التَّعريف بموضوع الكتاب:
إنَّ مِن أشهر كُتب أبي حامد الغزالي وأهمِّها كتاب ((إحياء علوم الدِّين))، وهو من
آخِر ما سطَّره قلمُه، وضمَّنه ما انتهى إليه عِلمُه وفَهمُه، فاستعرض فيه مسائلَ
العقيدة على طريقةِ المتكلِّمين -الأشعريَّة- وهي خلافُ طريقة السَّلَف الذين لم
يكُن الغزاليُّ خبيرًا بطريقتِهم ومَنهجِهم في أصول الدِّين، وقدْ قسَّم الغزاليُّ
كتاب (الإحياء) أربعةَ أقسام: رُبُع العِبادات، ورُبُع العادات، ورُبُع المُهلِكات،
ورُبُع المُنجيات.
وربع المهلكات يشتمل على عشرة كتب: كتاب شرح عجائب القلب، كتاب رياضة النفس، كتاب
آفات الشهوتين: شهوة البطن وشهوة الفرج، كتاب آفات اللسان، كتاب آفات الغضب والحقد
والحسد، كتاب ذم الدنيا، كتاب ذم المال والبخل، كتاب ذم الجاه والرياء، كتاب ذم
الكبر والعجب، كتاب ذم الغرور.
وكتابُ هذا الأسبوعِ أحدُ الكتُب التي رصدتْ أخطاءَ الغزاليِّ وتجاوزاتِه في هذا
الربع من كتابِه ((إحياء علوم الدين)).
وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقدِّمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة
فذكَر في المُقدِّمة أهميَّة الموضوع، وأسباب اختياره، والمنهج الذي اتَّبعه
في بحثِه، الذي يتلخص في الآتي:
- مُراعاة تقسيم فُصول الكِتاب وتوافُقها مع أبواب الغزاليِّ في رُبُع المهلكات؛
لتكونَ أسهلَ في التناوُل والبَحث.
- استقراء الكتاب، ثم جمْع المآخِذِ العقديَّة حسبَ ترتيب الكتابِ، ومناقشتها على
ضوءِ الكِتاب والسُّنَّة وأقوال أئمَّة السَّلَف.
- التَّعريف بالفِرَق والمذاهب والأعلام الواردِ ذِكرُها في البَحث، وغيرها من
الأمور المعروفة في مِثل هذه الدِّراسات.
وقد نبَّه المؤلِّف إلى أنَّه اعتمَد على نُسخة كتابِ ((إحياء علوم الدِّين))
المطبوعة في خمسةِ مجلَّدات بدار الحديثِ بالقاهرة.
وفي التَّمهيد، بيَّن أنَّ الردَّ على المخالف من الإحسانِ إليه وليسَ مِن
العُدوان عليه؛ وقد نبَّه المؤلف إلى أنَّه عند طبْع الرِّسالة حَذَفَ
البابَ الأول الخاصَّ بترجمة الغزالي وكلام العلماء عليه، وعلى كتابه ((إحياء علوم الدِّين))؛
اكتفاءً بما ذكَرَه د. عبد الله العتيبي في كِتابه ((المآخذ العقديَّة على كتاب
إحياء علوم الدِّين- رُبُع العبادات، ورُبُع العادات)).
فكان ابتداء الجزء المطبوع من الرسالة من فَصْل موقِف السَّلف إجمالًا مِن كلام
الغزاليِّ في رُبُع المهلكات، وذكَر فيه أهميَّة تزكية النُّفوس عند السَّلف،
وأبْرَز سِمات منهج السَّلف في التزكية، ومنها:
- أنَّ مصدرَ تلقِّي السلوكِ والأخلاقِ عندهم هما كِتابُ الله وسُنَّة رسولِه صلَّى
الله عليه وسلَّم.
- اعتبارُهم بحالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وصحابتِه الكرام رضي الله عنهم.
- فَهْمُ المصطلحات الشرعيَّة على حقيقتِها دون إفراط ولا تفريط، وغيرها من
السِّمات.
ثمَّ تَكلَّم عن نقْد السَّلف لمنهجِ المتصوِّفة في تزكيةِ النُّفوس، وكان ختامُ
هذا الفَصلِ ذِكْرُ المآخِذ العامَّة على الغزاليِّ في رُبُع المهلكات، التي منها:
- تَفسيرُه لآياتِ القرآنِ بالتفسيرِ الإشاريِّ الصُّوفي، وأنَّ بضاعتَه في الحديثِ
مُزجاةٌ.
- كَثرةُ إيرادِه للإسرائيليَّات.
- اعتمادُه على أحوال العِباد، وتقديمها على الأحاديثِ النبويَّة.
- تأثُّره بالفلسفة وعِلم الكلام.
- التَّزهيد في العِلم والعلماء.
أمَّا الباب الثَّاني فقدْ خصَّصه المؤلِّف لذِكْر المآخِذِ العَقديَّة على
قِسم رُبُع المهلِكات من كتاب ((إحياء علوم الدين))، وجاء في أربعة فصول:
تناول في الفصل الأوَّل المآخِذَ العقديَّة في كلامِ الغزاليِّ عن أحوالِ القلوبِ
ورياضة النُّفوس، متحدِّثًا عن المآخذ العقديَّة في كلام الغزالي عن القَلْب
والرُّوح.
ثم تحدَّث عن المآخِذِ العقديَّة في كلامِه عن الإيمان، وقوله: إنَّ الإيمان ثلاثُ
مراتب، وأنَّ مَن يَزيد إيمانه عن مِثقال فإنَّه لا يَدخُل النار، وغيرها من
المسائل التي انتقدَها المؤلِّف على الغزالي.
ثم ذكَر المؤلف المآخِذ العقديَّة في كلام الغزالي عن صِفات الله تعالى، فتكلَّم عن
قول الغزالي (إنَّ الله يَعشق ويُعشق) وردَّ ذلك بأنَّ محبَّة الله سبحانه هي
مَحبَّةُ إجلالٍ وتألُّه وعبوديَّة وتعظيم، فمَن بلغ بها إلى جُنون العُشَّاق فقدْ
تعدَّى حدودَه، وأساءَ الأدبَ مع ربِّه جلَّ وعلا. وغير ذلك من أقوالِه. كما تناول
المؤلِّف بالنقدِ تأويلَ الغزالي لصِفة أصابع الرحمن، وكلام الغزالي الذي يُوهم
الحلولَ والاتِّحاد.
ثم تناول مسألةَ اعتمادِ الغزاليِّ على الإلهامِ والكَشف، موضِّحًا أنَّ الكشف في
اطلاح الصوفيَّة يعني الاطلاعَ على ما وراء الحِجاب مِن المعاني الغيبيَّة والأمور
الحقيقيَّة وجودًا وشهودًا، ثم تناوَل حقيقةَ الكشف عند الغزالي، وطريقَ حصوله، ثم
مُناقشة أدلَّة الغزالي على الكشف.
كما نقَد المؤلِّفَ تأييد الغزالي للخلوة والعُزلة والأوراد الصوفيَّة، ودَعوته
للصَّمْت وعدم الكلام إلَّا لضرورة، بأنَّ الصَّمتَ المطلق ليس مأمورًا به، كما
أنَّ الكلام ليس منهيًّا عنه بإطلاق، بل المشروع ما قاله النبيُّ صلَّى الله عليه
وسلَّم: ((مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيرًا أو ليصْمُتْ))، وغيرها من
المسائل.
والفصل الثَّاني كان مُخصَّصًا لذِكْر المآخذ العقديَّة على كتُب آفاتِ اللِّسان
وذمِّ الغضب والحِقد والحسَد، وبدأ المؤلِّف بذِكْر المآخذ العقديَّة على كتاب آفات
اللسان، وذكَر فيه مسائلَ، منها: المبالغة في ذمِّ الكلام فيما لا يَعني، والمبالغة
في ذمِّ الضَّحِك، وغيرها من المسائل، ثم تلَى ذلك المآخذ العقديَّة على كتاب ذمِّ
الغضب والحقد والحسد.
وفي الفَصل الثَّالث: ذكَر المآخِذ العقديَّة على كتاب ذمِّ الدنيا، وكتاب ذمِّ
البُخل وحبِّ المال، فذكَر فيه المآخِذ على قول الغزالي في ذمِّ الدنيا وأنَّها
عدوةٌ لله، ونقَد ما ذكره الغزالي من مُخالفاتٍ وغرائبَ في قِصَّة أويس القرنيِّ مع
هرم بن حيَّان، وأنَّ المتصوفة جعَلوا أويسًا القرنيَّ أسطورةً يُعلِّقون عليها
كلَّ شيءٍ كالخَضِر تمامًا، فيحكون عنه الكراماتِ والخيالاتِ والغرائبَ، وليس لهم
دليلٌ في ذلِك إلَّا الأحاديث الموضوعة.
ثم ذكَر المآخِذ العقديَّة على كِتاب ذمِّ البُخل وحبِّ المال، ومن المسائل التي
تَعرَّض لها المؤلِّف بالنَّقد مسألة حصْر الغزالي الشِّركَ الخفيَّ في الأصغر،
وأوضح المؤلِّف أنَّ الشركَ الخفيَّ يكون في بعضِ صُوره شِركًا أكبرَ، وأنَّ مِن
الشرك الأكبر ما يكون خفيًّا، ودلَّل على ذلك، ثم ذكَر ما أوردَه الغزاليُّ في حديث
الأبدال، وردَّ عليه بأنَّ أحاديثَ الأبدال على تنوُّعها فيها ضعفٌ، وبعضها منكَرٌ
وموضوع، كما انتقَد المؤلِّف إقرار الغزالي لزوايا الصُّوفيَّة، وغيرها من المسائل.
أمَّا الفصل الرَّابع والأخير، فكان عن المآخِذِ العقديَّة على كِتاب ذمِّ الجاهِ
والرِّياء والكِبْر والعُجْب والغُرور، فبَدأَ بالمآخِذ العقديَّة على كِتاب ذمِّ
الجاهِ والرِّياء، وذَكر فيها مسائلَ؛ منها: انتقادُه على ما ذكَره الغزاليُّ عن
المتصوِّفة من الصِّياح والزَّعق والسَّماع والرَّقص، وإقراره بذلك، ورد المؤلِّفُ
بأنَّ هذه الأمورَ لم تكُن معروفةً عند الصَّحابة رضي الله عنهم، ولم يكُن هذا حالَ
النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثم ذَكَر المآخِذَ العقديَّة على الغزاليِّ في كتُب الكِبْر والعُجب والغرور،
وممَّا انتقده المؤلِّفُ: ما أورَده الغزاليُّ من قصَّة داود عليه السَّلام
واحتوائها على أباطيلَ، منها: انتهاك حُرمة الجوار وتهجم داود على امرأة أجنبيَّة،
وردَّ المؤلِّف بأنَّ المحقِّقين من المفسِّرين يردُّون هذه القصَّةَ ويَحكمون
عليها بالكذبِ والفساد، ونقل أقوالهم في ذلك، وغيرها مِن المسائل.
ثم تأتي الخاتمة، وفيها أهم نتائجِ البحث؛ فمنها:
- أنَّ سيرةَ الغزالي وتقلُّبه في أطوار الفلسفة وعِلم الكلام، ثم التصوُّف، دليلٌ
واضحٌ على اضطرابِه واحتمالِ الخطأ فيما ألَّفه وكتَبَه؛ فلا داعي إذن لاعتراضِ
المتعصِّبين له والغالين فيه.
- أنَّ غالب شطحات الغزالي في كتابِه راجعةٌ إلى عدمِ معرفتِه بتفسيرِ السَّلفِ
لكتاب الله تعالى؛ فإنَّه يُفسِّر الآيةَ ويستدلُّ بها على ما أراد تقريرَه من
مبادِئَ صوفيَّة ومخالفات سلوكيَّة.
والكتاب جيد في بابه.