التعريف بموضوع الكتاب
من المعلومِ أنَّ هناك عَلاقةً وثيقةً بين عِلم الحديثِ وعِلم التَّاريخ، وأنَّ التَّاريخَ الإسلاميَّ ما نشأ إلَّا مِن آصِرة الحديثِ النَّبويِّ، ولا شَبَّ إلَّا تحت مظلَّتِه، بجهودِ أعلامِ هذه المدرسة المِعطاءة منذ وقتٍ مُبكِّر.
وكتاب هذا الأسبوع محاولةٌ علميَّةٌ هادفة للتأصيلِ في ميدانِ نَقدِ الرِّوايات وتمييزِها عند التعارُضِ بتوظيفِ مِعيارِ التَّاريخ ومعلوماتِه الثَّابتة، وذلك بتناوُلِ مسألةٍ مهمَّة من مسائلِ مُشكِل الحديثِ، وهي: عرض الحديثِ سندًا ومتنًا على الثَّابت من وقائِع التَّاريخ ومعلوماتِه.
وقد اشتمل البحث بعد المقدِّمة على أربعةِ مباحثَ وخاتمة
ففي المبحث الأول تكلَّم المؤلِّف عن منهجيَّة نقْدِ الرِّوايات والمعارَضة بينها،
فتحدَّث فيه عن أثَرِ المُحدِّثين في تأسيسِ منهجِ النَّقد، وأن الله قيَّضَ للحديث النبويِّ جهابذةً، وأشار إلى أنَّ القرنينِ الثَّالثَ والرابعَ الهجريَّينِ شَهِدا حركةً منقطعةَ النَّظيرِ في بناءِ هذا المنهجِ النَّقدي وتطبيقِه، وأشار كذلك إلى أنَّ النَّقدَ أساسًا يُوَجَّه إلى السَّنَد الذي هو وسيلةٌ للوصولِ إلى المتنِ، وليس أقلَّ كُلفةً لِنقدِ المَتنِ أو نقْضِه من الطَّعنِ في إسنادِه؛ إذ السَّنَد هو المعتَمَد الذي يتَّكئُ عليه المتنُ، وما قيمةُ الغايةِ إذا كانت الوسيلةُ المُوصِلة إليها مُعطَّلةً؟
ثم ردَّ على مقولةٍ شاعت عن المُستشرقين تتلخَّص في اتِّهام المحدِّثين بعدم اعتنائِهم بنقدِ متون الأحاديثِ، أو كما يسمُّونه (النقد الداخلي) ومما ذكَرَه في الردِّ على هذه المقولة قولُ الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة في كتاب الفروسيَّة: (وقد عُلِمَ أنَّ صحَّة الإسناد شرطٌ من شروطِ صحَّة الحديث، وليست موجِبةً لصحَّته؛ فإنَّ الحديثَ إنَّما يصِحُّ بمجموعِ أمورٍ، منها: صحَّةُ سَنَده، وانتفاءُ علَّتِه، وعدمُ شُذوذه ونكارَتِه، وألَّا يكونَ راويه قد خالف الثِّقاتِ أو شذَّ عنهم).
وكذلك تكلَّم المؤلِّف عن أهميَّة معارَضةِ الرِّوايات في إثباتِ العدالة والضَّبط، والشُّروط اللازِم توفُّرها عند عَرْض الحديث على الوقائِع والمعلومات التاريخيَّة، والتي منها:
- أن يتَّصف من يعارِضُ الحديثَ بالتاريخِ بصفاتِ النَّاقد البصير بالحديثِ، وعُلومِه المنبثقةِ عنه، روايةً ودرايةً.
- أن يكونَ عارفًا بأسبابِ وُرودِ الحديثِ، وناسخِه ومنسوخِه، وعامِّه وخاصِّه، ومُطلَقِه ومقَيَّدِه، ونحو ذلك.
- أن يكونَ عارفًا بالتَّاريخ وأحداثِه ووقائِعه، ما ثبت منها أو ما كان مُنتحَلًا؛ كلُّ ذلك حتى لا يكونَ النَّقدُ جُزافًا أو اعتباطًا.
وأكَّد المؤلِّف على أنَّ تخلُّفَ هذه الشُّروط يؤدِّي إلى ظهورِ نموذجٍ مِن النقدِ غيرِ المؤسَّس على قواعدِ البحثِ العلميِّ.
كما أكَّد على أنَّه لا تعارُضَ أصلًا بين حديثٍ صحيحٍ مشتَمِلٍ على ما يدلُّ على زمَنِ وقوعِه، وبين معلومةٍ تاريخيَّةٍ ثابتةٍ، وإن حصل شيءٌ مِن التعارضِ بينهما، فمَرَدُّ ذلك إلى اختلافِ النَّظَر في توجيه الحديثِ، أو فَهمِ المعلومةِ التاريخيَّة.
ثم ذكر مثالًا تطبيقيًّا يوضِّحُ أهميَّةَ إجراءِ المقارنة لتَمييزِ الرِّوايات والتأكُّدِ مِن سلامةِ أداءِ النَّقَلة، ثم بيَّن بعد ذلك أهميَّة رسمِ شجرةِ أسانيدِ الحديثِ، وفائدة ذلك في عَقدِ المقارنةِ بين الرِّوايات بشكلٍ أدقَّ وأقربَ للصَّوابِ.
أما المبحث الثاني فكان تحت عنوان: (العلاقة بين عِلم الحديث وعِلم التاريخ)
وفيه تكلَّم عن أثرِ الحديثِ في تطوُّر الدِّراسات الإسلاميَّة في التَّاريخ، ومظاهرِ تأثيرِ عِلم الحديث في عِلم التاريخِ الإسلاميِّ، والتي منها:
وكذلك مظاهِر تأثير التاريخ في عِلم الحديث، وأشار إلى أنَّ مدارَ البَحثِ أصلًا على هذا الأمرِ؛ إذ إنَّ مسألةَ عَرْض الحديثِ على الوقائِع التاريخيَّة، هي الترجمةُ الحقيقيَّة لمضمون أثَر التاريخِ في عِلم الحديثِ.
وأشار الباحثُ إلى أنَّ عِلم الرِّجال هو أهمُّ ما يؤكِّدُ الصِّلةَ بين عِلم الحديثِ وعِلم التاريخ، وأشار إلى أنَّ مظاهِرَ تأثيرِ التَّاريخ في عِلم الحديثِ في مجالِ السَّند يمكِنُ إجمالُها في أمورٍ؛ منها:
أمَّا في مجالِ المتنِ، فإنَّ للتَّاريخ أثرًا واضحًا في:
وتناول المؤلِّفُ في المبحث الثالث قواعِدَ عَرض الحديثِ على الوقائِع التاريخيَّة،
ومن القواعِدِ التي ذكَرَها:
وكان المبحث الرابع والأخيرُ حول نماذجَ مِن الأحاديث المعروضةِ على معلومات التَّاريخ ووقائِعه، فعَرَض للدِّراسة نماذِجَ مِن الصحيحينِ؛ منها:
وذكر فيه قولَ ابنِ حَجرٍ أنَّ هذا وهمٌ من وجهينِ:
الأول: أنَّ هذا الحديثَ ورَد بسنَدِه ومَتنِه في صحيحِ البخاري نفسِه في باب (شهود الملائكة بدرًا)، وقال ابنُ حجر إنَّ هذا الحديث لم يذكُره أبو ذرٍّ ولا غيرُه من مُتقِني رُواةِ البخاري ولا استخرَجَه الإسماعيليُّ ولا أبو نُعيم.
الثاني: أنَّ المعروفَ في هذا المتنِ يوم بدْرٍ لا يوم أحُدٍ.
ثم ذكر نماذِجَ أخرى وقام بدراسَتِها كذلك.
ثم ختم المؤلِّفُ البحثَ وذكرَ بعضَ النتائج، والتي من أهمِّها: