التعريفُ بموضوعِ الكِتاب:
لا رَيْبَ أنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ قد كَمُل على لسان النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قد تَرَكْتُكم على البيضاءِ ليلُها كنَهارِها)) فعاش الصَّحابةُ والقرون المفضَّلَة على السُّنَّة، فخَيْرُ القرون قَرْنُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفيه صحابتُه، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم، كما أخبر بذلك المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، وبعدَ القرون المفضَّلَة ظهرتِ البِدَعُ وبدأتْ تَنتشرُ، لكنَّ علماءَ الأمَّة حاربوها وبيَّنوا أمْرَها، سائرينَ على منهجٍ مُستَنْبَطٍ من الكتابِ والسُّنَّة في نَقْدِهم لتلك البِدَع.
وكتاب هذا الأسبوع يبَيِّنُ البِدَعَ والخرافاتِ والأسلوبَ في نقْدِها؛ بحيث يكونُ النقدُ مَبنيًّا على قواعِدَ علميَّةٍ ثابتةٍ، مصحوبًا بأسلوب حَسَنٍ.
وأصْلُ هذا الكتاب مُحاضراتٌ ألقاها المؤلِّفُ على طلَّابِ كليَّة الدَّعوة وأصول الدِّين بجامعة أم القرى في مقرَّر مادَّة نَقْد البِدَع والخرافات، وقد جاء في أحَدَ عشرَ مبحثًا:
في المبحث الأوَّل: عرَّف المؤلِّفُ بمصطلحاتِ الموضوع، فبدأ بتعريفِ النقْد ومشروعيَّته وأهمِّيَّته، وقسَّمَه إلى قِسمين: محمود، ومذموم؛ فالمحمود: هو النقْد القائمُ على قواعِدَ علميَّةٍ ثابِتَةٍ والذي يُراد به تصحيحُ الأقوال والأفعال، وإبداءُ وجهةِ النَّظرِ حولها بِقَوْلٍ وفِعل منضَبِطَيْن، وهو ما تحتاجه الدعوة والدُّعاة إلى الله. أمَّا المذموم: فهو القائِمُ على التشَفِّي وحُبِّ الظُّهور والريِّاء وإرادة إشاعة الفاحِشَة وذَمِّ الآخَر لا تصويبه.
ثم عرَّف البِدعة، والسُّنَّة، والمصلحة المُرْسَلة، كالتالي:
البِدعة هي: ما أُحْدِثَ في دِين الله، وليس له أصْلٌ عامٌّ ولا خاصٌّ يدلُّ عليه.
السُّنَّة ذكَر أنَّ لها عِدَّة تعريفات؛ ومنها أنَّها: تُطْلَقُ على ما أَمَرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ونَهى عنه وندب إليه قولًا وفِعْلًا.
والمصالح المُرْسَلَة هي: الأوصافُ التي تلائِمُ تصرُّفات الشارع ومقاصدَه، ولكن لم يَشْهَدْ لها دليلٌ مُعَيَّنٌ من الشَّارع بالاعتبار أو الإلغاء، ويَحصُل مِن رَبْط الحُكْم بها جَلْبُ مصلحةٍ أو دَفْعُ مَفْسَدة عن الناس.
ثمَّ ذكَر أمثلةً للمصالح المُرْسَلَة، وشروط الأخْذ بها.
وفي المبحثِ الثاني تحدَّث عن الفُروق بين مصطلحاتِ الموضوع، في الفَرْق بين البِدْعة والسُّنَّة، وبين البِدعة والمصلحة المُرْسَلَة، وخصائص البدعة.
ثم في المبحث الثالث : ذَكَر أقسامَ البِدْعة: فذَكَر أقسامَ البِدعة فيما يتعلَّقُ بذات البِدعة، ويندرج تحتَ هذا القسم: البِدْعةُ الحقيقيَّة والإضافيَّة، والبدعةُ الكلِّيَّة والجزئيَّة، والبدعةُ المرَكَّبَة والبسيطة.
وأمَّا أقسامها فيما يتعلَّقُ بعمل المبتَدِع، فقسَّمها إلى ثلاثةِ أقسام: البدعة الفعليَّة والتَّرْكِيَّة، والبِدعة الاعتقاديَّة والعَمَليَّة، والبِدعة العباديَّة والعادِيَّة.
ثمَّ تناوَل في المبحث الرابع قواعِدَ معرفة البِدَع، وذَكَر فيها سِتَّ قواعد:
القاعدة الأولى: الأصل في العبادات التوقُّف أو المنع.
القاعدة الثانية: الأصلُ في الأشياءِ الإباحَةُ.
القاعدة الثَّالثة: الحَسَنُ ما حسَّنَه الشَّرْع.
القاعدة الرابعة: كلُّ بِدْعةٍ ضلالةٌ، وإنْ رآها الناسُ حسنةً.
القاعدة الخامسة: ليسَ في الدِّينِ بِدْعَةٌ حسنةٌ.
القاعدة السادسة: الاختلافُ في بعض البِدَع لا يُسَوِّغُ قَبولَها أو العملَ بها.
ثمَّ تكلَّم في المبحث الخامس: عن حُكم البِدعة في الإسلام، وذَكَر فيه الأدلَّةَ النقليَّة على ذمِّ البِدَع، وما جاءَ عن الصحابة رضي الله عنهم في ذمِّ البِدَع وأهلها، وما جاء عن التابعين في ذمِّ البِدَع وأهلها، والأدلَّة مِنَ النَّظر على ذَمِّ البِدَع وأهلها، ثم ذَكَرَ حُكم البِدَع في الإسلام، وبيَّنَ أنَّ أحكامَ البِدَع تتفاوَتُ؛ فمنها: ما هو مُكَفِّرٌ كبدعةِ الباطنيَّة والحُلُوليَّة، ومنها: ما هو مَعْصِية.
وفي المبحث السادس: ذَكَرَ أسبابَ دخولِ البِدعة في حياةِ المسلمين؛ كالتالي:
السَّبب الأول: القولُ في الدِّين بغيرِ علم.
السَّبب الثاني: الجَهْلُ بأدواتِ الفَهْم والمقاصد.
السَّبب الثَّالث: اتِّباعُ الهوى والمتشابِه والعادات.
السَّبب الرَّابع: تحسينُ الظنِّ بالعقل.
السَّبب الخامس: أخْذُ أهلِ السُّلطة بها أو السُّكُوت عليها.
السَّبب السَّادس: وسائلُ الاتِّصال والتقْنِيَة الحديثة ودَورها في نَشْر البِدَع.
وتحدَّث في المبحثِ السَّابع عن منهج الإسلام في نقْد البِدَع والوقاية منها، ويشتمل على الالتزام بالمنهج النبويِّ العِلميِّ التربويِّ؛ كالإعداد العِلْمي بالتوضيح المستمِرِّ لأصول الدين وثوابِتِه، والالتزام الدَّقيق بما جاءَ في الكِتاب والسُّنَّة، والتربية على الثَّبات على المبدأ، والفَهمُ الصَّحيحُ للاستدلالِ بنُصوص الكتاب والسُّنَّة كما فَهِمها الصَّحابةُ رضي الله عنهم، وتربية النشْء عليها.
وأيضًا ذَكَرَ مِنْ مَنهجِ الإسلام في نقْد البدع:
- الالتزام بالمنهجِ النبويِّ العمليِّ في الوقاية من البِدَع؛ كالتحذيرِ من البِدَع قبل وقوعها، والاستنارةِ بالمنهج النَّبويِّ العملي الدعويِّ في نقْد البِدَع بعدَ الوقوع فيها.
وأفرد المبحث الثَّامن للحديث عن أهمِّ معالِم منهج السَّلَفِ العمليِّ الدعَويِّ في النَّقْد والرَّدِّ على المخالف، وذكَر فيه عدَّة معالم؛ وهي:
الأوَّل: العَدْلُ مع المخالِف مبتَدِعًا أو غيره.
الثَّاني: نَقْد البِدْعة بالدَّليل، مع بيان خَطَرها وفساد حُجَّة القائلين بها.
الثَّالث: كَشْف سُبُل أهلِ البدع، ونَقْدُها.
الرَّابع: التدرُّج في الإنكار على أهل البِدَع.
الخامس: التصريحُ في الرَّدِّ على أهل البِدَع.
السَّادس: أقوالُ بعض السَّلَف في التحذيرِ مِن أهل البِدَع، والرَّد عليهم.
ثم في المبحث التاسع تحدَّث عن الخُرافةِ وعَلاقتها بالبِدَع، وبدأَ بتعريفِ الخُرافَةِ وذَكَرَ عدَّة تَعريفات لها؛ منها: أنَّها عَكْسُ العِلم والمنطق والعقل؛ فهي كلامٌ غيرُ مترابِطٍ بدون معنًى. ومنها: أنَّها معتقَدٌ لا يَعتمِد على أساسٍ لا من الواقعِ ولا مِنَ الدِّين.
ثمَّ ذكَر الفَرْقَ بين الخُرافة والأُسْطورة، وأنَّه يُطْلَقُ على الخرافَةِ الأسطورةُ، والأُسْطورة هي الحكايةُ التي ليس لها أصلٌ؛ فهي مُرادِفَةٌ للخُرافَةِ، ولكنَّها تنفَرِد عنها أحيانًا.
ثم ذَكَرَ نشأةَ الخرافة، والفَرْق بين الخرافة والبِدعة؛ وبيَّنَ وُجوه التَّشابُه والاختلاف بين البدعة والخرافة؛ ومنها:
أنَّ الخُرافةَ والبدعةَ كِلْتاهما ليستْ مِن الإسلام.
ومنها: أنَّ البدعة لا تَخلو من شُبْهَةِ دليلٍ؛ كما في البِدَع الإضافيَّة، أمَّا الخرافة فلا دليلَ عليها البَتَّة، وغيرها مِن أوجه التشابُه والاختلاف التي ذَكرها.
كما أوْضَح عوامِلَ انتشارَ الخرافة، وآثارها على المجتمع، وطُرُق مقاومتها، وخَتَم المبحث بذِكر نماذِجَ من الخرافات؛ كالخُرافات المرتبِطَة بالتشاؤم، كالتشاؤم مِن البُوم، أو الغُراب، أو الحِدَأَة، والخرافات المرتبطة بالغيبيَّات؛ كمحاولةِ معرفة المستقبَل، كقِراءة الفِنْجان، والأبراج، والخطِّ، وغير ذلك.
وفي المبحث العاشر : تناوَلَ نماذجَ من البِدع مع نقْدها، وهي: بدعة الحُزْن في شهر الله المحرَّم عند الرافِضَة، وبدعة الاحتفالِ بالمَوْلِد النبويِّ، وبدعة تخصيص رَجَب بالصيام أو القيام، وحُكم العُمْرَة فيه، والزيارة الرَّجَبِيَّة، وبدعة صلاة الرَّغائب في شهر رجب، وبدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في شَهْر رَجَبٍ.
وفي المبحث الحادِيَ عَشَرَ والأخير: سَرَدَ الباحثُ مؤلَّفاتِ أهل السُّنَّة في البدع، وصنَّفها على النحو التالي:
- ما ورد ضِمْن مؤلَّفات الشريعة العامَّة.
- مؤلَّفات تتحدَّث عن بعضِ البِدَع مع الرَّدِّ عليها.
- مُؤلَّفات اهتمَّت بالتأصيلِ العلميِّ التفصيلي.
وختم البحث بخاتمة حَسَنَةٍ ذَكَر فيها أهمَّ نتائجِ البَحْث.