التعريف بموضوع الكتاب:
ورَدَ في القرآنِ الكريمِ الكثيرُ من مقولاتِ المعارِضِينَ والمكَذِّبين للحَقِّ، وتفَرَّقَتْ هذه المقالاتُ على امتدادِ القرآن الكريم، وقدْ حَكاها اللهُ تعالى عنهم وأَبْطَلَها سبحانه وردَّ عليها، وكَشَفَ زَيْفَها،.
وكتابُ هذا الأسبوعِ جاء ليَجْمَع تلك المقالاتِ التي أَبطلَها القرآنُ، موضِّحًا بهذه الدِّراسة منهجَ القرآنِ الكريمِ في الرَّدِّ على تلك المقالات الباطِلَة، ولِيُوَضِّحَ أنَّه يُقاس على ذلك كُلُّ المقالاتِ الباطلة التي تتكرَّرُ في شكلها وتتَّفِقُ في جوهرها.
وقد درَس المؤلِّفُ هذا الموضوعَ من جانِبَيْن؛ جانب الدِّراسة التأصيليَّة؛ حيث حاولَ فيه التقعيدَ والتأسيسَ لمنهجِ القرآن العظيم في الرَّدِّ على المقولاتِ الباطِلَة، والجانِب الآخر: هو الجانبُ التطبيقيُّ الذي استَقْصَى فيه المقولاتِ التي أَبطلها القرآنُ وسَلَكَها في نظامٍ واحدٍ، مُبَيِّنًا أصحابَها، وطريقةَ القرآن في الجوابِ عن هذه الشُّبُهات، مُشيرًا إلى أنَّ هذا الجانِبَ لم يُفْرَدْ بالدِّراسة، وإنْ كان بعضُ العلماءِ قد تناولَ مواضعَ متفرِّقةً منه بحسَب تآليفِهم.
وقد تألَّفت هذه الدِّراسة مِن مقدِّمة، وبابَينِ.
تحدَّث في المقدِّمَة عن أهميَّة الموضوع، ومَنْهَج البحث؛ موضِّحًا فيه محورَ المقالات الباطِلَة التي يتحدَّث عنها وشروطها، وأنَّه لا يَقْتَصِر في الرَّدِّ على المقولةِ الباطِلَة على الآيةِ التي هي مَحَطُّ البحثِ، وغير ذلك من طُرُق البحثِ العلميِّ المعروفة؛ كالتوثيق، وتخريج الأحاديث، وترجمة الأعلام.
وأمَّا البابُ الأوَّل: فكان للحديثِ عن منهجِ القرآن العظيمِ في إيرادِ المقولات الباطِلَة، ومنهجِه في إبطالها، وجاءَ هذا البابُ في فصلين:
الفصل الأوَّل (الجانب التطبيقيُّ): تحدَّث فيه عن مَوْقفِ القرآنِ العظيمِ من الشُّبُهات، موضِّحًا خطورةَ الشُّبُهات وأنَّها فِتنةٌ قد تُرْدِي مَن يتعرَّض لها، وأنَّ فيها تحريفًا للكَلِم عن مواضعِه، وأنَّها سببٌ للتفرُّق المنهيِّ عنه، وسببٌ أيضًا لحبوطِ العمل في الدُّنيا والآخِرة.
كما تحدَّث عن حُكْم إيرادِ الشُّبُهات بين المنع وعدَمِه، مُبَيِّنًا أنَّ السَّلَف كان أشدَّ النَّاسِ ابتعادًا عنها، وقد وردت آثارٌ كثيرةٌ عنهم تَنْهى عن الخوض فيها، موجِّهًا تلك الأقوالَ ومُبَيِّنًا إيَّاها؛ إذ المجادَلَة والمناظَرَة ليستْ محمودةً على الإطلاق، وليستْ مذمومةً على الإطلاق، وفَرَّقَ بين ذِكْر الشُّبْهة والجواب عنها، وبين مُجَرَّد سماعِها والإنصاتِ لها، أو السُّكوت عن بيانها؛ فأوضح أنَّ كلام السَّلَف ينصبُّ على النَّهْي عن سَماعِ الشُّبَه مِنْ مرضَى القلوبِ بعدَ بيانِ الحقِّ ووُضُوحه لهم، أو أحيانًا تكون تلك الأقوالُ مِن قبيلِ قضايا الأعيانِ التي تُحْمَل على عدَّة أمور.
وفي الفصل الثاني: تكلَّم عن منهجِ القرآن العظيمِ في إيرادِ المقولات الباطِلَة، ومنهجِه في إبطالها، ومِن الأمور التي ذكَرَها في منهجِ القرآن العظيم في إيرادِ المقولاتِ الباطلة: أسلوبُ التَّثْنِيَة (التَّكرار)، وعَرْضُ المقولات مِن حيثُ زمانُها (الماضي- والمضارع- المستقبل)، وعَرْضُ المقولات مِن حيثُ إفادتُها العمومَ والخصوصَ، وغيرها.
وممَّا ذكَرَه من مُمَيِّزات منهج القرآن العظيم في إبطالِ المقولات: تأسيسُ اليقينَ، والوضوحُ، وقُرْبُ تناوُلِه للخاصَّة والعامَّة، ومخاطبةُ العقلِ والوجدان معًا.
وممَّا ذكَره من منهج القرآن في إبطال المقولات: أنَّ القرآنَ تَكفَّلَ بالرَّدِّ على كلِّ مقولة باطلة ذَكَرَها، موضِّحًا أنَّ منهجَ القرآن في الرَّدِّ على تلك المقولات هو منهجُه في الدَّعْوة الذي تلخَّص في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وفَصَّل الكلامَ في كلِّ جزئيَّةٍ منها.
و الباب الثاني (الجانِب التطبيقي): كان عن موضوعاتِ المقولاتِ التي أبطلَها القرآنُ العظيم، وجاء هذا البابُ في ثلاثة فصولٍ، وتحتَ كلِّ فَصْلٍ مباحِثُه ومطالِبُه:
ف الفصل الأوَّل: كان عن المقولاتِ المتعلِّقَةِ بالعقائدِ، وذكَر فيه المقولاتِ المتعلِّقَةَ بالخالِق سبحانه؛ مثل: إنكارِ وجودِ الله تعالى، ودعْوى الربوبيَّة، أو نِسبتِها لأحدٍ من الخَلْق، ونِسْبة الولد لله تعالى، ودعوى إِذْنِ الله للمُشركينَ بالإشراك به، وسوء الظَّنِّ بالله تعالى، وغيرها.
كما ذكَر المقولاتِ المتعلِّقَةَ بالإيمان؛ كالمقولاتِ المتعلِّقة بِتَرْك النفاق، وتَرْك الإيمان تقليدًا للآباء والمتقدِّمين، وبحُجَّة ضَعفِ أتْباعه، وتَرْك الإيمان تَشاؤمًا، وتَرْكه تعنُّتًا وعنادًا.
كما ذكَر كذلك المقولاتِ المتعلِّقَةَ بالكُتُب الإلهيَّة، كنَفْيِ إنزال الله للكُتُب، وتَحاضِّ الكافرين على ترْك استماع القرآن، ودعْوى المكذِّبين أنَّ القرآن مُفترًى من دون الله، وادِّعاء إمكانيَّةِ معارضةِ القرآن، وادِّعاء التناقُضِ في القرآن الكريم، والاعتراض على ضَرْبِ الأمثال في القرآن.
وممَّا تحدَّث عنه في هذا الفصل: المقولاتُ المتعلِّقَةُ بالنبوَّة والأنبياء؛ كادِّعاء النبُوَّة، وتكذيبِ الرُّسُل بعدَ وضوحِ الحقِّ، والتعنُّت، ومحاولةِ تعجيزِ الرُّسل، وغيرها.
كما تناول بالحديثِ المقولاتِ المتعلِّقَةَ بالغيبيَّات؛ كتَسميةِ الملائكَةِ إناثًا، وادِّعاء عِلْم الغيب، وإنكارِ البعث والجزاء، والمقولات المتعلِّقة بالقضاء والقَدَر.
و الفصل الثاني: خَصَّصَه المؤلِّفُ للحديث عن المقولاتِ المتعلِّقَة بالتشريع، فتحدَّثَ عن الاعتراضِ على وقوعِ النَّسْخ في القرآن، والاعتراضِ على تحويل القِبْلة.
كما تحدَّث عن المقولاتِ المتعلِّقَة بالجهاد، كالتخلُّفِ عن الخروجِ للجهاد، والتنفيرِ مِن الخروجِ إليه، ثمَّ عَرَضَ لبعض المسائل؛ مِثل قول الرجُل لزوجتِه: أنتِ عليَّ كَظَهْرِ أمِّي، وانتسابِ الرجلِ لغير أبيه.
كما تحدَّث عن المقولاتِ المتعلِّقة بتحكيم الشَّريعة؛ كالإعراضِ عن تحكيمِ الشريعة، والاعتراضِ على أمر الله وشَرْعِه، وافتراءاتِ المشركين في التحليلِ والتحريم، وغيرِها من المقولات.
وأمَّا الفصل الثَّالث: فكان للحديثِ عن المقولات المتعلِّقَة بالسُّلوك والأخلاق، وتناوَلَ فيه من المقولاتِ الباطِلَةِ: القولَ على الله بلا عِلْمٍ، والقول المغايِر للفِعْل، ونِسبة النِّعَم للنفس، والاغترار بالدُّنيا ونعيمها، والتَّمَنِّيَ بدون عمل، والحَلِف باللهِ كَذِبًا، وتَرْك الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنْكَر، ومَدْح النَّفْس، وكثرة الأسئلة، والتعلُّق المُطْلَق بالدنيا، وادِّعاء العبدِ منزلةً لم يَصِلْها، والمَنَّ بالعمل الصالح.
جديرٌ بالملاحظة أنَّ المؤلِّفَ ذَكَرَ في خُطَّةِ البحث أنَّ للبحث خاتمةً فيها ذِكْرُ أَهَمِّ النتائج، ولكنْ لا تُوجد في الكتابِ المطبوعِ تِلك الخاتمةُ؛ فلعلَّ ذلك يُتدارَك في الطَّبعات القادِمَة للكتاب.