التعريف بموضوع الكتاب: إن من أبرز ما تميَّز به ديننا الحنيف، هو اليسر الذي جاء به، فهو من أشهر مقاصد الشريعة السمحاء، ولكن خرج البعض بفهم خاطئ لهذا المقصد العظيم، فجعله له منهجاً في كل شؤونه، ملتمساً التيسير – بزعمه – فوسع قدر ما يشاء وفي كل ما يشاء، ولما بدأ هذا المنهج بالانتشار في العصر الحاضر، لما يلاقيه من قبول من العوام وغيرهم، كان لابد من التأصيل السليم لمعنى التيسير الذي أتت به الشريعة، وهذا ما قام به مؤلف هذه الرسالة، جزاه الله خيراً، وإليك التعريف.
بدأ المؤلف أولاً بلمحة عن مقاصد الشريعة، وأنَّ من أشهر مقاصدها العدل والمصلحة واليسر ورفع الحرج، ثم انتقل بنا إلى بيان أصول اليسر في الإسلام: في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي منهج الصحابة الكرام ومن بعدهم، مستشهداً في كل ذلك بالأدلة المناسبة لكل قسم.
ثم بيّن أهداف اليسر في الإسلام، سواء كانت أهدافاً عقدية أو تعبدية أو اجتماعية أو جنائية أو سلوكية أو فكرية.
وبعد هذه الجولة لابد من توضيح ضوابط هذا اليسر، فقد وضع المؤلف أربعة ضوابط، وهي :
أن يكون ثابتا بالكتاب أو السنة.
وأن لا يتجاوز النص في الأخذ بالتيسير.
وألا يعارض التيسير نصا من الكتاب أو السنة.
وأخيرا أن يكون مقيدا بمقاصد الشريعة.
ولكي يكون القارئ على دراية من هذا المنهج أفرد المؤلف فصلاً للتعريف بجذور منهج التيسير المعاصر ومفهومه وأبرز مدارسه، كل منها احتل مبحثاً من هذا الفصل الشيّق، وقد أوضح المؤلف أن جذور هذا المنهج ليست جديدة، فقد حذر العلماء قديماً من مثل هذا التمييع والترخص بكل رخصة من غير ضابط، وعرَّف لنا أيضا مفهوم هذا المنهج عند المعاصرين، لينتقل بعدها للرد عليهم من خلال نقولات العلماء المعاصرين أنفسهم في نقدهم لهذا المنهج، وقد أحسن المؤلف أيضا بالتعريف بمنهج التيسير عند العلمانيين المعاصرين حيث اغتر بهم فئام من الناس ممن يتبع كل ناعق.
أما مدارس منهج التيسير المعاصر فذكر المؤلف أنها مدرستان: الإسلاميون والعلمانيون، وذكر لكل مدرسة أشهر أعلامها المعاصرين، كالغزالي والقرضاوي والغنوشي من المدرسة الأولى، وفؤاد زكريا وفرج فودة وحسن أمين من المدرسة الثانية.
ثم نأتي لأسِّ الكتاب، وهو الفصل الثاني الذي بحث فيه المؤلف (أصول منهج التيسير المعاصر وتطبيقاته عرضا ونقدا)
فأصول هذا المنهج كما أوضحها المؤلف ترتكز على سبعة أصول، عرَّفها كلها مستشهدا بأقوال أصحاب هذا المنهج، مع نقده لما يعرضه من تلك الآراء، ثم عرض تطبيقات هذا المنهج سواء في العبادات أو المعاملات أو في مجال التعاملات الاجتماعية الأسرية وغيرها أو في مجال العقوبات، أتى فيها بأمثلة من فتاوى ومقالات أصحاب هذا المنهج، مع رده عليهم بالأدلة المناسبة، وبأسلوب علمي رفيع، وقد كان نصيب هذا الفصل ثلث الكتاب تقريبا.
أما الفصل الذي ختم به المؤلف كتابه فهو فصل هام أيضاً لا يقل أهمية عن سابقه، وهو (أسباب ظهور التيسير المعاصر وآثاره)، وقسم المؤلف هذه الأسباب إلى داخلية وخارجية.
فمن أمثلة الداخلية : الجهل بأحكام الشريعة ومقاصدها كسوء الفهم أو الجهل بمآلات الحكم، ومثل مسايرة الواقع، أو ردة فعل ضد الغلو، وربما كان للمؤثرات البيئية دورها الفاعل في ظهور هذا المنهج عند البعض كما ذكر المؤلف، كالمؤثرات المكانية أو العرفية أو حتى العلمية.
أما الأسباب الخارجية فأهمها الترغيب في الإسلام.
ولكي تتعرف أخي القارئ على آثار هذا المنهج المعاصر، أفرد لك المؤلف مبحثاً خاصاً له، بَيْن آثارٍ تشريعية كالتفلت من بعض الأحكام الشرعية أو سنِّ تشريعات غير منضبطة، أو آثارٍ سلوكية كالوقوع في المحظورات والتقليد والتبعية، أو آثارٍ فكرية كالتجرؤ على الاجتهاد من غير أهله أو استفتاء من ليس أهلا أو من عرف أصلا بالتساهل.
ثم ختم المؤلف رسالته بخاتمة موجزة من نقاط ثمانية، موجهاً رسالة إلى الباحثين بأن الموضوع لا يزال غضاً طرياً، يحتاج إلى مزيد دراسة وبحث.
لقد بذل المؤلف – جزاه الله خيرا - جهداً مشكوراً، ونحن إذ نُعرِّف القراء بهذا الكتاب، نود أن نلفت انتباههم إلى أن هذا الكتاب إنما هو نموذج من كتب أخرى اهتمت بكشف هذا المنهج الخطير الذي استشرى بالأمة وصار له أنصاره بل وقنواته وعلماؤه، وليس أسهل على المرء من التفلت، وليس أسهل على العوام من اتباع رخصة كل عالم، ظانِّين أنهم بذلك متبعون لا مبتدعون، والله المستعان.