التعريفُ بموضوعِ الكِتاب:
لقدِ اهتمَّ علماءُ الأمَّة الإسلاميَّةِ على مرِّ العصورِ وفي شتَّى الأقطار بالقرآن الكريمِ، وعُنُوا به عنايةً فائقةً من كلِّ وجه، ومِن أبرز مظاهِرِ تلك العناية: اهتمامُهم بتفسير القرآن الكريم؛ إذ وضَعوا حولَه التآليفَ والتصانيفَ الكثيرةَ المتنوِّعَة، وقد ازدهرتِ المكتبةُ الإسلاميَّةُ من آثار هذا النَّشاطِ العظيم، وبجولةٍ على المكتبات في اليَمن يَتجلَّى أنَّ للعلماءِ في تلك البلاد نصيبًا وافرًا وسهمًا بارزًا من تلك العناية بتفسير القرآن الكريم، خاصَّةً مع نُدْرة الكتاباتِ العِلميَّة المتخصِّصة التي تهتمُّ بالجوانبِ المتعلِّقة ببيانِ ودراسة مناهجِ المُفَسِّرين واتِّجاهاتهم في هذا البلد الغنيِّ بالمخطوطات، والزَّاخر بنوادرِ الكتُب التفسيريَّة.
وجاء كتابُ هذا الأسبوعِ للحديث عن التفسير في اليمن، وقد قسَّمه مؤلِّفُه إلى مُقدِّمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة:
تحدَّث في المقدِّمة عن أهميَّةِ الموضوعِ، وأسبابِ اختيارِه، ومنهجِه في الدِّراسة، وغير ذلك ممَّا تبدأُ به الرسائلُ العلميَّة عادةً.
وعرَض في التَّمهيدِ دِراسةً عن الحركة العِلميَّة في اليمن وأثرِها في تطوُّر علم التفسير، وذَكَر عددًا من المصنَّفات التفسيريَّة في اليمن، سواء كانت تهتمُّ بآيات الأحكام الشرعيَّة، أو تلك التي تهتمُّ باللُّغة العربيَّة وبيان الغريبِ في كتاب الله تعالى، أو كانتْ مصنَّفاتٍ تهتمُّ بالتفسير بالمأثور، كما ذَكَر عددًا من المؤلَّفات التفسيريَّة العامَّة؛ ممَّا يُبْرِز جُهودَ علماء اليمن في خِدمة التَّفسير، وتدلُّ على اهتمامِهم الشَّديد باستمرارِ نشاط الحركة العلميَّة في اليمن عَبْرَ العصور المختلفة، ولكن لم تبرُزْ كثيرٌ من تلك الجهود والمؤلَّفات، وبَقِيَ أكثرُها مجهولًا خارج اليمن، محصورًا بين أهلها، ولم يَحْظَ بشيءٍ من الدِّراسة والتحقيق والنشر؛ وذلك لعدَّة أسباب، ذكَرَها.
و الباب الأوَّل : عقدَه المؤلِّفُ للحديثِ عن نَشأةِ التَّفسيرِ في اليمن، وضَمَّنَه خمسةَ فصول:
تحدَّث في الفصل الأوَّل منها عن مراحلِ تطوُّر علم التفسيرِ في اليمن، فتناوَلَ التفسيرَ في عهد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي عهد صحابتِه الكِرام رَضِي الله عنهم، والتفسيرَ في عهد التابعين، وعهد أتْباع التابعين، وما بعدَهم من عُهود.
وجعَل الفصل الثانيَ للحديثِ عن مصادرِ التفسير في اليمنِ، فتناوَلَ مصادِرَه من حيث طُرُقُ التفسير، فذَكَر تفسيرَ القرآن بالقرآن الكريم، والسُّنَّةِ النبويَّة، وأقوالِ الصَّحابة رضي الله عنهم، وأقوالِ التابعين رحمهم الله تعالى، واللُّغةِ العربيَّة، والاجتهادِ. كما تحدَّثَ عن مَصادِرَه من الكتُب والمصنَّفَات، فذكر كُتُب التفسير، وكُتُب علوم القرآن والقِراءات، وكُتُب السُّنَّة وعُلومها، وكُتُب العقائد، وكُتُب الفقه وأصوله، وكُتُب اللُّغة، وكُتُب السِّيرة والتاريخ.
وا لفصل الثالث : كان لذِكْر أشهرِ أعلام المفسِّرين في اليمن، فذكَر أعلام المفسِّرين من القرن الثاني حتى القَرْنِ الرابِعَ عَشَرَ.
و الفصل الرابع : خصَّصه المؤلِّفِ لتناوُلِ أهمِّ المؤلَّفات التفسيريَّة في اليمن، سواءٌ كانت مؤلَّفاتٍ تفسيريَّةً عامَّةً لجميع سُوَر القرآن الكريم، أو خاصَّةً ببعض سُوَر القرآن وآياتِه.
وأمَّا الفصل الخامس : فتكلَّم في عن تأثُّر المفسِّرين في اليمن بغيرِهم من العلماء، فذكر تأثُّرَهم بأشهر العلماء الوافدين إلى اليمن، وتأثُّرَهم بأشهرِ المؤلَّفات في التفسير وعلوم القرآن.
الباب الثاني وتناوَلَ المؤلِّفُ فيه اتِّجاهاتِ التفسير في اليمن، وذلك عَبْر ثلاثة فصول:
ذكر في الفَصل الأول: الاتجاه العَقدي، وتناوَلَ فيه اتجاهَ أهل السُّنة والجماعة، وخَصائِصَهم، وأصولَ اعتقادِهِم، ونشأةَ التسمِيَة بأهل السُّنَّة والجماعة، وتَطَوُّرهم، ونماذج من تفاسير أهل السُّنة في اليمن؛ مثل تفسير القرآن لعبد الرَّزَّاق الصَّنْعاني، ومفاتيح الرضوان في تفسير الذِّكر بالآثار والقرآن لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، وفتح القدير الجامع بين فَنَّيِ الرِّواية والدِّراية من عِلم التفسير، لمحمد بن علي الشوكاني.
كما تناوَلَ الاتجاهَ الصوفيَّ متحدِّثًا فيه عن تعريف التصوُّف ونشأته، وموقف المتصوِّفة من تفسير القرآن الكريم، ونماذج من التفسير الصوفي في اليمن.
وعرض أيضًا للاتجاه المعتَزِليِّ، فعرَّف بالمعتَزِلَة، وتحدَّث عن نشأتهم، وأصولِ اعتقادهم، مع نماذج من التفسير المعتَزِلي في اليمن.
و الفصل الثاني : خصَّصه للاتجاهِ الفقهيِّ، سواء كان في التفاسير العامَّة، أو في تفاسير آيات الأحكام.
وعقَد الفصل الثالث للاتجاه اللُّغَوي والبَلاغي، تناول فيهما دراسةَ بعض التفاسير المتعلِّقة بهذين الجانبين.
الباب الثَّالث: تحدَّث فيه المؤلِّف عن منهجِ التفسير في اليمن، وجاءَ في فصلين:
الفصل الأوَّل: جعَله للحَديثِ عن منهجِ التفسيرِ بالمأثور، ويَشتمِلُ على العِنايةِ بتفسير القرآن بالقرآن، وبالقِراءات، وبأسباب النُّزول، وبالسُّنة، وبأقوالِ الصَّحابة والتابعين، وذكَر موقِفَ المفسِّرين في اليمن من الإسرائيليَّات.
وأمَّا الفصل الثاني: فتحدَّث فيه عن منهجِ التفسير بالرأي، فذَكَر فيه موقِفَ المفسِّرين في اليمن من آياتِ الصِّفات، واهتمامهم بآياتِ الأحكام الشرعيَّة، وبالنواحي العلميَّة واللُّغَوية، وعِنايتهم بعلوم القرآن من الناسخ والمنسوخ، والمكِّي والمدني، والمحْكَم والمتشابِه، وعِلْم العَدِّ، وعلم المناسَبَات بين الآيات القرآنيَّة.
وختَم المؤلِّفُ كتابه ببعض النتائجِ التي توصَّل إليها؛ منها:
1- بلَغَ عددُ أشهر المفسِّرين في اليمن الذين عُرِّف بهم في الكتابِ ممَّن ورد أنَّ لهم تأليفًا في التفسير؛ ثمانيةً وسِتِّين، ظهَروا خلال القرونِ الإسلاميَّة المتتابِعَة.
2- بلغ عددُ التفاسير المختلِفَة التي أمكن التعرُّفُ عليها اثنين وتِسعين تفسيرًا؛ منها أربعة وخمسون كتابًا عامًّا لتفسيرِ جميع سُوَر القرآن الكريم، ومنها ثمانيةٌ وثلاثون كتابًا خاصًّا بتفسير بعض سُور القرآن الكريم، أو ببعض آياته.
3- قلَّةُ المطبوع من ذخائرِ التفسيرِ باليمن بالنسبةِ للمخطوط؛ حيث تمَّ طبعُ خمسةِ تفاسيرَ فقط من الكتُب التفسيريَّة الشامِلَة لجميعِ سور القرآن الكريم، وهي:
أ- (تفسير القرآن) لعبد الرزَّاق بن همَّام الصَّنعاني، المتوفَّى سنة 211هـ.
ب- (تيسير البيان لأحكام القرآن) لمحمد بن نور الدين علي الموزعي، المتوفَّى سنة 825هـ.
ت- (منتهى المرام في شرح آيات الأحكام) لمحمَّد بن الحسين ابن الإمام القاسِم، المتوفَّى سنة 1067هـ.
ث- (فتح القدير) لمحمَّد بن علي الشوكاني، المتوفَّى سنة 1250هـ.
ج- (البرهان في إعراب آيات القرآن) لأحمد الأهدلي، المتوفَّى سنة 1390هـ.
4- تأثَّرَ كثيرٌ من المفسِّرين في اليمن بمذهب المعتَزِلَة؛ وذلك لتأثُّرهم الشديد بتفسير (الكشَّاف) للزَّمَخْشَري، فغالب مفَسِّري اليمن عِيالٌ على هذا التفسير، وأكبرُ دليلٍ على ذلك كثرةُ الحواشي والتعليقات على الكشَّاف، وفي غالبها ظهَرَ التأييدُ لِمَا ذهب إليه الزَّمَخْشري من تأويل لآيات الصِّفات وصَرْفِها عن دَلالتها الظاهرة.
5- اعتنى أهْلُ اليمن بتفسير آياتِ الأحكام، وقد تعدَّدت مؤلَّفاتُهم التفسيريَّة في هذا الفنِّ، وتميَّزوا بالتجديد في الأصول والفروع؛ ولهذا جاءتْ تفاسيرُهم متعدِّدةَ الاتجاهاتِ؛ فمنها ما يختصُّ ببيان آيات الأحكام على وَفْق أصول مذهب الشافعيَّة، ومنها ما يختصُّ ببيانِ آيات الأحكام على وَفْق أصول المذهب الزَّيديِّ، التي يتَّجِه بها أصحابها اتجاهَ الاجتهاد والتجديد في المضمون وطريقة العرض.
ومِن التَّوْصِيَات التي ذكَرها المؤلِّفُ في ختام هذه الدراسة:
العملُ على تحقيق النَّافِع من تُراث السَّلَف المخطوطِ ونَشْره، وخاصَّةً ما يتعلَّق بكُتُب التفسيرِ في اليَمَنِ.
والكتاب فريد في بابه.