المَطْلَبُ الأوَّلُ: أنواعُ البَدَلِ
البَدَلُ أربعةُ أنواعٍ: بَدَلٌ مُطابِقٌ، وبَدَلُ بَعضٍ مِن كُلٍّ، وبَدَلُ اشتِمالٍ، وبَدَلٌ مُبَايِنٌ.
1- البَدَلُ المُطابِقُ: ويُسمَّى بدلَ كُلٍّ مِن كُلٍّ:
وهو أن يكونَ البَدَلُ مُساويًا للمُبدَلِ منه في المعنى. تَقولُ: مررتُ بأخيكَ زيدٍ.
مررتُ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
بأخيك: الباءُ حَرفُ جَرٍّ، أخيك: اسمٌ مَجرورٌ بالباءِ وعَلامةُ جَرِّه الياءُ؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، والكافُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
زيد: بَدَلٌ مُطابِقٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُه تعالى:
إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ [إبراهيم: 1، 2]، وقَولُه تعالى:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا [النبأ: 31، 32].
2- بَدَلُ بَعضٍ مِن كُلٍّ:وهو ما كان المُبدَلُ منه ذا أجزاءٍ، والبَدَلُ جزءٌ منه؛ كثيرًا أو قليلًا. تَقولُ: ذهب القومُ أكثرُهم، أكلتُ الرَّغيفَ نِصْفَه، ومنه قَولُه تعالى:
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97]، وقَولُه تعالى:
ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة: 71] ؛ فإنَّ أكثَرَ القَومِ ليس مطابقًا للقَومِ في العَدَد، ونِصفُ الرَّغيفِ ليس مطابقًا للرَّغيفِ، ومن استطاع الحَجَّ جزءٌ من النَّاسِ المأمورين، وقَولُه:
كَثِيرٌ مِنْهُمْ بعد ذِكْرِ واوِ الجماعةِ دليلٌ على تخصيصِ البَعضِ دونَ الكُلِّ.
نموذجٌ إعرابيٌّ: ذهب القومُ أكثَرُهمذهب: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
القوم: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
أكثَرُهم: بَدَلُ بَعضٍ مِن كلٍّ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
3- بَدَل الاشتِمالِ:وهو بَدَلُ شيءٍ من شيءٍ يَشتَمِلُ على معناه بطريقِ الإجمالِ؛ كأن يَدُلَّ على معنًى في متبوعِه، كقَولِك: أعجَبني زيدٌ فِكرُه، ومنه قَولُه تعالى:
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ [البروج: 4، 5]، أو يستلزِمُ معنًى في المتبوعِ، كقَولِك: سرَق اللصُّ زيدًا ثوبَه، ومنه قَولُه تعالى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة: 217].
نموذج إعرابي: سرَق اللصُّ زيدًا ثوبَهسرق: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
اللص: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيدًا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ثوبه: بَدَلُ اشتِمالٍ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
ويُشترَطُ في بَدَلِ الاشتمالِ أن يَحسُنَ معنى الجُملةِ إذا حذَفْتَه. تَقولُ: سرَق اللِّصُّ زيدًا، أعجبني زيدٌ، قُتِل أصحابُ الأُخدودِ.
فإذا لم يحسُنِ الكَلامُ مع الحَذفِ لم يكُنْ بَدَلَ اشتِمالٍ، كقَولِك: أسْرَجْتُ زيدًا فرْسَه؛ إذ لا يصحُّ أن يقالُ: أسْرَجْتُ زيدًا.
ويغَلِبُ في بَدَل الاشتِمالِ أن يَحمِلَ البَدَلُ ضميرًا يعودُ على المُبدَلِ منه؛ كالهاءِ في "ثوبه" و"فِكْرِه" و"فيه" في آية البَقَرةِ. لكِنْ قد يخلو منه ذلك، كقَولِه تعالى:
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ [البروج: 4، 5]؛ إذ هي في تأويلِ: النَّارِ فيه.
4- البَدَلُ المُبايِنُ:وهو أن يَعدِلَ المُتكَلِّمُ عن المُبدَلِ منه إلى بَدَلِه، سواءٌ كان بقصْدٍ أم بغيرِ قَصدٍ، وهو على هذا نوعانِ:
أولًا: بَدَلُ الإضرابِ: وهو أن يَقصِدَ المُتكَلِّمُ ذِكرَ المُبدَلِ منه، ثم يَعدِلَ عنه إلى بَدَلِه. تَقولُ: أعطِ السَّائِلَ دينارًا درهمًا؛ فإنَّك بعد أن ذكَرْتَ الدِّينارَ، فكأنَّك وجَدْتَه عظيمًا فعدَلْتَ عنه إلى ما هو أقَلُّ منه، أو كأنَّك تريد؛ فإن لم تَستَطِعْ فدِرْهمًا.
أعطِ: فِعلُ أمرٍ مَبْنيٌّ على حَذفُ حَرفِ العِلَّةِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وجوبًا تقديره "أنت".
السَّائل: مفعولٌ به أوَّلُ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
دينارًا: مَفعولٌ به ثانٍ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
درهمًا: بَدَلُ إضرابٍ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ؛ تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلْثُهَا، نِصْفُهَا»
أخرجه أبو داود (796) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (612)، وأحمد (18894) من حديثِ عَمَّارِ بنِ ياسرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
ثانيًا: بَدَلُ الغَلَطِ والنِّسيانِوهو أن يَذكُرَ المتكلِّمُ شيئًا بالغَلَطِ ثم يَعدِلَ عنه إلى غيرِه، تَقولُ: رأيتُ عَمْرًا زيدًا، ويكونُ لِسانُك قد سبقك إلى ذِكرِ عَمرٍو، وإنما تريدُ أن تَقولُ: رأيتُ زيدًا.