يتناول كتاب هذا الأسبوع موضوعاً مهمًّا من مواضيع السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم, وهو موضوع السنة التركية, والتي عدَّها جماعة من الأصوليين طريقاً من طرق معرفة مقاصد الشريعة, ووسيلة من وسائل الاستدلال التي يبنى عليها فرعيات كثيرة في العقيدة والفقه والسلوك.
ويقصد بالسنة التركية: (سكوت النبي صلى الله عليه سلم عن الفعل غير الجبلي, مع قيام المقتضي, وعدم المانع, وأن لا يكون المتروك حقًّا للغير), وقد جاء هذا الكتاب ليدرس هذا الجانب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفصيل.
وقد بدأ المؤلف كتابه بتمهيد أوضح من خلاله مفهوم السنة التركية باعتبار مفرداتها, ثم باعتبارها مركَّباً, فذكر التعريف الذي ذكرناه آنفاً مع شرحه وبيانه, ليذكر بعد ذلك أقسامها فذكر لها ثلاثة أقسام:
الأول: أن يصرح الصحابي بترك الرسول صلى الله عليه وسلم أي بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله.
الثاني: أن يكون الترك مفهوماً من الشرع ضمناً أي ليس مصرحاً به.
الثالث: عدم نقل الصحابة رضوان الله عليهم لما لو فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لتوافرت هممهم والدواعي على نقله.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى فصول الكتاب والتي تألفت من ثلاثة أبواب.
أما أ ولها فكان الحديث فيه عن حجية السنة التركية, واحتوى هذا الباب على ثلاثة فصول تناولت حجية السنة التركية في القرآن, وحجيتها في السنة, وحجيتها في الإجماع وقد سرد تحت كل فصل من المباحث ما يدل على ثبوت الاحتجاج بها.
الباب الثاني: تحدث فيه المؤلف عن أثر السنة التركية, وهذا الباب اعتبره المؤلف ثمرة البحث ونتيجته, وبيَّن أنَّ أثرها يتمثل في أمرين: في الأخذ بها, وفي مخالفتها التي نجم عنها الوقوع في كثير من البدع العقدية, وغير العقدية. واشتمل هذا الباب على سبعة فصول, تحدث في الفصل الأول عن أثرها في العقيدة فيما يتعلق بذات الله, كأثرها في توحيد الربوبية, والألوهية, وفي الأسماء والصفات.
أما الفصل الثاني فتناول فيه المؤلف أثرها على العبادات وكان الحديث فيه على مبحثين: الأول تحدث عن أثر السنة التركية على وسائل العبادة بقسميها العبادية والعادية, والثاني تحدث عن أثرها على العبادات ذاتها سواء كانت عبادات قولية, أو فعلية, أو مالية.
انتقل بعدها المؤلف للفصل الثالث والذي تناول فيه أثر السنة التركية على المعاملات, ذاكراً مجموعة من بدع البيوع, وردَّ عليها.
وفي الفصل الرابع من هذا الباب كان الحديث عن أثر السنة التركية على فقه الأسرة, وذكر مجموعة من بدع النكاح وتناولها بالردِّ والمناقشة.
وأمَّا عن أثرها على العادات فقد أفرد له المؤلف الفصل الخامس من هذا الباب, وتحدث في ثلاثة مباحث عن أثرها في الأفراح, والأحزان, والألبسة, ذاكراً بعض البدع وردَّ عليها.
الفصل السادس كان قصيراً جدًّا وكان الحديث فيه عن أثر السنة التركية على الجنايات, فضرب له مثالاً واحداً وهو الجمع بين الجلد والرجم, مبيناً أن السنة التركية دلت على أن الجمع بينهما منسوخ.
وفي الفصل الأخير من هذا الباب عرض المؤلف لأثر السنة التركية على الأزمنة والأمكنة حيث أفرد كلًّا منهما بمبحث, ففي الأزمنة تحدث عن بدع الشهور والأيام ومن ثمَّ قام بالردِّ عليها ومناقشتها, كما طرح بعض الشبه التي تدور في هذا الجانب حول المولد النبوي والاحتفال به وردَّ عليها، أما بخصوص الأمكنة فذكر أثرها على المساجد وأثرها على الأماكن, وفي كلٍّ ذكر مجموعة من البدع وردَّ عليها.
الباب الثالث: أورد فيه المؤلف مجموعة من الأسئلة التي تَرِدُ على السُّنة التركية, ومن ثمَّ قام بالجواب عليها, وقد قسم الباب إلى فصلين: الأول لبيان الأسئلة التي قد ترد على السنة التركية, وأورد في هذا سؤالاً على وجه المنع, وأسئلة على وجه الفرض والتسليم, أما القسم الثاني فكان للجواب على هذه الأسئلة.
الكتاب ننصح باقتنائه ويعتبر مرجعاً مهمًّا في هذا الموضوع, حيث قام بضبط مسائل السنة التركية, وبيَّن حجيتها, وحرر مسائلها ووضح قواعدها, كما قام ببيان تطبيقاتها المختلفة على المسائل العقدية والشرعية, وتعرض للبدع التي تنافيها وتضادها وردَّ عليها, كما ناقش شبه المعارضين لها وأجاب عنها, فجزى الله المؤلف خير الجزاء ونفعه بما كتب في الدارين.