التعريف بموضوع الكتاب:
مِن أكبَرِ الفِرَقِ في تاريخِ الإسلامِ فِرقةُ الأشعَريَّةِ، وقد غَفَل عنها الكَثيرونَ؛ بسَبَبِ خَلطِ أوائِلِهم بين الحَقِّ والباطِلِ، ومع نُصرَتِهم للسُّنَّةِ والرَّدِّ على بَعضِ أهلِ البِدَعِ وافَقوا المُبتَدِعةَ في أُصولِهم الفاسِدةِ، ولَمَّا كان مِن واجِبِ المُختَصِّينَ في العَقيدةِ بَيانُ الفِرَقِ المُخالِفةِ للسُّنَّةِ، ودَعوةُ المُسلِمينَ جميعًا إلى الرُّجوعِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ ونَبْذِ التفَرُّقِ والاختِلافِ، كان كِتابُ هذا الأُسبوعِ (الأطوارُ العَقَديَّةُ في المذهَبِ الأشعريِّ) الذي يُبَيِّنُ التطَوُّرَ الحاصِلَ في مَذهَبِ الأشاعِرةِ، والذي بسَبَبِه يُلاحَظُ الاختِلافُ والتبايُنُ عند الحَديثِ عن الأشاعِرةِ بينَ مادحٍ وذامٍّ.
وقد قَسَّم المؤلِّفُ البَحثَ إلى تمهيدٍ وثلاثةِ مَباحِثَ:
فذكَرَ في التَّمهيدِ عَلاقةَ الأشاعِرةِ بالكُلَّابيَّةِ ونَقَل عن ابنِ تيميَّة قَولَه: (الكُلَّابيَّة: هم مَشايخُ الأشعريَّةِ؛ فإنَّ أبا الحَسَنِ الأشعريَّ إنما اقتدى بطريقةِ أبي مُحمَّدِ بنِ كُلَّاب، وابنُ كُلَّاب كان أقرَبَ إلى السَّلَفِ زَمنًا وطريقةً ...)) وأشار المؤلِّفُ إلى أنَّ بَعضَ الباحثينَ يَعُدُّ ابنَ كُلَّابٍ هو المؤسِّسَ الأوَّلَ لمذهَبِ الأشاعرةِ.
ثمَّ أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ بدايةَ ظُهورِ وانتشارِ المَذهَبِ الأشعريِّ كان على يَدِ الباقلَّانيِّ (ت 403) الذي ظَهَرَت كُتُبُه أثناءَ المِئة الرابعة، أي كان بعد وَفاةِ مُؤَسِّسِه أبي الحَسَن الأشعريِّ (ت 324) بزَمَنٍ.
ثمَّ أشار إلى أنَّ المذهَبَ الأشعريَّ قد تطوَّرَ عَمَّا كان عليه في زَمنِ ابنِ كُلَّابٍ والأشعريِّ، حتى إنَّه لا يُمكِنُ ذِكرُ عَقيدةٍ يَجتَمِعُ عليها مُتَقدِّموهم ومُتأخِّروهم، وذكَرَ أنَّه مِن خِلالِ المناهِجِ العَقَديَّةِ جاء تَقسيمُ الأشعَريَّةِ إلى ثلاثةِ أطوارٍ عَقَديَّةٍ.
ثمَّ ذكرَ مَعاييرَ التطَوُّرِ في المذهَبِ الأشعريِّ، ومن أهَمِّها:
ثمَّ بدأ المؤلِّفُ في المبحث الأول وقد خَصَّصه للحَديثِ عن الأشعَريَّةِ الكُلَّابيَّةِ، وذكَرَ أنَّ سَبَبَ التَّسميةِ بذلك هو مُوافَقةُ الأشعَريَّةِ في هذا الطَّورِ لابنِ كُلَّابٍ على طريقَتِه التي يَميلُ فيها إلى مَذهَبِ أهلِ الحَديثِ والسُّنَّةِ، لكِنَّ فيها نوعَ بِدعةٍ، والتي أعظَمُها ما قَرَّرَه أنَّ الرَّبَّ- تعالى- لا يقومُ به ما يكونُ بمَشيئَتِه وقُدرَتِه، ويُسَمِّيها حُلولَ الحَوادِثِ.
ثمَّ نَبَّه إلى أنَّ هذا الطَّورَ يَبدأُ منذ تَحَوُّلِ الأشعَريِّ عن الاعتزالِ إلى وفاةِ ابنِ فُورَك (406)، وإن كان ابنُ فُورَك مَهَّدَ للأشعَريَّةِ المُعتَزِلةِ.
ثمَّ ذكَرَ أبرَزَ أعلامِهم في هذا الطَّورِ، ومنهم:
أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ شَيخُ الأشاعِرةِ، وأبو الحَسَنِ الطَّبَريُّ (380)، والقاضي أبو بكرٍ الباقِلَّانيُّ (403)، وابنُ فُورَك (406).
ثمَّ ذكَرَ بَعضًا مِن سِماتِ الأشعَريَّةِ الكُلَّابيَّةِ، ومنها:
- توافُقُ الأشعَريَّةِ الكُلَّابيَّةِ مع أهلِ السُّنَّةِ في مصادِرِ التلَقِّي في الجُملةِ.
- مَنهَجُ الاستِدلالِ عِندَهم أنكَرَه السَّلَفُ، مثلُ قَوِلهم بالتأويلِ والمجازِ، والمقَدِّماتِ العَقليَّةِ، ونحوِ ذلك.
- عَلاقَتُهم بأهلِ السُّنَّةِ جَيِّدةٌ، والثَّناءُ عليهم في الجُملةِ.
- يَضطَرِبُ الأشعَريُّ في مَسألةِ الإيمانِ بينَ قَولِ أهلِ السُّنَّةِ والمُرجِئةِ.
ثمَّ كان المبحثُ الثَّاني وتناول المؤلِّفُ فيه الحديثَ عن طَورِ الأشعَريَّةِ المُعتَزِلةِ، وذَكَر أنَّ سَبَبَ تَسميتِهم بذلك هو مُخالفةُ أعلامِ الأشعَريَّةِ المُعتَزِلةِ لسَلَفِهم الأشعَريَّةِ الكُلَّابيَّةِ في أهمِّ المَسائِلِ، ومُوافَقةُ المُعتَزِلةِ.
ونَبَّه إلى أنَّ بَعضَ أعلامِ الأشعَريَّة المُعتَزِلة أكثَرُ مُوافَقةً للمُعتَزِلةِ مِن غَيرِه، كالجُوَيني الذي أشار المؤلِّفُ إلى أنَّه خَطا بمَذهَبِ الأشعريِّ نحوَ الاعتِزالِ والتَّأصيلِ الكَلاميِّ.
ثمَّ ذكَرَ المؤلِّفُ أبرَزَ أعلامِ الأشعَريَّةِ المُعتَزِلةِ، ومنهم:
عبد القاهِرِ البَغداديُّ (429)، الجُوَيني (478)، القُشَيري (465).
ومِمَّا ذكَرَه مِن سِماتِهم:
- أنَّهم يُخالِفونَ أهلَ السُّنَّةِ والأشعَريَّةَ الكُلَّابيَّةَ أيضًا في مصادِرِ التَّلقِّي؛ فهم يَرُدُّونَ أخبارَ الآحادِ، مع توسُّعِهم في الأخذِ بأصولِ الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ.
- أنَّ مَفهومَ التَّوحيدِ عِندَهم هو تَوحيدُ الرُّبوبيَّةِ، ولا يَعرِفونَ تَوحيدَ العِبادةِ.
- ظُهورُ العَداءِ للسَّلَفِ عِندَهم، والتَّصريحُ بلَمْزِهم، وتَسمِيَتُهم الحَشويَّةَ. وغَيرُها مِن السِّماتِ.
ثمَّ المَبحثُ الثَّالثُ وخَصَّصَه لدِراسةِ الأشعَريَّةِ المُتفَلسِفةِ، وذكَرَ أنَّ سَبَبَ تَسمِيَتِهم بذلك هو مَزجُ الفَلسَفةِ بعِلمِ الكَلامِ عِندَهم، ومُوافَقتُهم للفَلاسِفةِ في المَنهَجِ والمسائِلِ، وذَكَرَ أنَّ هذا الطَّورَ يَبدأ مِن الغزالي (505) إلى يَومِنا هذا.
ثمَّ ذَكَرَ أبرَزَ أعلامِهم، ومنهم:
أبو حامدٍ الغزالي (505)، أبو عُمَرَ الرَّازي (606)، أبو الحَسَن الآمِديُّ (631)، عضدُ الدِّينِ الإيجي (756)، ابنُ حَجَر الهَيتَمي (973).
ثمَّ عَرَّج على ذِكرِ سِماتِ الأشعَريَّةِ المُتفَلسِفةِ، ومِمَّا ذكَرَه منها:
- الإعراضُ عن الكِتابِ والسُّنَّةِ وأقوالِ سَلَفِ الأُمَّة.
- تَصريحُهم بتَقديمِ العَقليَّاتِ والقَواعِدِ الفَلسفيَّةِ على نُصوصِ الشَّريعةِ.
- إدخالُ مَنهَجِ الشَّكِّ، وإثارةُ الشُّبُهاتِ حَولَ أُصولِ العَقيدةِ.
- تَبنِّيهم التصَوُّفَ واشتِهارُ بَعضِهم بالدِّفاعِ عن الشِّركِ أو وسائِلِه، والعَداءُ الشَّديدُ للمُوَحِّدينَ، وغَيرُها مِن السِّماتِ.
فيتحصَّلُ مِن ذلك ثلاثةُ أطوارٍ للأشعَرِيَّة:
1- الأشعَريَّةُ الكُلَّابيَّةُ وتَميلُ إلى مَذهَبِ أهلِ الحَديثِ والسُّنَّةِ، لكِنَّ فيها نوعَ بِدعةٍ.
2- الأشعَريَّةُ المُعتَزِلةُ.
3- الأشعَريَّةُ المُتفَلسِفةُ.
ثمَّ كانت الخاتِمةُ وذكَرَ فيها تلخيصًا لنتائِجِ البَحثِ مِن خِلالِ المُقارَنةِ بين أطوارِ الأشعَريَّةِ في سِتَّ عَشْرَةَ مسألةً:
بدأ بمصادِرِ التلَقِّي، ثمَّ مَنهَجِ الاستِدلالِ، والموقِفِ مِن السَّلَفِ، وانتهى بالقَدَرِ وذكَرَ أنَّ الأطوارَ الثَّلاثةَ تعتَمِدُ فيه مَذهَبَ الجَبريَّةِ، أمَّا في مسائِلِ الإمامةِ والصَّحابةِ والمَعادِ والشَّفاعةِ، فقد ذكَرَ أنَّ الأطوارَ الثَّلاثةَ مُوافِقةٌ لأهلِ السُّنَّةِ في ذلك.