في هذه الأيام من كل عام تهب أفئدة المؤمنين متجهة صوب بيت ربها, قاصدة حرمه, ملبية له, مجيبة لأذانه الذي أمر به خليله إبراهيم عليه السلام حينما قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]. تتسابق الأرواح قبل الأجساد, وتتسارع الأفئدة قبل الأبدان, يحدوهم إلى تلك البقاع المباركة حادي الأشواق, ويقودهم إليها قائد الإيمان, فهنيئًا لهم تلك المسارعة, وهنيئًا لهم حين حطوا رحالهم ضيوفًا في رحاب الرحمن وحرمه.
ونحن بدورنا في هذا الأسبوع أردنا أن نختار لكم كتابًا يتناسب وهذه الشعيرة العظيمة, يحتاج إليه قاصدو بيت الله الحرام ليعرفوا كل ما يحتاجون إليه من مسائل وأحكام لا ينبغي أن يجهلها من يمم وجهه حاجًّا أو معتمرًا, فوقع اختيارنا على كتاب ((شرح مناسك الحج والعمرة للألباني بصحيح الخبر والأثر والنظر)).
والكتاب كما هو واضح من عنوانه هو شرح لكتاب ((مناسك الحج والعمرة)) للشيخ الألباني رحمه الله, وهو الكتاب الذي اختصره الشخ من كتابه: ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه)) قاصدًا بذلك تيسير العلم لعامة الناس وتبسيط مناسك الحج, فعمد المؤلف إلى هذا المختصر وقام بشرحه والتعليق عليه.
أشار المؤلف في بداية كتابه عن أهمية ما قام به في هذا العمل وأهم ما ذكر في ذلك أن كتاب الشيخ الألباني رحمه الله يتميز بوضوح عبارته, وقوة حجته, وتحري السنة الصحيحة, وتعظيم الدليل, ونبذ التعصب الوبيل, وذكر ما ينبني عليه العمل دون غيره وحسن التسلسل والترتيب مع تجنب الاستطراد. ومن ذلك أيضًا أن المؤلف أراد بشرحه لهذا الكتاب تنبيه طلبة العلم على ألا يقفوا عنده في اختيار مسائل الحج, بل عليهم أن يواصلوا المسيرة في الاطلاع على المذاهب المختلفة والآراء المتنوعة, إذ لا ينبغي لطلاب العلم أن تقطع صِلاتهم مع بقية الأئمة واجتهاداتهم, والنظر في طرائقهم واستنباطاتهم, وإلا لاستوى طالب العلم مع غيره من عوام الناس الذين يلقنون الفتوى وإن شفعت بالدليل.
ومن الأسباب التي ذكرها المؤلف والتي دعته إلى هذا الشرح سعيه لتحلية الكتاب بأقوال أهل العلم وأدلتهم, وإرادته غرس تسويغ الخلاف الفقهي الاجتهادي في نفوس طلاب العلم, خاصة ما كان مبنيًا على تنوع الأنظار تجاه المنقولات, وتفاوت المدركات, والاختلاف في حمل الدلالات, حتى لا يضيقوا بالخلاف ذرعًا, ويعلموا أن الخلاف واقع بين خاصة هذه الأمة من صحابة وتابعين ومن بعدهم.
وعن سبب اختياره المختصر لشرحه وترك الأصل وهو كتاب ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه)) يذكر المؤلف أسبابا من أهمها: أن هذا المختصر أشبه ما يكون بالمتن العلمي بخلاف الأصل الذي يعد كتابًا حديثيًا, كما أن كتاب المناسك أكثر ترتيبًا وتنسيقًا فيسهل تناوله, بالإضافة إلى ذلك أنه أوسع انتشارًا وأكثر تداولًا, وأكثر استيعابًا للمسائل.
وقد اتبع الشارح طريقة في شرحه حيث جعل كلام الشيخ مع حاشيته أصلاً مع التمييز بينهما, بحيث يذكر القطعة من كلام الشيخ – رحمه الله- ومن ثم يتبعه بالشرح والبيان, وقسم الشرح إلى مسائل مرتبة بحسب ورودها, وما لم يذكره الشيخ ذكره في مواضعه المناسبة له أثناء الشرح, مع إبقائه للعناوين التي وضعها الشيخ, وإضافة بعض العناوين من إنشائه, وجعل من شرح الكتاب شرحًا مقارنًا بذكر القائلين بالمسألة والمخالفين لها وأدلة جميع الأقوال, ومناقشتها والترجيح بينها, إلا أنه لم يعتن كثيرًا بالنقولات النصية عن العلماء وإنما يذكر في ذلك خلاصة اختيارهم مع عزوه.
كذلك لم يتعرض للتحليلات اللغوية, ولم يثقل الحاشية بالتعليقات, مكتفيًا في الغالب بتخريج الشيخ للأحاديث المذكورة في المتن, وقد يضيف تخريجاته المذكورة في الأصل ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)), وقد يتوسع بذكر تخريجاته في كتبه الأخرى.
وقد خالف المؤلف الشيخ الألباني رحمه في بعض المسائل ومن ذلك المسألة التي اشتهر بها الشيخ وهي مسألة ما يترتب على تأخير طواف الإفاضة، وبين الراجح في المسألة وأفاض الحديث فيها.
الكتاب جيد في بابه, ومفيد.