التعريف بموضوع الكتاب :
كتاب هذا الأسبوع يتناول المؤامرةَ الضَّخمة التي تعرَّضت لها بلاد المسلمين عامَّة، وديار الشَّام خاصَّة، منذ مطلع القرن العشرين.
لقد قسَّم المتآمرون بلادَ المشرق العربيِّ، فأصبحت مزقًا متناثرة، وكياناتٍ متناحرة، استغلُّوا فيها الطائفيَّة الحاقدة، والعملاء المدسوسين؛ ذلك أنَّ بلاد الشام كانت مقابر الصَّليبين الغُزاة، ومنها انطلقت صيحاتُ التكبير والجِهاد، وفي بلاد الشَّام كانت صيحةُ (وَا إسلاماه!) التي دحَرت المغول الوثنيِّين، ففي تلك الدِّيار المعطاءة كانت الانتصارات التاريخيَّة على أعداء هذا الدِّين، وفي ديار الشَّام سيكون فُسطاط المسلمين يوم الملحمة... من أجْل هذا كله كانت المؤامرةُ ضخمةً على بلاد الشام وما تزال خيوطها تُحبَك حتى اليوم ...
لقد حِيكت المؤامرة بخُبث ومكر وحقد، مِن قِبل قُوى الكفر والطُّغيان العالميَّة، فحطَّمت أكبر إمبراطوريَّة في العصر الحديث، بعد أنْ كان قادتها قد دكُّوا معاقل أوربا، وأحاطوا بأسوار فينَّا، وشارفوا على احتلال فرنسا، لقد حُطمت الدولة العثمانيَّة، ومُزِّقت ولاياتها، وطُرد الخليفة خارج حدودها، تمَّ ذلك كله خلال أحداث سريعة، تبدو وكأنَّها مسرحيَّة مأساويَّة، ولا تزال آثارها ماثلةً للعيان حتى اليوم. فما الذي دمَّر تلك الإمبراطوريَّة الضَّخمة؟! وما العناصر التي اشتركت في تلك المأساة الدامية؟! ذلك ما سوف يجده القارئُ الكريم مفصَّلًا في ثنايا هذا الكتاب.
وقد قسَّم المؤلِّف كتابه خمسة أبواب؛
تحدَّث في الباب الأوَّل عن فضائل الشَّام، ومناقب أهلها، والدَّور المنتظَر لهم، واستشهد بالآيات القرآنيَّة، والأحاديث النبويَّة الصَّحيحة في ذلك الموضوع، بعد التَّعريف ببلاد الشام وحدودها عند الأقدمين.
وخصَّص الباب الثاني للحديث عن عوامل سقوط الدولة العثمانيَّة، وذِكر مزاياها الطيِّبة أيَّام قوَّتها، وبيان دَور السُّلطان عبد الحميد الثاني في الدِّفاع عن فلسطين، والوقوف أمام التيَّارات الحاقدة، من الماسونية ودُعاة التغريب، والقوميَّة المتطرِّفة.
والباب الثَّالث: رصَد فيه عناصر المؤامرة الكُبرى ممثَّلةً في دَور الحركة الطورانيَّة، ورِدَّة فعل الحرَكات القوميَّة عند العرب، ثم ثورة الشَّريف حسين على الخِلافة العثمانيَّة لمساعدة الإنجليز تمويلًا وتسليحًا.
وعنون للباب الرابع: بـ(التحالُف مع الإنجليز والحصاد المر)، وذكَر من ذلك الحصاد المرير؛ احتلالَ دمشق من قِبل فرنسا، وكذا بيروت، وطرْد حليفهم فيصل بن الحسين، ثم عزْل الشَّريف حسين ونفيه إلى قبرص؛ ليعيش حياة الذلِّ والنَّدم والحرمان، كما ذكر آخِرَ ذلك الحصاد المرير، وهو إلغاء الخلافة الإسلاميَّة، وطرْد الخليفة ومصادرة أملاكه على يدِ كمال أتاتورك - عليه من الله ما يستحق.
وفي الباب الخامس والأخير : تحدَّث عن مرحلة الانتداب الاستعماريِّ؛ مرحلة تقسيم بلاد الشام وتجزئتها بين أطماع حلفاء الأمس (الإنجليز والفرنسيِّين)، فتحدَّث عن تمزيق فرنسا لسوريا إلى دُويلات طائفيَّة، كدولة جبل الدُّروز، ودولة النصيريِّين، وإنشاء ما يُسمَّى بدولة لبنان الكبير، بعد أن ضُمِّت إليه عدَّة أقضية من سوريا - وقد تم ذلك لمصلحة نصارى لبنان على حساب المسلمين - وإنشاء بريطانيا إمارةً في شرقي الأردن تحت مظلَّتها، كما تحدَّث عن فلسطين في مرحلة الانتداب البريطانيِّ، وتهويد بريطانيا لفلسطين بالمكر والقوَّة. وختَم المؤلف الكتاب بنتائج البحث، وألْحَق فيه ملاحق.
هذا ونسأل الله أن يُعيد لأمَّتنا الإسلاميَّة عِزَّها ومجدها وكرامتها، وأن ينصُر إخواننا المسلمين في الشام وفي كلِّ مكان، وأن يُذلَّ أعداءهم، ويردَّهم على أعقابهم خائبين، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.