التعريف بموضوع الكتاب
يفتقرُ قلبُ الإنسانِ إلى تعاهُدٍ وتربيةٍ وإصلاحٍ؛ وذلك لِما هو معلومٌ أنَّه إذا استقام القلبُ استقام حالُ الإنسانِ وصلَحت أعمالُه.
فكانت الحاجةُ ماسَّةً إلى التعرُّفِ على ما يُصلِح هذه القلوبَ التي طالما اعتراها من ألوان الكَدَر الذي يلقاه الإنسانُ ما يُنغِّصُ عَيشَه ويُذهِبُ لذَّتَه.
وكتابُنا اليوم (أعمال القلوب) تناول فيه المؤلِّفُ (16 موضوعًا) من موضوعاتِ أعمال القلوبِ، هي: (الإخلاصُ، واليقينُ، والتفكُّر، والخشوع، والمراقبة، والوَرَع، والتوكُّل، والمحبَّة، والرَّجاء، والخَوف، والصَّبر، والرِّضا، والشُّكر، والغَيرة، والحياء، والتَّوبة)، وأشار إلى أنَّها أهمُّ الأعمالِ القلبيَّة.
ونبَّه المؤلِّفُ إلى أنَّ الأعمالَ القلبيَّةَ في غاية الارتباطِ والاتِّصال، وأنَّه لا يُغني بعضُها عن بعضٍ، بل إنَّ بعضَها متوقِّفٌ على البعضِ الآخر، والعبدُ بحاجةٍ إلى أن يستكمِلَها وأن يربِّيَ قلبَه عليها.
وقد قدَّم المؤلفُ للكتاب بمقدِّمة مفصَّلةٍ تحدَّث فيها عن القلب والأعمال القلبيَّة عمومًا، وما يتفرَّعُ على ذلك من مسائلَ وقضايا، وممَّا ذكر فيها:
المرادُ بأعمال القلوبِ، وذكر أنَّها: تلك الأعمالُ التي يكونُ محلُّها القلبَ، وأعظمُها الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، الذي يكون في القلبِ منه التصديقُ الانقياديُّ والإقرارُ، هذا بالإضافة إلى المحبَّةِ التي تقع في قلب العبد لربِّه ومعبودِه، والخوفِ والرَّجاء والإنابة والتوكُّل، وما إلى ذلك.
ثم تكلَّم عن مُصلِحات القلب، وهي الأمورُ التي يتِمُّ بها صلاحُ القلبِ، فذكر سبعةَ أمور، منها:
التوجُّهُ الخالص لله تعالى، بحيث لا يكونُ قلبُه متعلِّقًا إلا بربِّه ومعبوده وخالقه عزَّ وجلَّ، وذِكْرِ الله، وقراءةِ القرآن، ومجالسة الصَّالحين.
ثم أردف ذلك بذِكرِ مُفسِدات القلبِ، ونوَّه بأنَّها كثيرةٌ وأنَّ أعظمَ ما يُفسِدُ القلبَ:
- ألَّا يخلُص القلبُ لله، بحيث يتعلَّقُ القلبُ بغير الله عزَّ وجلَّ، وأعظَمُ التعلُّقاتِ إفسادًا للقلب: الشِّركُ بالله، وتوجُّهُ القلب بعبوديَّتِه إلى غير فاطِرِه وخالقِه.
- ومِن أعظمِ المُفسِدات كذلك: الفضولُ من كلِّ شيءٍ،كالفُضولِ من الأكلِ، والشُّرب، والنَّوم، والكلام، وغيرها؛ فكُلُّ شيءٍ إذا زاد من هذه الأشياءِ، فإنَّه يؤثِّرُ على صاحبِه بالفسادِ.
ثم تكلَّم عن أهميَّةِ أعمال القلوبِ والمفاضلةِ بينها وبين أعمال الجوارح، وذكر في بيان فضلِ عبادات القلوبِ وأعمالها اثنَي عشر وجهًا، منها:
- أنَّ أعمالَ القلوب أساسُ النجاةِ مِن النارِ والفوزِ بالجنَّة، كالتوحيد؛ فهو عبادةٌ قلبيَّةٌ محضةٌ، وعليه قيامُ الأمرِ كلِّه.
- أنَّ أعمالَ القلوب محرِّكةٌ ودافعةٌ لأعمال الجوارح؛ فكلَّما عظُم الإيمانُ والتوحيدُ وعظُمت محبَّةُ الله في القلب، كان ذلك دافعًا للعباداتِ الظَّاهرةِ.
- أنَّ أعمالَ القلوبِ هي الأصلُ، وأعمالَ الجوارحِ فرعٌ عنها، ونقل قَولَ ابنِ تيميَّةَ: ((والدِّينُ القائمُ بالقلبِ مِن الإيمانِ عِلمًا وحالًا، هو الأصلُ، والأعمالُ الظَّاهرةُ هي الفروعُ، وهي كمالُ الإيمان)).. وغير ذلك من الأمور.
وأشار المؤلِّفُ إلى التلازُم بين أعمال القلوبِ وأعمالِ الجوارح، ذاكرًا قولَ ابنِ تيميةَ: (... الظَّاهِرُ والباطِنُ متلازمان، لا يكونُ الظَّاهِرُ مستقيمًا إلَّا مع استقامةِ الباطن، وإذا استقام الباطِنُ فلا بدَّ أن يستقيمَ الظَّاهِرُ؛ ولهذا قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "ألا إنَّ في الجسَدِ مُضغةً إذا صلَحت صلَحَ لها سائِرُ الجسَدِ، وإذا فسَدَت فسدَ لها سائرُ الجسَدِ، ألا وهي القَلبُ).
ثم بدأ المؤلِّفُ بذكرِ أعمالِ القلوب، والتي بدأها بالإخلاص، ونقل في تعريفِه عددًا من العباراتِ، منها أنَّه: توحيدُ الإرادة والقصد حتى يكونَ اللهُ هو مُرادَك وحده، فلا تلتَفِت إلى شيءٍ معه سبحانه.
وتناوَلَ في موضوع الإخلاص أمورًا عديدةً مرتبطة به، منها:
الحديثُ عن مراتب الإخلاص، وأشار إلى أنَّ العملَ الذي يكونُ خالصًا مقبولًا، على مرتبتين إحداهما أعلى من الأخرى:
الأولى: أن يتمحَّضَ القصدُ لإرادة وجه الله عزَّ وجلَّ وما عنده من الثَّوابِ والجزاء، فلا يشوبه شيءٌ آخرُ وإن كان مباحًا.
الثانية: أن يقصِدَ العبدُ بالعمل وجهَ الله عز وجل، ولكنَّه يلتفتُ إلى معنًى يجوز الالتفاتُ إليه، كالذي يحجُّ يريدُ وجه الله ويريدُ التِّجارة أيضًا، ونحو ذلك؛ فهو أمر يجوز الالتفاتُ إليه، لكن هو في إخلاصِه وعمَلِه دون مَن لم يلتفِتْ إلى شيءٍ غيرِ الله عزَّ وجلَّ.
ثم أطال المؤلِّف في ذكرِ ثمرات الإخلاص، وقسَّمها إلى آثار معجَّلة في الدنيا، ومؤجَّلة يجدُها العبد في آخرته، فممَّا ذكره من الآثار المعجَّلة للإخلاص:
- أنَّ الإخلاصَ هو الطريق إلى محبة الله عزَّ وجلَّ ونَصرِه ورعايته؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
- بالإخلاصِ يكثُر العملُ ويتعاظم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما تصدَّق أحدٌ بصدقةٍ من طيِّبٍ- ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيِّبَ- إلا أخذَها الرحمنُ بيمينه، وإن كانت تمرةً، فتربو في كفِّ الرحمنِ حتى تكونَ أعظمَ من الجبلِ، كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيلَه».
- أنَّ العبدَ المخلِصَ يُكفى الغِلَّ والضغائنَ، والحسد والغشَّ لإخوانه المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثُ خصالٍ لا يَغِلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلمٍ أبدًا: إخلاصُ العمل ِلله...).
ومن الآثار الأُخروية:
- دخولُ الجنَّة والنَّجاة من النار، وتحصيلُ رضا الرب تبارك وتعالى، كما جاء في الحديث: «تكفَّل الله لِمن جاهد في سبيله، لا يُخرِجُه إلَّا الجهادُ في سبيله وتصديقُ كلماتِه، بأن يُدخِلَه الجنَّةَ، أو يَرجِعَه إلى مسكنِه الذي خرج منه مع ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ».
- أنَّ الإخلاصَ يبلغُ بصاحبِه في درجات الجنَّةِ ما لا يبلُغُ عملُه الذي عَمِله، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سأل اللهَ الشهادةَ بصِدقٍ، بلَّغه اللهُ منازِلَ الشُّهداءِ وإن مات على فِراشِه».
- السعادةُ بنَيل الشفاعة، كما جاء عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسولَ الله، من أسعدُ الناسِ بشفاعتِك يومَ القيامة؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننتُ يا أبا هريرة ألَّا يسألَني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلُ منك؛ لِما رأيتُ مِن حرصِك على الحديثِ: أسعَدُ الناسِ بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إلهَ إلا اللهُ، خالصًا من قلبه أو نفسِه». وغيرها من الآثار.
وختم الكلام في موضوع الإخلاص بذكرِ أخبار أهل الإخلاصِ.
وهكذا تناول المؤلِّفُ بقيَّةَ الموضوعات ذاكرًا في كل موضوعٍ ما يناسبُه من المسائلِ.
وخم المؤلِّفُ الكتابَ بالحديث عن التوبة، ومن الموضوعاتِ التي تناولها المؤلِّفُ في موضوع التوبة:
الفرقُ بين تكفير السيئات ومغفرةِ الذنوب، وذكَرَ أنَّ السيئاتِ هي الصَّغائرُ، والتكفيرُ يختصُّ بها، وأنَّ المغفرةَ تكون للكبائرِ، وأنَّ لفظَ المغفرة أكمَلُ من لفظ التكفيرِ؛ لأنَّها تتضمَّنُ الوقايةَ والحِفظَ.
وذَكَرَ علاماتِ صِدقِ التوبةِ، ومنها:
- محبَّةُ الله ورسولِه، ومحبَّةُ أهل الإيمان.
- أن يكونَ حالُ التائب بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.
- استمرارُ مصاحبةِ الخوفِ له؛ لأنَّه لا يأمن مكرَ الله طرفةَ عينٍ.
ومما ذكره المؤلِّفُ من مسائلَ أيضًا: مسألةُ توبة العاجز عن الذنب: وأورد فيها قولَ ابن تيمية : (توبةُ العاجز عن الفعل، كتوبة المجبوبِ عن الزنا، وتوبة الأقطع العاجزِ عن السَّرِقة، ونحوه من العجز؛ فإنها توبةٌ صحيحةٌ عند جماهير العلماء من أهل السُّنَّة وغيرِهم، وخالف في ذلك بعضُ القَدَرية).
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ الكتاب قد حوى مادةً وافرةً من نصوص الوحيين، والآثار المنقولة عن الصحابة ومَن بعدهم مِن العلماء.
وقد كان أصلُ مادة الكتاب دروسًا علميَّةً وتربويَّةً ألقاها المؤلِّفُ، ثم فرِّغت وعُمل عليها بالضبط والمراجعة والتحرير في مدَّة قاربت الثماني سنوات.
والكتاب من أفضَل وأوسَع ما كُتب في هذا الباب.