التعريف بموضوع الكتاب:
(هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والمستميح الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق)
بهذه العبارات الرائعة, والكلمات البليغة, وصف الجاحظ الكتاب, مجليًّا مكانته عند أهل العلم والأدب, المكانة التي لا تزال محتفظة بكيانها منذ العصور الأولى إلى يومنا هذا.
حري بمن كان هذا وصفه أن يصان ويكرم, ويحافظ عليه من أيدي الدخلاء, ودسائس المتآمرين, وأن لا يترك لعوادي الزمن, ولا عواصف الحضارة والعولمة لتغير فيه, وتعبث بمكانته ومنزلته.
كتابنا لهذا الأسبوع رقمه مؤلفه لغرض سامٍ, وهدف نبيلٍ, وهو الحفاظ على الكتاب - كما يقول – (من عادية الحيف والتطفيف, ومن وضر التقليد والمحاكاة لمغالبات كتب أهل التغريب المقلدين ودفائن أقلام المستشرقين الحاقدين). إذن هو حماية للكتاب من التقليد والمحاكاة للكتب الغربية وعناوينها, وطريقتها, والتحذير من البعد عن المعهود من تصانيف الكتب الإسلامية وتسمياتها.
الكتاب الذي تألف من سبعة أبواب ابتدأه مؤلفه بباب أول تناول فيه في عدة فصول فضل الكتابة والكتب, والمنهج المتبع في صيانة الكتب ومواردها, مبيناً أن كتب السلف هي العمدة والمرجع والقانون في وزان ومحاكمة كل كتاب جاء بعدها من كتب المسلمين, كما أنه اعتذر من كتب الخلف التي ضرب بها الأمثلة في ميلها وإجحافها في بعض العناوين والتآليف, وأنه لم يرد بذلك إلا النصح والمناصحة, مبيناً منهجه في تصويباته الواردة في كتابه, متطرقاً لمشروعية الكتابة والتأليف وشروطه وأغراضه.
أما الباب الثاني من الكتاب فتطرق فيه المؤلف لبيان تاريخ الكتابة, وأنها مرت بمراحل تاريخية عديدة, مروراً بالكتابة التصويرية, ثم الرمزية, ثم الضوئية, وانتهاء بالتعبير عنها بالحروف الهجائية المعروفة اليوم, معدِّدًا أنواع الكتابة, والمواد الكتابية التي استخدمت فيها عبر العصور المختلفة, ومما ذكره في هذا الفصل أيضاً تاريخ الكتاب وما مر به من تغييرات عديدة طرأت على شكله الخارجي, ومحتواه الموضوعي, وبيَّن أسماءه, وتاريخ مكتباته.
بينما كان الحديث في الباب الثالث عن عدة أمور منها: حب الكتب ناقلاً في ذلك العديد من النقولات التي تبين تعلق العلماء الأوائل بالكتاب, وحبهم له, ومن الأمور التي تناولها أيضاً في هذا الباب، علم الطبعات, وأنه علم قائم بذاته, لا يحسنه إلا الفوقة من طلاب العلم, متحدثاً بعد ذلك عن القراءة بين الشرق والغرب, مناقشاً ما أسماه الكذبة الصلعاء والتي تقول أن العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا لا يفهمون.
الباب الرابع عنون له المؤلف بـ (تاريخ بدايات الطابعات) حيث تناول فيه بدايات تاريخ المطابع في العالم الغربي, وأن تاريخها لم يكن محل اتفاق عند أهل الاختصاص في كثير من النقاط إلا في بعض إجمالات اتفقوا عليها, وذكر سبب خلافهم في ذلك. كما تحدث عن تاريخ المطابع في العالم الإسلامي في عدة دول, ثم خص بالذكر بعد ذلك بلاد الشام, ومصر, والجزيرة العربية بذكر بدايات تاريخ المطابع فيها.
أما الباب الخامس من الكتاب فقد كان للآداب فيه موضعاً, حيث ذكر المؤلف آداب التعامل مع الكتب, فسرد من ذلك اثنين وثلاثين أدبًا, ثم ثنَّى بعد ذلك بآداب ترتيب وضع الكتب, فنقل ما ذكره العلماء من تلك الآداب كابن جماعة وابن عابدين, ذاكراً مسلكه في ذلك, ثم تناول حكم إعارة الكتب, مبيناً أنها لا تخرج عن ثلاث حالات لكل حالة حكماً خاصاً بها, بعدها ختم الباب بذكر عدة تنبيهات مهمة غرضها الوقوف على المراد من صيانة الكتب.
الباب السادس وهو أكبر أبواب الكتاب وفيه مقصوده وغايته, حيث ذكر فيه الأخطاء التي حلت بالكتاب في العديد من جوانبه كالعنوان, والنص, والحاشية وغيرها, فبدأه المؤلف بالحديث عن صيانة عنوان الكتاب وملحقاته, فذكر من الأخطاء التي تصاحب العناوين عدة أمور منها: تخطيط عناوين الكتاب بالحاسوب الآلي, وإعجام العنوان, وتضمينه بعض الكلمات الدالة على الانهزامية في رؤوس الأقلام, وتحدث عن تغريب العناوين, وقصد به اختيار العناوين الدخيلة على معاجم اللغة العربية أو مألوفات كلمات المسلمين, كما تحدث عن السجع المتكلف في العناوين, وإطالتها, وغيرها مما عدَّه المؤلف من عدم صيانة عناوين الكتب, حيث بلغ ما ذكره في هذا الباب أربعة وأربعين خطأ.
وفي الباب ذاته تكلم المؤلف عن صيانة نص الكتاب وملحقاته, فذكر العديد من الأخطاء العلمية والأغلاط اللفظية، ومن ذلك : فساد النية, ونشر الباطل, وتسويد الكتب والأوراق, ونشر أغلوطات المسائل, ومواضعة البسملة وغيرها, حيث ذكر من هذه الأخطاء مائة خطأ.
ثم تحدث بعد ذلك عن صيانة الحاشية وملحقاتها, فعرف الحاشية اصطلاحاً, وبين التقارب بينها وبين بعض الاصطلاحات العلمية كالتقرير, والتخريج, مردفاً ببعض الاعتبارات المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يستلهمها ويعتد بها, ثم عرَّج بعد ذلك على أخطاء الحاشية عند المعاصرين, كالتعدي في العزو, والمكاثرة في ذكر الحواشي, ووضع أكثر من حاشية في السطر الواحد, وكتابة رقمين متتابعين في العزو, وغيرها من الأخطاء التي بلغ تعدادها ثمانية عشر خطأ.
أما عن صيانة مراجع الكتاب وملحقاتها فقد ذكر المؤلف من الأخطاء التي تعرض لهذا الجانب سبعة أخطاء منها: التعدي في ذكر أسماء المراجع, والتوسع في ذلك, وتكرار ذكر أسماء المراجع, والإحالة على مراجع أجنبية وغيرها.
انتقل بعد ذلك للحديث عن صيانة فهارس الكتاب وملحقاتها, فتناول كلمة الفهرس بالتعريف وذكر معانيها, وتحدث عن أهمية الفهارس وطريقتها سواء للكتاب المخطوط أو المطبوع, ثم عدد بعدها مجموعة من الأخطاء التي تصاحب فهرس الكتاب منها: التفريط في الفهارس, أو الإفراط فيها, ومراكمتها, وإغفال مهماتها, وغيرها من الأخطاء التي بلغ بها المؤلف سبعة أخطاء.
أما الباب السابع والأخير فخصصه المؤلف لذكر معالم صناعة الكتاب, حيث رأى المؤلف أنه لا بد من إرداف هذا الكتاب بكتاب آخر يحمل عنوان صناعة الكتاب, أما هو فقد وضع له معالم للتقريب والتعريف, مبيِّنًا أنها كثيرة ولا يسعها هذا الفصل, فذكر منها سبعة وثلاثين مَعْلماً منها: أن يُكتب الكتاب خالصاً لوجه الله تعالى, وأن يعد لكل كلمة في كتابه جوابًا يوم القيامة, وأن ينوي بتأليفه أن ينفع نفسه أولاً, ثم ينفع غيره, وذلك برفع الجهل عن نفسه, وعن إخوانه المسلمين, وأن يكتب ما فيه نفع وخير, سواء في أمور دينه أو دنياه, وغيرها من المعالم.
والكتاب رغم أن فيه ما لا يُوافق عليه المؤلف -وهو قليل- إلا أنه مهمٌ جداً لطلاب العلم، وخاصة المهتمين منهم باقتناء الكتب أو التأليف.