التعريف بموضوع الكتاب :
يرحل العلماء, ويفارقون الدنيا, وتبقى علومهم وآثارهم شاهدة على ما بذلوه في خدمة الدين والدعوة, ويبقى ذكرهم عبقًا يتضوع في أرجاء المعمورة, يهتدي به الضال, ويتعلم منه الجاهل, ويقتدي به طالب الحق والهدى. وتستمر علومهم ومآثرهم لتكون حياة أخرى تضاف إلى حياتهم السابقة فتخلدهم في قلوب الناس وإن رحلوا عن الدنيا بأجسادهم.
من العلماء الربانيين, والقدوات العاملين, والجهابذة الراسخين الذين رحلوا عن هذه الدنيا ولم يرحل ما خلفوه من علم وخير فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تبارك وتعالى, الذي كان أنموذجًا للعالم العامل بعلمه, الواقف حياته لخدمة العلوم الشرعية ونشرها بين الناس في ميادين البذل, كالتعليم, والتأليف, والإفتاء, والنصح, والتوجيه, والدعوة إلى الله تبارك وتعالى على علم وبصيرة. ونحن في هذا الأسبوع على موعد مع ميدان من الميادين التي كان للشيخ دورًا بارزًا ومميزًا فيها وهو ميدان الإفتاء, فقد كانت له جهود مباركة في تحرير الفتاوى, وتدوينها والإجابة عليها مشافهة, ومهاتفة, وفي اللقاءات والمحاضرات, وكان من نتائج ذلك حصيلة عظيمة من الفتاوى المهمَّة النافعة, والتي تعد مرجعًا للعامة والخاصة في أمور دينهم ودنياهم.
كتاب هذا الأسبوع هو ((فتاوى نور على الدرب)), وهي الفتاوى التي أفتى بها الشيخ – رحمه الله - في البرنامج الإذاعي المشهور ((نور على الدرب)), والذي تبثه إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية, حيث كانت مشاركة الشيخ في هذا البرنامج تزيد عن عقدين من الزمان, حتى وافته المنية رحمه الله تعالى في عام 1421هـ.
حيث عمدت ((مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية)) إلى هذه الفتاوى وقامت بتفريغها من أشرطتها, ثم مقابلتها بالمادة المسموعة, ومن ثمَّ تصنيفها, وتبويبها موضوعيًّا لتخرج في هذا الكتاب النفيس, الذي تألف من اثني عشر مجلدًا, احتوت على ستة آلاف وتسعمائة وخمسين فتوى متنوعة, رتبت على الموضوعات, فشملت العقيدة, والأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات, والقضايا الاجتماعية.
ومما يميز فتاوى هذا الكتاب – بل هي صفة لجميع فتاوى الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى - التأصيل والتوثيق الشرعي, واتباع الدليل, ووجاهة التعليل, ووضوح عبارة الشيخ في هذه الفتاوى, وفصاحته ودقة ألفاظه, وأسلوبه السهل في عرض المعاني, وترتيب الأفكار, وتفريع المسائل وتقسيماتها, وتحري الصواب فيها.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا العمل في موازين حسنات هذا العالم الجليل, وأن يجزي خيرًا من أعان على إخراجه, وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.