التعريف بموضوع الكتاب:
من نعم الله على عباده أن جعل هذه الشريعة الغراء شريعة متجددة, صالحة للتطبيق في جميع الأزمنة والأمكنة, موافقة لأحوال الناس وفطرهم, ملائمة لسبل حياتهم, وطرق عيشهم, فلا يستجد أمر, ولا تنزل نازلة, ولا يحدث حادث إلا وتجد من نصوص الشريعة وقواعدها ما يستوعبه, ويوجد له حلولًا سمحة يعجز المقننون والمشرعون من بني البشر أن يأتوا بمثلها, ولو عكفوا على ذلك دهراً.
وإن من أهم ما ينبغي اليوم على طلاب العلم وعلماء الشريعة دراسته, وإعمال الجهد في بيان مسائله وأحكامه, وتوضيح ما يستجد من مستحدثاته ونوازله, مسائل المعاملات المالية المعاصرة, التي تتعلق بحياة الناس ومعاشهم, فالناس في حاجة ملحة إلى بيان أحكامها.
وكتاب هذا الأسبوع يتطرق لجانب من جوانب معاملات الناس المالية, وهو جانب الوساطة العقارية, وما يتعلق بها من تطبيقات قضائية, وأهمية هذا الموضوع راجعة إلى صلته بالمعاملات المالية ذات الأهمية في حياة الناس, كذلك راجعة إلى ما يحصل في الأسواق العقارية من انفتاح كبير, وكثرة المسائل العقارية المستجدة, لا سيما مع تنوع طرائق الوساطة, وتعدد الوسطاء في الصفقة الواحدة, كما أن كثرة المخالفات الشرعية الحاصلة في هذا الباب تستدعي تناول مسائله بالدراسة والتوضيح, وأهم من ذلك كله الأهمية القضائية التي يتمتع بها هذا الموضوع.
وقد أراد المؤلف – مشكورًا - أن يجمع آراء أهل العلم الواردة في مسائل الموضوع, مع طرح أدلتهم, وإبراز الأحكام الشرعية لهذه المسائل بالموازنة والترجيح بينها, وغير ذلك من الأهداف التي رصدها لرسالته.
بدأ المؤلف الكتاب بفصل تمهيدي عرف فيه الوساطة العقارية, فبعد أن ذكر التعريفات اللغوية, ذكر التعريف الاصطلاحي للوساطة العقارية باعتبارها مركبًا مضافًا فعرفه بأنه: عقد على عوض معلوم مقابل السعاية بين عاقدين في عقار لا نيابة عن أحدهما.
ثم تحدث عن الألفاظ ذات الصلة والقريبة من الوساطة العقارية كالتسويق, والسمسرة, والدلالة, والسعي, والمناداة, والمكاتب العقارية.
بعد ذلك – وتحت عنوان أنواع الوساطة العقارية – تناول أبرز مبررات الحاجة إلى الوسطاء العقاريين فذكر منها: افتقار كثير من منتجي أو مالكي العقارات إلى الموارد المالية والبشرية اللازمة لبيع أو تأجير ممتلكاتهم بشكل مباشر للغير. والاستفادة من مزايا التخصص, فهو يؤدي إلى عائد أكبر مما لو كان هناك تركيز على مجالات مختلفة, ومن المبررات التي ذكرها كذلك وجود وسطاء عقاريين محترفين متخصصين في مجال الوساطة العقارية, والتسويق العقاري, ويمتلكون الخبرة والسرعة في الاتصال, وهذا يسهل عملية توفير المنتجات العقارية في الزمان والمكان المناسبين, وذكر غيرها من المبررات الأخرى.
ثم أردف بذكر أنواع الوساطة, فذكر من أنواعها: الوساطة بالبيع والشراء, والوساطة بالتأجير وإدارة الأملاك, والوساطة بالتطوير العقاري, والوساطة بالتمويل العقاري.
ثم شرع المؤلف بعد ذلك في أبواب الكتاب, حيث تألف الكتاب من بابين اثنين, احتوى كل باب على عدد من الفصول:
الباب الأول: تناول فيه المؤلف الأحكام العامة لعقد الوساطة العقارية, واشتمل الباب على ثلاثة فصول:
أما الفصل الأول منها فكان للحديث عن التخريج الشرعي والنظامي لعقد الوساطة العقارية, فيما يتعلق بالتخريج الشرعي فقد تحدث المؤلف عنه باعتبارين:
الاعتبار الأول: طريق التعاقد, وكان الحديث منصبًا على حكم الوساطة من حيث الأصل سواء قدرت بزمن أو قدرت بعمل, مبينًا أن عقد الوساطة جائز من حيث الأصل, مدللًا على ذلك بالأحاديث والآثار الصحيحة, ثم بيَّن أن عقد الوساطة ينقسم إلى قسمين:
الأول: عقد الوساطة المقدر بزمن: والذي يربط فيه العوض بعمل معين بزمن معين, وأوضح المؤلف أن هذا النوع من الوساطة جائز عند المذاهب الأربعة, وتكييفه الفقهي أنه عقد إجارة بين الوسيط وطالب العمل, وأدلة جوازه هي أدلة جواز الإجارة.
الثاني: عقد الإجارة المرتب بالعمل: وذكر له عدة حالات وهي:
الحالة الأولى: أن يربط العوض المعين على حصول البيع أو الشراء وتعتبر هذه الصفة أشهر الصور المتعلقة بالوساطة العقارية, وذكر أن العلماء مختلفون في هذا الحالة, فذكر خلافهم وأدلتهم, ورجح القول القائل بالجواز وذكر سبب اختيار هذا القول.
الحالة الثانية: أن يكون العوض مقدرًا من الربح حال حصوله, وهذه الحالة بيَّن المؤلف أنها من قبيل المضاربة التي أجمعت الأمة على جوازها.
الحالة الثالثة: العمل الذي يدخل كله تحت قدرة الإنسان, كالتسويق بصفة معينة, أو بعدد إعلانات معين, ونحوه, من غير شرط إيجاد مشتر أو بائع, وبين المؤلف أن هذا من قبيل الإيجارات الجائزة عند فقهاء المذاهب الأربعة.
الاعتبار الثاني: نوع التعاقد, وقبل أن يتناول هذا الموضوع بدأ المؤلف بتمهيد تحدث فيه عن الإجارة, والجعالة, والوكالة بأجر, والمضاربة, باعتبار أن هذه العقود الأربعة عليها مدار أحكام الوساطة العقارية اتجاه الغير, فذكر تعريفاتها وأهم أحكامها.
ثم شرع في بيان التخريج لأعمال الوسطاء العقاريين وذكر لها عدة فروع وهي:
الأول: تخريج الوساطة العقارية المتعلقة بالبيع والشراء.
الثاني: تخريج الوساطة العقارية المتعلقة بالتأجير وإدارة الأملاك.
وهنا أوضح المؤلف أن الغالب في البيع والشراء والتأجير ما يكون على سبيل الجعالة, وقد تكون على سبيل الإجارة, أو المضاربة, أما الوساطة بإدارة الأملاك فغالباً ما تكون على سبيل الإجارة, وقد تكون على سبيل الجعالة, أو المضاربة.
الثالث: تخريج الوساطة العقارية المتعلقة بالتطوير العقاري, وفي هذه الصورة بين المؤلف أن الوساطة غالبًا ما تكون على سبيل المضاربة, وقد تكون على سبيل الإجارة.
الرابع: تخريج الوساطة العقارية المتعلقة بالتمويل العقاري, وبيَّن المؤلف أن الوساطة في هذا الفرع غالبًا ما تكون على سبيل الجعالة.
وعن التخريج النظامي لعقد الوساطة تحدث المؤلف عن لائحتين: الأولى لائحة تنظيم المكاتب العقارية, والثانية اللائحة التنفيذية للمكاتب العقارية, بعد ذلك قام بعقد مقارنة بين التخريج النظامي لعقد الوساطة العقارية, والتخريج الشرعي.
وفي الفصل الثاني من فصول هذا الباب تحدث عن أركان الوساطة, وشروطها, وأحكامها, وكان بداية حديث المؤلف في هذا الفصل عن الصيغة, وقصد بها: ما يصدر عن المتعاقدين دالًّا على الرضا بإتمام العقد.
ثم ذكر للصيغة شروط عدة, ولما كانت الوساطة العقارية على أحوال ثلاثة, فربما تكون من قبيل الجعالة, وربما تكون من قبيل الإجارة أو المضاربة وكلها عقود مالية تتفق في بعض الشروط ويتميز بعضها ببعض منها, قام المؤلف بالبدء بذكر الشروط المشتركة, كاتحاد موضوع الإيجاب والقبول ضمن معنى واحد, وكونهما مفهومي الدلالة على إرادة التعاقد.
أما ما يختص ببعضها فذكر المؤلف شرط صدور القبول قبل رجوع الموجب من إيجابه, وألا يفصل بينهما فاصل يعد إعراضاً عن العقد, وهذا الشرط خاص بالإجارة والمضاربة.
ثم ذكر المؤلف صيغ وطرق التعاقد المباشر في الوساطة العقارية وأحكامها, فذكر من ذلك: التعاقد المباشر, وأوضح أن الأصل فيه الإباحة.
ومن ذلك التعاقد عن طريق المزاد وبين المؤلف أن حكمه هو الصحة والجواز, كما ذكر له العديد من المسائل الأخرى.
ومن ذلك الوساطة العقارية عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ,كالهاتف والفاكس ونحوه, وبيَّن أن القول في حكم استعمالها في الوساطة مبنيٌّ على الأصل في الأشياء, وأنه على الحل والإباحة. وكذلك القول في الوساطة عن طريق الشبكة العنكبويتة.
بعد ذلك تحدث المؤلف عن العاقدين, فعرفهما, ثم عدَّد شروطهما وذكر منها: حصول الرضا الخالي من الإكراه, والهزل, والخطأ, وسبق اللسان, ومنها العقل, والتمييز, والبلوغ, والرشد, والولاية على ما وسط به.
وعن الأحكام المتعلقة بهما يتحدث المؤلف فيذكر عدة أحكام, كأحكام تعدد الوسطاء باعتبار تفاوت الشخصية في عقد الوساطة, وأحكام تعدد الوسطاء باعتبار تفاوت الجهد المبذول في عقد الوساطة, وتحديد القائم بعمل الوساطة العقارية حال الخلاف الناتج عن قيام أكثر من شخص بالوساطة, ومدى تأثير عقد الوساطة العقارية الطارئ على عقود سابقة للوسيط, وأحكام تصرفات الوسيط, وتحت كل هذه الفروع مسائل وتفريعات تناولها المؤلف بالتفصيل, كما ختم هذا المبحث بعدد من التطبيقات القضائية المتعلقة بالمبحث.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى الحديث عن العمل, والذي يعد أحد أركان عقد الوساطة العقارية, وعرفه بأنه: كل نشاط إنساني يهدف إلى إنتاج, ويقتضي بذل قدر من الجهد العضلي, أو الذهني, أو العصبي.
ثم تطرق لشروطه فذكر منها: أن يكون العمل دائرًا في فلك العقارات, وتأكد الوسيط من سلامة العقد الذي يراد منه التوسط لإيقاعه, وأن يكون العمل معلومًا, بعيدًا عن الغرر الذي حرمته الشريعة, وأن يكون مباحًا فلا يسمسر بوسيلة محرمة, ومتقومًا, وألا يتم إلا بعد تفويض البيع والشراء للسمسار, أو تحديد الثمن له.
بعد ذلك تكلم المؤلف عن الأحكام المتعلقة بالعمل, وتألف هذا المطلب من عدة فروع منها: الوساطة العقارية بالبيع والشراء والتأجير أول مرة, والوساطة العقارية بالتأجير المتجدد وإدراة الأملاك, والأحكام المتعلقة بالتطوير العقاري, والمتعلقة بالوساطة في حصول التمويل العقاري, وغيرها. وتحت كل فرع من هذه الفروع مجموعة من المسائل التي ناقشها المؤلف وبيَّن القول فيها.
ثم أردف ذلك بتطبيقات قضائية متعلقة بهذا المبحث.
تناول بعد ذلك العوض, فعرفه أنه: ما يبذل في مقابلة غيره. ثم ذكر شروطه فذكر: أن يكون معلومًا للمتعاقدين علمًا تنتفي معه الجهالة, ويمتنع معه النزاع مستقبلًا, سواء كان علمه برؤية, أو صفة, وأن يكون مملوكًا لدافعه, أو مأذونًا له التصرف فيه, فلا يجوز أن يجعل عوض الوساطة عينًا مملوكة لغيره بغير إذنه, وأن يكون المدفوع متقومًا شرعًا, والقدرة على تسليمه.
تحدث بعدها عن الأحكام المتعلقة بالعوض في عدة فروع, من ذلك: تكييف العوض في الوساطة العقارية, وطرق تقدير العوض, وتحت هذه الفروع عددًا من المسائل والأحكام التي أوضحها المؤلف, وأردف ذلك بتطبيقات قضائية متعلقة بالعوض.
تحدث المؤلف بعدها عن العقار, فبدأ بذكر أنواعه التي تقع عليها عقود الوساطة العقارية, ثم أردف بذكر الشروط العامة الواجب توافرها بالعقارات التي تقع عليها عقود الوساطة العقارية فذكر: أن يكون العقار مستوفيًا لشروط بيعه فقهًا ونظامًا, وأن يكون الغرض من الشراء أو الاستئجار مباحًا.
أما الفصل الثالث فكان الحديث فيه عن الشروط الجعلية والطلبات في عقد الوساطة, وفيه تناول المؤلف الشروط الجعلية والطلبات المتعلقة ببذل العوض, كطلب الوسيط العقاري نسبة في العوض فوق النسبة المعتادة, وطلب الوسيط العقاري مبلغًا مقطوعًا لوساطته بغض النظر عن قيمة العقار, ودفع الباذل في العوض نسبة أقل من النسبة المعتادة, ورفض الوسيط لعرض الباذل عوضًا أقل من عرف المثل ورضا غيره بعده بذلك, وأخذ الوسيط عوضًا للوساطة من البائع, زيادة على ما أخذه المشتري, واشتراط المشتري لنفسه جزءا من عوض الوساطة, واشتراط البائع لنفسه جزءًا من عوض الوساطة.
ثم تحدث عن الشروط الجعلية بين الوسطاء المستحقين للعوض, كاشتراط أحد الوسطاء نسبة من العوض أعلى من نصيب بقية الوسطاء, واشتراط أحد الوسطاء مبلغًا مقطوعًا من مجمل عوض الوساطة, واشتراط الوسيطين المتشاركين أن العوض الأول لفلان والثاني للآخر وغيرها من الشروط.
أتبع ذلك بذكر تطبيقات قضائية متعلقة بهذا الفصل.
الباب الثاني: في هذا الباب تحدث المؤلف عن الآثار المترتبة على عقد الوساطة وتألف الباب من فصلين:
الفصل الأول: كان هذا الفصل للحديث عن الالتزامات الواجبة على أطراف عقد الوساطة, فتناول الحقوق والالتزامات المتعلقة بوسطاء العقار, والمتعلقة بمالك العقار, والمتعلقة بالمستفيد في عقد الوساطة, والالتزام ببذل عوض الوساطة العقارية.
الفصل الثاني: وتناول فيه المسؤولية المترتبة على عقد الوساطة سواء كانت مدنية أو جنائية.
وقد أردف المؤلف كتابه بعدد من الملاحق والاستبانات من عدد من شيوخ العقار في الرياض, والمنطقة الغربية, والمنطقة الشرقية, مما له تعلق بموضوع البحث.