المطلَبُ الأوَّلُ: التَّطويرُ في شَكلِ القصيدةِ القديمةِ
نمَّى شُعَراءُ العُثمانيِّين ما ابتدعه الشُّعَراءُ قَبْلَهم من إدخالِ أصنافِ البديعِ ونحوِه على القصائِدِ؛ فمن ذلك أنَّ ابنَ معتوقٍ ألَّف قصيدةً تُقرَأُ طُولًا وعَرْضًا وطَرْدًا وعكسًا بأشكالٍ مختلفةٍ، ينتُجُ منها قصائدُ متعَدِّدةٌ؛ قال
[227] يُنظَر: ((ديوان ابن معتوق)) (ص: 213). :
وأنشد اليازِجي أبياتًا لا تستحيلُ بالانعكاسِ، فلو قُرِئَت من الشِّمالِ إلى اليمينِ لم تختَلِفْ؛ قال
[228] يُنظَر: ((مقامات اليازجي)) (1/ 156). : الرمل
قَمَرٌ يُفْرِطُ عَمدًا مُشرِقُ
رَشَّ ماءً دَمْعُ طَرْفٍ يَرْمُقُ
قُرْطُه يَفْدي جَلاه أيمنٌ
من مياه الجِيدِ فيه طُرُقُ
قَبَسٌ يدعو سَناه إن جَفَا
فجَناه أُنسُ وَعدٍ يَسْبِقُ
قد حلا كاذِبُ وعدٍ تابِعٌ
لَعِبًا تدعو بذاك الحَدَقُ
قَرَّحَتْ ذا عَبَراتٍ أربَعٍ
عَبَراتٌ أربَعٌ إذ تحرِقُ
قَلِقٌ يَلثِمُ نادي عبلةٍ
لبَعيدٍ إنَّ مِثلي قَلِقُ
قفرةُ الرَّبْعِ أهالتْ فتيةً
فتلاها عِبَرٌ لا تَرفُقُ
قد حماها رَكبُ ليلٍ حافِظٌ
فاح ليلٌ بكَرَاها مُحدِقُ
قرَّ في إلْفِ نَداها قَلْبُهُ
بلِقاها دَنِفٌ لا يَفْرَقُ
وأنشدَ كذلك في أبياتٍ إذا قُرِئَت من اليمينِ لليَسارِ كانت مَدحًا، وإذا عُكِسَت كانت هِجاءً
[229] يُنظَر: ((مجمع البحرين لليازجي = مقامات اليازجي)) (ص: 144). : الكامل
حَلُموا فما ساءتْ لهم شيَمُ
سَمَحوا فما شَحَّتْ لهم مِنَنُ
سَلِموا فلا زلَّت لهم قَدَمُ
رَشَدوا فلا ضَلَّت لهم سُنَنُ
وأنشَد كذلك ما يكونُ مدحًا إذا قُرئ البيتُ كاملًا، وهجاءً إذا اكتُفِيَ بالصَّدرِ دونَ العَجُزِ
[230] يُنظَر: ((مجمع البحرين لليازجي = مقامات اليازجي)) (ص: 67). : الرجز
إذا أتيتَ نوفَلَ بنَ دارمِ
أميرَ مخزومٍ وسَيفَ هاشِمِ
وجَدْتَه أظلَمَ كلِّ ظالمٍ
على الدَّنانيرِ أو الدَّراهمِ
وأبخَلَ الأعرابِ والأعاجمِ
بعِرْضِهِ وسِرِّه المُكاتِمِ
لا يستحي من لَومِ كلِّ لائمٍ
إذا قضى بالحَقِّ في الجرائمِ
ولا يُراعي جانِبَ الأكارِمِ
في جانبِ الحقِّ وعَدْلِ الحاكِمِ
يَقرَعُ مَن يأتيه سِنَّ النَّادمِ
إذ لم يكُنْ مِن قِدَمٍ بقادمِ
إنَّ الشَّقيَّ وافِدُ البراجمِ
وضَيفُ نوفلٍ كضَيفِ حاتمِ
كما برَعَ اليازِجي في غيرِ ذلك من ألوانِ البديعِ، فأتى بقصيدةٍ كُلُّ حُروفِها مُهمَلةٌ لا نَقطَ فيها، وأتى بأُخرى على العَكسِ منها؛ كلُّ حُروفِها مُعجَمةٌ، وثالثةٍ حَرفٌ منها مُعجَمٌ وبجوارِه حَرفٌ مُهمَلٌ، ورابعةٍ أهمل كَلِمةً وأعجَمَ أُخرى، وهكذا
[231] يُنظَر: ((مقامات اليازجي)) (1/114). .
ومنه كذلك التَّطريزُ، وهو أن تُجعَلَ الحروفُ الفواتِحُ للأبياتِ على اسمٍ مُعَيَّنٍ، كقولِ نِظامِ الدِّينِ ابنِ معصومٍ في اسمِ (خديجة)
[232] يُنظَر: ((خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)) للمحبي (1/351). : الرمل
خِلْتُ خالَ الخَدِّ في وَجْنَتِه
نُقطةَ العَنبَرِ في جَمرِ الغَضا
دامَت الأفراحُ لي مُذ أبصَرَت
مُقلتي صُبحَ محيَّا قد أضَا
يتمَنَّى القَلبُ منه لَفتةً
وبهذا الحظِّ للعَينِ رِضَا
جاهِلٌ رامَ سُلوًّا عنه إذ
حَظَر الوَصْلَ وأَوْلاني النَّضَا
هامت العَينُ به لمَّا رأت
حُسنَ وجهٍ حين كُنَّا بالأضَا
[233] الأضاةُ: الغديرُ. يُنظَر: ((معجم ديوان الأدب)) للفارابي (4/162).