التعريف بموضوع الكتاب:
مسائلُ الأسماءِ والأحكامِ المقصودُ بها مسائِلُ الإسلامِ والإيمان والكُفْر والنفاق؛ لا شَكَّ أنَّها مسائل مهمَّةٌ جدًّا، علَّق الله بها السعادةَ والشقاوة، واستحقاقَ الجنَّة والنار، والاختلافُ في مسمَّياتها أولُ اختلافٍ وقع في هذه الأمة، وهو خلافُ الخوارج للصَّحابة؛ حيث أخرجوا عُصاةَ الموحِّدين من الإسلامِ بالكليَّة، وأدخَلُوهم في دائرة الكُفر، وعامَلوهم معاملةَ الكفَّار، واستحلُّوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث خلافُ المُرجِئَة، وقولهم: إنَّ الفاسِقَ مؤمنٌ كاملُ الإيمانِ، ثم حدث بعدهم خلافُ المعتزلة وقولهم بالمنِزَلة بين المنزِلَتين.
وهذا هو ديدَنُ أهلِ البِدَع عمومًا، ولا سيما في أصول الدين وباب السُّنة، فما أنشَأَ أحدُهم بدعةً إلَّا توسَّعت توسعًا كبيرًا.
وأصلُ ضلالِ هؤلاء أنَّهم لم ينهجوا النَّهْجَ القويمَ الذي سَلَكَه السَّلَفُ في فَهْمِ النُّصوص الشرعيَّة، بل أخذوا يتأوَّلونها على غيرِ تأويلِها، وسَلَكوا في شَرْحِها طُرقًا ملتويةً، فيها تعسُّفٌ ظاهِرٌ وتكَلُّف غير مقبولٍ.
ويزداد خطَرُ هؤلاء المبتدِعَة حين يكون معهم بعض الحقِّ يُلْبِسون به بِدْعَتَهم، وينصرون به قَوْلَهم.
ولَمَّا كان الرازي إمامًا من أئمَّة الأشاعرة ، وتفسيرُه يعدُّ مرجعًا كبيرًا في علم الكلام عمومًا، وفي العقيدة الأشعريَّة خصوصًا، ولِمَا له من قولٍ مبتدَعٍ في مسائِلِ الأسماء والأحكام أخضَعَ له النُّصوص ولوى أعناقها؛ ليجعَلَها دليلًا لِمَا ذهب إليه- كان من المهِمِّ دراسةُ مَوْقِفِه، وتبيينُ ما وقع فيه من ضلالةٍ، وتفنيدُ ما أَلْبَس به من شبهاتٍ في هذا الجانب، فكانت هذه الدراسةُ من الباحثة.
قدَّمت الباحثةُ بمقدِّمةٍ بيَّنت فيها الأسبابَ التي دَعَتْها إلى اختيارِ هذا الموضوعِ.
ثم ذكرَتِ الدراساتِ السابقةَ التي لها عَلاقةٌ بموضوعِ بحثها، وقسَّمَت ما سبَقَها من دراساتٍ إلى ثلاثة أقسامٍ:
القسم الأول: دراسات رَكَّزت على بيان مذهَبِ أهل السُّنة والجماعة في مسائل الأسماءِ والأحكام: وتضمنت الردَّ على المخالفين في ذلك، وذكرت أهمَّ الكتب مِن وِجهةِ نَظَرها؛ وممَّا ذكرَتْه كتاب ((الإيمان بين السَّلَف والمتكلِّمين)) لأحمد بن عطية الغامدي، و ((قواعد الأسماء والأحكام عند شيخ الإسلام ابن تيميَّة)) لمحمد السفياني.
و القسم الثاني: دراسات انصبَّتْ على بيان مقالات المُرْجِئَة مع نَقْدِها، وذكَرَتْ كذلك أهمَّها مِن وِجهةِ نَظَرها؛ ومن ذلك ((كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)) لسفر بن عبد الرحمن الحوالي، وكتاب ((آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة - عرض ونقد)) لعبد الله المسند.
وا لقسم الثالث : دراساتٌ عَرَضَت مواقِفَ الرازي من بعض مسائِلِ الأسماء والأحكام، وعدَّدت أهمَّها كما تراه؛ وممَّا ذكرَتْه كتاب ((تفسير الفخر الرازي للكُفر في القرآن الكريم)) لمحمد أحمد محمد محمود.
ثم ذكرت بعد ذلك منهجَها في البحث، ملخِّصة ذلك في نقاطٍ، فبجانب الأمور الشكليَّة والمطلوبة في الرسائِلِ العلميَّة، ذكَرَتْ أنَّها سلكت في بحثها ثلاثةَ مناهجَ:
المنهج الاستقرائي: وذلك بقراءة التفسيرِ الكبير أكثَرَ من مرة، حتى تتتبَّع كلام الرازي في مسائل الأسماء والأحكام، وقد ترجِعُ إلى كتبه الأخرى لإيضاحِ ما يكون قد أجمَلَه في التفسيرِ.
المنهج التحليلي: بِعَرْض أقوال الرازي وأدلَّته، وتحليلِها وبيانِ المواطنِ التي تناقض واضطَرَب فيها أو خالف فيها مذهَبَه الأشعريَّ؛ متأثرا بغيره من المذاهب.
المنهج النقدي: وذلك ببيانِ المواطِنِ التي وافَقَ الرازي فيها الحقَّ، والمواطِنِ التي خالَفَه فيها، وبيان بُطلان شُبُهاته، مستدلَّةً على ذلك بالكتاب والسنَّة وأقوالِ السَّلَف.
جاء البحثُ مُكَوَّنًا من تمهيدٍ وبابينِ رئيسينِ؛ اشتمل البابُ الأول على فصلين، والثاني على ثلاثة فصول، وخاتمة.
ومما هو جديرٌ بالتنويه به أنَّ الباحثةَ كانت تختم كلَّ فصلٍ من فصول البحث بخاتمة تُبَيِّن فيها أهمَّ النتائج التي اشتمَلَ عليها الفصْلُ مِن عَرْضٍ ونقد.
في التمهيدِ أربعةُ مباحِثَ قَدَّمَت بها بحثَها، وكانت كالمدخَلِ للبحث.
في المبحث الأول منه: دراسةٌ لعصر الرازي وحياته.
و الثاني: عرفتْ فيه بالتفسيرِ الكبير للرازي والذي كان هو محورَ الدراسة.
و الثالث: بيَّنَت فيه المقصودَ بالأسماء والأحكام، وهي تقصِدُ بها أسماءَ الدِّين؛ مثل: مسلم، ومؤمن، وكافر، ومشرك، ومرتد، ومنافق؛ وحُكْم كل اسم في الدارين، وموقف الرازي من ذلك.
و المبحث الرابع: كان عن منهج الرازي في تقريرِ الأسماء والأحكام. وكان الكلام فيه من ناحيتين؛ أولًا: ذِكْر منهج الرازي في تقريره لمسائِلِ الأسماء والأحكام، وثانيًا: نَقْد ذلك المنهجِ على ضوء عقيدةِ أهلِ السنَّة والجماعة.
في الباب الأول : والذي كان تحت عنوان: موقف الرازي من أسماء المَدْح الشرعية والمسائل والأحكام المتعلقة بها، كان الحديث في فصلين:
الفصل الأول: موقف الرازي من الإيمان والإسلام والعَلاقة بينهما.
وتحت هذا الفصل اندرج مبحثان:
المبحث الأول: موقف الرازي من معنى الإيمان، وتحته مطلبان:
الأول: موقف الرازي من معنى الإيمان؛ وبَيَّنَت فيها الضلالاتِ التي وقع فيها الرازي في معنى الإيمانِ كَزَعْمِه أنَّ الإيمان مجرَّد التصديق الذي في القلب، وإن لم يقتَرِنْ به قولٌ أو عمل، وإخراجُه النُّطْق بشهادتين والعمل عن الحقيقة الشرعية للإيمان، كما تأثَّر الرازي- كما قالت الباحثة- بأقوالِ الفِرَق في حَدِّ الإيمان؛ فعَرَّفَه تارة بالمعرفة موافقًا لقول الجهم بن صفوان، وتارة بالقَوْل موافقًا لقول الكرَّامية، وتارة بالتَّصديق والإقرار موافقًا لقول مرجئة الفقهاءِ، وتارة بالاعتقاد والقول والعمل مقررًا للتلازُمِ بين الظاهر والباطن. والمطلب الثاني كان نقدًا لذلك الموقف.
و المبحث الثاني: واشتمل على مطلبين:
الأول: موقف الرازي من معنى الإسلامِ والعَلاقة بينه وبين الإيمان، والثاني: نقد موقف الرازي ذاك.
و الفصل الثاني: موقف الرازي من المسائل المتعلِّقة بالإيمان والإسلام والأحكام المترتِّبة عليهما.
وممَّا قرَّرَه الرازي في ذلك أنَّه أنكر تأثيرَ الطاعات والمعاصي على الإيمان، وأثبت الاستثناءَ في الإيمان، ومَنَعَه في الإسلام، وقَرَّرَ أنَّ الحُكم بالإسلامِ والكفرِ شرعيٌّ، وأنَّ الوصف بالإسلامِ يَثْبُت بالنطق بالشهادتين، إلَّا أنه لم يجعل النُّطْق بالشهادتين والعمل ركنًا مِن أَصْلِ الإيمان الذي لا نجاةَ من الخلود في النَّار إلا به؛ بل علَّقَ النجاة من النار على المعرفة والتصديق، وأطلَقَ القوْلَ بخلق الإيمان.
وهذا الفصل اشتمل على أربعة مباحث؛ تضمَّن كل مبحث مسألةً من المسائِلِ التي تتعلَّقُ بالإيمان والإسلام. وفي كل مبحثٍ مطلبان: أحدُهما لعرض موقف الرازي، والآخر لنَقْدِ ذلك الموقف وتبيينِ مكامِنِ الخطأ.
وكان الحديث في هذه المباحث عن موقف الرازي من زيادة الإيمان ونُقصانِه، وموقفه من الاستثناء في الإيمان والإسلام، وموقفه من الأحكام المتعلِّقة بالإيمان والإسلام، ومن مسألة إطلاقِ القَوْل بخَلْق الإيمان أو نفيه.
ثم جاء الباب الثاني: وكان الحديث فيه عن موقِفِ الرازي من أسماءِ الذَّمِّ الشرعية، والمسائل والأحكام المتعلقة بها:
واشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: موقف الرازي من الفِسْق والمسائل والأحكام المتعلقة به:
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: موقف الرازي من معنى الفِسْق وأقسامه، ومن ذلك تقريرُه أنَّ الفِسْق عبارةٌ عن الخروج من طاعة اللهِ إلى معصيته، وجَعَلَه نوعًا واحدًا؛ فلم يُقَسِّمْه إلى فِسقٍ أكبرَ مُخرجٍ عن الملَّة، وفِسْقٍ غيرِ مُخرجٍ عن الملَّة.
المبحث الثاني: موقف الرازي من تقسيمِ الذنوب إلى صغائِرَ وكبائر، وحَدُّ الكبيرة والصغيرة.
المبحث الثالث: موقف الرازي من الفاسِقِ المِلِّيِّ: اسمه وحُكْمه، ومن ذلك أنه أثبت اسمَ الإيمان المُطْلَـق والتقـوى والإحسان للفاسِقِ الملِّي.
المبحث الرابع: نَقْد موقف الرازي من الفِسْق والمسائل والأحكام المتعلقة به على ضَوْء عقيدة أهـل السنَّة والجماعة.
الفصل الثاني: موقف الرازي من النِّفاق والمسائل والأحكام المتعلقة به:
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: موقف الرازي من معنى النِّفاق والمسائل المتعلقة به. وبَيَّنتْ فيه الآراءَ التي تبنَّاها الرازي في مسألة النِّفاق؛ ومن ذلك أنْ قَرَّرَ أن النفاقَ اسم إسلامي، وأنه عبارةٌ عن إظهار الإيمان والحقِّ، وإضمارِ الكُفر والباطل، وجَعَلَه نوعًا واحدًا؛ هو الكُفْر المُخْرج عن الملَّة؛ وحَصَرَه في الاعتقاد، وأنكر دَوْرَ العمل فيه بالكليَّة، كما أنكر وجودَ النِّفاق بعد زمانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: موقف الرازي من الأحكام المتعلقة بالنفاق.
المبحث الثالث: نقد موقف الرازي من معنى النِّفاق والمسائل المتعلِّقَة به على ضَوْء عقيدة أهل السنَّة والجماعة .
الفصل الثالث: موقِفُ الرازي من الكُفر وأنواعه والأحكام المتعلقة به:
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: موقِفُ الرازي من الكفر:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: موقف الرازي من معنى الكُفر، والمسائل المتعلقة به .
المطلب الثاني: نقد موقف الرازي من معنى الكُفر والمسائل المتعلقة به على ضَوء عقيدة أهل السُّنة والجماعة.
المبحث الثاني: موقف الرازي من الشِّرْك، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: موقف الرازي من معنى الشِّرْك ، والمسائل المتعلقة به، ومن ذلك أنَّه قَسَّم الشِّرْك إلى شِركٍ جلِيٍّ ظاهر، وشِرْك خفيٍّ، وبَيَّنَ أنَّ الاعتقادَ القلبيَّ هو مناط الشرك الموجِب للخُلود في النار، وأنَّ الشِّرْك بالعمل وشِرْك الرياء لا يؤثِّر على الإيمان، ولا يَنْقُضه؛ لأنَّـه بمترلةِ المعاصي، وجَعَل طريقَ الخَلاصِ من الشِّرْك محصورًا في اعتقاد أنَّه لا مُؤَثِّر ولا مُدَبِّرَ إلا اللهُ.
المطلب الثاني: نَقْد موقف الرازي من معنى الشِّرك والمسائل المتعلقة به على ضوء عقيـدةِ أهل السنَّة والجماعة .
المبحث الثالث: موقف الرازي من الأحكام المتعلِّقة بالكفر والشرك.
المبحث الرابع: موقف الرازي من الرِّدَّة والأحكام المتعلقة بها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: موقف الرازي من معنى الرِّدَّة والأحكام المتعلقة بها.
المطلب الثاني: نَقْد موقف الرازي من معنى الردَّة والأحكام المتعلقة بها على ضَوْء عقيـدة أهل السنة والجماعة.
وفي نهاية البحث عَقَدَت خاتمةً، وذَكَرَت فيها النتائج العامَّة للكتاب، وتوصيات، وملخَّصًا للرسالة.
ومما خَلُصَت إليه الباحثةُ أنَّ مَوْقِفَ الرازي اتَّسَم من مسائِلِ الأسماء والأحكام بالتناقُض والاضطراب؛ فتَجِده يقرِّر تارةً قَوْلَ الأشاعِرَة وينصُرُه ويحتَجُّ له ويرُدُّ على من خالَفَه، ثم تَجِدُه ينقُضُه تارةً أخرى، ويعترِضُ عليه، ويأخُذُ بمذهب آخَرَ.
وكان من أبرَزِ النتائِجِ التي توصَّلَت إليها الباحثةُ أنَّ العقيدة التي قَرَّرَها الرازي في مسائِلِ الأسماء والأحكام عقيدةٌ فاسدةٌ، تُضعِفُ الإيمانَ بالوعيد، وتُهَوِّن أمرَ الفرائِضِ والمحارِمِ، وتترك الإسلامَ أرَقَّ من ثوبٍ سابريٍّ، فما ابتُدِعَت بدعةٌ أضَرُّ على الإسلامِ منها.
والكتاب جيد في بابه.