التعريف بموضوع الكتاب :
تيَّارُ التغريبيِّين هو مِن أعظم ما ابتُليت به الأمَّة المسلمة اليوم, ذلك التيَّار المسخ الهجين، الذي أصبح ينخَر في الأمَّة من داخلها، ويهدم بُنيانها وقواعدها, بل أصبح أكثر ضررًا وخطورةً من العدوِّ الظاهر, حقَّ أن يكونوا ((هم العدو)) الذي يجب الحذرُ منهم واتقاؤهم؛ كيف لا؟! وهو التيار الذي ينطق باللِّسان العربي, ويتزيَّا بزيِّه, ويعيش في كَنفه وضمن مكوِّناته, ويدَّعي أنَّه منه وفيه, إلَّا أنَّه مباين له, منفصل عنه فكرًا, وعقيدة, ومنهجًا, وهوًى؛ لينطق باسم مَن تَشرَّب بأفكارهم, وتضلَّع بعلومهم, ورضَع من لبان مناهجم، حتى صار لا يستطيع منها فطامًا، ولا عنها انفصالًا, بل تعدَّى الأمر أكثرَ من ذلك بدعوته للأمَّة جمعاء أن تَسير سيرَه, وتحذو حذوَه، في تغريبه، وتنكُّره للدِّين والمبادئ والأخلاق والقِيَم.
وكتاب هذا الأسبوع يتحدَّث عن هذا التيَّار في تعامله مع النظريَّات العلميَّة الحديثة, مبيِّنًا ضررَ هذا الاتجاه وخطره على الأمة. وقد تألَّف هذا الكتاب من مقدِّمة، وتمهيد, وثلاثة أبواب، وخاتمة:
أما المقدِّمة، فجاءت مقدِّمةً ضافية، تحدَّث فيها المؤلِّف عن أهميَّة الموضوع، وأسباب اختياره له، وهدَف البحث، وعن الدِّراسات السابقة في ذات الموضوع, ومنهج الدِّراسة، والخُطَّة.
وفي التمهيد: بدأ المؤلِّف بالحديث عن النظرية العلميَّة, فتكلَّم عن العلم وأوضح المرادَ به, وتحدَّث عن العِلم الحديث ونظريَّاته، والطَّريق إليهما, وتحدَّث عن مكانة النظريَّة في المنهج العِلمي, وعن تعريفها ووظائفها, وطريقة التحقُّق من صحَّتها, وغير ذلك.
وتحدَّث في التمهيد كذلك عن أسباب نشأة الاتِّجاه التغريبي؛ فبعد أن عرَّف هذا الاتجاه قسَّم أسباب نشأته قِسمين:
القسم الأوَّل: الأسباب العامَّة التي حذَّر منها الوحي: كالجهل, والهوى, والتقليد, والفُرقة والافتراق, والنِّفاق, والتشبُّه بالكفَّار.
القسم الثاني: وهي الأسباب الأخرى الجزئيَّة, كالضَّعف والتخلُّف العام الذي لَحِق بالعالم الإسلاميِّ في العصور الأخيرة, والاتِّصال بالغرب, والبيئة العلميَّة والثقافيَّة الجديدة, ودور وسائل الإعلام, والطِّباعة والتَّرجمة, ودور الأقليَّات الدِّينيَّة, وغيرها من الأسباب. ثم تحدَّث المؤلِّف عن الموقف الإسلاميِّ من العلوم التجريبيَّة وأمثالها.
انتقل الحديث بعدَ ذلك إلى أبواب الكتاب الثَّلاثة:
فتناول الباب الأوَّل نشأة الانحرافات المرتبطة بحركة العِلم الحديث وظهورها في العالم الإسلامي، وقد تألَّف هذا الباب من خمْسة فصول:
أمَّا الفصل الأوَّل: فعرَّف فيه المؤلِّف الثورةَ العلمية الحديثة تعريفًا موجزًا, وذكر ممهِّداتها كمحاولة الأوربيِّين تجاوزَ الترِكة الأرسطيَّة المتغلغلة في أواخر العصور الوسطى الأوربيَّة, وأثَر عصْر النهضة والإصلاح الدِّيني، الذي عدَّه المؤلف أمرًا داخليًّا, بينما ذكَر أمرًا آخرَ خارجيًّا، وهو أثَر العلم المنقول من بلاد المسلمين في ظهور الثورة العلميَّة.
ثم تحدَّث عن معالم الحدَث في الكتابات الفكريَّة، والأحداث التي أسهمت في حدوث الثورة العلميَّة, كما تناول الفترات الزمنيَّة التي تلت الثورة العلميَّة، وما ظهر فيها من نظريَّات وأفكار مخالفة للدِّين, ابتداءً من القرن الثاني عشر الهجري - الموافق للقرن الثامن عشر الميلادي، إلى القرن الرابع عشر الهجري - الموافق للقرن العشرين الميلادي، وتناول ما ارتبط بها من نظريَّات.
وفي الفصل الثاني كان الحديثُ عن أسباب وجود الانحراف المصاحِب للتطوُّر العلمي الحديث, وهنا يبيِّن المؤلِّف الفرق بين أسباب تقدُّم العلم، وأسباب انحرافه, وأنَّه حين يبحث عن أسباب انحراف العِلم؛ فإنَّه يَعني بذلك عندما يُوضَع العلم في خِدمة الانحرافات الفكريَّة والأيدلوجيَّة, وعندما تخرج نظريَّات وفرضيات مخالفة صراحةً للدِّين, وعندما يُستغلُّ هذا العلم من قِبل فئات تُبغض الدِّين. وقد ضرب المؤلِّف أمثلةً عِدَّة تبيِّن المقصود من مفهوم الانحراف بالعِلم.
تطرَّق بعد ذلك إلى الدَّور الذي لعبتْه الكنيسةُ في إفساد العلاقة بين العِلم والدِّين, ودور العلمانيَّة, والفِكر المادي, والمذهب التَّجريبي الحسِّي والوضعي, ودَور اليهود في الانحراف بالعِلم عن مساره.
وخصَّص المؤلِّف الفصل الثالث للحديث عن تاريخ تكوُّن الانحرافات المصاحِبة لحركة العلم الحديث في العالم الإسلاميِّ، وتأثيرها في الفِكر التغريبي العربي المعاصِر. وبدأ المؤلف بالحديثِ عن حال العالَم قبل الإسلام, وما الذي تغيَّر بعد بعثة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم, وما حصَل من انقلاب هائل في العالم بظهور هذا الدِّين, ثم تحدَّث عن أثر الإسلام في توجيه أهلِه نحوَ العلم, وما نتَج عن ذلك من العلوم التي استفاد منها العالمُ أجمعُ, ومِن ثَمَّ الهبوط الذي أوصل الأمَّةَ إلى حالة الضَّعف والانحراف في العصور الأخيرة, ممَّا أدَّى إلى النظر إلى هذا الضعف ومحاولة الإصلاح, والدعوة إلى النُّهوض, وما صاحَبَها من طلب العلوم العصريَّة، التي أنتجت الحضارةَ الأوربيَّة المدهشة, ومحاولة نقْلها إلى العالم الإسلامي, والتجارِب المختلفة في ذلك، التي باءتْ بالفشل مع تسبُّبها في دخول الانحرافات الفكريَّة أيضًا!
كما تحدَّث المؤلِّف عن عدد من هذه التجارِب، كالتجارب العربيَّة, وتجربة بعض بلاد المغرب العربي, والتجرِبة الفارسيَّة, ثم ختَم المؤلِّف هذا الفصل بذِكر صُورِ تعرُّفِ المجتمعِ على العلوم العصريَّة، وما يرتبط بها من مناهج ونظريَّات.
ثم عقَد المؤلِّف فصلًا رابعًا، تناول فيه أسبابَ دخول الانحرافات المصاحِبة لحركة العِلم الحديث إلى البلاد الإسلاميَّة؛ ومن الأسباب التي ذكَرها:
1. ضَعْف مؤسَّسات الأمَّة العلميَّة.
2. ضَعْف المدرسة الحديثة ومشكلة مدارس الأقليَّات.
3. دور الصَّحافة.
4. دور التيَّارات الفكريَّة الوافدة وتنظيماتها، كالماسونيَّة، والسيمونيَّة.
5. دَور الاستعمار.
6. أثَر مشاركة التيَّار التغريبي في البيئة الثقافيَّة الجديدة.
أمَّا في الفصل الخامس، فيتحدَّث فيه المؤلِّف عن أبرز المواقف العلميَّة والفكرية في العالم الإسلامي، من العلوم الحديثة ومناهجها، فبعد أن مهَّد أبتمهيد تناول فيه الأصولَ الثقافيَّة للوضع المعاصر, تحدَّث عن ثلاثة مواقفَ علميَّة وفكريَّة في العالم الإسلامي، وهي:
1. موقف الاتِّجاه السَّلفي: وهو موقف يدْعو للتأصيل الإسلاميِّ للعلوم الحديثة, وبيَّن أنه مرَّ بأربعِ مراحل، وهي: مرحلة الدَّعوة إلى التوحيد ونبْذ الشرك, والمرحلة الثانية: تتركَّز على نشْر العِلم, والمرحلة الثالثة: تتركَّز على الموقف من الأفكار الجديدة التي ظهرت مؤخَّرًا, والمرحلة الرابعة: هي مرحلة الجُهد الحضاري الذي يقدِّم رؤيةً جديدة تَنبِثق من الإسلام؛ لتكون البديلَ عن الحضارات القائمة حولنا، والمهدِّدة لوجودنا وحضارتنا, مع استصحاب الثَّلاث المراحل السابقة, وقد ذكَر له المؤلِّف عددًا من النماذج المختلفة التي تبرز مواقفَه الجليلة, كالشيخ محمود شكري الألوسي, والشيخ عبد الرحمن السعدي, والشيخ محمد الشنقيطي, والشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمهم الله جميعًا.
2. موقف الاتِّجاه العصرانيِّ، وهو الاتجاه الذي يدعو إلى تأويل ما تُوهِّم تعارضُه من النصوص الشرعيَّة مع العلم الحديث.
3. موقف الاتجاه التغريبي الداعي لتقديم العِلم، وعدم ربْطه بالدِّين.
ثم يأتي الباب الثاني، وقد جعله المؤلِّف للحديث عن التأثر المنهجي في الفكر التغريبي بالانحراف المصاحِب للعلم الحديث، وجاء ذلك في ثلاثة فصول:
أمَّا الفصل الأوَّل منها: فتناول التأثُّر المنهجي في مصدر التلقِّي وطرق الاستدلال، أمَّا عن مصدر التلقِّي، فقد أوضح المؤلِّف أنَّ أسباب الانحراف فيه هي التبعيَّة للغرب, وظروف الصِّراع وأحواله. كما تحدَّث عن مكانة الوحي في التصوُّر الإسلامي، وصُور إقصائه كمصدر للعِلم عند المتغرِّبين, وعن التأثُّر المنهجي في منهج الاستدلال عندهم.
وفي الفصل الثاني تحدَّث عن التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع قضايا الغيبيَّة الاعتقاديَّة, موضِّحًا معنى الغيب وأقسامه في التصور الإسلامي, ومشيرًا إلى أنَّ ثمَّة ارتباطًا وثيقًا بين الانحراف في الغيب وبين الانحراف في الربوبيَّة، ومعدِّدًا الأصول التي يقَع فيها الانحرافُ بالغيب، كمفهوم الطبيعة والصُّدفة, ومفهوم العمية الضيِّقة الحسيَّة, ومفهوم الأسطورة. كما قدَّم نماذج تغريبة انحرفت في باب الغيب، كلويس عوض, وهشام شرابي, وحسن حنفي وغيرهم, وقام بمناقشة المشكِّكين في الغيب، أو المنكرين له بدَعاوى علميَّة.
ثم شرَع المؤلف بذكر أمثلة للتأثُّر المنهجي، وبيان خُطورتها الاعتقاديَّة في عِدَّة أبواب، وهي:
1- في باب بداية الخَلق، ووجود الكون.
2- في باب خَلْق آدم عليه السلام، وأصل الإنسان.
3- في باب الإيمان بالملائكة والجِنِّ.
4- في باب المعجزات، ودلائل النبوَّة.
5- في باب الوحي.
وبيَّن المؤلِّف أنَّ الانحراف في هذه الأبواب مردُّه إلى ثلاث صور:
الأولى: دعوى عدم إمكانية إثباتها علميًّا.
الثانية: دعوى وجود رأي عِلمي آخَر حول هذه الأمثلة، دون شرْط المعارضة.
الثالثة: دعوى معارضتها للعِلم.
وتحدَّث عن هذه الصُّور الثلاث، ضاربًا أمثلة على الانحراف فيها.
ثم جاء الفصل الثالث ليتحدَّث عن التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع القضايا الشرعيَّة العمليَّة؛ فبيَّن المؤلِّف المراد بالشريعة, وذكر عددًا من الأصول المنهجيَّة التغريبيَّة المدعية العلميَّة للنظر في الشريعة, كتعميم الظواهر الاجتماعيَّة على الدِّين الحق, والتطوُّر, وعلمية العلوم الاجتماعية وعلمنتها، ودعوى قُدرتها على أن تسدَّ مَسدَّ الدِّين, والنسبية.
ثم ساق المؤلِّف أمثلةً للتأثر المنهجي، وبيان خطورتها، وذلك:
1- في باب الأخلاق الإسلاميَّة.
2- في باب العمل بالأدوية الشرعيَّة للأمراض الجسديَّة، أو النفسيَّة.
3- في باب حُكم التعامل بالرِّبا.
4- في باب حِجاب المرأة المسلمة.
وفي الباب الثالث: حشَد المؤلِّف مجموعةً من الصور لدعاوى باطلة، ونظريات منحرفة، ظهرت في الفكر التغريبي عن الدِّين والعلم، مبيِّنًا خطورتها، وذلك في فصلين:
ففي الأول منها: تناول المؤلِّف صورًا لدعاوى أظهرها الاتجاهُ التغريبيُّ باسم العِلم الحديث؛ منها: دعوى أهميَّة علمنة العلم، ورفْض التأصيل الإسلامي؛ فعرَّف العلمنة, وبيَّن حقيقتها, وتحدَّث عن مشكلة الفَصْل العلماني بين الدِّين والعلم وأثره.
ومن الصُّور كذلك دعوى التعارُض بين الدِّين والعلم الحديث, وقد عدَّد المؤلِّف عددًا من صُور الدعاوى الغربية في ذلك كدعوى التعارُض بين موضوعات دينيَّة وموضوعات علميَّة, ودعوى التعارُض على مستوى الإطار العام الدِّيني والعلمي, وغيرها من هذه الدعاوى. ومِن ثَمَّ ذكَر المؤلِّف أصولًا عامَّة يُسلِّم بها الفكر الإسلامي قبل تنزُّله في مناقشة الاتجاه التغريبي في مسألة دعوى التعارُض، كاليقين التام بما في الوحي, وأنَّ ما جاء به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ حق وصدق, وأنَّ الأدلَّة تتنوَّع، ويبقى حاكمها والمهيمن عليها هو كلام الله تعالى، إلى ما هنالك من أصول. كما قام المؤلِّف بمناقشة دعوى التعارُض بين الدِّين والعلم, ودراسة بعض النماذج التغريبيَّة التي ترفع من شأن دعوى التعارُض.
ومن الصُّور التي ذكَرها المؤلِّف كذلك: دعوى كفاية العلم الحديث لحاجة الإنسان وشموليَّته بدلًا عن الدِّين, وهنا يبيِّن المؤلف شموليةَ الإسلام, وأنَّ حاجة الناس إليه فوق كلِّ حاجة, كما أنَّه ناقش دعوى كفاية العِلم وشموليَّته, ذاكرًا نماذج من الانحراف التغريبي في هذا الباب.
وأمَّا الفصل الثاني والأخير: فذكَر فيه المؤلِّف صورًا من تأثُّر الفِكر التغريبي بنظريات علميَّة منحرِفة عن مفهوم الدِّين، كالتأثُّر بنظرية داروين التطوريَّة من عِلم الأحياء حول الدِّين, والتأثُّر بنظريات من عِلم النفس حول الدِّين, والتأثر بنظريَّات من عِلم الاجتماع حول الدِّين.
ثم ختَم المؤلفُ كتابَه بخاتمة، عرَّج فيها على أهمِّ ما توصَّل إليه من نتائجَ في بحثه.