التعريف بموضوع الكتاب:
شهِدت المنشآتُ الخيريَّة في السنوات الأخيرة تطورًا ملموسًا، وصار هذا التطويرُ
همًّا يَسعى إلى تطبيقِه كثيرون، غير أنَّ هذا التطويرَ يعوقه بعضُ المشكلات.
وقد جاء كتاب هذا الأسبوع لرصْد تِلك المشكلات، والسعيِ لوضع الحلول المناسبة لها
إداريًّا، والمساعدة في التطوير المنشود؛ بإظهارِ ما تحتويه السُّنَّة المطهَّرة
وتاريخُ الخلفاء من صُور للقيادة والإدارة، وكيف أنَّ ذلك العصر المبارك حقَّق
انتصاراتٍ مذهلةً، وضرب أروع الأمثلة في حُسن الترتيب والتنظيم، فأتتْ ثمارُه
يانعةً، وعادت بالنفع على الرعيَّة.
وقد سرَد المؤلِّفُ مواضيعَ الكتاب على صورة عناوين مُرسَلة، بلغتْ ثلاثةً وثلاثين
عنوانًا؛ يذكُر تحتَ كلِّ عنوان دليلًا من سيرة النبيِّ الكريم صلَّى الله عليه
وسلَّم، أو الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام رضي الله عنهم على مضمونه.
وقد تحدَّث المؤلِّف خلال هذه العناوين عن أهميَّة الإخلاص والتطوُّع، وأثر العبادة
في قادة المنشآت الخيريَّة، وأهمية تحلِّيهم بالصبر وثمارِه على العاملين معهم،
والظروف التي تمرُّ بها المنشأة، وتناول أهميَّة الأنظمة واللوائح والتخطيط، وبيان
بعض الأخطاء الإداريَّة التي تقعُ فيها بعضُ المنشآت الخيريَّة. كما أشار إلى
أهميَّة التدريب وتقويم الأداءِ، وقياس الإنتاجية ومعايير الأداء، ومشاركة بيوت
الخِبرة في ذلك، وكذلك عرَّج الكاتب على أمورٍ كثيرًا ما يُغفَل عنها، منها:
الجوانب الاجتماعيَّة والنفسيَّة للعاملين في المنشآت الخيريَّة، وبيوت العاملين في
العمل الخيريِّ، ومراعاتهم لها.
وممَّا أشار إليه المؤلِّف في موضوع الإخلاص والتطوع: أنَّ صاحب الرِّسالة والهم
الدعوي لا يُبالي حيث وُضِع؛ فالعبرةُ بتحقيق الأهدافِ والبُعد عن الخِلاف.
وأكَّد في موضوع الصبر: أنَّه يجب على صاحبِ العمل الدعويِّ الصبرُ وعدمُ استعجال
النتائج؛ فطريق الدعوة محفوفٌ بصعوبات كثيرة، وقصص الأنبياء وما مرُّوا به خيرُ
شاهد لذلك، ثم هذه الصعوبات تُكسِب القائدَ خبرةً وحِنكةً وسَعة أُفق، بالإضافة إلى
الأجر على النَّصب الذي لحِقه، وينصح من لم يكُن صبورًا، بتجنُّب العمل في
الصَّدارة والقيادة حتى لا يَتعبَ ولا يُتعبَ غيره، ولا يجرّ المنشأةَ إلى عواقبَ
لا تحمد.
كما أوْضَح في موضوع النِّظام والرقابة: أنَّ مِن صفات الأنظمة المرونةَ الناجحة،
فالنِّظام وُضِع لنملكَه لا ليملكَنا، ووُضِع للتنظيمِ لا للتعظيم.
وفي موضوع الشورى: حذَّر المؤلِّف ممَّا أسماه الاستشارةَ الكاذبة، وهي التَّصميم
على الرأي مع عدِم إظهاره، والبحث عمَّن يوافقه، ثم الإشارة إلى هذا الشَّخص
والإشادة به، وإذا بالرأي رأيُه، ولكن يبحث له عن تعزيزٍ خارجيٍّ!
واستشهد المؤلِّف بقول رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين بعَث عليًّا إلى
اليمن، وخالدًا في جُند آخَر، حيث قال لهم: ((إنِ اجتمعتُم فالأميرُ علىُّ بنُ أبي
طالب))، وما حصَل من توزيع المهامِّ في الهجرة؛ فعبد الله بن أبي بكر راصدُ أخبار
القوم، وأسماءُ حاملةُ الزاد، وعامرُ بن فُهَيرة الراعي الذي يُبدِّد آثار الأقدام
- استشهد بها على ضرورة تحديد المهامِّ والصَّلاحيات.
وأكَّد المؤلف كذلك على ضرورة تشجيع الطاقات الشابَّة، مُستشهدًا بمشاركة ابن
عبَّاس رضي الله عنهما في مجالس أمير المؤمنين عُمر رضي الله عنه. واستشهد أيضًا
بقول عمرو بن العاص لجماعةٍ قد نَحَّوُا الفتيانَ عن مجلسهم: لا تَفْعلوا! أو سعوا
لهم وأَدْنوهم وألْهموهم؛ فإنَّهم اليوم صِغارُ قوم يوشك أن يكونوا كبارَ قوم
آخرين، قد كنَّا صغارَ قوم أصبحنا كبارَ آخرين!
كما ضرب عِدَّة أمثلةٍ في موضوع التحفيز والتشجيع، من ذلك: ما فَعَله أبو بكر
الصِّدِّيق في توجيهه خالدَ بن الوليد وعياضَ بن غَنْم إلى العِراق، وأمْره لهما أن
يتسابقَا في الفتح، فأيُّهما سبَق إلى الحيرة فهو أميرٌ على صاحبه. ومن ذلك: فعل
عُثمانُ بن عفَّان؛ فقد كتب إلى عبد الله بن عامرٍ وسعيدِ بن العاص يقول: أيُّكما
سبَق إلى خرسان فهو أميرٌ عليها.
وقد ختَم المؤلِّف الكتابَ بمجموعةٍ من التوصيات، منها: ضرورة إيجاد هيئة عُليا
تُعنى بالعمل الخيري؛ تُنظِّم شؤونه، وتدافع عنه، وتتبنَّى قضاياه، وتربط بين
أعضائِه. وأيضًا أهميَّة إنشاء كُليَّة للأعمال الخيريَّة، ووضْع البرامج
التدريبيَّة لها، أو دبلوم في الأعمال الخيريَّة تَخدم بذلك العملَ الخيريَّ.