التعريفُ بموضوعِ الكتاب:
كان لِمجالسِ الأمَّةِ في الفِقهِ شأنٌ عظيمٌ؛ لأنَّ الفَقيهَ قائِمٌ في مجلِسِه مَقامَ وارثِ عِلمِ النبوَّةِ والمُبَلِّغ لهداياتِها ومكارِمها، وتلك المجالِسُ لم تكن على هيئةٍ واحدةٍ، بل كانت على هيئاتٍ بينها اختلافٌ في طبيعتِها وعوائِدها وآدابِها، ولا شكَّ أنَّ مَعرفةَ تلك العوائدِ ضَرورةٌ في فَهمِ كلامِ أهلِ العِلمِ.
وكتاب هذا الأُسبوع يتحدَّثُ عن طائفةٍ مِن الرُّسومِ والآدابِ التي كان عليها واقِعُ الحالِ في مجالسِ العُلَماءِ الفقهيَّةِ في أمصارِ المسلمينَ المُختَلِفةِ.
وقد قسَّم المُؤلِّفُ كتابَه إلى تمهيدينِ، وسِتَّة فصول.
في التمهيد الأول: تحدَّث عن فَضلِ مَجالسِ الفِقهِ، وذكرَ بعضَ الآثارِ التي تحضُّ على الفِقهِ ومجالِسِه، ثمَّ ذكر أنَّ هذه المجالِسَ كانت مَهيبةً مُعظَّمةً، وكان لها رهبةٌ وجلالةٌ في بلاد المسلمينَ بأسرِها.
ثم كان التمهيد الثاني: وفيه تحدَّثَ عن أنواعِ المجالسِ الفقهيَّةِ والفرقِ بينها، وذلك في سِتَّةِ مجالِسَ كانت موضوعَ الفُصولِ، وأطلق عليها المجالِسَ بدلَ الفُصولِ.
المجلس الأول: مجلسُ التعليم
وهو رأسُ مجالِسِ الفِقهِ وتاجُها- كما قال المؤلِّف- وهو مجلِسُ النبيِّ الأعظمِ والرَّسولِ الأكرمِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث كان يجلِسُ صلَّى الله عليه وسلَّم في مسجِدِه، ويلتَفُّ حولَه أصحابُه؛ ليتعَلَّموا منه شؤونَ دِينِهم، ثم ذكَرَ مِن أماكنِ التَّعليمِ الجوامِعَ والمساجِدَ. والمدارِسَ ومنازلَ العلماء. وأماكن أخرى، ثم تحدَّث عن المعلِّم والمتعلِّم والمادَّة التعليميَّة.
المجلس الثاني: مجلسُ القضاء
ونقل أنَّ مجالِسَ القضاءِ مجالِسُ هَيبةٍ؛ فمقامُ القاضي ليس كمقامِ المُفتي الذي يخبِرُ عن الحُكم، بل مقامُ الذي يأمرُ بالحكمِ ويُلزِم به، وتحدَّث عن فوائِد وثمراتِ مجلس القضاء، ذكر منها:
1- أنَّ مجلس القضاء دارٌ لإقامة العدلِ وبَسطِ هيبةِ الشَّرع.
2- أنَّ فيه إصلاحَ أحوال النَّاس في دينهم ودنياهم وتصحيح معاملاتِهم.
3- أنَّه تطبيق عمليٌّ لِما يدرسه الفقيهُ دراسةً نظريةً.
المجلس الثالثُ: مجلس الإفتاء
وذكر أنَّه مجلِسٌ عظيمٌ تَهيَّبه الراسخونَ في العلم من الأبرارِ والصالحينَ، ومقامُ المفتي مقامٌ صعبٌ زائدٌ عن مجرَّدِ العلم بالمسألة أو الحُكم، ومجلسُ الإفتاء مجلِسُ إعمالٍ للشَّرع، ثم بسَطَ القولَ في حالِ المُفتي والمستفتي، والفُتيا ومجلس الفُتيا.
المجلس الرابعُ: مجلس المُباحَثة والمُذاكرة
وفيه ذكَرَ أنَّ المذاكرةَ غَرضُها مدارسةُ العِلمِ بين اثنينِ فأكثَرَ؛ حتى يَثبُتَ في الذِّهنِ فلا يُنسى، أما المُباحثة فأن يبحَثَ اثنانِ فأكثَرُ عن الشيءِ لا يعلمانِه حتى يعلَمَه من كان به جاهلًا، ثمَّ تحدَّث عن ثمراتِ وفوائدِ مجالس المذاكرة والمباحثة، فذكر منها:
1- أنَّ مذاكرة الفقه سبيلٌ إلى ضبطِه وإتقانِه وقلَّةِ نسيانه، وهذا من المقاصدِ الأولى للمُذاكرة.
2- أنَّ المباحثةَ في مسائلِ الفِقهِ وسيلةٌ إلى تجليةِ الصَّواب فيها ومعرفةِ الآراء والأدلَّة ونَقدِها.
3- أنَّه بمُباحثة الفقهِ مع أهله يطَّلِعُ الفقيهُ والمتفَقِّه على مواضعِ الإشكالِ ومواطنِ الاشتباهِ والسُّؤالِ.
المجلس الخامس: مجلس المناظرة
وذكرَ أنَّ الغرضَ مِن مجالس المناظرةِ تداوُلُ الآراء والحُجَج ونقدُها؛ ليظهرَ الحقُّ من بينها، ومن أجل ذلك فإنَّ الكُمَّلَ من الرِّجالِ لا يضيرُهم ظهرَ الحقُّ على يدَيهم أو يدِ مَن يُناظِرونَ.
المجلس السادس: مجلس الوعظ
ثم كانت الخاتمة.
والكتابُ لطيفٌ وفريدٌ في بابِه.