلُسِ، فأدَّى ذلك إلى سُقوطِ الكَثيرِ مِن المُدُنِ الأنْدَلُسيَّةِ في مَطلَعِ حُكْمِ المُوَحِّدينَ، فسَقَطَتِ المَرِّيَّةُ ثُمَّ طُرْطُوشةُ ثُمَّ لارِدةُ، ولمَّا اسْتَتبَّ الأمْرُ للمُوَحِّدينَ حَمَلوا رايةَ الجِهادِ في الأنْدَلُسِ وتَمَكَّنوا مِن اسْتِردادِ مَدينةِ شِلْبَ وقَصْرِ أبي دانسَ، وألْحَقوا بألْفونسَ الثَّامِنِ هَزيمةً نَكْراءَ في مَعْركةِ الأرْكِ سَنَةَ 591ه.
غيْرَ أنَّ دَوْلتَهم بَدَأَتْ في التَّهاوي بعْدَ الهَزيمةِ في مَعْركةِ العقابِ سَنَةَ 609ه، كما اسْتَقلَّتْ بعضُ الأُسَرِ بحُكْمِ المُدُنِ الأنْدَلُسيَّةِ، وظَلَّتْ مُدُنُ الأنْدَلُسِ تَتَهاوى حتَّى نِهايةِ مُلْكِ المُوَحِّدينَ زَمَنَ المَلِكِ السَّعيدِ المُوحِّديِّ عامَ 664ه.
سادِسًا: عَصْرُ بَني الأحْمَرِ (625ه - 897ه)اسْتَقلَّ مُحمَّدُ بنُ يوسُفَ بنِ نَصْرٍ -المَعْروفُ بابنِ الأحْمَرِ- ببعضِ المُدُنِ في جَنوبِ الأنْدَلُسِ، واتَّخَذَ مِن غَرْناطةَ مَقَرًّا له سَنَةَ 635ه، واضْطُرَّ إلى مُسالَمةِ النَّصارى، بلْ ساعَدَهم في الاسْتِيلاءِ على (إشْبيليَة) مُقابِلَ بَقائِه حاكِمًا على جَنوبِ الأنْدَلُسِ!
وقد تَعاقَبَ بَنو نَصْرٍ على حُكْمِ غَرْناطةَ، وكانَ أكْثَرُهم ضُعَفاءَ لا يَملِكونَ حيلةً سِوى التَّسْليمِ للنَّصارى، حتَّى طَوَّقَ النَّصارى غَرْناطةَ وأحاطوا بها مِن كلِّ مَكانٍ، ممَّا اضْطَرَّ أبا عبْدِ اللهِ مُحمَّدَ بنَ عليٍّ الصَّغيرَ مَلِكَ غَرْناطةَ إلى تَسْليمِ مَفاتيحِ قَصْرِ الحَمْراءِ للنَّصارى في 2 رَبيع الأوَّل سَنَةَ 897ه، المُوافِقِ 20 يناير 1492م، ودُقَّتِ الأجْراسُ في كلِّ أنْحاءِ أوْروبَّا، ورُفِعَ الصَّليبُ على الحَمْراءِ! ومعَ أنَّ مُعاهَدةَ التَّسْليمِ نَصَّتْ على احْتِفاظِ الأنْدَلُسيِّينَ بحُقوقِهم الدِّينيَّةِ فإنَّ النَّصارى نَصَبوا مَحاكِمَ التَّفْتيشِ واضْطَهَدوا المُسلِمينَ اضْطِهادًا بالِغًا، فكانَ المُسلِمُ مُخيَّرًا بَيْنَ القَتْلِ أو التَّنَصُّرِ أو الرَّحيلِ عنِ الأنْدَلُسِ، ثُمَّ أصْدَرَ المَلِكُ فيليبُ الرَّابِعُ قَرارَه بطَرْدِ جَميعِ الأنْدَلُسيِّينَ سَنَةَ 1117ه.
وبذا غَرَبَتْ شَمْسُ دَوْلةِ الإسلامِ عن الأنْدَلُسِ، بعْدَ أن أنارَتْها وأنارَتْ أوْروبَّا كلَّها بنورِ الإسلامِ والعِلمِ والمَدنيَّةِ مُدَّةً تَرْبو على ثَمانيةِ قُرونٍ
[687] يُنظر: ((دولة الإسلام في الأندلس)) لمُحمَّد عبد الله عنان (1/13، وما بعدها)0 !