مَبْحَث: شروطُ أركانِ الاستغاثةِ
أولًا: ما يُشتَرَطُ في الأداةِأن تكون (يا) لا غيرَها، فلا يجوزُ في الاستغاثةِ استعمالُ الهمزةِ، أو (أَيْ) أو (هَيَا) أو غير ذلك.
أن تكون مذكورةً، فلا يصِحُّ حَذفُها.
ثانيًا: ما يختَصُّ بالمُستغَاثِكل ما يَصلُحُ أن يكونَ منادًى يَصلُحُ أن يكونَ مُستغَاثًا، ويجوزُ في المُستغَاثِ أن تَلِيَ الأداةُ ما فيه (أل)، تَقولُ: يا لَلعالمِ لِلجُهَلاءِ، بشَرطِ وجودِ اللَّامِ للفَصلِ بينهما.
يَغلِبُ عليه أن يُسبَقَ بلامِ الجَرِّ الأصليَّةِ، فإن وُجِدَت كانت مفتوحةً. تَقولُ: يا لَلطَّبيبِ، لكن يجوزُ كَسرُ تلك اللام إذا كان المُستغَاثُ ياء المُتكَلِّمِ، فتَقولُ: يا لي، وإنما تُكسَرُ اللامُ للمناسبةِ. كذلك يجوزُ كَسرُ اللامِ إذا كان المُستغَاثُ معطوفًا على مُستغَاثٍ آخَرَ، فتَقولُ: يا لَ
أبي بكرٍ ولِعُمَرَ لِلفتنةِ. فكُسِرَت هنا لامُ جَرِّ عُمَرَ.
يُعرَبُ المُستغَاثُ: مجرورًا لفظًا منصوبًا محلًّا، وهذا في كلِّ أحوالِه؛ نكرةً مقصودةً أم غيرَ مقصودةٍ أم عَلَمًا، أم مضافًا أم شبيهًا بالمضافِ. وهذا إذا كان المُستغَاث مُعْربًا، أمَّا إن كان مَبْنيًّا كقَولِك: يا لَهذا لِلضُّعفاءِ، فيبقى على بنائِه في مَحَلِّ نصبٍ أيضًا.
إذا حُذِفَت اللامُ من المُستغَاثِ فإنَّه يجوزُ أن تأتيَ الألِفُ في آخِرِه، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
يا يَزيدَا لِآملٍ نَيلَ عِزٍّ
وغِنًى بعد فاقةٍ وهَوانِ
فيزيد هنا: منادى مَبْنيٌّ على الضَّمِّ المقدَّرِ مَنَع من ظُهورِه حركةُ الفتحِ لِمناسبةِ الألِفِ، في مَحَلِّ نصبٍ، لا أنه منادًى منصوبٌ.
تابعُ المُستغَاث يُعرَبُ منصوبًا على المحَلِّ، أو مجرورًا على اللَّفظِ؛ فلو عُطِفَ على المُستغَاث؛ كقَولِك: يا لَزيدٍ وعَمرٍو (أو وعَمْرًا)، وكذلك في النَّعتِ. تَقولُ: يا لَلصَّديقِ المخَلِّصِ (أو المخَلِّصَ) لِلأزماتِ، وكذلك في البَدَلِ والتوكيدِ وعَطفِ البيانِ.
قد يُحذَفُ المُستغَاثُ ويقع المُستغَاثُ له بعد الأداةِ مُباشرةً، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
يا لِأُناسٍ أبَوْا إلَّا مُثابرةً
على التَّوَغُّلِ في بَغيٍ وعُدوانِ
ثالثًا: ما يختَصُّ بالمُستغَاثِ لهيجب تأخيرُه عن المُستغَاثِ. تَقولُ: يا لَلأغنياءِ لِلفقراء، ولا يجوزُ: يا لِلفقراءِ لَلأغنياءِ.
يجب جرُّه باللَّامِ المكسورة؛ تمييزًا بينه وبين المُستغَاث، إلَّا أن يكونَ المُستغَاثُ له ضميرًا غيرَ ياء المُتكَلِّم. تَقولُ: يا لَلناصِحِ لَنَا.
يجوز حذفُ المُستغَاثِ له، ومنه قولُ عُمَرَ حين طعنه المجوسي: يا لَلَّه يا لَلمُسلِمين، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فَهَل من خالدٍ إمَّا هَلَكْنَا
وَهل بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ عَارُ
يريد: يا لَلناس لِلشَّامتين.
يجوزُ أن تأتيَ (مِن) بَدَلًا من اللامِ مع المُستغَاثِ له، بشرط أن يكونَ المُستغَاثُ له مستنصَرًا عليه، أي: تريدُ التغَلُّبَ عليه. تَقولُ: يا لَخالدٍ مِن الأعداءِ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
يا لَلرجالِ ذوي الألبابِ مِن نفَرٍ
لا يبرَحُ السَّفَهُ المُرْدِي لهم دِينَا
يا: حرف للنداء مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
لَلرجال: اللامُ حَرفُ جَرٍّ، والرجال: اسمٌ مَجرورٌ لفظًا منصوب محلًّا.
ذوي: نعتٌ يجوزُ جرُّه لموافقةِ لفظِ المنعوتِ، ويجوزُ نَصبُه لمراعاةِ محَلِّه.
الألباب: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
مِن: حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
نفر: اسمٌ مَجرورٌ بـ(مِن)، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ، وهو المُستغَاثُ له.
قد يقَعُ بعد أداةِ النداءِ ما لا ينادى إلَّا مجازًا، ولا يكون بَعْدَه ما يَصلُحُ أن يكونَ مُستغَاثًا أو مُستغَاثًا له، فهنا يجوزُ فَتحُ اللامِ وكَسرُها؛ الفَتحُ على اعتباره مُستغَاثًا، والكسرُ على اعتبارِه مُستغَاثًا له. كقَولِك: يا للعَجَبِ، يا للمروءةِ، يا للكارثةِ
يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/ 409)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (4/ 2211). .