التعريف بموضوع الكتاب:
إن مسألة عدالة الصحابة، ليست مسألة جديدة، ولكن في هذا العصر مع تزايد ظهور المبتدعة والزنادقة الذين أباحوا لأنفسهم التهجم على الصحب الكرام والطعن فيهم، ومع وجود المُرَوِّجين لمثل هذه الطعونات والمخازي، تأتي أهمية هذا الكتاب ليثبت أن أولئك الركب الأُوَل، ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم هم من أعدل الناس، وليس هذا شيئاً جديداً ولكن ظهور وفشو هذا الأمر هو ما اضطر أهل العلم بالرد عليهم كل بما يستطيعه، وموضوع الرسالة والتعريف بها هو ما سيبين لنا كل ما يتعلق بهذا الموضوع الخطير الشأن.
حتى تكون على دراية بأصل الموضوع، عرَّف المؤلف الصحابي لغة واصطلاحاً، وذكر الاختلاف بين تعريف المحدثين وتعريف الأصوليين، وبعض التعريفات الأخرى، ثم رجح تعريف أهل الحديث وهو تعريف جمهور أهل العلم أيضاً.
ثم ذكر لنا المؤلف في الباب الأول من هذه الرسالة (مذاهب المسلمين في عدالة الصحابة)
عند أهل السنة والجماعة
ثم عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية
ثم عند الخوارج والمعتزلة والزيدية
ففي مذهب أهل السنة والجماعة حشد المؤلف الأدلة على عدالة الصحابة من الكتاب ومن السنة، مع إثبات تفسير المفسرين لها والشراح من العلماء والأئمة، وكذلك أتى بالأدلة العقلية الدالة على عدالتهم رضي الله عنهم.
وفي مذهب الشيعة الإمامية، نقل لنا المؤلف مذهبهم، ناقلاُ كلام علمائهم في كتبهم ومؤلفاتهم، وبيَّن أنهم قديماً وحديثاً يطعنون في الصحابة إلا من استثنوهم، فالعدالة عندهم إنما تختص بمن بايع علياً أو الصفوة من أهل بيته، وبمن أنكر بيعة غيره.
وفي مذهب الخوارج عرَّف بهم وبنشأتهم، ثم بيَّن مذهبهم في عدالة الصحابة رضي الله عنهم، وبيَّن أنهم يقولون بعدالة الصحابة إلى انقضاء السنوات الست الأُوَل من حكم عثمان، ثم أخرجوا عثمان ومن وافقه وأهل الجمل ومن شايعهم ومعاوية ومن ناصره وعلياً ومن تابعه بعد التحكيم، بل عَدُّوهُم كفاراً خالدين في النار، والعياذ بالله.
أما عدالة الصحابة عند المعتزلة، فقد عرَّف بالمعتزلة أولاً وبنشأتهم، ثم بيَّن مذهبهم في عدالة الصحابة وأنه على أربعة أقوال، ولكن يُذْكر أنهم مجمعون على عدالة أبي بكر وعمر، وجمهورهم على عدالة عثمان وعلي.
أما عدالة الصحابة عند الزيدية، فقد عرَّف أيضاً بهم وبنشأتهم، ثم وضَّح مذهبهم في عدالة الصحابة، وبيَّن أنهم على ثلاثة أقوال فيهم.
ثم بعد عرض مذاهب هذه الفرق، أفرد المؤلف باباً خاصاً في (تفنيد أبرز الشبهات التي أثيرت على عدالة الصحابة) وهذه الشبهات هي:
1. غصب الخلافة من علي رضي الله عنه وعدم العمل بالنص الوارد في تعيينه.
2. القتال الذي دار بين الصحابة وأنه يتنافى مع عدالتهم.
3. اتهام الصحابة بتحريف القرآن والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4. مخالفة الصحابة لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما الشبهة الأولى فقد رد المؤلف عليها بإثبات صحة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بالأدلة الكافية والشافية، ناقلاً كلام العلماء والأئمة في ذلك، وأثبت أن علياً والزبير بايعا أبا بكر الصديق، أما مذهب الإمامية في هذا فهو معروف وقد كَرَّ المؤلف على أدلتهم وفنَّدها ورد شبهاتهم بأن الإمامة منصوص عليها لعلي رضي الله عنه، وأنها غصبت منه غصباً.
وأما الشبهة الثانية فهي من شقين، الأول في بيان قاتلي عثمان رضي الله عنه، وبراءة الصحابة جميعا من دمه، والشق الآخر هو في ذكر السبب الذي دعا الصحابة إلى القتال، وبيان أن ذلك لا يتنافى مع عدالتهم رضي الله عنهم.
وأما الشبهة الثالثة، فقد أجاد المؤلف – جزاه الله خيرا - في رد هذه المزاعم السخيفة من تحريف الصحابة للقرآن الكريم، وكذلك المزاعم الكاذبة في أنهم كذبوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم لمآرب دنيوية أو شخصية أو حتى مادية، وكل تلك المزاعم جاءت أصلاً من طرف الرافضة.
وأما الشبهة الأخيرة فقد ردَّها أيضاً بإثباته حرص الصحابة على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته، ورد الشبهات التي أثيرت على أن الصحابة لم يمتثلوا أمره صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، ولا في إنفاذ جيش أسامة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولا في كتابة الكتاب في مرض موته صلى الله عليه وسلم، ويعتبر هذا المبحث من أهم المباحث، خاصة لانتشار هذه الشبهات في العصر الحاضر عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وعلى الشبكة العالمية، وهو مبحث جدير بالاطلاع، والقراءة.
وبهذا تنتهي أبحاث الكتاب، خاتماً المؤلف بخاتمة موجزة أبرز فيها أهم نتائج البحث من خلال ثمانٍ وعشرين نقطة.
إن المكتبة الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الكتب التي تدافع عن الصحابة حول ما يثار في كل زمان ومكان ضدهم، حتى يبقى الجيل على بيِّنة من أمرهم، فلا يقع في أعراضهم فيسكب آثاماً إلى آثامه، ونشكر المؤلف على الجهد الذي بذله في هذه الرسالة القيمة، ونود أن نذكر الراغبين في معرفة قيمة البحث أيضا إلى أن مراجع المؤلف بلغت (371) مرجعاً، والحمد لله رب العالمين.