كتاب هذا الشهر، هو من الكتُب التي تتحدَّث عن مسألة من المسائل الشائكة، التي كثُر الحديث فيها في هذه الآونة، مع كثرة الخلْط فيها أيضًا.
وقد تألَّف الكتاب من مقدِّمة، ومبحث تمهيدي، وبابين كبيرين، وتحت كل باب فصول ومباحث ومطالب، خاتمًا كلَّ فصل بخلاصة ما جاء فيه:
ففي المقدِّمة ذكَر المؤلِّف مميزات البحث، ومنهجية كتابته. وجاء المبحث التمهيدي في أربعة مطالب: أولها: عن الحثِّ على السُّنة والتحذير من البِدعة، وثانيها: عن تعريف السُّنة، وثالثها: عن نشأة البِدع، ورابعها: عن بداية التصنيف في البِدع، مشيرًا إلى ما كُتب في البدع قديمًا، وما كُتب خلال المئة الماضية.
وأمَّا الباب الأول: فكان بعنوان (دراسة تأصيليَّة للبدعة الحقيقيَّة والإضافيَّة)، وتألَّف هذا الباب من خمسة فصول بمباحثها ومطالبها:
الفصل الأوَّل: كان عن تعريف البدعة لُغة واصطلاحًا، وعن تقسيماتها، وأنظار العلماء في تعريفها، وذكر أنَّها تنقسم إلى: بدعة حقيقيَّة مذمومة، وبِدعة حَسنة محمودة، والبِدعة الإضافيَّة، وأنها بوجهها غير المشروع تندرج تحت الحقيقيَّة، زاعمًا أنَّ أقوال الجمهور دالَّة على هذا التقسيم للبدعة، أي: أنها تنقسم إلى بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، وذكر أدلَّة الجمهور على تقسيم البِدعة. ثم تناول تعريف البدعة عند المانعين لهذا التقسيم، فذكر البِدعة عند ابن تيميَّة، وعند الشَّاطبي، وأدلَّتهم على تقسيم البِدع إلى حَسنة وقبيحة، ثم عرَض لمناقشة الفريقين، وأطال الوقوف مع كلام الشاطبي.
والفصل الثاني: كان عن أحكام البدعة والمبتدِع، وجاء فيه بجملة من القواعد في موضوع البدعة، متحدِّثًا كذلك عن البِدعة في العادات، والبِدعة في العبادات، معرِّفًا كلَّ نوع، مع ذِكر الأدلَّة على شمول البِدعة لأمور العادات، وأمثلة على ذلك. كما تحدَّث عن القياس في العبادات، معرِّفًا للقياس، وموضِّحًا لمجال القياس في العبادات، مع ذكر أمثلة على جريان القياس في العبادات. كما تحدَّث عن تعريف المبتدِع، وعن أحكامه، فتحدَّث عن: مصير المبتدِع، وقَبول توبته، وهَجْره، ومحبَّته، والرِّواية عنه، وإهانته وترْك مجالسته إلَّا لمصلحة، والاعتداد بخلاف المبتدِع، وتنصيبه إمامًا للصلاة، والصلاة خَلْفه، وعيادته والصَّلاة عليه، وأخيرًا حُكم السَّلام على المبتدع.
وأمَّا الفصل الثالث: فتحدَّث فيه عن مسألة الترك وما يُلحق به، فعرَّف التَّرك لُغة واصطلاحًا، ذاكرًا أنواعه وأسبابه، ثم تكلَّم عن حُكم الترك، وذكَر مَن ذهب إلى أنَّ الترك لا دلالةَ له على المنع، وذكر حُججهم، كذلك مَن ذهب إلى أنَّ الترك دليل على المنع، وحُججه مع مناقشتها أيضًا، مفصلًا الحديث عن حديث الرَّهط والنِّقاش فيه، مرجِّحًا أن ترْك النبي صلى الله عليه وسلم لأمرٍ ما، ليس دليلًا على المنع ولا يُفيد حُرمته، وأنَّ هذا مذهب جمهور العلماء من السَّلف والخلف. وأنَّ الترك المقصود إنما يدلُّ على جواز أن نترك ما ترك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الفصل الرابع: تحدَّث فيه عن الزيادة على المشروع لفظًا أو عددًا أو فعلًا، فتكلَّم عن حُكم الزيادة على الذِّكر المقيَّد من حيث العدَد، وعن حُكم إضافة ألفاظ إلى اللفظ المشروع، وعن حُكم التزام عدد معيَّن، وعن الزيادة في الفِعل، وذهب إلى جواز الزيادة في كلِّ ذلك، ذاكرًا أمثلةً على التزام الأفعال ممَّا حدَث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعدَه أيضًا إلى عصر ابن تيميَّة، كصلاة بلال رضي الله عنه بعد كلِّ وضوء، والتزام الصحابي بسورة الإخلاص في صلاته، وجمْع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن، وتَكرار ابن تيمية للفاتحة من الفجر حتى تطلُع الشمس، وغير ذلك من الأمثلة.
والفصل الخامس: جعله لضوابط ردِّ المُحدَثات، وذكر فيه تسعة ضوابط لكون الأمر محدَثًا مردودًا:
الضابط الأوَّل: ألَّا يكون أصل العمل قُربة.
الضابط الثَّاني: أن يترتَّب على القيام بالقُربة تفريطٌ في حقوق أخرى.
الضابط الثَّالث: أن يكون في الفعل تشديدٌ على النَّفس يجرُّ إلى المَلل والانقطاع.
الضابط الرَّابع: أن يكون الدافعَ إلى الطاعة اعتقادٌ فاسد.
الضابط الخامس: أن يكون الفعلُ مصادمًا لتوجيه الشارع.
الضابط السَّادس: أن يكون في الفعل إحداثٌ لصورة تخالِف المعهود في جنسها.
الضابط السَّابع: أن يعتقد عند الإتيان بالفعل الذي فعله أنَّه سُنة على الخصوص.
الضابط الثامن: أن يصير الفعل شعارًا للمبتدِعة.
الضابط التاسع: أن يصير الفعل شِعارًا مضاهيًا للمشروع.
وأمَّا الباب الثاني: فكان عن تطبيقات فقهيَّة على طائفة من المسائل، وجاء هذا الباب في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: كان للحديث عن بِدع العقائد، فتحدَّث عن تأويل صفات الله تعالى، معرِّفًا التأويل، وذاكرًا نشأته، زاعمًا أن أوَّل التأويل نشأ في زمن الصحابة الكرام، ومضى على ذلك أئمة التابعين، ثم كثُر بعد ذلك! ثم ذكر ضوابط التأويل، ،وموقف أهل العلم بعد القرون الثلاثة من التأويل، محاولًا الجمع بين موقف السَّلف والخلف في التأويل بأنَّ السلف اتَّفقوا على التأويل الإجمالي، كما تحدَّث عن سبب التأويل. ثم فصَّل الحديث عن التجسيم، معرفًا إياه، وموضحًا بداية نشأته، وأنواعه، وحُكمه، مع ذِكر بعض عقائد المجسِّمة.
كما تحدَّث عن مسألة الاصطلاح على ألفاظ غير مأثورة في مسائل العقائد، مبيِّنًا حُكم الاصطلاح في العقيدة، وضوابط الاصطلاح، والثمرة منه، وأشهر المصطلحات المستخدَمة في العقيدة.
أمَّا الفصل الثاني: فكان للحديث عن بدع العبادات، فتحدَّث عن تحديد صلاة التراويح بعدد، وعن نشأة هذا التحديد، وانتشاره واستمراره، ومذاهب العلماء فيه. ثم تحدَّث عن مسألة التلفُّظ بالنية في العبادات، مبينًا حقيقة التلفظ بالنية، والفرق بينه وبين الجهر بها، وأقوال أهل العلم في هذه المسألة، مع مناقشة أدلَّتهم. وكذلك مسألة تلقين الميِّت، وأقوال أهل العلم فيها، وأدلَّتهم. ومسألة الذِّكر الجماعي، وحقيقته، وصُوره، وأقوال أهل العلم فيه،
وأدلة كل فريق؛ مَن ذهب إلى كراهة الذِّكر الجماعي، ومَن ذهب إلى مشروعيته، مع مناقشة أثر ابن مسعود رضي الله عنه الذي استَدلَّ به مَن منَع الذِّكر الجماعي، والكلام عليه من حيث المتن. وكذلك مسألة الاجتماع يوم عرفة بالأمصار، مبتدئًا بالحديث عن فضل يوم عرفة، ثم مبيِّنًا المقصود بالتعريف، وأقوال أهل العلم في حُكم التعريف، مع مناقشة أدلَّتهم.
ومسألة استعمال السُّبحة في عدِّ الذِّكر، ذاكرًا الأدلَّة والآثار على مشروعية استعمال السُّبحة، وأقوال أهل العلم في حُكم استعمالها، ومَن ورد عنه استعمالُها من الصالحين. وختم هذا الفصل بالحديث عن الاحتفال بمولد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، معرِّفًا المولد، ومتحدِّثًا عن تعظيم يوم المولد شرعًا، وعن تاريخ الاحتفال بالمولد، وعن حُكم الاحتفال بهذه الذكرى، مرجِّحًا أنها مشروعة، ومناقشًا حُجج المانعين للاحتفال بالمولد.
والفصل الثالث والأخير: كان للحديث عن بِدع العادات، فتحدَّث عن الاحتفال بالأعراس، ومشروعية ذلك، وبِدع الخطوبة، مثل قراءة الفاتحة عند الخِطبة، لبس دبلة الخطوبة، والخلوة بالمخطوبة، كما تحدَّث عن بدع العقد والاحتفال، وبدع العُرس، ثم تكلَّم عن الأزياء والزينة، مبتدئًا بالحديث عن نعمة اللباس وبعض آدابه، ثم معرِّجًا على بدع الملابس، وبدع الزينة. بعد ذلك تحدَّث عن الاحتفال بالمناسبات الدِّينيَّة والدنيويَّة، والهدف من التذكير بالمناسبات، وتسمية بعضها أعيادًا، وحُكم الاحتفال بهذه المناسبات وضوابطه مرجِّحًا أنَّه لا حرَج في ذلك ما لم تتضمَّن محذورًا شرعيًّا.
ثانيًا: نقد الكتاب:
بدايةً يجب الإشارة إلى أنَّ الكتاب قد بذَل فيه مؤلِّفه جُهدًا كبيرًا، وأنَّ الكتاب فيه أشياء جيِّدة وحسنة، وأمور متَّفق عليها، مثل حديثه عن الحثِّ على السُّنة والتحذير من البِدعة، فهذا مطلب جيِّد، وأيضًا الفصل المتعلِّق بالحديث عن (ضوابط ردِّ المحدثات)، واعتناء المؤلِّف بنصوص العلماء وتوثيق الآراء، وغير ذلك من مُقتضيات البحث العلمي الجيِّد، التي وفِّق المؤلف فيها بنسبة كبيرة.
مع ذلك فثمَّتْ مؤاخذات عديدة على الكتاب ومنهج المؤلِّف فيه، وفي هذا العرض إشارة إلى أهمِّ تلك المؤاخذات، مع التعقيب عليها باختصار بما يتناسب مع المقام.
فمن هذه المؤاخذات:
(1) عدم ضبط المؤلِّف لمسألة البدعة الإضافية والأمر المحدَث الذي هو محلُّ النِّزاع:
يقول المؤلِّف (ص: 8): (وإنَّما الكلام في ما كان من المحدَثات لا يخالف كتابًا ولا سُنة ولا إجماعًا ولا قياسًا جليًّا، ولم يرِدْ بخصوصه دليل خاص، ولكنه مندرج تحت عموم أو مثيل في الشَّرع، وانضاف إلى ما هذا وصفُه تقييدٌ بزمن أو عدد أو هيئة؛ فهذا هو الذي وقع فيه النِّزاع، وجمهور العلماء ذهبوا إلى أنَّه لا يكون مذمومًا ولا منهيًّا عنه لمجرَّد تلك الإضافة، ولا لكونه محدَثًا؛ بل يُنظر إليه بالمنظار الشَّرعي، ويوزَن بالميزان الشرعي، فإن اندرج تحت أصول الواجب، فهو واجب، وإن اندرج تحت أصول المندوب، فهو مندوب، وهكذا).
التعقيب: لا بدَّ من التقديم بمقدِّمات بديهيَّة لا يخفى مثلها على طالب العلم، ولكن لا نعلم كيف خَفيت عليه:
فمن المعلوم من الدِّين بالضرورة: أنَّ شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع؛ إذ لا نبيَّ بعد نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن الأصول المقرَّرة أنَّ هذه الشريعة صالحة لكلِّ زمان ومكان، وأنها أتت بكل ما يحتاجه البشر إلى قيام الساعة، وأنَّ الدِّين قد اكتمل. ومن نفيس كلام الإمام مالك إمام دار الهجرة قوله: (مَن ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنَّ محمدًا خان الرسالة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]؛ فما لم يكن يومئذ دِينًا، فلا يكون اليوم دينًا)، فباب التشريع قد أُغلق، بموت النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم، ولحوقه بالرَّفيق الأعلى، وانقطاع وحْي السَّماء عن الأرض.
كما أنَّ من الأصول المقرَّرة كذلك: أنَّ الشريعة لم تنصَّ على كلِّ الأمور تفصيلًا، وإنَّما هناك أمور كثيرة وجزئيَّات تدخل ضمن العمومات والمثليات، وتُردُّ إلى أصول الشريعة، ولا يقول أحد من العلماء بأنَّ هذه الأمور بدعة شرعيَّة مذمومة.
وعليه: فإنَّه لا يوجد أمر في الدِّين يُحتاج إليه، ويُمكن أن يُستحسَن إلَّا وله أصول في الشرع فيرجع إلى الكتاب والسُّنة... إلخ؛ إمَّا بالنص صراحةً، وإمَّا بالدخول تحت قاعدة عامَّة أو ما شابه، وهذا ينطبق على كلِّ الأمور، سواء في جِنسها وحقيقتها، أو وصْفها وعدَدها وهيئتها وزمانها. وليس هذا خاصًّا بالحقيقة فقط؛ فشرائع الدِّين قد اكتملت في حقيقتها، وفي وصفها وعددها وهيئتها وزمنها، وغير ذلك.
ثمَّ وجود هذا الأمر الدِّيني الشرعي - الذي يرجع إلى الكتاب أو السُّنة أو الإجماع أو القياس الجلي - وإحداثه بعد أنْ لم يكن في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إما لعدم وجوده أصلًا، أو لعدم الحاجة إليه آنذاك، أو عدم وجود المقتضي له، أو غير ذلك من أسباب عدم وجوده - وجود هذا وإحداثه ليس بدعةً بالمعنى الشرعي عند الجميع، وهو من الدِّين، وليس خارجًا عنه، ولا ينطبق عليه الوارد في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ))؛ لأنَّه من أمر الدِّين، وليس خارجًا عنه، وإنما هو محدَث ومبتدَع من الناحية اللُّغوية فقط؛ كونه جديدًا محدثًا، فليس داخلًا في الذمِّ، وليس هو بدعة ضلالة؛ لأنَّه راجع إلى الشرع، وهو منه، وإن كانت صورته لم توجدْ في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وليس هذا محلَّ النزاع كما يذكُر المؤلِّف، بل محل النزاع هو في أمور مخترَعة ليست من الدِّين، تُنسب إلى الدِّين، وإلَّا فإذا ثبت للعالم أنَّها موافقة لأصول الشريعة، ولها أصل تردُّ إليها؛ فكيف يسوغ له بعد ذلك أن يقول: إنها ليست من الدِّين؟!
ثم يرِد سؤالٌ على المؤلِّف: هل هناك أحد من العلماء يُنكر أو يبدِّع أي أمر في الدِّين محدَث لا يخالف الكتاب ولا السُّنة ولا الإجماع ولا القياس الجلي، ولم يرِدْ بخصوصه دليل خاص...؟!
وهل هذا الوصف وهذا التقييد له بزمن أو عدد أو هيئة داخلٌ فيما ذَكَر المؤلِّف من ضوابط أم لا؟ بمعنى: هل اشتراطُ عدم المخالفة للكتاب والسُّنة والإجماع والقياس الجلي، هو لحقيقة الشيء وجنسه فقط، أم يُشترط أيضًا في وصفه وهيئته وعدده وزمانه ألَّا يكون كل ذلك مخالفًا لتلك الأصول المذكورة؟ لا شكَّ أنَّ الصواب أنَّه لا بدَّ من اشتراط ذلك هنا أيضًا، وعليه؛ فقد بطَل كلُّ ذلك التأصيل.
فالنِّزاع هو في هذا المحدَث هل هو من الدِّين أم لا؟ سواء كان جِنس الشيء من الأصل، أو كان في الهيئة أو الزمن أو العدد...إلخ.
ولا يوجد عالم من علماء الأمَّة سلفًا ولا خلفًا يقول ببدعيَّة أيِّ أمر يَعلمُ أنه يندرج تحت عمومات الشَّرع أو مثيلاتها، ويتَّضح ذلك من الأمثلة التي ذكَرها العلماء على هذه المحدَثات التي يقصدونها كجَمْع عمر رضي الله عنه الناسَ على إمام واحد في صلاة التراويح، وجمْع أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه للقرآن...إلخ. وما اختلفوا فيه من ذلك من حيث كونه بدعةً أم لا، هو كاختلافهم في مسائل الفقه والحلال والحرام، على حسب ثبوت الدليل عند أحدهم وعدم ثبوته عند الآخَر، أو قد يخطئ أحدُهم في اجتهاده في تنزيل الحكم على الواقع، أو غير ذلك من الأسباب..
ومن المآخِذ:
جنوح المؤلِّف إلى تقسيم البدعة إلى حسنة وقبيحة، مع نِسبته هذا القول إلى الجمهور، وعيبه على القِسم المضيِّق لمعنى البدعة - على حدِّ تعبيره - ونسبة هذا المسلَك لابن تيمية والشاطبي، ومن سلَك مسلكهما فقط! وفي هذا اختزال ونقص في جانب المضيِّقين للبدعة؛ حيث قصَرَها على ابن تيميَّة والشاطبي ومَن تبعهما فقط، كما أنَّ مناقشة المؤلِّف لكلامهما عند التأمُّل ليس متَّجهًا، والصواب في كلامهما، فقط إذا فُهِم كلامهم على وجهه. وأيضًا فإنَّ بعض الأقوال التي نقلها المؤلِّف عن الأئمَّة والفقهاء للاحتجاج بها على تقسيم البدعة إلى حَسَن وقبيح، وأنهم يقولون بهذا التَّقسيم - في الاستدلال بها نظر، بل بعضها يُستدلُّ به عليه، لا له، كما سيأتي أمثلة لذلك من كلام الإمام الشافعي، والخطابي، وابن عبد البر.
يقول المؤلِّف (ص: 9): يقول: (والجنوح إلى تعميم البِدعة لتشمل كلَّ محدَث لم يفعله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته يؤدِّي إلى جملة من المحذورات: أولها التناقض والتنافر بين الأحاديث النبويَّة...وإنْ كان مفهوم المخالَفة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما ليس منه)) يُفيد جواز إحداث ما هو من الشَّرع ومندرج تحت أصوله وقواعده).
أولًا: الادِّعاء بأنَّ فريق المضيقين - على حدِّ زعم المؤلِّف - يجنح إلى تعميم البِدعة لتشمل كل محدَث لم يفعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتُه، ليس صوابًا، وفي العبارة قصور.
والصحيح: أن تعريف البِدعة: هي كل محدَث لم يفعلْه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابته، ولم يندرجْ تحت أصلٍ شرعي؛ إمَّا العموم أو بالمثيل - أمَّا ما اندرج تحت الأصول الشرعيَّة عمومًا، ولم يفعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابته فليس بدعةً شرعيَّة في حقيقة الأمر، وإنْ أُطلق عليه بدعة أو محدثًا باعتبار اللُّغة فقط؛ وبهذا يزول الإشكال.
فلا يتصوَّر أصلًا إيجاد أي أمر في الدِّين لا يرجع إلى أصول شرعيَّة إلَّا ويكون بدعةً مذمومة، سواء كان أمرًا مخترعًا في حقيقته، أو المخترع هو الهيئة أو الصفة أو الزمن...
ثانيًا: دعوى التعارُض بين الأحاديث هي دعوى مردودة، فليس بحمد الله تعالى بينها تعارض، فقط إذا فُهمت على الوجه الصَّحيح.
فالسُّنة الحسنة لا بدَّ أن ترجع إلى أصل شرعي بالحدود التي وضعتها الشريعة مكانية كانت أو زمانية أو عددية أو صفة أو حال، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل معناها على التفصيل.
يقول (ص: 10): (ثانيًا: تعميم البدعة: يفضي إلى تبديع طوائف من السَّلف عملوا أعمالًا لا دليل على عينها، ولكنها مندرجة تحت أصول الشريعة دلَّ الشرع بأصوله وقواعده على حُسنها).
هذا التعميم لا يوجد، وأيُّ عمل يندرج تحت أصول الشَّريعة وقواعدها -بالضوابط السابقة- فهو حسن، وإن لم يُنصَّ على عينه، وهذا ليس بدعة باتِّفاق، وليس داخلًا أصلًا في محلِّ النزاع.
ويقول (ص: 10): (ثالثها: التعميم يُغلق أبوابًا من الخير...)
هذا التعميم كما تقدَّم غير موجود، والفَهم الصحيح للبِدعة - على عكس ما ذكره المؤلَّف - يُغلق أبوابَ الشر والإحداثِ في الدِّين ما ليس منه، والقولِ على الله تعالى بلا عِلم.
ويقول (ص: 14): (توضيح التسلسل التاريخي لمسألة تقسيم البِدعة، وأنها بدأت على لسان أئمة الاجتهاد، ولم تكُن من نتاج المتأخرين).
وهذا الزعم بأن تقسيم البِدعة بدأت على لسانه أئمَّة الاجتهاد ولم تكُن من نتاج المتأخِّرين فيه نظر، والكلام الذي استدلَّ به على ذلك للأئمَّة ليس دقيقًا، ولا يدلُّ على ذلك. وسيأتي بيان ذلك إنْ شاء الله.
ثم يقول (ص50): (فإنَّ نصوص الشرع قاضية بالقِسمة كما سيأتي، وأمَّا بُعده عن الواقع فإن جمهور أهل السُّنة على تقسيم البدع كما سيأتي، فلو كان في هذا المسلك فتحًا لباب البدع، وتقريرًا لذلك لكان جمهور أهل السُّنة - حاشاهم - هم مَن وقعوا في ذلك. وعمومًا فكتاب الدكتور سلَك فيه مسلك المضيِّقين، وجعل ما نهجه علماء المذاهب الأربعة ممَّا لم يوافق مشربه بدعةً ضلالة، وحيث وجد من مشاهير الأئمَّة مَن قسم البدعة تأوَّل كلامه).
التعقيب: المؤلِّف ذكَر هذا الكلام معلقًا على قول الدكتور سعيد بن ناصر الغامديِّ في نقده لتقسيم البدعة في كتابه (حقيقة البِدعة وأحكامها)، وأنَّ هذا التقسيم دخَل من سائر أهل البدع، وأنَّه مخالف للنصوص الشرعيَّة الكلية الجامعة المانعة، ومخالف لأقوال أهل السُّنة والجماعة.
والحقُّ فيما قاله الدكتور الغامدي، والنصوص في ذمِّ البدعة واضحة وضوحَ الشمس في رابعة النهار، ولا تعارُض بينها كما يزعُم المؤلِّف، وسنبيِّن ذلك عند التعقيب على ما ذكره من النصوص الشرعيَّة.
وكذلك؛ فإنَّ جمهور أهل السُّنة على عدم القول بتقسيم البِدعة، وغالب الأقوال التي نقلها المؤلِّف هي عليه لا له، خصوصًا ما ذكره عن الإمام ابن عبد البر والخطابي.
واتِّهامه للدكتور الغامدي بأنَّه يجعل ما لم يوافق مشربَه بدعةً، وتأويله لكلام الأئمَّة، ليس صوابًا، كما أنَّه لا يليق هذا التراشق وهذا الاتهام الخطير؛ فهو طعنٌ في النيَّات، واتهام باتباع الهوى، وهو يفرِّق ولا يَجمع - وهذا هو عين ما يُنكره المؤلِّف على مَن يعبِّر عنهم بفريق المضيِّقين - بل هذا الوصف لو صحَّ، فالأولى بأن يوصف به المؤلِّف نفسه، هو كما سيتضح ذلك، وعمومًا فالذي يليق في أدبيَّات النقد العلمي هو تبيينُ الخطأ فقط دون اتهام، فيقال: أخطأ في فَهم النصوص مثلًا، أو تأوَّلها على غير المراد منها؛ ظنًّا منه أنَّه مراد، أو نحو ذلك من العبارات التي لا تقدَح في النيات.
ومن ذلك قوله (ص: 53): (الرابع: (مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة)، وهو من تأليف الدكتور عبد الإله بن حسين العرفج، وهو دراسة تأصيلية تطبيقية، تناول فيها مفهوم البدعة في اللُّغة والشرع، وانقسام البدعة إلى مراتب، شارحًا معنى البدعة، مبيِّنًا وجهات النظر فيها بين الموسِّعين والمضيِّقين...).
التعقيب: أطال المؤلف في التعريف بكتاب الدكتور العرفج، مع ذكر أمثلة منه (ص: 53 - 55)، وكتابه وكتاب الدكتور العرفج مشربهما واحد، وأمثلتهما تكاد تكون متطابقة، وعباراتهما متقاربة، والمؤلِّف حينما يعرِض لكتاب أو مؤلِّف يوافقه، نجده يبالغ في الثناء عليه، مع غضِّ الطرْف عن المؤاخذات التي عليه، بينما نجده حينما يعرِض لمن لا يوافقونه لا يُعطيهم حقَّهم ويبالغ في نقْدهم واتهامهم، مثلما فعَل مع الدكتور الغامدي، بينما كتاب الدكتور العرفج - والذي عليه مؤاخذات علميَّة ومنهجيَّة - نجده قد غضَّ الطرف عنها، أو بالأحرى أقرَّها ولم يُنكرها؛ لأنه يقول بها أيضًا ويكرِّرها!
وقوله (ص: 65): (وتنقسم البدعة إلى حقيقيَّة مذمومة، وحسنة مقبولة اتِّفاقًا، وإن اختلف في إطلاق وصْف البدعة عليها، وإضافيَّة).
ثم يُقرِّر (ص: 67) قائلًا: (تعريف البدعة المحمودة: هي ما أُحدث ممَّا لا يخالف كتابًا أو سُنة أو أثرًا أو إجماعًا. قاله الإمام الشافعي. وقيل في تعريفها: (ما كان منها - أي: البِدع - مبنيًّا على قواعد الأصول، ومردودًا إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة). قاله الإمام الخطابي).
ثم يقول (ص: 68): (والبدعة المحمودة بهذه التعاريف المتقاربة يكاد يتَّفق العلماء على قَبولها، وإن اختلفوا في إطلاق وصف البِدعة عليها).
التعقيب:
من أين جاء المؤلِّف بالاتفاق على أنَّ هناك بدعة حسنة وإن اختلف في إطلاق وصف البدعة عليها؟! فكيف يكون مُتَّفقًا على حُسنها ومختلفًا في إطلاق البدعة عليها؛ مع أنَّه عدَّها من أقسام البِدعة؟!
والخلاف في هذا مشهور، والحقُّ أنَّ الكثرة الكاثرة من العلماء والأئمَّة والسلف المتقدِّمين على القول بأنَّ كل بدعة ضلالة، وأنَّ البدع كلها مذمومة، وليس هناك بدعة حسنة إلَّا ما يصدُق عليه وصْف البِدعة من جهة اللُّغة فقط، وأمَّا من جِهة الشرع، فلا توجد بدعة حسنة إطلاقًا، وما ورد من ذلك ممَّا يستشهد به إنما ورد في أمور شرعيَّة دلَّت عليها نصوصُ الأدلَّة إمَّا بالنص أو بالعمومات أو بالتمثيل؛ فهي داخلة في الشرع، وهي منه، وليست بدعةً خارجة عنه، وإن سُمِّيت بالبدعة؛ لكونها حديثةً في العمل لم تكن من قبل.
وهذه بعض أقوال السَّلف في ذم البدعة، وأنَّ الحديث على عمومه:
قال عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما: (كلُّ بِدعة ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنةً).
وسبق قول الإمام مالك: (مَن ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً، فقد زعم بأنَّ محمدًا خان الرسالة...).
وقال الإمام الشافعي: (مَن استحسن فقد شرَع).
وقال الإمام أبو عُبَيد القاسم بن سلام: (البِدع والأهواء كلها نوعٌ واحدٌ في الضَّلال).
وقال محمد عبدالحي اللكنوي الحنفي: (اختلف العلماءُ في هذا الباب على قولين: الأول: أن حديث ((كل بِدعة ضلالة)) عام مخصوص، والمراد به البِدعة السيِّئة، وقسَّموا البِدعة إلى واجبة، ومندوبة، ومكروهة، ومحرَّمة، ومباحة... والقول الثاني، وهو الأصح بالنظر الدقيق: أن حديث ((كل بدعة ضلالة)) باقٍ على عمومه، وأنَّ المراد به البِدعة الشرعيَّة).
وغيرها من النقولات الكثيرة التي يطول المقام بذكرها.
أيضًا لا بدَّ هنا من الإشارة إلى نُقطة مهمة، وهي وجوب التفريق بين المعاني اللُّغوية للكلمات والمعاني الشرعيَّة لها، وخصوصًا عند فَهم كلام أهل العلم؛ فأحيانًا يتحدَّث العالم عن المعنى اللغوي، فيأتي المستدلُّ ويستدلُّ به على أنه في المعنى الشرعي، وهذا خطأ جسيم، وهذا هو الواقع في أمر تقسيم البِدعة، فغالب العلماء الذين تُنقل نصوصهم، ويُستدَلُّ بها على هذا التقسيم، إنَّما يتحدَّثون عن المعنى اللغوي للبدعة بأنَّها كل محدَث ومخترَع ليس على مثال سابق، وهذه هي التي منها الحَسَن، ومنها السيِّئ، وهذا ما عليه عامَّة العلماء، وأمَّا من حيث معناها الشرعي فلم يُنقل عن أحد من الأئمَّة المتقدِّمين أنه قال بهذا التقسيم، وكلُّهم متَّفقون على أنَّ كل بدعة شرعيَّة ضلالة، وأوَّل مَن عُرف عنه هذا التقسيم هو الإمام العز بن عبد السلام، وتبِعه بعض الفقهاء على ذلك؛ يقول ابن حجر الهيتمي: (مطلب: في أنَّ البِدعة الشرعيَّة لا تكون إلَّا ضلالة بخلاف اللُّغوية... فإنَّ البدعة الشرعيَّة ضلالة، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ومَن قسَّمها من العلماء إلى حسن وغير حسن، فإنَّما قسم البِدعة اللُّغوية) [الفتاوى الحديثية (1/ 655)] وسيتضح هذا أيضًا في النقطة التالية:
من العجيب أن المؤلِّف يستدلُّ من كلام بعض العلماء على ضدِّ ما هو ظاهر من كلامهم، فيستدلُّ بكلامهم على أنَّ هناك بدعةً حسنة في الدِّين، وأنهم يقولون بالتقسيم، على الرغم مِن أن أدنى تأمُّل لكلامهم يوضِّح أنهم يقولون بضد ذلك، ويقصدون أمرًا غير الذي يستدل به عليه، بل هم يردُّون عليه بكلامهم! هذا في نصوص العلماء التي نقلها، فضلًا عن أنَّ نصوصًا أخرى واضحة وضوحَ الشمس تبيِّن مرادهم، وكمثال على ذلك:
قال المؤلِّف (ص: 76): (1- قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ): (البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السُّنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم). وأخرج البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال: (المحدَثات ضربان: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه بدعة الضلال، وما أُحدث من الخير لا يخالف شيئًا من ذلك، فهذه محدَثة غير مذمومة).
2- وقال الإمام أبو سليمان الخطَّابي حمد بن محمد (ت 388هـ) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل محدَثة بدعة)): (فإنَّ هذا خاصٌّ في بعض الأمور دون بعض، وهو كل شيء أُحدث على غير أصل من أصول الدِّين، وعلى غير عياره وقياسه، وأمَّا ما كان منها مبنيًّا على قواعد الأصول، ومردودًا إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة).
التعقيب: كلام الإمام الشافعي والخطابي: واضح أنَّه في الحديث عن المحدَثات بمعناها اللُّغوي، وأنَّ منها ما هو راجع إلى أصول الشرع وهو من الدِّين، فهذا ليس ببدعة، ولا يشمله لفظها، بل هو غير مذموم، وإنْ كان محدثًا أي جديدًا بحسب المعنى اللغوي.
سبحان الله: الإمام الخطابي يقول: ما كان من البدع... فليس ببدعة ولا ضلالة، والدكتور يقول عنه بدعة محمودة، ويستشهد بكلام الخطابي على ذلك!
فمقصود الخطابي أنَّ الذي جاء أنه بدعة من جِهة اللُّغة إذا كان مبنيًّا على قواعد الأصول ومردودًا إليها، فليس ببدعة في الشَّرع ولا هو ضلالة، بل هو من الشَّرع وهو هُدى، وإن كان لم يوجد سابقًا لأيِّ سبب كان، ولكن لما لم يكن مخالفًا للشرع، بل كان مبنيًّا على أصوله ومردودًا إليه، كان من شرْع ومن الدِّين، وليس ببدعة ولا ضلالة؛ فكيف يستدلُّ به على أن هناك بدعة محمودة؟! وكلمة (ما أُحدث) لا تعني ما أُحدث في الدِّين مما ليس منه بدليل قوله: (ممَّا لا يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا)؛ لأننا نقول: البدعة في الدِّين هي ما أُحدث ويخالف الكتاب والسُّنة والأثر والإجماع...إلخ.
وقول المؤلِّف (ص: 68): (والبِدعة المحمودة بهذه التعاريف المتقارِبة يكاد يتَّفق العلماء على قَبولها، وإن اختلفوا في إطلاق وصْف البدعة عليها).
التعقيب: هذا تكرار لما سبق من حكاية اتفاق العلماء عليها، وهو خطأ؛ فاتِّفاق العلماء هو على أنَّ أيَّ شيء لا يخالف الكتاب ولا السُّنة... ليس بدعةً وليس ضلالة، وهذا حقٌّ لا شك فيه، وما كان هذا وصفه لا يُوصَف أصلًا بالبدعة الشرعيَّة عند كلا الفريقين، وإنما هو مبتدَع من الناحية اللُّغوية فقط، وفَهْم سياق كلام العلماء يدلُّ على.
وقوله عن سبَبيِ التطويل في ذِكر أقوال العلماء (ص: 75): (الأوَّل: غرْس الاطمئنان بنقل أقوال العلماء بنصِّها؛ لتكون بين يَدي من يريد مطالعتها، والتحقُّق من مضمونها، وما استنبط منها. ثانيًا: ردُّ الأصوات غير المتبصِّرة التي تعلو بالقدْح في دِين وعِلم مَن ذهب إلى تقسيم البدعة).
يتعقَّب عليه بالآتي: لا يكفي نقْل نصوص العلماء، ووضعها تحت العناوين التي نريدها، بل لا بدَّ من فَهم كلامهم، والتأمل في سياقهم له؛ ليتضح لنا مقصودهم، والمؤلِّف هنا - عفا الله عنه - يستدلُّ من كلام العلماء على ضدِّ ما يقصده العلماء! وسنضرب مثالين ممَّا استشهد بهما؛ ليتبيَّن أنَّ كلام العلماء عليه لا له.
المؤلِّف يستدل بكلامهم على أنَّ هناك بدعة حسنة في الدِّين، وأنهم يقولون بالتقسيم:
فيقول (ص: 76): (3- وقال الإمام ابن عبد البر المالكي (ت 463هـ): (وأما قول عمر "نعمت البدعة"، البدعة في لسان العرب: اختراعُ ما لم يكن وابتداؤه، فما كان من ذلك في الدِّين خلافًا للسُّنة التي مضى عليها العملُ، فتلك بدعة لا خير فيها، وواجبٌ ذمُّها والنهي عنها، والأمر باجتنابها، وهجران مبتدعها إذا تبيَّن له سوء مذهبه، وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسُّنة، فتلك نعمت البدعة كما قال عمر؛ لأنَّ أصل ما فعله سُنَّة، وكذلك قال عبد الله بن عمر في صلاة الضُّحى، وكان لا يعرفها، وكان يقول: وللضحى صلاة؟! وذكر ابن أبي شيبة عن بن عُليَّة عن الجريري عن الحَكم، عن الأعرج، قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضُّحى، فقال: بدعة، ونِعمت البِدعة!).
وكلام الإمام ابن عبد البر هو من أوضح الكلام في الردِّ على الذين يقولون بتقسيم البدعة؛ فالإمام ابن عبد البر يقول: (البدعة في لسان العرب) يعني هو يتكلَّم عن البدعة اللغوية، يعني كلَّ شيء محدَث جديد وأمر حسن، وما كان من هذا القبيل في الدِّين مخالفًا له، فهو ليس منه، وهو بدعة وضلال كلُّه، بخلاف غيره الذي هو من الدِّين وليس مخالفًا له، وانظر إليه يقول: (لأنَّ أصل ما فعله عمر سُنة)!
وكذلك يتضح الرد على المؤلِّف حتى في الكلام الذي نقله عن الموسِّعين لمعنى البدعة؛ فإنهم مثَّلوا بأمور متَّفق على كونها ليست من البِدع الشرعيَّة، وإنما يصدُق عليها كونها بدعةً من حيث اللُّغة فقط، وإلَّا فهي موافقة للشرع المطهَّر؛ فهي منه، وليست خارجةً عنه؛ قال (ص: 79): (10- وقال الإمام أبو شامة (ت 665هـ): (فالبدع الحسنة متَّفق على جواز فِعلها، والاستحباب لها، ورجاء الثواب لمن حسنت نيَّته فيها، وهي: كل مبتدَع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فِعله محذور شرعي، وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل، وغير ذلك من أنواع البِر التي لم تُعهَدْ في الصدر الأول؛ فإنَّه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر).
فبالنظر إلى الأمثلة المذكورة يتَّضح مقصود العلماء من هذا التأصيل.
وقوله (ص: 89): (ولذا فقد غلط مَن اعتبر أن َّالإمام السبكي وابن رجب الحنبلي وبدر الدين الزركشي ينفون أنْ تكون هناك محدَثات حسنة أو واجبة؛ وذلك أنَّهم إنما يمنعون من تسميتها بدعًا؛ لأنَّ وصف البدعة عندهم إنما ينصبُّ على البدع الحقيقية التي لا ترجع إلى الشرع بوجهٍ من الوجوه، وليست مندرجةً تحت أصل عام يدلُّ عليها، وأمَّا ما رجع إلى الشرع بوجه من الوجوه، أو اندرج تحت أصل عام يدلُّ عليه فهو مشروع، ولكن لا يُسمَّى بدعةً).
التعقيب: تقدَّم أنه لا يوجد من العلماء أحدٌ ينفي وجود محدَثات حسنة أو واجبة؛ لا العلماء المذكورون ولا غيرهم، وأنَّ هذا ليس محل النزاع؛ لأنَّ كون هذه الأمور محدَثات هو من الناحية اللغوية فقط، وأمَّا من الناحية الشرعيَّة، فهي من الدِّين وليست خارجةً عنه، ومحل النزاع هو: هل يوجد بدعة شرعية حسنة؟! هذا هو محل البحث، وكلام الإمام ابن رجب من أصرح ما يكون؛ حيث قال: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالةٌ)) من جوامع الكلم، لا يخرُج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدِّين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))، فكلُّ مَن أحدث شيئًا ونسَبه إلى الدِّين، ولم يكن له أصلٌ من الدِّين يرجع عليه، فهو ضلالة، والدِّين بريءٌ منه)).
- ومن المآخذ على المؤلف: كلامه في مسألة الترك..
ومن المؤاخذات المنهجيَّة على المؤلِّف كلامه عن مسألة الترك، وأيضًا تطبيقاته على هذه المسألة: فالمؤلِّف يقرِّر مرجحًا أن (الترك) - وهو عدم فِعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام وسلف الأمَّة للشيء، مع وجود المقتضِي، وانتفاء المانع، من غير نهي شرعي عنه - لا يدلُّ على المنع أو التحريم لذلك الشيء المتروك أو كراهته، ولا يكون فاعله مبتدعًا ولا آثمًا، سواء كان ذلك المتروك قد وُجدت مقتضيات فِعله في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أو لا، وأنَّ الترك الذي هو محلُّ النزاع هو الترك المقصود، وأنَّ الترك المقصود إذا تجرد من القرائن إنما يدلُّ على جواز الترك؛ لا على وجوب أن نترُك ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ يذكُر تقريرات جماعاتٍ من أعيان الفقهاء ورؤوس العلماء على ذلك (ص: 198 - 226).
يقول المؤلِّف (ص: 198) معرِّفًا للترك المتنازَع فيه بأنَّه: (عدم فِعل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأمرَ مع وجود المقتضِي، وانتفاء المانع، من غير نهي شرعي. ويمكن تعريف الترك عند مَن يعمِّم الاحتجاج بعدم فِعل الصحابة والسَّلف بأنه: عدَمُ فِعل الشيء من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته وسلَف الأمَّة مع وجود المقتضي، وانتفاء المانع، من غير نهي شرعي. ولا شكَّ أنَّ هذا التعريف إنَّما هو تعريفٌ للترك المتنازَع في حُجِّيته).
ثم يقول (ص: 205): (وعليه، فإنَّ ترْك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأمر من الأمور لا يدلُّ على حُرمة المتروك، أو كراهته، ولا يكون فاعله مبتدعًا ولا آثمًا، سواء كان ذلك الترك قد وُجدت مقتضيات فِعله في زمَن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أو لا).
والتعقيب على هذه المسألة ينتظم في عِدَّة نقاط:
أولًا: أنَّ ترْك النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأشياء أقسام وأنواع، والصَّحيح: أنَّ كل أمرٍ ترَكه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وداوم على ترْكه، مع وجود المقتضِي لفعله والحاجة إليه، وانتفاء الموانع التي تمنعه من ذلك، مع وجود قرائن احتفَّت بهذا الترك تبيِّن وتوضِّح أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم إنما ترك هذا الأمر بيانًا لأمَّته، وتشريعًا بأنَّ هذا الأمر لا يجوز فِعله - الصحيح: أنَّ هذا الترك سُنَّة كالفعل سواء بسواء، وأنَّ فِعْلَ ما تركه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ممَّا كان على هذا الوجه المذكور، بدعةٌ وضلالة لا تجوز، هذا بخلاف أقسام التروك الأخرى، كالترْك المجرَّد، وما كان بسبب العادة، أو النسيان، أو لأيِّ معنى آخَر من المعاني...إلخ، فكل هذه التروك خارج محلِّ النِّزاع.
ثانيًا: المآخِذ على المؤلِّف في تقرير هذه المسألة:
المتأمِّل لكلام المؤلِّف يجد أنه لم يضبط المسألة ضبطًا جيدًا، وأنه قرَّر فيه تقريرًا يفتح الباب على مصراعيه لدخول كثيرٍ من البدع في الإسلام، بزعم أنَّها لا تخالف الشريعة، وأن لها أصولًا ترد إليها، وأن ترك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته والسلف الصالح لها لا دلالة فيه على المنع ولا التحريم...إلخ، كما هو الواقع في الأمثلة التي ذكرها في الجانب التطبيقي، مستدلًّا على مشروعيته بهذا التأصيل.
ففي البداية عدَّد المؤلِّف في (ص:198) بواعث التَّرك، وذكَر منها: العادة، والنسيان، والترك خشية الفرضية، والترك لتأليف القلوب، والترك عملًا بمكارم الأخلاق، والترك بسبب الانشغال، والترك لعدم الحاجة...إلخ، وهذه الأقسام كلها لا نزاع في أنَّها لا تدلُّ على المنع أو التحريم، مع ذلك لم يذكر باعثَ الترك الذي هو محلُّ النزاع، وهو الترك المقصود به التشريع أو البيان، وهو ما يُطلق عليه بالترك التشريعي أو البياني، والذي وُجِد المقتضي له، والحاجة إليه، وانتفى المانع منه، مع مدوامة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه، واحتفاء قرائن تدلُّ على أن هذا الترك هو للتشريع بأنَّ فِعله لا يجوز، وهو بيت القصيد من الكلام، وهو الذي تكلَّم عنه العلماء، وقرَّروا أنَّه سُنَّة كفعله صلَّى الله عليه وسلَّم سواء بسواء.
ثم ذكر المؤلِّف في (ص: 209 – 226) تقريرات العلماء على أنَّ الترك ليس دليلًا على المنع، والمتأمِّل لذلك يجد أنَّ بعض العلماء الذين نقل المؤلِّف كلامهم، إنما يتحدَّثون عن مجرَّد الترك، وليس هو الترك المقصود منه التشريع، والذي قد وُجد المقتضي له، والحاجة إليه، وانتفى المانع من فعله، ومع ذلك ترَكه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتفَّت به القرائن على أنه صلَّى الله عليه وسلَّم إنما تركه بيانًا وتشريعًا لأمَّته، وأنه لا يجوز، وأنَّ إحداثه بعد ذلك يكون من البدع.
وقد خلَط المؤلِّف في قوله (ص: 226): (وخلاصة هذا المطلب: أنَّ الترك الذي هو محلُّ النزاع هو الترك المقصود، وأنَّ الترك المقصود إذا تجرَّد من القرائن إنما يدلُّ على جواز الترك؛ لا على وجوب أن نترك ما ترك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم).
فكيف الحال مع الترك المقصود الذي احتفَّت به القرائن ولم تتجرَّد عنه، وهو محلُّ النزاع أصلًا؛ لأنَّ الترك المقصود إذا تجرد عن القرائن فليس محلًّا للنزاع؟!
* وأيضًا حينما عرَض المؤلِّف هذه المسألة وذكَر أنَّ فيها قولين للعلماء، فذكر هذا القول أولًا ولم يناقشه، مع أنه عَنْونَ له بـ(ذكر أدلة هذا الفريق ومناقشتها)، ولم نجد أيَّة مناقشة، وحينما عرَض الرأي الآخَر، ذكر أنَّه ذهب إليه (بعضٌ من العلماء)، ثم ناقشة مناقشةً مستفيضة، بما هو أيضًا محلُّ نظر؛ فهل هذا من الإنصاف؟!
ولا يسع المقام لعرْض هذه المناقشات والتعقيب عليها.
* والأخطر في تقرير هذه المسألة: أنَّ المؤلف يأتي بعد ذلك في الجزء التطبيقي، ويستدلُّ على مشروعية بعض البِدع في الاعتقادات والعبادات والعادات، بهذه القاعدة، وهي أنَّ الترك لا يدلُّ على المنع!
وندلِّل على هذا الخلل في التطبيق والاستدلال بمثال من كلِّ قسم:
المثال الأوَّل: من بدع الاعتقادات:
تأويل صفات الله تعالى:
يقول المؤلِّف (ص: 327): (وذِكرنا للتأويل تحت بِدع العقائد إنَّما هو من حيث كونُه منهجًا مسلوكًا، وأمَّا وجود التأويل في آحاد المسائل، فإنَّه ثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، وثابت عن التابعين، ومِن ثَمَّ فلا يصحُّ وصْف ما نُقل عن أولئك السادة القادة أنه بدعة، ولكن لمَّا صار التأويل منهجًا له قواعده وأُسسه في باب العقائد عمومًا، وفي الصفات الخبرية خصوصًا، ساغ أن يدرج ذلك في البدع الإضافية التي أصْلُها منقول، وما هي عليه من الوصف والاطراد غير منقول).
ويقول - في تقرير أن التأويل كان في زمن الصَّحابة - (ص: 331): (ومن تأمل ما ورد من التأويل في صفات الله سبحانه وتعالى يجد بوضوح أن أول ذلك كان في زمن الصحابة رضي الله عنهم، ومضى على ذلك أئمة التابعين، ثم كثر بعدهم عندما بدأ عهد التصنيف والتأليف، ثم تتابع العلماء على ذلك دون نكير، وقد دونت تلك التأويلات في كتب المفسرين، وفي كتب الحديث عند ذكر التفاسير المسندة، وفي كتب العقائد، وأورد هنا طائفة من تلك التأويلات التي تثبت أن بدعة التأويل بدعة حسنة إن انضبطت بالقواعد التي ذكرها أهل العلم).
فهنا أدرج المؤلِّف (التأويل) في البِدع الإضافيَّة، من حيث كونه منهجًا مسلوكًا، وعليه فليس مذمومًا، حتى لو تركه الصحابة والتابعون، بهذا الوصف الذي وصف، وهذا خطأ من المؤلف، وتوضيحه كالآتي:
كلامه عن التأويل وأنَّه كان في زمن الصحابة رضي الله عنهم...إلخ، فهذا من أعظم الافتراء عليهم، وزعمه بأنه بدعة إضافية ومِن ثَمَّ تكون حسنة أيضًا، مردود بما تقدَّم ذِكره. والمتواتر عن الصحابة الكرام وتابعيهم بإحسان أنهم لم يخوضوا في التأويل المذموم الذي هو صرف المعنى عن ظاهره بزعم أن ظاهره غير مراد أو أنه غير لائق بالله تعالى، وهذا الذي جرى عليه أهل الكلام بعد القرون المفضَّلة، وما ورد عن الصحابة والسلف من ذلك مما يستدلون به على أنهم يؤولون الصفات؛ فله أحوال: إما أنها غير ثابتة عنهم أصلًا، وإما أن هذه الآيات لا تدخل في الصفات أصلًا، وإما أنهم فسروها تفسيرا صحيحا بالمثال، ولم يتعرضوا لنفي أصل الصفات بالتأويل المذموم، والتفصيل في هذا وذكر أمثلة عليه يطول أيضًا، ويكفي فقط في هذا المقام أن نذكر طائفة من أقوال الأئمة الأعلام على أن مذهب السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سلك سبيلهم، هو إمرار نصوص الصفات على ما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل باطل، مع نفي التشبيه والتكييف أيضًا.
قال الإمام ابن جرير الطبري (ت: 210 هـ): (القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالًا ... وذلك نحو إخباره عز وجل أنه: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 61]، وأن له يَدينِ بقوله : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وأنَّ له يمينًا؛ لقوله : {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه} [الزمر: 67]، وأنَّ له وجها بقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقوله : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، وأنَّ له قدمًا بقول النبيِّ: ((حتَّى يضع الربُّ فيها قدَمَه))... فإن قيل: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيُه، وجاء ببعضها رسولُ الله؟
قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أنْ نُثبت حقائقها على ما نَعرِف من جهة الإثبات، ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جلَّ ثناؤه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]). [((التبصير في معالم الدين)) للطبري (ص: 132 - 140)].
وقال الإمام ابن منده (ت: 359هـ): (إن الأخبار في صفات الله جاءت متواترة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم موافقةً لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرنًا بعد قرن ، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات والمعرفة والإيمان به والتسليم... وكان ذلك مفهومًا عند العرب غير محتاج إلى تأويلها) ا.هـ [التوحيد: (3/ 7)]
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (ت: 449هـ) : (...وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغيرها، من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله...) [((عقيدة السلف وأهل الحديث)) (ص: 37 - 39)].
وقال الإمام الأصبهاني الشافعي (ت: 535هـ) - وقد سئل عن صفات الرب سبحانه - فقال: (مذهب مالك والثوري، والأوزاعي والشافعي، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، وأحمد، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه: أنَّ صفات الله التي وصَف بها نفسه، ووصفه بها رسولُه من السمع والبصر والوجه واليدين، وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يُتوهَّم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل؛ قال ابن عيينة: كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره، ثم قال: أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل). [العلو للعلي الغفار (ص: 263)]
وقال الحافظ الذهبي الشافعي (ت: 748هـ): - في رسالته إثبات صفة اليد، بعد أن ذكر أكثر من خمسين حديثًا وأثرًا في إثبات الصفة -: (والأحاديث في إثبات اليد كثيرة، وهذه قطعة من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ..." إلى أن قال: (ويقال أيضًا: نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل، وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والأحاديث في الصفات وحدَّث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم...). [((إثبات صفة اليد)) للذهبي (ص: 36)].
وقال أيضًا: (لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف : "الاستواء معلوم"، وكما قال سفيان وغيره: "قراءتها تفسيرها"، يعني: أنها بينة واضحة في اللغة، لا يُبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضًا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته). [العلو للعلي الغفار (ص: 251)]
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (... ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئًا من ذلك، ولا أخرجوه عن مدلوله، بل روي عنهم ما يدل على تقريره والإيمان به وإمراره كما جاء). [((فتح الباري)) لابن رجب (7/ 228)].
وغير ذلك من الأقوال والنقولات المتكاثرة عن العلماء والأئمَّة في كل عصر ومصر، والتي لا يسعها الحصر؛ فكيف يسوغ للمؤلِّف بعد ذلك أن يدعي أن التأويل بدأ منذ عصر الصحابة؟!
ومن المؤاخذات كذلك في مسألة التأويل:
قوله (ص: 327): (وبالنظر في أقوال أهل العلم في مسألة التأويل يمكننا أن نقسمهم إلى أربع طوائف:
الأولى: ذهبت إلى منع التأويل معتقدةً في نصوص الصفات الخبرية ظواهرها اللُّغوية، وهؤلاء هم المجسِّمة، وسأفرد الحديث عنهم في مبحث مستقل).
وقوله (ص: 343): (وسبب سلوكهم للتأويل هو ظهور أهل البدع من المشبِّهة والمجسِّمة الذين حملوا نصوص الصفات على ظواهرها المعهودة، ولم يراعوا أساليب العرب في الخطاب، فضاق عطنهم، وظنوا أن تعاطي التأويل نوع من التحريف والتعطيل، ولم يفرِّقوا في نقدهم بين ما يسوغ من التأويل وما لا يسوغ، مع أن تأويلات أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية لا تخرج عن قانون اللغة، وتوافق أصل التنزيه الجامع، وهو قوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]).
التعقيب:
أولًا: الطائفة التي أسماها المؤلِّف المجسِّمة هم الذين يثبتون الصفات الخبرية ويعتقدون ظاهرها ويمنعون تفويض وتأويل معناها، وهذه هي عقيدة السَّلف وعقيدة أهل السنة والجماعة منذ عهد الصحابة، وإلى يوم الناس هذا، وسيأتي كلامهم في نفي الشبيه والمثيل ونفي التجسيم، فليس إمرار النصوص على ظاهرها، وإثباتها على حقيقتها يعني التجسيم والتشبيه، بل كلهم مصرِّحون بنفي الشبيه والمثيل والتجسيم عن الله تعالى؛ واقفين عند قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ذمَّ السلف مَن كان يزيد في الإثبات على ما جاء في الكتاب والسنة من المشبِّهة والمجسِّمة كما وجد هذا في كلام غير واحد من السلف رضي الله عنهم، فيذمونهم ذمًّا خاصًّا على ما زادوه من الباطل، وما وصفوا الله تعالى به مما هو مُنزَّه عنه كما يذكر عنهم من المقالات الباطلة، وذموهم على التجسيم الذي ابتدعوه وخالفوا به الكتاب والسُّنة، ولم يكن في كلامهم نفي عام وذم عام، كما يوجد في كلام النفاة وهؤلاء السلف والأئمة الذين ذكرنا مدحهم وذمهم قد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم والمؤمنون شهداء الله في أرضه وهم الذين يُعتدّ بإجماعهم في الدين فإذا كانوا مجمعين على ما ذكرناه كان ذلك ثابتًا بالكتاب والسنة...) [بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (5/ 397)].
ثانيًا: في قول المؤلِّف: (تأويلات أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية لا تخرج عن قانون اللغة، وتوافق أصل التنزيه الجامع...)، نظر من وجهين:
الأول: ظاهر كلام المؤلِّف أنَّ أهل السُّنة هم الأشاعرة والماتريدية، وهذا من الأخطاء أيضًا، فهم مخالفون لكثير من أصول أهل السنة والجماعة، خصوصًا في باب الصفات، وباب الإيمان والقدر، وهذا أقرَّ به أئمتهم، فضلًا عن أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح؛ يُنظر في ذلك بحث براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة، سلطان بن عبد الرحمن العميري على هذا الرابط: https://dorar.net/article/1555
الثاني: أن تأويلات الأشاعرة والماتريدية، لا توافق التنزيه، وهي خارجة في كثير منها عن قانون اللغة؛ وكمثال واحد على ذلك: معلوم أنهم يؤولون صفة اليد بالنعمة أو القدرة، وقد نصَّ الإمام الأشعري نفسه على خلاف ذلك حيث قال: (وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملتُ كذا بيدي، ويعني به النعمة .وإذا كان الله عز وجلَّ إنما خاطب العرب بلغتها، وما يجري مفهومًا في كلامها، ومعقولًا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلتُ بيدي، ويعني النعمة، بطَل أن يكون معنى قوله تعالى : {بيدي} النعمة...) ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 126).
المثال الثاني: من بدع العبادات: الاحتفال المولد النبوي:
يقرِّر المؤلف في مبحث كامل من كتابه، مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وتعظيمه، وأنَّ الاحتفال المقصود بالحديث والذي حصل فيه الخلاف – يقرر أنه حادث بعد القرون الثلاثة الأولى، ومع ذلك يقرر أنه مشروع وأنه ذهب إلى هذا جمهور العلماء من المذاهب الأربعة.
ثم قال (ص: 499): (القول الثاني: عدم مشروعية المولد، وذهب إلى هذا عدد قليل من العلماء، ومن أولئك العلامة الفاكهاني المالكي، والعلامة ابن الحاج المالكي).
التعقيب:
المؤلِّف حينما يقرر مشروعية هذا الاحتفال يقرره بناءً على التأصيل الذي أصله في مسألة تقسيم البدعة ومسألة الترك، فالاحتفال عنده بدعة لكنه بدعة حسنة، ثم إن ترك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته وتابعيهم وتابعيهم لهذا الاحتفال بهذه الصورة، وإحياءه كل عام، هذا الترك عنده ليس دليلًا على المنع!
وهذا التأصيل سبق التعقيب عليه.
وهناك تعقيب على نقطة أخرى وهي قول المؤلف: (وذهب إلى هذا عدد قليل من العلماء،) فالمؤلِّف يقرر في غالب المسائل التي يراها صوابًا أنها مذهب الجمهور، وما لم يذهب إليه قال به قلة من العلماء، وقد تكررت في أكثر من موضع!
وها هنا إشارة إلى ثلاث نقاط منهجيَّة مهمة في هذه المسألة:
الأولى: أنَّ الرجال يُعرَفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، ولا يعرف الحق بالكثرة، نعمْ رأي الجمهور في الغالب الأعم يكون صوابًا، ورأي الأكثرية من العلماء والفقهاء خصوصًا المتقدمين قلَّما يكون خطأ، ولكن رأيهم طالما لم يثبت فيه إجماع، فيسيري عليه ما يسري على البشر من احتمال تطرق الخطأ إليه، فليس من علامة الصواب أن يكون رأي الجمهور دائمًا.
الثانية: أن من الإنصاف ومن أدبيات البحث العلمي الصحيح ذكر كل الآراء بعدل وإنصاف ثم بعد ذلك يأتي الترجيح، أما أن يذكر الباحث آراء من يعتقد رأيهم ويستكثر منها ويستقصي فيها، ويقصر أو يهمل القائلين بالرأي الآخر المخالف له، ثم يدعي أن هذا هو رأي الجمهور، فهذا لا شك من خلل المنهج العلمي، وليس من العدل والإنصاف، بل هو موهم غير الحقيقة.
الثالثة: أنه لا يكفي مجرد نقل أقوال العلماء والاستكثار بها، والاستشهاد بها على أمر معين، حتى يتأكد تمامًا أنها صحيحة في موطن الاستشهاد، مع تأمل سياقها الذي أورده العلماء فيها.
وبعدَ هذا يتضح الخلل الذي ظهر عند المؤلف في كتابه هذا، في زعمه بأن القول بعدم مشروعية الاحتفال بالمولد: (ذهب إليه عدد قليل من العلماء)، وأيضًا فهذا الكلام لا يسلم للمؤلِّف؛ فهناك طائفة كبيرة من العلماء والفقهاء قالوا بعدم المشروعيَّة؛ غير اللَّذينِ ذكرهما، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشاطبي - والعجيب أنهما محل دراسته، مع ذلك لم يشر إليهما!- وأيضًا الحافظ أبو زرعة العراقي، والملا علي القاري، وكذا أقرَّ العالِمَين اللَّذين ذكرهما المؤلف (الفاكهاني، وابن الحاج): الشيخُ العدويُّ المالكي في حاشيته على مختصر خليل، والشيخ محمد عليش المالكي في (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك). وقال ببدعيته كذلك من المعاصرين جمهرةٌ كبيرة كالشيخ محمد رشيد رضا، والشييخ محمد الغزالي، والشيخ محمد عبد السلام الشقيري الحوامدي، والشيخ ناصر الدي الألباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين..
ونقل كلامهم وردودهم على من أجازوا ذلك يطول، ويكفي فقط نقل بعضه، ومن أراد الاستزادة من ذلك وجدَها في مظانِّها سهلة ميسورة:
قال ابن تيميَّة في ((الفتاوى الكبرى)) (4/ 414): (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال " عيد الأبرار "، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه، وتعالى أعلم)، وينظر أيضًا: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 40).
وقال الإمام الشاطبي المالكي - بعد أن عدد أنواعًا من البدع: (ومنها: اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا) [الاعتصام (ص: 34)].
وقد أُشبع هذا الموضوع بحثًا؛ فلا فائدة من الإطالة فيه، والمقصود فقط هو بيان أن القائلين بعدم مشروعيته ليسوا قلَّة كما ذكر المؤلف، بل الذين استحسنوه نصوا على أنه بدعة، وقصارى جهدهم أنهم حاولوا تخريجه على بعض الأصول الشرعية، وهذا التخريج فيه نظر أيضًا.
المثال الثالث: من بدع العادات: الاحتفال بالمناسبات:
يقول (ص: 528): (المناسبات التي تمر بالإنسان وأهل بيته ومجتمعه كثيرة، فمنها ما هي مناسبات دينية كالعيدين وأيام التشريق، والإسراء والمعراج، وغزوة بدر، ومنها مناسبات دنيوية عالمية كاليوم العالمي للغذاء أو البيئة أو الامتناع عن التدخين أو مكافحة المخدرات أو الطفولة أو المعاقين أو مكافحة التصحر والجفاف، وغيرها كثير. ومنها مناسبات إقليمية كأسبوع المرور الخليجي، ويوم البيئة الخليجي، ومنها مناسبات خاصة بكل دولة، كعيد استقلال، أو عيد انتصار، أو عيد اتحاد، ومنها مناسبات خاصة بالأشخاص كيوم مولده أو مولد أحد أولاده أو أقاربه أو أصحابه... ثم ذكر في الهدف من التذكير بالمناسبات:
عند التأمل في المناسبات المذكورة فسنجد أنها تشير وتذكر إما بنعمة دينية أو نعمة دنيوية حصلت، أو بالمحافظة على نعم دينية أو دنيوية، والتذكير بالنعم الحاصلة لشكرها والمحافظة عليها أمر مشروع).
ثم قال في (ص: 532): (وأما المناسبات الدينية فما كان منها منصوصًا كالعيدين فلا إشكال في إحيائه بالمشروع فيه، وما لم يكن منصوصًا عليه فإن الاحتفال به إن كان بأمورٍ مشروعة كحمد الله تعالى على تلك النعمة، والتذكير بها وبما حصل فيها).
فهذه الأفعال تركها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته والسلف الصالح وما بعدهم من القرون أيضًا، مع وجود مقتضياتها وانتفاء موانعها، ومع حرصهم أكثر ممن جاء بعدهم على شكر نعمة الله تعالى، وعلى تجديد هذا الشكر؛ فهل يقال: إن الأجيال التي جاءت بعدهم أكثر شكرا وأحرص عليه منهم؟! وحتى لو سلمنا جدلا بأن الترك ليس دليلا على عدم مشروعية هذه الاحتفالات، والتي لا حرج في تسميتها أعيادا من الناحية اللغوية – كما يقول المؤلف – أليس في القول بمشروعيتها يتناقض المؤلِّف بين التأصيل النظري والتطبيق العملي، فقد أصَّل أن من ضوابط رد المحدثات: و(أن يكون الفعل مصادمًا لتوجيه الشارع)؛ فكيف نجوز الاحتفال بهذه المناسبات مع أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه النووي وابن حجر والألباني]؛ أليس قد أبدلنا الله تعالى خيرا من هذه الأيام التي يحتفل فيها وتؤخذ إجازة من الأعمال ويكثر فيها اللعب ومظاهر الأعياد؟! فظهر بهذا أن الاحتفال بهذه المناسبات مصادم لتوجيه الشارع.
ومن خلال ما سبق من أمثلة، والتعقيب عليها يتضح أن المؤلف الدكتور العصري لم يلتزم في الجزء التطبيقي بالقواعد النظرية التي أصَّلها في كتابه عند التطبيق على المسائل، ولا يسع المقام كذلك إلى بيان المسائل التطبيقية التي قال بمشروعيتها، وتأمل كل الضوابط التأصيليَّة التي ذكرها المؤلف وبيان أنها تنطبق عليها أم لا، فكثير منها حقها الرد لا القبول، حتى على القواعد التي ذكرها المؤلِّف نفسه.
والحمد لله ربِّ العالَمين، وهو الهادي سبحانه إلى طريق الهُدى والرشاد.