التعريف بموضوع الكتاب:
لا يكاد يخلو بيت من تلفاز، فلقد غزى هذا الاختراع كل قطر وكل بيت – إلا ما ندر – ثم ازداد الأمر باختراع وسائل البث الحديثة من أقمار صناعية وما إلى ذلك، فأصبح هذا الجهاز مخزناً لمئات القنوات، غثها وسمينها – إن وجد فيها السمين – ومن جملة ما يعرض من فنون على تلك الشاشات فن التمثيل، الذي فرض نفسه بسائر ألوانه وأهدافه، وقد تنازع العلماء في حكمه، إنَّ كل هذه الأسباب وأسباب أخرى جعلت مؤلفنا يختار رسالته الجامعية في هذا المجال، فجاءت رسالته هذه لتضيف لنا بياناً كاملاً لغالب ما يتعلق بفن التمثيل مع بيان حكمه الإجمالي ومناقشة الأصول التي يدور عليها، مروراً على جزئيات التمثيل مع أحكامها، وغير ذلك من مباحث ماتعة، سيتعرف عليها القارئ في هذا التعريف إن شاء الله تعالى.
كمدخل لهذه الرسالة، بدأ المؤلف بحكم اللهو في الشريعة الإسلامية، وحكم المزاح وحَدِّه في الشريعة الإسلامية.
وبعدها جاء الباب الأول في (حقيقة التمثيل وحكمه)، فعرَّف التمثيل مع ترجيحه لتعريف مختار جامع، كما عرَّف الألفاظ ذات الصلة بالتمثيل كالتقليد والمحاكاة والتشخيص وغيرها، وبعدها أتى المؤلف بالآيات والأحاديث التي وردت بلفظ التمثيل أو ما له صلة بالتمثيل، مع نقله لتفاسير المفسرين وشروح العلماء لها.
ثم عرَّفنا المؤلف بـ (نشأة التمثيل)، وأنها نشأت قبل الميلاد بقرون، أما عند العرب فلم يكن له ظهور لأسباب بيَّنها المؤلف في هذا المبحث، وأنَّ بداياته كانت متأخرة وشهدت نهضته – إن صح التعبير – في مصر في القرن التاسع عشر الميلادي. ولهذا التمثيل أهداف أجملها المؤلف في ستة أهداف، مع عدم إغفاله للأهداف السيئة والتي أجملها في خمسة أهداف. ولهذا التمثيل أنواعاً عرَّف بها المؤلف، بين تمثيليات محزنة أو مضحكة أو موسيقية، أو اجتماعية أو دينية أو تاريخية أو سياسية، وقد تتنوع بحسب العرض أيضا إلى مسرح أو سينما أو إذاعة أو تلفاز.
وكما لهذا التمثيل من أنواع فله أيضا عناصر أفرد لها المؤلف أيضا مبحثاً صغيراً لينتقل بعدها إلى حكم التمثيل، فذكر أولا مصالح التمثيل ومفاسده، ثم (حكم التمثيل)، وهو مبحث مهم للغاية ذكر فيه المؤلف أدلة المجيزين من القرآن والسنة، ومناقشته لاستدلالاتهم بها، وكذلك الأمر لأدلة المحرمين مطلقاً، ليخلص الكاتب إلى ترجيح جواز التمثيل بضوابط سبعة، ذكرها في رسالته.
كان هذا هو الحكم الإجمالي للتمثيل، أما (الأحكام التفصيلية للتمثيل) فهي في مبحث مستقل، كحكم تمثيل الذات الإلهية أو تمثيل الأنبياء أو الملائكة أو الصحابة أو الأئمة والعلماء أو القادة والزعماء أو القصص القرآني أو الأسطورات الخيالية، وحكم التمثيل للدعوة أو للإصلاح أو للتعليم، ثم حكم إنشاء معاهد خاصة لتعليم التمثيل، وأخيرا حكم اتخاذ التمثيل تجارة، كل هذه المباحث الماتعة بمناقشاتها وأدلتها وترجيحاته كانت من نصيب هذا الجزء الهام.
أما ما يتعلق بالأشخاص الذين يقومون بالتمثيل وحكم ما يفعلونه، فقد بيَّن لنا المؤلف ما يتعلق من ذلك بأقوال الممثل كتلفظ الممثل المسلم بالكفر - من باب التمثيل - كسب الله تعالى أو سب القرآن أو الدين أو النبي أو الصحابة أو غيرها من ألفاظ الكفر المعروفة، أو تلفظ الكافر - من باب التمثيل - بالشهادتين، وكذلك حكم ما يقوم به الممثل من معاملات - من باب التمثيل - سواء كانت معاملات مالية أو زواج أو طلاق أو ادعاء نسب لغير آبائه أو الحلف أو تقليد الحيوانات وغيرها، وكذلك الأمر في أفعال الممثلين كأداء الممثل لدور الكافر أو العكس، والتزيي بزي الكفار أو التشبه بالنساء والعكس أو الرقص أو السخرية والابتذال وغيرها من الأمور الواقعة والموجودة في واقع التمثيل، لقد أخذ هذا الفصل حيزاً كبيراً لأهميته الكبيرة فهو من صلب الكتاب وأساسه فقد وقع في (320) صفحة تحمل في طياتها الكثير الكثير من الفوائد والفرائد، الجديرة بالاطلاع.
وبما أن التمثيل ليس حكراً على الرجال، ودخل هذا المضمار النساء والأطفال، فقد خصص المؤلف فصلاً كاملاً في (أحكام المرأة والطفل في التمثيل)، فذكر حكم ظهور المرأة - شابة كانت أو عجوزاً - وحكم مشاهدة الرجال لها وحكم تمثيلها مع المرأة ومع محارمها وحكم الاختلاط في التمثيل، مرجحاً أيضا ما يراه صواباً في هذه المسائل.
ثم جعل فصلاً في (أحكام الأموال في الأعمال التمثيلية)، وفصلاً في أحكام مواضع التمثيل ودور العرض ووسائله، كأخذ الأجرة على التمثيل أو زكاة تلك الأموال أو الأموال التي اكتسبها من تمثيل محرم ثم تاب، وغيرها من أحكام شرعية.
لابد للتمثيل من أماكن خاصة، فلم ينس مؤلفنا جزاه الله خيراً أن يعرفنا بالأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الخصوص، كالتمثيل في المساجد أو المعابد والكنائس، وكذلك الأحكام المتعلقة بوسائل التمثيل كالوسائل المحرمة أصلاً وحكم التخلص منها، وحكم التصوير في الفيديو وحكم استعمال الأناشيد، ثم حكم ارتياد دور العرض - المسرح والسينما - لغرض مشاهدة التمثيليات.
بعد كل تلك الفصول والمباحث القيمة، اختتم المؤلف الرسالة بخاتمة أشار فيها باختصار إلى ما توصل إليه من نتائج حصرها في خمسين نقطة.
إن هذه الرسالة إضافة فريدة للمكتبة الإسلامية في بابها الهام، فجزى الله المؤلف خيراً على ما بذله من جهد، مذكرين القراء بأن مراجع هذا البحث زادت على الـ (420) مرجعاً، وليس الخبر كالمعاينة.