التعريف بموضوع الكتاب: إن الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي، ومن الأدلة التي تبنى عليه المسائل, سواء كان ذلك في أصول الدين, أو في فروعه، ووقوع الخطأ فيه يؤدي إلى وقوع الخطأ فيما يبنى عليه من المسائل، وإلى القول على الله بلا علم، وتلبيس للحق بالباطل، وهذا هو واقع حال المتكلمين فيما ادعوه من إجماع, حيث رتبوا عليه مسائل كباراً من أصول الدين.
الكتاب الذي سنقرؤه اليوم عبارة عن دراسة نقدية, حاول المؤلف من خلالها تقويم مسالك المتكلمين في دعواهم للإجماع في مسائل أصول الدين, فهي دراسة نظرية, تطبيقية للإجماع عند المتكلمين, يهدف المؤلف من خلاله إلى نقض هذه الإجماعات المدعاة, وبيان عدم ثبوتها, وحقيقتها.
في بادئ الأمر مهَّد المؤلف بتمهيد, تناول فيه مفردات العنوان, فعرفها وبيَّن معانيها اللغوية, والاصطلاحية, ليدخل بعد ذلك في الكتاب, والذي تألف من بابين اثنين:
الباب الأول:
وهو الباب النظريُّ من البحث, والذي كان حديث المؤلف فيه عن منهج السلف, ومنهج المتكلمين في الاستدلال بالإجماع على مسائل أصول الدين، حيث تناول المؤلف هذا الموضوع في أربعة فصول: كان الفصل الأول منها مختصًّا بالإجماع عند السلف, فبيَّن مفهومه عندهم, وأنهم إذا أطلقوا الإجماع فإنهم يريدون به واحداً من أمور عدة, كالمعلوم من الدين بالضرورة، أو الإجماع الاستقرائي والإقراري. كما تحدث عن منزلته عندهم, وأنه يعتبر دليلاً من الأدلة التي يستدلون بها, ومن المصادر التي يعتمدون عليها, مبيناً مظاهر تعظيمهم له، أما عن حجيته في مسائل الاعتقاد فقد أوضح المؤلف احتجاج السلف به تأصيلاً وتطبيقاً, ضارباً على ذلك عدة أمثلة تشهد على ذلك.
وفي الفصل الثاني من هذا الباب تناول المؤلف بالحديث الإجماع عند المتكلمين، فوطَّأ بتوطئة ذكر فيها بعض القضايا المهمة المتعلقة بالموضوع, ومن ثمَّ شرع في بيان مفهوم الإجماع وحجيته عندهم, فذكر أنهم قد أتوا للإجماع بعدة مفاهيم تلتقي أحياناً, وتفترق أحياناً, فذكر نقاط اتفاقها وافتراقها. أمَّا عن حجيته عندهم فبيَّن أنَّ أكثر علمائهم على حجيته, ووجوب اتباعه, ولم يخالف في ذلك إلا النَّظَّام من المعتزلة. ومن حيث ترتيب الأدلة فقد ذكر المؤلف أن أهل الكلام قدموه على غيره من الأدلة بحجة قطعية دلالته, والتي لا تقبل النسخ ولا التأويل, ومن حيث الاستدلال به على أصول الدين فذكروا أن ما تتوقف صحة الإجماع على معرفته فهذا لا يصح الاحتجاج بالإجماع عليه, وما لا تتوقف صحة الإجماع على معرفته فيصح الاحتجاج بالإجماع عليه, ليتناول المؤلف بعد ذلك طرق الحصول على الإجماع عند أهل الكلام, والألفاظ المستخدمة في الدلالة عليه عندهم.
الفصل الثالث من هذا الباب كان الكلام فيه عن الفرق بين إجماعات السلف وإجماعات المتكلمين، وقد كان تفريق المؤلف مبنيًّا على اعتبارات عدة, كاعتبار المجمعين, واعتبار مرتبته بين الأدلة, وباعتبار الشمول, وباعتبار الدليل الذي ينعقد الإجماع لأجله والذي أطلق عليه المؤلف المستند وفي كل ذلك يذكر المؤلف الفروق بين المذهبين.
وبيَّن في الفصل الرابع – والذي يعتبر خاتمة هذا الباب –سمات الإجماعات المدعاة ومفاسدها, فعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر من سمات الإجماعات المدعاة: عدم وجود المستند في كثير من الإجماعات التي يدعيها أهل الكلام على الرغم من أنَّ وجود المستند للإجماع من الأمور المتفق عليها والمقررة عند علماء السلف وعند أهل الكلام على السواء, ومن تلك السمات أيضاً عدم ثبوت نقل الإجماع عن أحد من الصحابة, أو التابعين, أو من بعدهم من سلف هذه الأمة, ومن السمات كذلك الإجماع على ألفاظ مجملة, تحتاج إلى بيان, وغير ذلك من السمات, أما المفاسد المترتبة على ادعائهم للإجماع, فذكر المؤلف مجموعة منها, كردِّ أخبار الأحاد, والتحريف للكلم عن مواضعه, وتكفير المخالف وغيرها.
الباب الثاني:
وهو الباب التطبيقي من البحث, والذي جمع فيه المؤلف الإجماعات المدعاة, وناقشها نقاشاً علمياً كافياً, بيَّن فيه بطلانها, وعدم صحتها, وقد تألف هذا الباب من أربعة فصول: ففي الفصل الأول ذكر المؤلف الإجماعات المدعاة في توحيد الألوهية, وتوحيد الربوبية, وذلك في مبحثين اثنين, ومما ذكره في ذلك دعواهم الإجماع في باب توحيد الألوهية على جواز التوسل بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين, ودعواهم الإجماع كذلك على جواز الاستغاثة بالأموات, ودعواهم الإجماع على جواز الاستشفاع بالأموات وغيرها من الإجماعات التي ادعوها في باب الألوهية.
أما في الربوبية فمن الإجماعات المدعاة التي ناقشها المؤلف: دعواهم الإجماع على وجوب النظر لمعرفة الله تبارك وتعالى, ودعواهم الإجماع كذلك على أن العالم يتكون من جواهر وأعراض, وعلى إثبات الجوهر الفرد, وعلى بعض مقدمات دليل الأعراض وحدوث الأجسام, وغيرها مما ادعوا من الإجماعات.
الفصل الثاني خصصه المؤلف لمناقشة الإجماعات المدعاة في توحيد الأسماء والصفات، وكان مما ذكره في باب الأسماء ادعاءهم للإجماع على تسمية الله بالشيء, وتسميته بالقديم, والموجود, والواجب, والصانع, والمريد, والمتكلم, وغيرها.
أما في باب الصفات فدعواهم الإجماع على امتناع قيام الصفات الاختيارية بالله تعالى, وإجماعاتهم في نفي صفات عن الله بألفاظ مجملة, واصطلاحات حادثة, وإجماعاتهم في تأويل آيات وأحاديث الصفات, وغيرها.
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف بالمناقشة إجماعات أهل الكلام في النبوات والقدر، ففي النبوات ناقشهم في دعواهم للإجماع على أنه لا دليل على صدق الأنبياء إلا المعجزة, كما ناقشهم في دعواهم للإجماع على أن الكرامة دليل على الولاية, وفي دعواهم الإجماع على عصمة الأنبياء من النسيان والسهو في الأقوال البلاغية.
وفي القدر ردَّ عليهم المؤلف في دعواهم للإجماع على أنَّ التحسين والتقبيح محصور في الشرع, وعلى دعواهم الإجماع على نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله, وعلى أنَّ الظلم المنفي في حقِّ الله هو التصرف في ملك الغير.
وتناول الفصل الرابع والأخير الإجماعات المدعاة في مسائل الإيمان، والأسماء، والأحكام. فكان مما ناقشهم فيه المؤلف في مسائل الإيمان دعواهم الإجماع على أن الإيمان في اللغة التصديق, وأنه لا يجتمع في العبد إيمان وكفر.
أما في مسائل الأسماء والأحكام فكان نقاشه لهم في دعوى الإجماع على تأثيم المجتهد المخطئ في مسائل أصول الدين.
والمتصفح للكتاب يظهر له الجهد المبذول في جمع مادته وترتيبها, والكتاب فريد في بابه، نسأل الله أن يجزي مؤلفه خير الجزاء, وأن ينفعه بما كتب في الدارين.