أولًا: عرض الكتاب:
كتابُ هذا الشَّهرِ من الكتُبِ ذاتِ المواضيعِ التي يُقبل عليها كثيرٌ من الناس، خصوصًا في هذه الأزمان، والحديثُ عن هذا الموضوعِ- وهو: (الفِتن والمَلاحِم وأشراط السَّاعة)- ممَّا وردتْ به السُّنَّةُ وحدَّث به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أصحابَه كثيرًا ، إلَّا أنَّ الحديثَ في بعضِ جوانبَ منه قد لا يَنبني عليه عملٌ أصلًا؛ إذ لا يَعْدُو جوابَ الحَكيمِ ممَّن أُوتي جوامعَ الكَلِمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث سألَه رجلٌ: ((مَتَى الساعةُ؟))، فأجابه قائلًا: ((وما أعددتَ لها؟))؛ فوجَّهه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الإعدادِ لها والانشغالِ بالنافع، وهو الاستعدادُ للقاءِ اللهِ تعالى بالأعمالِ الصَّالحة؛ وعليه فالانشغالُ بتَحديدِ عُمرِ الدُّنيا وعُمرِ أمَّة الإسلام، وتاريخ وُقوعِه بالضبط ممَّا لا يَنبني عليه عملٌ، إضافةً إلى أنَّه قد حصَلَ في هذا الموضوعِ لَغَطٌ كثيرٌ، وخللٌ كبير عند كثيرٍ من الكتاب، ويَحتاج الذي يُؤلِّفُ فيه إلى التزامِ الضوابطِ المنهجيَّةِ في تناولِه.
وقد تألَّف هذا الكتابُ مِن مُجلَّدين، وجاءَ في تمهيدٍ، وثلاثة أبوابٍ، ولكلِّ باب عِدَّة فصولٍ، ولكلِّ فِصلٍ عِدَّةُ مباحثَ، وملخَّصها كالتالي:
التمهيد: في ثلاثة مباحث؛ الأوَّل: إخبار النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الغيوب المستقبليَّة. الثاني: تعريفُ أشراطِ السَّاعة. الثالث: أقسام أشراط السَّاعة.
الباب الأوَّل: عن علامات السَّاعة الصغرى، وجاء في أربعةِ فُصول:
الفصل الأوَّل: علاماتُ السَّاعة الصُّغرى التي ظهَرَتْ.
الفصل الثاني: علامات السَّاعة الصُّغرى التي لم تظهرْ بعدُ، مُتحدِّثًا عن العلاماتِ التي لم تظهرْ بعدُ وعُلم زُمانُها، والتي لم يُعلمْ زَمانُها.
الفصل الثَّالث: فِتنة الأحلاس، والسَّرَّاء، والدُّهيماء.
الفصل الرَّابع: خروجُ المهديِّ المنتظَر، وذَكَر فيه أقوالَ العلماء في المهديِّ المنتظَر، والذين صحَّحوا أحاديثَه، وشُبهاتِ المنكِرين للمَهديِّ المنتظر، والردَّ عليها، وفصَّلَ الحديثَ عن المهديِّ المنتظر؛ مَن هو؟ واسمُه وكُنيتُه، ونَسَبُه، وصِفاتُه الخِلقية، ومكانُ خُروجِه، والعلاماتُ الدالَّة على خروجه، والمكان الذي سيُبايعه فيه المسلمون، وسِيرتُه بعدَ خروجه، وغزواتُه وفتوحاته، ثم تَحدَّث عن الطائفةِ المنصورة، وعَلاقتِها بالمهديِّ المنتظَر، وعن مُدَّة خِلافته، ثمَّ ذكَر نصَّ رسالةٍ للشيخ ناصر الدين الألباني لكلِّ مُسلمٍ حولَ المهديِّ، وختَم هذا الفصلَ بذِكرِ الحِكَمِ الربَّانيَّة والنواميس الكونيَّة وراءَ خروجِ المهديِّ المنتظَر، واستخلافِه في الأرض.
الباب الثَّاني: كان للحَديثِ عن علاماتِ السَّاعةِ الكبرى العَشر، وجاء في عَشرةِ فصول:
الفصل الأوَّل: مباحِث في علامات السَّاعة الكُبرى، وذَكَر فيه ما جاء من أدلَّةٍ في تتابُع علاماتِ السَّاعة الكُبرى حين ظهورِها، وترتيبَ هذه العلامات.
الفصل الثَّاني: طلوع الشَّمس من مَغربِها، وذكر فيه الأدلَّة على أنَّ طلوعَ الشَّمس من مغربِها من علامات السَّاعة الكُبرى، والحِكمة منه، وأنَّ ذلك أوَّلُ علامات السَّاعة الكبرى، ثم ذَكَر ما يَتعلَّقُ بطلوعِ الشَّمس من مغربِها.
الفصل الثَّالث: خروجُ الدابَّةِ من الأرض، وعدَّد فيه الأدلَّةَ على خروجِ دابَّة الأرض، وأوضحَ ماهيةَ هذه الدابَّة، وصِفاتها، ومكانَ خُروجِها، وعَمَلَها عند خروجها على النَّاس، والوقت الذي ستخرُج فيه من الأرضِ، والحِكمة من ذلك.
الفصل الرَّابع: خروجُ المسيح الدجَّال، وبيَّن فيه سببَ تسميتِه بذلك، وذكَر الأدلَّةَ على خروجِ المسيح الدجَّال، وأنَّه من علامات السَّاعة الكبرى، وأنَّه أعظمُ فتنةٍ على وجه الأرض، ثم تحدَّث عن صِفاته الخِلقيَّة، وعن العلاماتِ الدالَّة على قُرب خُروجِه، ومتى سيخرُج المسيحُ الدجَّال، وما سببُ خروجِه من الدَّيْر؟ ومكان خروجه، كما تحدَّث عن شَخصيةِ المسيح الدجَّال أمامَ الناس، وعن ما جاء في أتْباعه، وعن الفِتن والخوارقِ التي سيقومُ بها في زمنه، ثم بيَّن مُدَّةَ مكوثِ المسيحِ الدجَّال في الأرض، والأماكنَ التي سيُمنع مِن دخولها، وما سيَعصِم من فِتنتِه، والمكانَ الذي سينزلُ فيه عند المدينةِ المنوَّرة، ثم ما سيحدُثُ عند نزولِه قُربَ المدينةِ المنوَّرة. ثم عدَّد ما جاء من غرائبَ ضعيفةٍ تتعلَّق بالمسيح الدجَّال من حيثُ صفاتُه وخروجُه، وغير ذلك. ورجَّح القولَ بأنَّ المسيحَ الدجَّالَ حيٌّ موجودٌ الآن، وذكَر الحِكمةَ في عدمِ التصريح بذِكر المسيحِ الدجَّال في القرآن مع ما ذُكِر عنه مِن شرٍّ وعظيمِ فِتنةٍ، وتحذير الأنبياء منه، والأمْرِ بالاستعاذةِ منه في الصَّلاة، ثم تحدَّثَ عن المكانِ الذي سيُقتَلُ فيه المسيحُ الدجَّال، وختَم بالحديثِ عن ابنِ صيَّاد شَبيهِ المسيحِ الدجَّال، فتحدَّث عن اسمه، وأبنائه، وحالتِه قبلَ إسلامه، وهل هو المسيحُ الدجَّال أم لا، مُصحِّحًا أنَّ ابنَ صياد إنَّما هو كاهنٌ أو دجَّالٌ من الدجاجلةِ، وليس هو المسيحَ الدَّجَّالَ بعينه.
الفصل الخامس: ظهور الدُّخان، وذَكَر فيه الأدلَّةَ على ظهورِ الدُّخَان، وأقوال السَّلَف في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 10 - 12]، ثمَّ أوْضحَ مصدرَ هذا الدُّخَان، وصِفتَه، ومُدَّتَه في الأرض.
الفصل السَّادس: نزولُ عيسى ابنِ مريم عليه السَّلام إلى الأرض، وتحدَّث فيه عن سببِ تسميةِ عيسى ابنِ مريم بالمسيح، وذكَر الأدلَّةَ على نُزوله عليه السَّلامُ إلى الأرض، وعن صفاته الخِلقيَّة، والحِكمة مِن نزولِه في آخِرِ الزَّمان، وبالأخصِّ في زمن المسيحِ الدجَّال، ثم ذَكَر صِفةَ نزولِه، ومكانَ نزولِه، والأدلَّةَ على كونه سيُصلِّي عند نزولِه مِن السماء خَلْفَ المهديِّ المنتظَر، وأقوالَ العلماء في أنَّ المهديَّ سيُصلِّي بعيسى ابنِ مريم، ثم بيَّن مُدَّةَ مكوثِ عيسى ابنِ مريم عليه السَّلامُ في الأرض، وسِيرتَه بعدَ نزولِه إلى الأرض، وذكَر بعضَ علامات السَّاعة الصُّغرى وغيرها التي ستَظهَرُ في زمنه عليه السَّلام، وأمورًا متعلِّقة بزمنه، والمكانَ الذي سيُقبَض فيه عليه السَّلامُ.
الفصل السَّابع: خروجُ أمَّة يأجوج ومأجوج، وفيه تحدَّث عن أصْلِ اشتقاقِ يأجوج ومأجوج، ونَسَبهم، ومَن هُم، وأينَ الأرضُ التي يَسكنونها؟ ثم ذَكَر صِفاتِهم الخِلقيَّة، والصَّحيح في ذلك. بعدَ ذلك ذكَر تاريخَ خروج يأجوج ومأجوج على النَّاس، ومُسمَّاهم عند كلِّ خروج، والخلافَ في خروجهم بعدَ بناء السدِّ. ثم تكلَّم عن خروجِهم على الناس آخِرَ الزمان، ومتى سيكونُ ذلك، وكيفيَّةِ فسادِهم في الأرض، وحالِ المسلمين حِينَ ذاك، والمكانِ الذي سيَذهبون إليه، وما سيفعلون هناك، والمكانِ الذي سيموتون فيه، وبأيِّ شيءٍ سيموتون، والنِّعمةِ التي ستَعمُّ الأرضَ بعد موتهم.
الفصل الثَّامن: خروج الرِّيح اللَّيِّنة، وذَكَر فيه الأدلَّةَ على خُروجِها، وصِفاتِ هذه الريحِ الليِّنة، وعلاماتِ الساعةِ الصغرى المتعلِّقة بظهورها.
الفصل التاسع: تَحدَّث فيه عن وقوعِ الخُسوفات الثلاثة: خسْف بالمشرق، وخسْف بالمغرب، وخسْف بجزيرة العرب.
الفصل العاشر: خروجُ نارٍ من أرضِ اليمن تسوقُ الناسَ إلى مَحشَرِهم، ذاكرًا الأدلَّةَ على خروجِ هذه النار، وأنَّها آخِرُ علامات السَّاعة الكبرى، وكيفيَّةَ حَشْر النَّارِ للنَّاس، وحقيقةَ النار التي ستخرُج من أرض عدن، والزمان الذي ستَخرُج فيه هذه النارُ آخِرَ الزمان.
الباب الثَّالث: قيامُ السَّاعة، وفيه كلامٌ مُختصَرٌ عن يومِ القيامة، وبعضِ الأمور المتعلِّقة به.
ثم الخاتمة، ولخَّص فيها ما انتهى إليه.
وبعدَها: الرِّسالة المختصَرَة في تحديدِ نهايةِ العالَم المنتظَرَة.
ثانيًا: نقد الكتاب:
بدايةً نُشيرُ إلى أنَّ الكتابَ قد بذَلَ فيه مؤلِّفُه مجهودًا طيبًا، وامتازَ بجَمْع كَثيرٍ مِن النُّصوصِ وأقوالِ العُلماءِ، كما يميِّزُه أنَّه اشترَط على نفْسِه إيرادَ الأحاديثِ والآثارِ الصَّحيحةِ والمقبولة فقط، وعدمَ إيرادِ الضَّعيف والمردود منها، إلَّا أنَّه وقعتْ له زلَّاتٌ- خُصوصًا في جانبِ إنزالِ النُّصوصِ على الوقائعِ والأحداثِ الماضيةِ والمستقبليَّة- مع أنَّه نصَّ على التزامِ المنهجيَّةِ السَّديدة في تجنُّب إنزالِ النُّصوص على الوقائعِ والأحداثِ الماضيةِ والمستقبليَّة، لكنَّه استثنى بقوله: (إلَّا ما توفَّرت فيه الشَّواهدُ والقرائِن)؛ ولعلَّ هذا الاستثناء هو ما أَوْقَعه في الزَّلَل والخطأ؛ فلَزِمَ توضيحُها وتَبيينُ الصَّوابِ فيه.
فمِن المؤاخذات:
بعضُ التأويلاتِ الغريبةِ والبعيدةِ للنُّصوص؛ لإثباتِ أنَّها وقعتْ وتَحقَّقت؛ ومِن الأمثلة على ذلك: كلامُه عن حديثِ أنس بن مالك رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مِن اقترابِ السَّاعة: أنْ يُرَى الهلالُ قَبْلًا، فيُقال: لليلتَينِ، وأنْ تُتَّخذَ المساجدُ طُرقًا، وأنْ يظهرَ موتُ الفجأةِ)، حيث يقولُ (1/ 285): (في هذه الأدلَّة إشارةٌ إلى اتِّخاذ المساجدِ طرقًا للمارَّة، وهو ما تَحقَّق في عصرنا هذا من خلال وجودِ المكتبات الخيريَّة التي تُوضَعُ داخلَ المساجد، والتي يكون مدخلُها من داخل المسجد، ...)) ).
فجَعْلُ المؤلِّف وجودَ المكتبات الخيرية داخلَ المساجد من باب اتِّخاذ المساجد طرقًا بعيدٌ، والصواب ما قاله المناويُّ في ((فيض القدير)) (6/ 10): " (وأنْ تُتَّخذ المساجدُ طرقًا) للمارة يدخُل الرجلُ مِن بابٍ ويخرج من بابٍ؛ فلا يُصلِّي فيه تحيَّةً ولا يَعتكِف فيه لحظةً).
وعلى كلامِ المؤلِّف يكونُ وجودُ المكتباتِ الخيريَّة داخلَ المساجِدِ ممَّا يَدخُل في النَّهيِ عن اتخاذِ المساجِد طرقًا! وهذا من الخطأِ الواضح قَطعًا؛ إذ طلبُ العلمِ مِن الذِّكر كما هو معلومٌ؛ قال الصَّنعانيُّ ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (11/ 82): ("إلَّا لذِكرٍ أو صلاةٍ"؛ لأنَّها لذلك عُمرت، وقِراءةُ العِلمِ النافعِ داخلةٌ تحتَ الذِّكر).
ومن المؤاخذات:
تنزيلُه فِتنةَ الأحلاسِ وفِتنةَ السرَّاءِ على حربَيِ الخليج الأولى والثانية، وجزْمُه بذلك، حيثُ يقول (1/ 535): (والصحيح عندنا من خلال الوقوف على النصوص وما سطره التاريخ، أن فتنة الأحلاس والتي أخبر عنها الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبل ألف وأربع مائة سنة ونيِّف، هي (حرب الخليج الأولى 1980-1988م)، والتي دارت بين العراق وإيران، وأدَّت إلى مقتل 1000.000 شخص من الطرفين، ومئات الآلاف من الأسرى والجرحى والمعاقين، بسبب طول هذه الحرب، واستخدام الأسلحة الكيميائيَّة...).
ثم يقول (1/ 536): (أمَّا فِتنة السرَّاء والتي أخبر عنها الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهي (حرب الخليج الثانية 1990م)، والتي كان سببها المباشر، حاكمُ العراق السابق صدَّام حسين التكريتي، وذلك بغزوه لدولة الكويت صبح الخميس 11/1/1411هـ، وما تبع ذلك من تهجُّمه على الدول الإسلامية المجاورة،، ممَّا أدَّى إلى اتِّفاقٍ دوليٍّ باستخدام القوة العسكرية كحلٍّ نهائي ضد العراق، لعدم انسحابه من الكويت، وذلك صبح السبت 17 يناير 1991م).
ومِن ذلِك جزْمُه (1/ 537- 538) بأنَّ الرئيسَ العراقيَّ صدَّام حسين هو بعَينِه الذي كانت هذه الفِتنةُ مِن تحتَ قدمِه؛ وذلك لأنَّ صدام حسين ظالِم، وأنَّه يزعم أن نَسَبَه يمتدُّ إلى آل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحسَبِ شجرةِ الأنسابِ ، وأنَّه قد زال ملكه بزواله معه بالكليَّة.
وهذا التَّحديدُ والجزمُ لا نعلمُ قال به أحدٌ من أهل العِلم الراسخين في عَصرِنا، وأيضًا ما استدلَّ به لا يخلو من التكلُّف، ومحاولة ليِّ أعناق النصوصِ؛ لتوافقَ النتيجةَ التي توصَّل إليها وجزَم بها.
- ومن التناقُضاتِ الواضحةِ التي وقَع فيها المؤلِّف:
أنَّه قال (1/ 544): (... ومن تتبَّع الأدلَّةَ وأقوالَ أهل العلم لوجَدَ أنَّ زمن المهديِّ المنتظَر هو زمنُ أمنٍ ورخاءٍ أثناء حُكمه، كما أنَّه زمنُ فتوحاتٍ وانتصارات للإسلام والمسلمين، وبذلك يتبيَّن لنا- وبوضوحٍ- أنه لم يرِدْ ما يدلُّ على وجود فِتنة أو مُسمًّى لفتنة تتَّصف بصِفات الدُّهيماء ستقَعُ في زمَن المهديِّ).
ثم يقول (1/ 608): (والراجح عندنا أنَّ هذا الانحسارَ سيكون في زمن فِتنة الدُّهيماء قَبْلَ ظهورِ المهديِّ،... ويحتمل أنْ يكونَ في زمن المهديِّ، حيثُ المناطقُ التي تَعصِف بها الاضطراباتُ الأمنيَّة...).
فقد ذَكَر أولًا أنَّ زمَنَ المهديِّ زمنُ أمنٍ ورخاءٍ، وأنَّه تبيَّن له- وبوضوحٍ- عدمُ الدليلِ على وجودِ فِتنة الدُّهيماء في زمَن المهديِّ، ثم جاءَ وذكَر ثانيًا أنَّ المناطقَ في زمن المهديِّ تَعصِفُ بها الاضطراباتُ الأمنيَّة ويُحتمل أنْ تكونَ فِتنةُ الدُّهيماء في زَمنِه!
كما أنَّ ترديدَه لعبارة (المهدي المنتظر) لا تخلو من مؤاخذة فهي من ألفاظ الشيعة أمَّا السُّنَّة فيقولون (المهدي) فحسب.
- ومن المؤاخذات:
زعْمُ المؤلِّف أنَّ الطائفةَ المنصورةَ هي طائفةُ المهدي وأتْباعِه، حيثُ يقول (1/ 669- 670): (والصَّحيح الذي ظهر لنا في هذه المسألة: أنَّ هذه الطائفةَ هي طائفةُ المهديِّ وأتْباعِه من المؤمنين الصَّادِقين، وأنَّ زمَن ذلك حين يكونُ المسيح الدجَّال وجُنده مُحاصِريهم في بيت المقدس وأكنافه، ويدلُّ على ذلك عِدَّةُ أدلة هي: ... الدليل الرابع: ما أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي يُقاتلون على الحقِّ ظاهرين على مَن ناوأهم، حتى يُقاتِلَ آخرُهم المسيح الدجَّال)). ووجه الاستدلالِ من الحديث: أنَّ آخِرَ أمْر هذه الطائفةِ فيما يتعلَّقُ بالقتال هو قتالها للمسيح الدجَّال وجنده، ولا نعلمُ فيما نعلمُ أنَّ هناك طائفةً مسلمةً ستقاتل الدجَّالَ وجيشَه في أرض الشام سِوى طائفةِ المهديِّ بعدَ أنْ يتحصنوا ببيت المقدِس منه).
وهذا الكلامُ مخالفٌ لظاهر الحديثِ ولكلامِ الشرَّاح كذلك؛ لأنَّ ظاهرَ الحديثِ يدلُّ على وجودِ هذه الطائفة في سائرِ عُصور الأمَّة، وأنَّه لا تخلو منها الأرضُ كلُّها في زمنٍ من الأزمانِ، وأنَّ آخِرَ مَن يُوجَدُ من هذه الطائفةِ التي على نفْسِ الطريقةِ المَرْضيَّة هم الذين يُقاتلون المسيح الدجَّال، وليس أنَّ هذه الطائفة فقط هي طائفةُ المهدي فقط ولن توجدَ إلَّا في زمن الدجال، وأنَّ آخِرَ أمرِها قتالُ الدجال كما يزعم المؤلِّف؛ قال الطيبيُّ في ((شرح المشكاة)) (8/ 2644): (قوله: ((يُقاتل آخرُهم المسيحَ الدجَّال))، أي: لا تنقطعُ تلك الطائفةُ المنصورةُ، بل تَبقَى إلى أن يُقاتِلَ آخرُهم الدجَّالَ)، ويُنظَر للتوسُّعِ في هذا سائرُ كتُب شروحِ الأحاديث، وهي متَّفقةٌ على هذا المعنى.
ومِن ذلك قوله (1/ 667) عن وقت الطائفة المنصورة: (القول الأوَّل: أنَّ وقت زمن هذه الطائفة هو قبلَ خروج الريح الليِّنة، وقبضها لأرواح المؤمنين، وأنَّ المراد بقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (حتى يأتي أمر الله) هي الريح اللينة. وبه قال النووي، وابن حجر وغيرهما).
وكلامه هنا- إضافةً إلى أنَّه خطأٌ كما سبق- يُوهِم أنَّ النوويَّ وابنَ حجر وغيرهما يقولون بأنَّ وقتَ زمنِ هذه الطائفةِ هو قَبْلَ خُروجِ الريح الليِّنة، وقبْضِها لأرواحِ المؤمنين، وإنَّما الصَّحيحُ أنّهم يقولون بأنَّ المرادَ بقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (حتى يأتيَ أمْرُ الله) هي الرِّيح الليِّنة. وأمَّا القول بأنَّ وقتَ زمنِ هذه الطائفةِ هو قبلَ خُروجِ الليِّنة فليس هو مِن كلام النوويِّ ولا ابنِ حجرٍ، ولا نَعلمُ كلامَ مَن هو؛ إلَّا أنْ يكونَ كلامَ المؤلِّف نفْسِه وتَوهَّم له قائلين به!
قال النوويُّ: (وفي هذا الحديثِ مُعجزةٌ ظاهرة؛ فإنَّ هذا الوصفَ ما زال بحمدِ اللهِ تعالى من زمَنِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الآن، ولا يزالُ حتى يأتيَ أمْرُ اللهِ المذكورُ في الحديث..). ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 67).
وقال ابنُ حجر: (وقدْ أورده المؤلِّف في الاعتصامِ؛ لالتفاتِه إلى مسألةِ عدمِ خُلوِّ الزَّمان عن مجتهدٍ) ((فتح الباري)) (1/ 164)، وينظر كذلك (13/ 293 وما بعدها).
- ومن المؤاخذات:
زعْمُه (2/ 125- 131) أنَّ أتْباعَ المسيحِ الدجَّال جميعَهم من جِنس الرِّجال، وردُّه لظاهرِ الأحاديثِ التي فيها غيرُ ذلك، والتكلُّفُ في تأويلها؛ مِثلُ ردِّه أنْ يكونَ أكثرُ مَن يَخرُجُ إليه مِن المدينة لاتِّباعِ الدَّجال هم النِّساءَ؛ يقول (2/ 130): (وأمَّا القول: بأنَّ النساء هنَّ من جُملة مَن يتبع الدجَّال... وإنْ كان دليلُكم في ذلك ما أخرجه الإمامُ أحمد من حديث جابر بن عبد الله، وفيه: (وأكثر مَن يَخرُج إليه النساءُ). فالمرادُ بالخروجِ هنا هو الخروجُ رعبًا من المدينة حين تتزلزل بأهلها... مِن جهةٍ أخرى أنَّه لم يرِدْ دليلٌ على أنَّ هناك غيرَ اليهود من جِنس الرجال سيتبع الدَّجَّالَ).
وهذا تكلُّفٌ في تأويل الحديثِ، والظاهرُ أنَّ النساءَ مِن أكثرِ الخارجين من المدينةِ لاتِّباعِ الدجَّال، ولفظُ الحديث (يَخرُج إليه)، ولا يتَّسق هذا مع الخروجِ مِن المدينة رعبًا منه! ثم إنَّ بقيَّةَ الحديثِ الذي ذَكَره المؤلِّف واقتصَرَ على ما ذَكَر منه نصٌّ في ذلك لا يَحتمل هذا التأويلَ الغريبَ الذي أتَى به المؤلِّف؛ وهي كالتالي: ((.. فإذا كان كذلك رجفَتِ المدينةُ بأهلها ثلاثَ رجفاتٍ لا يَبقَى منافقٌ ولا منافقةٌ إلَّا خرَج إليه، وأكثرُ- يعني- مَن يخرُجُ إليه النساءُ...))؛ فماذا يقول المؤلِّفُ عن لفظة (منافقة) في الحديث؟! وأيضًا في المسنَد من حديثِ ابنِ عُمرَ نصٌّ على ذلك أيضًا، وهو قولُه: ((ينزلُ الدجَّالُ في هذه السبخةَ بمر قناةٍ، فيكون أكثرُ مَن يخرج إليه النساء، حتى إنَّ الرجلَ ليَرجِع إلى حميمِه وإلى أمِّه وابنتِه وأختِه وعمَّتِه فيُوثقها رباطًا؛ مَخافةَ أن تخرُجَ إليه))، وفيه (("ينزل الدجالُ خندقَ المدينة، فأوَّلُ مَن يتَّبعُه النساءُ والإماءُ)).
- ومن التأويلاتِ المخالفةِ لظواهرِ النصوصِ: قوله (2/ 158): ( (مسألة) فإنْ قال قائل: هل سيطأُ الدجالُ جميعَ الأرض شرقيَّها وغربيَّها، شمالَها وجنوبها؟ الجواب: ظاهرُ النصوص من جِهة العمومِ تدلُّ على ذلك، والذي ظهَر لنا بعد التمعُّن في النصوص أنَّ الأمرَ يُحمَل على غير ذلك... وبذلك يتبيَّن لنا من خلال سيرة الدجَّال الجغرافية، أنَّ هناك قاراتٍ وبلادًا لن يتَّجه إليها الدجال ولن يدخُلَها كقارة إفريقيا وأستراليا وأوربا والأمريكتين الشمالية والجنوبية، بل قد يُقال وهو ما نجزم به: إنَّ الأجزاء الكبيرة من قارة آسيا الشرقيَّة ستكون هي الأخرى آمنةً مِن دخول المسيح الدجَّال لها. وعليه؛ فيكون مسيرُ الدجال أثناء خروجه من الدَّير ما بين خراسان شرقًا وحتى الحجاز غربًا، مرورًا ما بين العراق والشام، ومِن ثَمَّ إلى الشام شمالًا حيث تكون نهايتُه هناك.
ولعلَّ ما أخبر به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أنَّ المسيح الدجَّال لن يَدَعَ قريةً إلى سيطؤها ستكونُ محصورًا في:
1- المدن والقرى المجاورة للطريق الذي يَسيرُ فيه إلى الجزيرة العربية.
2- المدن والقُرى في الجزيرة العربية، عدَا مكَّة والمدينة.
3- المدن والقرى في بلاد الشام، عدَا بيت المقدس، ومسجد الطور).
فالنصوصُ ظاهرةٌ في أنَّ الدجَّالَ لن يدَعَ (قرية) إلَّا هبَطها غيرَ مكَّةَ والمدينةِ، كما في صحيح مسلم، وفي النَّسائي (ليس مِن بلدٍ إلَّا سيطؤه الدجَّالُ, إلَّا مكَّة والمدينة)، ومكَّةُ والمدينةُ استثناءٌ مِن (قرية) ومن (بلد) التي وقعتْ نَكرةً في سياقِ النفيِ المنصبِّ عليه الاستثناءُ المفيدُ للاستغراقِ، ثم إنَّ في هذا العمومِ دَليلًا على قوَّة سياحةِ المسيحِ في هذه المدَّة، وإلَّا لو اقتصَرَ على هذه الأماكنِ التي ذكَرها المؤلِّف لانتفَتْ قوَّةُ سياحته؛ فما الداعي- إذن- لمِثل هذا الاعتسافِ والتقعُّر في تأويلِ النصوص بزعمِ أنَّ هذا تمعُّنٌ في النصوص؟! ويُنظر ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3475)، وكتُب الشروح عمومًا؛ إذ لم ينصَّ أحدٌ مِن الشرَّاح على هذا التخصيصِ الذي يَزعُمُه المؤلِّف.
- ومن المؤاخذات:
زعْمُه أنَّ المغول هم يأجوج ومأجوج؛ يقولُ (2/ 326): (وشعب تلك الأرض يطلق عليهم (المغول)، وعليه فإنَّ المغول هم يأجوج ومأجوج، وهو الصحيح، وهو ما أكَّده غير واحد من أهل العلم والباحثين) وسرَد مجموعةً منهم حسَبَ فَهمِه لكلامِهم.
ويلتحِقُ هذا بالمؤاخذاتِ على كلامِ المؤلِّف (2/ 337- 402) في المبحث الخاصِّ بتاريخ خروج يأجوج ومأجوج على النَّاس، ومُسمَّاهم عند كلِّ خروج، حيث قام بتحديدِ تواريخِهم وأجناسِهم، وزَعَم بأنَّ لهم سبعَ خُروجات، وحدَّد مكانَ السدِّ الذي بناه ذو القرنين، كما قام بتحديدِ شخصيةِ ذي القرنين وإنزالها على بعضِ مُلوكِ فارس؛ استدلالًا بما في كتُبِ اليهودِ وما يَزعُم من التاريخِ الذي لا يُعلمُ مَصدرُه، وقد اشتمَلَ هذا المبحثُ على أخطاءٍ واعتسافاتٍ متكلَّفة عديدةٍ؛ فمنها:
زعمُه (2/ 346 وما بعدها) أنَّ ذا القرنين هو أحدُ ملوكِ فارس، وتحديدًا هو كورش أو قورش الأخميني (الكبير) (559-529 ق.م)، موحِّد مملكتي (ليديا) و(ميديا)، قال: (وهو الصَّحيح، وبه قال العلامة/ أبو الكلام أزاد، وهو أوَّلُ مَن سنَّ هذا القول بأدلَّة قويَّة معتبَرَة من التاريخ والجغرافيا والآثار وثلاثة أسفار من أسفار (العهد القديم)، وهي: سفر دانيال، وسفر أشعيا، وسفر عزرا، وذلك في كتابه المانع (يسألونك عن ذي القرنين) (79-143) )، ثم جاء الباحث الدكتور/ عبد العليم عبد الرحمن خضر، فنصر هذا القولَ بأدلة وبراهين علمية تأصيليَّة في كتابه (مفاهيم جغرافية في القصص القرآني: قصة ذي القرنين) (225-333)، وبهذا القول قال الدكتور/ الشفيع الماحي أحمد في كتابه (يأجوج ومأجوج فتنة الماضي والحاضر والمستقبل). والدكتور/ صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه (مع قصص السابقين في القرآن) (2/261)، والدكتور/ عبد المنعم النمر في مقال له بمجلة العربي، العدد (184) بعنوان: (ذو القرنين شخصية حيرت المفكرين أربعة عشر قرنًا، وكشَفَ عنها أبو الكلام أزاد) انظره على موقع: (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة). على هذا الرابط:
http://quran-m.com/container.php?fun=artview&id=986
ونظرًا لأهمية هذا القول، ومدَى الأخْذ به، رأينا بيانَ الأدلَّة التي قامت عليه، وأقوال الباحثين وبالأخصِّ أبو الكلام باعتباره أوَّلَ مَن حقَّق ذلك، ولو أدَّى ذلك إلى الإطالة).
وأطال النقل في ذلك جدًّا...
وليُعلمْ- أولًا- أنَّ للهِ تعالى حِكمًا في عدم التَّصريح ببعض أسماء الأشخاص والأعيان، أو تحديد الأماكن في بعض القصص والأخبار؛ ومن تلكم الحِكَم: أن يرشد سبحانه إلى أن المقصود من ذلك هو أخذ العبرة والعظة؛ بغض النظر عن الأشخاص والأسماء؛ فلو كان الله تعالى يريد بيانًا عنهم لبيَّن؛ إنَّما أحيانًا يكون المراد مغزى العبرة والعظة، ولا تراد أحداثها وأماكنها وأزمانها، وتحديد الأماكن والأزمان لا يَزيد شيئًا على عبرة القصة ومغزاها؛ فلذلك لم يذكرها. ومن أكثر من أولع بذكر التفصيلات غير المفيدة في القصص هم اليهود- كما هو معروف؛ فإنهم يبحثون مثلًا عن تحديد الأشخاص وتعيين أسمائهم وتحديد زمانهم، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى- في نهاية قصة أصحاب الكهف-: {فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ففيه إلفاتٌ إلى النبيِّ الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، بألَّا يقف من مقولات القائلين في أصحاب الكهف، وفي تحديد الزمن الذي عاشوا فيه، والبلد الذي كانوا من أهله، وفي أسمائهم، وأسماء ملوكهم، ورؤسائهم.. إلى غير ذلك- ألَّا يقف النبيُّ من هذه المقولات موقفَ الباحث الطالِب للحقيقة؛ فكل هذه قشورٌ، لا لُباب فيها، وإنَّما اللباب، هو الأحداثُ والمواقفُ، واتجاهاتُ تلك الأحداث وهذه المواقف. [ينظر: التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب (8/ 609)]؛ وعليه؛ فكثير مما ذكره المؤلِّف هنا وأطال به الكتاب هو من هذا الباب الذي لا طائل تحته.
ثم إنَّ كلامَ المؤلِّف-ثانيًا- قائمٌ كلُّه على الاستدلالِ بما لا يَصِحُّ الاستدلالُ به أصلًا، ولا الجزمُ به قطعًا؛ فأدلَّتُه القويَّةُ المعتبَرَةُ هي (مِن التاريخ والجغرافيا والآثار، وثلاثة أسفار من أسفار (العهد القديم)، وهي: سفر دانيال، وسفر أشعيا، وسفر عزرا)! فهل مثل هذه الأدلَّة مُعتبَرٌ بها في شريعةِ الرحمن، وهل هي كافيةٌ في التحديدِ الدَّقيقِ للأمورِ الغيبيَّة التي لم يأتِ تحديدها في شرعتنا المطهرة؟!
ثم قال المؤلِّف تقويةً لحُجَّتِه (2/ 349): (ولا عجبَ، فالطريق الذي سلَكه المفسِّرون كان طريقًا خاطئًا. لقد صرَّحت الآثارُ بأنَّ السؤال كان من قِبل اليهود، فكان لائقًا بالباحثين أن يَرجِعوا إلى أسفار اليهود، ويبحثوا هل يوجد فيها شيء يلقي الضوء على شخصية ذي القرنين. إنهم لو فعلوا ذلك لفازوا بالحقيقة).
وهذا الكلامُ خطأٌ واضحٌ، وخطيرٌ جدًّا أيضًا؛ ففيه طعنٌ على المفسِّرين وطريقتِهم، وتصحيحٌ لِمَا في أسفارِ اليهود، والزَّعْمُ أنَّ ما فيها حقيقةٌ بغضِّ النظر عن موافقتِه لِمَا في شريعتنا أم لا، مع أنَّ المؤلِّفَ نفْسَه قد نقَلَ قبلَ ذلك أقسامَ ما يُروى عن بني إسرائيل وأنَّ المعوَّل عليه: أنَّ ما وافَق شريعتَنا قُبِل وصُدِّق وأُخِذَ به، وأنَّ ما خالَفَ شريعتَنا رُدَّ وكُذِّب ولم يُؤخَذْ به، وأنَّ ما لم يُوجَدْ في شريعتنا تصديقُه ولا تكذيبُه لا يُعتمَدُ عليه؛ فكيف به الآنَ يُطلق العِنانَ للأخْذِ عن أسفارِ اليهود، ويزعُم أنَّ مَن فعَل هذا وترَك طريقةَ المفسِّرين- الذين أخذوا بما في شريعتِنا قطعًا، ولم يَعتمِدوا على ما في أسفارِ اليهود- كيف يَزعُم أنه يفوزُ بالحقيقة؟!
ثم إنَّ الآثارَ والواقِع أيضًا يدلُّ على خلافِ ما يَدَّعيه المؤلِّفُ؛ فالسائلُ إمَّا أنْ يسألَ جهلًا وإمَّا اختبارًا، وفي كِلتا الحالتين اليهود سألوا عن يأجوج ومأجوج؛ فأُجيبوا بما في القُرآن؛ فأقرُّوا بصِدقِه وأنَّه هو الحقيقةُ، ولم يدَّعُوا نقصًا في البيانِ، أو مخالفةً لِمَا عندهم في الأسفار! ثم يأتي المؤلِّفُ ويدَّعي أنَّ المفسِّرين سلكوا طريقًا خاطئًا؛ لأنَّهم لم يَعتمِدوا على كتُب اليهودِ الذين سألوا وأُجيبوا!
- ومِن تلك الأخطاءِ: زعْمُه بأنَّ يأجوج ومأجوج لهم خروجاتٌ سبعةٌ في مختلف الأزمان قبل الميلادِ وبعده، وأنَّ آخِرَهم خروجًا هم التتار بقيادة جنكيز خان! وأنَّ الذين سيخرجون بعد قتْلِ عيسى للمسيح الدجَّال (هم أحفادُ أجدادهم المغول الذين خرَجوا في القرن السابع الهجري، وأحفاد أجداد أجدادهم يأجوج ومأجوج الذين جاء ذِكرُهم بهذا المسمَّى في القرآن الكريم مع ذي القرنين) كما في (2/ 389).
وهذا مِن الأشياء العجيبةِ، والتكلُّفات البعيدةِ والمخالفةِ أيضًا لظاهرِ النُّصوص القرآنيَّة والأحاديثِ النبويَّة؛ إذ إنَّها تدلُّ على أنهم كانوا قومًا مُفسِدين في الأرض، وأنَّ الله تعالى رحِم عبادَه بأنْ حبَسَهم وراءَ السدِّ الذي بناه ذو القرنين، وأنَّهم لن يَخرُجوا إلَّا إذا جاء وعدُ اللهِ تعالى الذي يأذن فيه بخروجِهم على الصِّفةِ التي وضَّحتْها الأحاديثُ النبويَّة الصَّحيحة، وهو مِن علاماتِ السَّاعة- كما قال المفسِّرون والشُّراح.
ومن تِلك الأخطاء: زَعْمُه بأنَّ بعضَ قبائل يأجوج ومأجوج تمكَّنوا من الخروجِ وأنَّهم استطاعوا الوصولَ إلى السدِّ، واختراقَ عَرضِه بصُنعِ ممرٍّ يَلِجون فيه إلى الجانبِ الآخَر الذي نُقِب، وأنَّ السدَّ قد فُتِح جزمًا! وزعْمُه بأنَّ سدَّ يأجوج ومأجوج غيرُ باقٍ، وأنَّ فتْحَه في آخِرِ الزمانِ مجازٌ! مخالفًا بذلك صريحَ نصوصِ القرآن والسنَّة، ومُتعسِّفًا في تأويلها.
يقول (2/ 378): (...فتكون القبائل الفرعيَّة ليأجوج ومأجوج التي سكنت شمال جبال القوقاز، قد استطاعتِ الوصولَ إلى السد، واختراق عَرْضه بصُنع ممرٍّ يَلِجون فيه إلى الجانب الآخَر الذي نُقِب، وهو ما يَعني أنَّ السد قد فُتِح جزمًا. وأمَّا ما قيل مِن أنَّ هذا النقب سيَبقى بثباته، أو أنه سيتوسَّع شيئًا فشيئًا منذ عهد الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أن يقتل عيسى ابن مريم للمسيح الدجال، فينفتح السدُّ ليأجوج ومأجوج، فهو قولٌ ضعيف، لا يقوم على دليلٍ نقليٍّ ولا عقليٍّ صحيح، حيث لا يمكن قطعًا بقاءُ ذلك النقب على هيئته دون توسع لقرون عِدَّة).
ويقول (2/ 379): (أما الاستشهاد بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}، على بقاء السدِّ، وخروج يأجوج ومأجوج بعد فتْحِه آخِرَ الزمان. فقد اختلف العلماءُ في المراد بالفتح في الآية الكريمة على قولين، هما: القول الأوَّل: أن يحمل ذلك على الحقيقة. وهو ما يَعني بقاءَ السدِّ بمتنِه وصلابتِه منذ بناء ذو [كذا وصوابُه: ذِي] القرنين له، إلى أنْ ينزلَ عيسى عليه السلام فيَقتُل المسيحَ الدجَّال، وقد ثبَت بُطلانُ هذا القولِ بأدلَّة فتْح السدِّ في زمَن النبيِّ الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. القول الثاني: أنْ يُحمل ذلك على المجاز. وهو ما يعني أنَّ السدَّ ليس له ذِكرٌ، فيكون المرادُ من قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}؛ هو خروجَهم بكثرةٍ، وانتشارهم في الأرض، كما يخرجُ الشيءُ المحبوسُ أو المضغوطُ إذا انفجر، واستعمال لفظ الفتْح مجازًا شائعٌ في اللغة. ومنه قولك: فتحوا البلاد، وقوله تعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}، فليس للأشياء أبواب. وكذلك يأجوج ومأجوج لا بابَ لهم، بل هم مِن كلِّ حدَبٍ ينسلون؛ قاله القاسمي، وغيرُه، وهو الصحيح).
وهذا الكلامُ مخالفٌ لظاهرِ الآيةِ، ولكَلامِ غالِب المفسِّرين عليها وللأحاديثِ أيضًا وكلامِ الشرَّاحِ عليها، وما صحَّحه المؤلِّف رأيٌ ضَعيفٌ؛ قال الإمام الطَّبريُّ في تفسيره (15/ 412- 414): (وقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} يقول: فإذا جاء وعْدُ ربِّي الذي جعَله مِيقاتًا لظُهورِ هذه الأمَّةِ وخروجها من وراءِ هذا الرَّدْمِ لهم... وذُكر أنَّ ذلك يكونُ كذلك بعدَ قتْلِ عِيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ الدجَّالَ)، ثم ذكر الأخبارَ بذلك.
وقال العلَّامة الشِّنقيطي في ((أضواء البيان)) (3/ 341- 342)- عن قوله تعالى {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ}-: (هذه الآية الكريمة، وآية الأنبياءِ [وهي قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}] قد دلَّتا في الجُملةِ على أنَّ السدَّ الذي بناه ذو القرنين دون يأجوج ومأجوج إنَّما يَجعلهُ اللهُ دكًّا عندَ مجيءِ الوقتِ الموعودِ بذلك فيه، وقد دلَّتا على أنَّه بقُربِ يومِ القيامة; لأنَّه قال هنا: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يموج في بعض ونفخ في الصور...} الآية [الكهف: 98- 99]... ولا يَنبغي العدولُ عن هذا القولِ لموافقتِه لظاهرِ سِياقِ القرآن العظيمِ... وذلك يدلُّ على بُطلانِ قولِ مَن قال: إنَّهم روسية، وأنَّ السدَّ فُتِحَ منذُ زمانٍ طويلٍ...).
وأمَّا قول المؤلِّف (وقد ثبَت بطلانُ هذا القول بأدلَّة فتْح السدِّ في زمن النبيِّ الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)؛ فقولُ المؤلِّف هو الباطل؛ لأنَّ الثابتَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه فُتِحَ من السدِّ بقَدْر ما أَخبْرَ به، حيث قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فُتِحَ اليوم مِن ردمِ يأجوج ومأجوج مِثلُ هذه- وحلَّق بإصبعيه الإبهامِ والتي تليها)) وهذا الحديثُ يدلَّ على أنه قد فُتِح منه قدرٌ لطيفٌ، وهو علامةُ قُرْبِ فتْحه كلِّه، لا أنَّه فُتِح كلُّه في زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
- ويَستمرُّ المؤلِّف على الأخطاء المتفرِّعة عن المزاعِم التي يزعمها فيقول (2/ 388): ( (مسألة) فإن قال قائل: إذا كان السدُّ كما قال بعض الباحثين ما زال موجودًا؛ فكيف استطاع جيشُ التتار في القرن السابع الهجري من اختراقه، والوصول إلى البلاد العربية؟
الجواب: سبَق أن أشرنا إلى أن السدَّ قد بني في الطرف الجنوبي لجبال القوقاز، وذلك في زمن الخروج الرابع لقبائل فرعية ليأجوج ومأجوج سكنت في المناطق الشمالية لتلك الجبال. بينما كان خروج التتار من منغوليا غربًا عبر الدولة الخوارزمية والمتمثلة في (بلاد ما وراء النهر ثم خراسان ثم فارس)، ثم العراق فالشام. وعليه يتبين لنا أن التتار لم يأتوا من جبال القوقاز التي يوجد بها السد. ثم أن السد إن كان هدم فهو نهاية مؤكدة لما يصنعه البشر، وإن كان باقيًا فقد نقب كما أخبرنا بذلك الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي كلا الحالتين لا يُعال عليه مستقبلًا).
فالمؤلِّف هنا يُوهِمُ أنَّ القول ببقاءِ السدِّ هو قولُ بعض الباحثين، مع أنَّه القولُ المستقرُّ الموافِقُ لظواهرِ النصوص والمعروفُ عن المفسِّرين وشرَّاح الأحاديثِ والعلماء، وأنَّ القول الذي يدَّعيه هو قولُ البعضِ احتمالًا كما نقَلَه القاسميُّ في تفسيره ونسَبه لبعض المحقِّقين.
وزَعْمُه بأنَّ السدَّ بُني الطرف الجنوبي لجبال القوقاز، وأنَّ التتار لم يَخرُجوا من تلك الجهة؛ مبنيٌّ على زعْمِه من تَحديدِ مكان السدِّ، وأنَّ التتار هم مِن سُلالةِ يأجوج ومأجوج، وهذا لا دَليلَ عليه وإن كان قد قال به بعضُ العلماء.
وكما قال الشَّيخ الألبانيُّ رحمه الله تعالى عن الأقوالِ التي تحدِّد مكانَ السَّدِّ: (... الأمورُ الغيبيَّة على طريقةِ السَّلَف الصالح، لا يجوزُ التوسُّعُ فيها، وإنما نقِفُ عند النصِّ؛ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقرآن أخبروا بأنَّ هناك سدًّا، ولكن لم يُعين في أيِّ منطقة وفي أيِّ بلد، فنَدَعُ الأمْرَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ) [ فتاوى الشيخ الألباني (ص: 104- 105)].
ومن المؤاخذات على المؤلِّف:
رسالته التي سمَّاها (الرِّسالة المختصَرَة في تحديد نهاية العالَم المنتظَرَة) (2/ 469- 497)، وقدْ افتتحها بقولِه: (تنبيه هام): هذه الرسالة مبنيَّة على ما ظهَر لنا من اجتهاد قام على البحث والاستقراء من خلال مباحثَ سابقةٍ سبَق لنا استعراضُها في هذا الكتاب، حيث خَلَصْنا فيه إلى أنَّ عُمر الدنيا لا عُمر الأرض؛ سبعةُ آلاف وخمس مائة سَنة، وأنَّ عُمر أمة الإسلام من ذلك ألف وخمس مائة سَنة تمامًا بتمام، وأنَّ ذلك ليس له علاقةٌ بتحديد يوم القيامة كما سيأتي، فإنِ اختلَّ ما قرَّرناه من تحديد، فتُعتبر هذه الرسالةُ باطلةً، ولا يُؤخذ بها، إلَّا في مسائلَ قد ثبَت بها الدليلُ الصحيح، والله الموفق).
وهي كلُّها قائمةٌ على الرَّجمِ بالغيبِ من مكانٍ بعيد! وفيها تخرُّصاتٌ وأكاذيب؛ اعتمادًا على ما في كتُب اليهود، وعلى الطُّرُق الحسابيَّة، مُقلِّدًا بذلك غيرَه ممَّن تكلم في هذه المسألةِ ورَدَّ عليهم العلماءُ!
يقول (2/ 471): (أمَّا بعد: اعلم رحمك الله أنَّ قضية عُمر الدنيا من القضايا التي شَغفتْ بعضًا من أهل العلم قديمًا وحديثًا كابنِ جرير الطبريِّ في (تاريخه)، والسُّهيليِّ في (الروض الأنف)، والسيوطيِّ في رسالته المشهورة (الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف)، وقد كانت نهاية حساباتُهم لعمر الدنيا هو قيامُ الساعة، وهو ما كان سببًا في ردِّ جمهور أهلِ العِلم عليهم).
وشغفُ بعضِ أهلِ العِلم قديمًا وحديثًا بهذه القضيةِ ليس دليلًا على صِحَّةِ الانشغالِ بمِثلِ هذه القضيةِ؛ لا سيَّما وقد ردَّ عليهم جمهورُ أهل العِلم، ولم يكن ردُّهم فقط لأنَّ نهايةَ حِساباتهم لعُمرِ الدُّنيا هو قيامُ الساعة- كما يذكر المؤلِّف- بل ردُّوا عليهم بأنَّ تحديدَ عُمرِ الأمَّةِ بالتواريخ هو مِن الغَيبِ الذي لا يَعلمُه إلَّا اللهُ تعالى، ولا يصحُّ هذا التحديدُ أصلًا، ولا الانشغالُ به، كما سيأتي.
- ويقول (2/ 473 - 476): (القول الثاني: سَبعة آلاف سنة. والدَّليل على ذلك:
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: إنَّ اليهود كانوا يقولون: إنَّما هذه [وفيه رواية: "إنما مُدَّة"] الدنيا سبعةُ آلاف سَنة. رواه الطبري، والطبراني، والحاكم...
فيَبقى لنا القولُ الثاني بدليله الذي يُعدُّ من أقوال بني إسرائيل؛ فإنَّ أهل الكتاب يرون أنَّ مُدَّة الدنيا سبعةُ آلاف سنة بالاتِّفاق، كما هو المنصوص عليه في كُتبهم مع الخِلاف في تقسيم ذلك بينهم، وهو ممَّا لم يَرِدْ بيانه في القرآن الكريم، والسنَّة النبويَّة الصَّحيحة...
القِسم الثالث: ما لم يرِدْ في شرعنا ما يدلُّ عليه، فيجب التوقُّفُ فيه قولًا واحدًا؛ فلا يُصدَّق خشيةَ أن يكون كذبًا، ولا يُكذَّب خشيةَ أن يكون صدقًا. ومنه قولهم الذي سبَق ذِكرُه: (إنما الدنيا سبعة آلاف سنة)، وهو قولٌ يحتملُ الصواب والخطأ، خاصَّةً إذا علمنا أنَّ هذا القول ليس له علاقةٌ بتحديد يومِ القيامة، كما سيأتي بيانه إنْ شاء الله).
ثم يقول (2/ 487): (بعد أنْ تَبيَّن لنا أنَّ عمر الدنيا مِن لَدُن هبوطِ آدم عليه السلام إلى الأرض (سبعة آلاف سنة)، وأنَّ الزيادة التي أكرمَ الله بها أمَّةَ نبيِّه محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي (خمس مائة سنة)، عندها يمكننا القولُ بأنَّ الناتج الإجمالي لعُمر الدنيا الجديد بعد الزيادة المقرَّرة للأمة المحمدية سيكون الآتي:
7000 سنة (كون الدنيا: سبعة آلاف سنة) + 500 سنة (كون الزيادة لهذه الأمة: خمسمائة سنة) = 7500 سنة.
قال الحافظُ ابن حجر- بعدَ أن أورد حديثَ ابن عمر رضي الله عنهما-: (وله مَحملان: أحدهما: أنَّ المراد بالتشبيه التقريبُ ولا يُرادُ حقيقة المقدار. والثاني: أن يُحمل على ظاهرِه، فيُقدَّم حديثُ ابن عمر لصحَّته، ويكون فيه دلالةٌ على أنَّ مُدَّة هذه الأمة قَدْرُ خُمس النهار تقريبًا). انتهى. وبناءً على ما قاله الحافظُ ابن حجر يكون الآتي:
7500 (وهو عمر الدنيا بعد الزيادة) + 5 (أي: أن مقدار هذه الأمة خُمس النهار- كما قال الحافظ) = 1500 سنة.
أي: أن: 7500 - 1500 = 6000 سنة تقريبًا.
وعليه؛ فيكون ما مضَى من الزمن البشري ابتداءً من نزول آدم عليه السلام إلى الأرض؛ إلى بعثةِ الرسول محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو: أربعة أخماس المدة (أي: 6000 سنة)، ويكون الباقي ابتداءً مِن بعثة نبينا الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ظهور الريح اللينة كنهاية لهذه الأمة هو: خُمس المدَّة فقط (أي: 1500 سنة).
ويقول (2/ 488- 492): (وبعد أنِ استعرضنا الركائزَ الأربع في معرفة عُمر الدنيا ومِن ذلك عُمر الأمم السابقة وعُمر أمَّة الإسلام، يمكننا عندها تحديدُ النهاية المنتظرة زمنيًّا...
الخطوة الأولى: معرفة المدَّة الزمنية التي مكَثَها الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مكة بعد البعثة وقبل الهجرة إلى المدينة المنورة (وهي: 13 سنة، و5 أشهر، 6 أيام)... الخُطوة الثانية: اعتماد قولنا- إنْ صح إنْ شاء الله- في أنَّ عمر أمة الإسلامة (1500 سنة)، وذلك من بعثة النبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كبِداية، إلى ظهور الرِّيح اللينة كنِهاية.
الخطوة الثالثة: طرْح كلِّ مُدَّة زمنية نصَّ عليها الدليلُ والتعليل الصَّحيح فيما يتعلَّق بكلِّ علامةٍ من علامات الساعة الكبرى.
وبناءً على ما سبق نقول: 1500 سنة (وهو عمر أمَّة الإسلام) مطروحٌ منها الآتي:
1- أربعون يومًا (وهي مدَّة ما بين ظهور المسيح الدجال إلى موته مقتولًا على يدِ عيسى ابن مريم عليه السلام). كما بينَّا ذلك سابقًا بأدلَّتها.
2- أربعون سَنَةً (وهي مدَّة إقامة عيسى ابن مريم على وجهِ الأرض). كما بينَّا ذلك سابقًا بأدلَّتها.
3- سَبْع سنواتٍ (وهي مدَّة ما بين وفاة عيسى وظهور الرِّيح الليِّنة). كما بينَّا ذلك سابقًا بأدلَّتها.
فيكون حاصل المجموع ممَّا ذُكر:
40 يومًا + 40 سنة + 7 سنوات = (47 سنة) تقريبًا.
إذًا يُمكننا أن نقول: إنَّ طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وكذا المسيح الدجال، ونزول عيسى عليه السلام إلى الأرض، وخروج يأجوج ومأجوج، ستكون جميعًا خلال (49 عامًا) كما بينَّا ذلك في المباحث المتعلِّقة بكل علامة، عدَا علامة الدُّخَان فيُحتمل ذلك. وعليه يكون خروجُ هذه العلامات جميعًا في سَنةٍ واحدةٍ، فتكون تاريخيًّا:
بالتاريخ حسَب البعثة النبوية: 1500 سنة - 47 = 1453 من البعثة النبوية تقريبًا.
وبالتاريخ الميلادي: نقوم بتحويل السَّنة الهجرية الناتجة لدينا إلى سَنة ميلادية، وذلك على النحو التالي:
السَّنة الميلادية (م) = السنة الهجرية (هـ) + 622 - السَّنة الهجرية/ 33
م = 1440 + 622 - 1440 / 33
م = 1440 + 622 - 43
م = 1440 + 579
= 2019 م تقريبًا.
وفيما يتعلَّق بالسَّنة التي سيموت فيها المسيحُ عيسى ابن مريم عليه السلام؛ فإنَّنا نُضيفُ (40 سنة) إلى ما سبق ذِكرُه، وهي المدَّة التي من نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض وموته كما نصَّت بذلك النصوصُ الصحيحة، فيكون الحسابُ كالتالي:
بالتاريخ حسَبَ البعثة النبوية: 1453 + 40 سنة = 1493 من البعثة النبوية تقريبًا.
وبالتاريخ الهجري: 1440هـ + 40 سنة = 1480هـ تقريبًا.
وبالتاريخ الميلادي: 2019م + 40 سنة = 2059م تقريبًا.
وفيما يتعلَّق بالسَّنة التي ستخرج فيها الريحُ اللينة وقبضها لأرواح من بقِي من المؤمنين بعد وفاة نبيِّ الله عيسى عليه السلام، فإنَّنا نضيف (7 سنوات) إلى ما سبَق ذِكرُه، وهي المدَّة التي من موت عيسى ابن مريم إلى ظهور الريح اللينة. فيكون الحساب كالآتي:
بالتاريخ حسب البعثة النبوية: 1493 + 7 سنوات = 1500 من البعثة النبوية تقريبًا.
وبالتاريخ الهجري: 1480 + 7 سنوات = 1487هـ تقريبًا.
وبالتاريخ الميلادي: 2059 + 7 سنوات = 2066م تقريبًا).
ثم استنتج على ذلك أنَّ السَّنوات قبلَ سنة 1440هـ - 2019م ستكون حافلةً بالأحداث العظيمة؛ فقال (2/ 496): (وهنا يجبُ التنبيهُ إلى أنَّ السنوات التي تسبق ظهورَ العلامات الكبرى، ستكون حافلةً بالأحداثِ العظيمةِ، ومن أهمِّها- والتي لم تتحقَّق حتى الآن-:
1- وقوع فتنة الدُّهيماء.
2- استحلال البيت الحرام بالقِتال فيه.
3- انحسار نهر الفرات عن جبَلٍ من ذهب، واقتتال الناس عليه.
4- وقوع خَسْف بجيش في البيداء بين المدينة ومكَّة، خرَجَ لقتال المهديِّ ومَن معه في مكَّة.
5- ظهور المهديِّ المنتظَر.
6- فتْح بيت المقدس، وزوال دولة إسرائيل.
7- حربٌ تَجمَع العربَ والرومَ ضدَّ عدوًّا [كذا، وصوابه: عَدوٍّ] لهما، وسيكون النصرُ حليفَ العربِ والروم، ثم يَنشَبُ قتال بين العرب والروم بسببِ اشتباكٍ حصَل جرَّاءَ القول بأنَّ الصليب غلَب، ثم تكون هناك هُدنةٌ بين الطرفين، يَعقُبها الملحمةُ الكبرى، والتي ستدور رحاها في أرض سوريا [سُوريَة].
8- فتْح مدينة روما الإيطالية.
9- فتْح مدينة من مدن بلاد أوروبا بالتهليل والتكبير، جانبٌ منها في البَرِّ وجانبٌ منها في البحر.
10- فتْح مدينة القسطنطينية (إسطنبول التركية) بعد أن تُحتلَّ مِن قِبل نصارى الروم. وغيرها من الأحداث الكثيرة التي سبَق أن تحدَّثْنا عنها بشكلٍ مِن التفصيل والتأصيل).
التعقيب:
أولًا: مِن الأصولِ المقرَّرة في هذا البابِ عدمُ تحديدِ تواريخَ وأوقاتٍ معيَّنةٍ لوقوعِ الأشراط؛ فإنَّه لا يصحُّ مطلقًا تحديدُ وقتِ أشراطِ الساعة، بحيثُ يُجزم بأنَّ الأمرَ الفلانيَّ واقعٌ في تاريخ كذا؛ فإنَّ هذا من الأمورِ المغيَّبةِ التي استأثر الله بعِلمها؛ فشأنُ هذه الأشراطِ كشأنِ السَّاعةِ؛ لا يَعلَمُ وقتَها على التعيينِ والتحديدِ إلَّا اللهُ تعالى، فلا يصحُّ أن يُقال: إنَّها ستكونُ في اليومِ الفلانيِّ، وفي الشهرِ الفلانيِّ، وفي سَنة كذا وكذا؛ قال القرطبي في((التذكرة)) (2/477) : (... وتعيينُ الزمانِ في ذلك من سَنَة كذا يحتاجُ إلى طريقٍ صحيحٍ يقطع العُذر، وإنما ذلك كوقتِ قيامِ السَّاعةِ فلا يَعلمُ أحدٌ أيَّ سَنة هي، ولا أيَّ شهر).
وقال السخاويُّ في ((القناعة)) (ص: 28) : (ومن فوائده: الردُّ على الحراليِّ المغربي الزاعِم أنَّه استخرج من الحرفِ وقتَ خروج الدجَّال، ووقتَ طلوعِ الشَّمس من مغربِها، مع أنَّ هذه تحديداتٌ وعلومٌ استأثر اللهُ بها عن سائرِ أنبيائِه ورُسلِه، فضلًا عن مَن دونهم).
وقال صِدِّيق حسن خان في ((أبجد العلوم)) (2/518): (...وقد وقعتْ منها ملاحمُ وفتنٌ كثيرةٌ، ويقعُ ما بقي منها، ولكنِ العِلمُ بمواقيتها ممَّا استأثر اللهُ سبحانه وتعالى بعِلمِه، ولا يتيسَّر لبشرٍ العلمُ بوقتها، إلَّا بعدَ وقوعها، وحُصولِ التطبيقِ بالأحاديثِ الواردة فيها)، وقال أيضًا في ((الإذاعة)) ((ص: 162)): (لا شكَّ في أنَّ المهديَّ يَخرُجُ في آخِرِ الزمان من غيرِ تعيينٍ لشهرٍ وعامٍ...).
والمؤلِّفُ حالُه مِثلُ مَن قال فيهم ابنُ خلدون في ((المقدمة)) (2/816): (... إلى كلام مِن أمثال هذا يُعيِّنون فيه الوقتَ، والرَّجُلَ، والمكانَ، بأدلَّةٍ واهيةٍ، وتَحكُّمات مختلفةٍ، فينقضي الزمانُ، ولا أثرَ لشيءٍ من ذلك، فيَرجعون إلى تجديدِ رأيٍ آخَرَ مُنتحَلٍ، كما تراه مِن مفهومات لُغويَّة، وأشياء تخيليَّة، وأحكام نجوميَّة، في هذا انقضتْ أعمارُ الأوَّلِ منهم والآخِر).
وطريقةُ أهلِ العِلم الرَّاسخين فيه هي الكفُّ عن ذِكر تحديدِ أوقاتِ وقوع النصوص وتحقُّقها بتواريخَ معيَّنة، وإنما يُقرِّبون ذلك كقولهم: وقتُ هذه الواقعة في زَمنِ عيسى بن مريم، أو المهديِّ، أو قبلَه أو بعدَه ونحو ذلك، بما يعودُ إلى مسألة الترتيبِ بين الأشراط والعلامات، أمَّا تحديدُ التواريخ فليستْ محلًّا للاجتهادِ والاستنباط.
بل جَعَل العلماءُ تحديدَ التواريخ من إحْدى القرائنِ التي يُعلمُ بها الحديث الموضوع؛ قال الإمامُ ابن القيم في ((المنار المنيف)) (ص: 64): (... أن يكونَ في الحديثِ تاريخ كذا وكذا، مِثل قوله: (إذا كان سَنَة كذا وكذا وقَعَ كَيْتَ وكَيْت، وإذا كان شهرُ كذا وكذا وقع كَيْتَ وكَيْت) كقول الكذَّاب الأشر: (إذا انكسفَ القمرُ في المحرَّم: كان الغلاءُ والقتالُ وشُغل السُّلطان، وإذا انكسَف في صَفر كان كذا وكذا)، واستمرَّ الكذَّابُ في الشهور كلِّها، وأحاديثُ هذا الباب كلُّها كذب).
وثمَّة أمثلةٌ عديدةٌ قديمًا وحديثًا على ما وقَع مِن تحديدٍ خاطئٍ للتواريخ وخالَفَها الواقعُ؛ ممَّا يُبيِّن بطلانَ هذا المسلَكِ، ولا نُطيل بذِكرها هاهنا. [وينظر للتفصيل كتاب: معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفـتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث لعبدالله بن صالح العجيري].
ثانيًا: أنَّ أدلَّة المؤلِّف غيرُ مُسلَّم بها؛ فقد بَنَى كلامَه كلَّه وحساباتِه كلَّها على نصٍّ لأهلِ الكتابِ، قال بنَفْسِه عنه: إنَّه ممَّا لا يُصدَّق ولا يُكذَّب، وقال عنه: إنَّه (ممَّا لم يرِدْ بيانُه في القرآن الكريم، والسنَّة النبوية الصحيحة)؛ فكيف يجزمُ في أمرٍ غيْبيٍّ كهذا بمِثل هذا الدَّليل؟!
والغريبُ جدًّا أنَّ المؤلِّفَ بينما يَتكلَّف في تحديدِ التواريخ فيما لا نَصَّ فيه، نجِدُه يقول بالتقريبِ فيما فيه نصٌّ على تحديدِ الزمان؛ قال في (1/ 542): (قوله: «فإذا كان ذلك فانتظروا الدجَّال من يومِه أو غدِه» يُرادُ به التقريبُ في موعدِ خروجِه، لا أنْ يكون خروجُ الدجَّال بعد وقوعِ الفِتنة بيومٍ أو يومين، خِلافًا لِمَن أخَذَ بظاهر الحديث)!
فما الذي يَدْعوه إلى الأخْذِ بخلافِ ظاهرِ الحديث هنا بالذات، مع أنَّ الحديثَ واضحٌ، وفيه تحديدٌ صريحٌ من (يومِه أو غده)؟!
وختامًا: نوجِّه النصيحةَ للكاتِبِ وأمثالِه بتَرْكِ هذه الطريقةِ المتكلَّفةِ في تحديدِ تواريخِ أوقاتِ أشراطِ السَّاعة، وتنزيلِ النصوصِ على الأشخاصِ بأعيانِهم، واتِّباعِ طريقةِ الرَّاسخِينَ في العِلمِ مِن السَّلفِ الأوائلِ وأتْباعهم بإحسان. ونُوجِّه نصيحةً للقرَّاءِ الكرامِ ألَّا يَشتغِلوا بقراءةِ هذا النَّوعِ مِن الكتُب، ونُوصِيهم ونُوصِي أنفسَنا بالانشغالِ بما يَنفَعُ ويُفيد، وهو الاستعدادُ للسَّاعةِ بالأعمالِ الصالحةِ، والزِّيادةِ من العِلمِ ومِيراث النبوَّةِ الذي يَعصِمُ من الفِتن.
ونسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أنْ يُسلِّمنا والمسلمين جميعًا في بِقاعِ مِن الفِتنِ، ما ظَهَر منها وما بَطَن؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.