التعريف بموضوع الكتاب:
"النشاط الأشعري المعاصر" هو نشاطٌ يتبنى في خطابِه التكوينيَّةَ الثلاثيةَ التقليديةَ؛ من الدعوةِ إلى الأشعريَّة أو الماتُريدية في الاعتقاد، وإلى المذاهبِ الأربعة وَفقًا للمنهجيَّات المذهبية المتأخِّرة في الفقه، وإلى التصوُّف البِدعي في السلوك. ولهذا النشاطِ أدواتُه التي يسعى للتأثيرِ بها بواسطة وسائل الإعلام المرئيِّ والمسموع، وبواسطة التأليفِ والتحقيقِ والدروس والمحاضرات، كما يسعى هذا النشاطُ إلى الاتصال بجهات سياسية بقصدِ الحصولِ على الدعم.
وقد اعتنى الباحثون بهذا النشاطِ عبرَ مَسارينِ:
الأول: المسارُ النقدي الذي يقدِّم دراساتٍ نقدية تُعنى بالإجابة عن الشبهات التي يثيرها رموزُ هذا النشاط.
الثاني: المسار الوصفي التحليلي الذي لا يُعنى بتوجيه النقد للمذهب الأشعري، وإنما يُعنى بوصفِ هذه الظاهرة وتحديدِ معالمِها.
وكتابنا الذي نعَرِّفُ به يندرج تحت المسار الثاني، والذي أشار المؤلِّف في مقدِّمته إلى أنه اختار أن يقدِّمَ توصيفًا لهذه الظاهرة من خلال ثلاثة أمور: بيانِ سماتها، وبيانِ مكوِّنات خطابها، وبيانِ علاقاتها بالاتجاهات الأخرى. وكانت هذه الأمورُ الثلاثة هي الفصولَ التي دار عليها الكتاب.
فكان الفصل الأول تحت عنوان: (بيان سمات النشاط الأشعري المعاصر) وأشار فيه المؤلف إلى أنه يتضمن تعريفًا بثلاث سمات تميِّز الاتجاهَ الأشعريَّ المعنيَّ في هذا البحث:
فكانت السمة الأولى هي: (القابلية للتوظيف السياسي) وهو المبحث الأول، وفيه رصد الموقِفَ الذي اتخذه "النشاط الأشعري المعاصر" من الخارجين على شرائع الإسلامِ على المستوى العمليِّ، ثم أتبعه بما تضمَّنه النتاجُ التنظيري لهذا النشاط مِن آراءٍ في ذلك على المستوى النظري، وفيه أشار إلى محمد رمضان البوطي -وهو أحدُ الوجوه التي لها مكانةٌ مرموقة عند التيار الأشعري المعاصر- وعلاقتِه بحافظ الأسد رئيس سوريا، الذي أثنى عليه البوطي ثناءً أعطى للأسد الشرعيةَ الدينيةَ، وبعد وفاة الأسد استمرَّ البوطي في تقديمِ ولائه لبشار الأسد، حتى بعد اندلاع الثورة السورية ضدَّ بشار ونظامه النُّصَيري استمرَّ البوطي على ولائه للنظام، وصرَّح تصريحاتٍ موغِلةً في تقديم الشرعية لأفعال بشار الأسد وجرائمِه!!
وكذلك أشار المؤلِّفُ إلى أن مؤتمر الشيشان 2016 الذي عُقِد برعاية روسيا ورئيس الشيشان: دَلَّ على أن بعض رموزِ "النشاط الأشعري المعاصر" لديهم قابليةٌ للجري وراء الحكَّام الذين لا يحكمون بشريعة الإسلامِ متى لمسوا منهم الدعمَ لمذهبهم، وكان هذا على المستوى العمليِّ.
أما على المستوى النظري فنبَّه المؤلِّف إلى أنه يبرُزُ مَعلَمان في النظرة إلى الحكوماتِ التي تحكُمُ بالقوانين الوضعية:
المَعلَم الأول: هو أن هذه الحكوماتِ لا تقوم بواجبها في إقامة الشريعة الإسلامية في الناسِ، وذكَرَ من نصوصِ أصحاب هذا التيار ما يدلِّلُ به على هذا الأمر.
المَعلَم الثاني: فهو النظرُ إلى الحكومات المعاصِرة على أنَّها لا تقوم بواجبِها في دعم المذهَبِ الأشعريِّ.
وختم المؤلِّف هذا المبحث بالإشارة إلى أنَّ الاتصالَ بأرباب السلطان بقصدِ تدعيم المذهب الأشعري أمرٌ مارسه الأشعرية قديمًا كغيرهم من أرباب المذاهب.
أما المبحث الثاني فكان مخصَّصًا لبحث السمة الثانية (النشاط والحركة) وقدَّم فيه الملامحَ العامَّةَ للنشاط الأشعري المعاصِر مع تقديمِ بعض التفاصيل المتعَلِّقة في مجال الإعلام ومجال النشر.
فتكلَّم فيه عن عدد من المؤسَّسات التي أسَّسها "النشاط الأشعري المعاصر" لبثِّ خطابه على صورة التعليم أو التأليف والتحقيق، ونحوها؛ فمن ذلك في اليمن: دار المصطفى التي أسسها عمرُ بن حفيظ ويدرِّسُ فيها الحبيب الجفري. وفي المغرب: مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات العَقَدية، الذي يعَدُّ من المراكز المسانِدة للنشاط الأشعري المعاصِر. ومن المراكز التي ذكرها كذلك معهدُ المعارج، ومعهد مدارك بالأردن، ومركز ابن عرفة للتكوين المستمر في تونس، ومؤسسة طابة في أبو ظبي، والتي نوه المؤلف إلى أنها بعلاقاتها تسعى لتوطيد "النشاط الأشعري المعاصر" على المستوى الدولي.
ثم تناول الحديثَ عن النشاط الإعلامي الذي وصفه بأنَّه من أهم مميِّزات "النشاط الأشعري المعاصِر"، والذي يستعمله رموز النشاط لبثِّ دعاياتهم بين شرائح المجتمع المختلفة. وفي الحديث عن النشاط في مجال التأليف في العقيدة الأشعرية أو تحقيق كتُبِها أشار إلى أنه لا يمكن تجاوزُ حَسَن بن علي السقَّاف الذي كتب الكتاباتِ العديدةَ التي تؤيِّد هذا النشاط، وقد عدَّد المؤلف عددًا من دُور النشر التي تنشر لهذا التيار؛ منها: دار الرازي، ودار الفتح، ودار النور المبين في الأردن، كما ذكر دار المنهاج بجدة.
ثم انتقل المؤلِّف للحديث عن السمة الثالثة: (العدائية لشيخ الإسلام ابن تيمية) وهو المبحث الثالث من مباحث الفصل الأول،
ونوَّه فيه المؤلف إلى أن ابن تيمية صار لدى "النشاط الأشعري المعاصر" رمزًا للتجسيم، وأن خصومَه استعملوا الأساليبَ المتعددة في مواجهته؛ فتارة يستعملون الأحكام القضائية بالحبس والنفي، وتارة يستعملون الذم والتنفير العلني، فذكر بدايةَ الخلاف مع ابن تيمية في عصره ومخالفة السُّبكي له وردود ابن تيمية عليهم.
ثم أشار إلى أنَّه لم يتمكَّن رموز "النشاط الأشعري المعاصر" من الطعن في عِلْمية ابن تيمية؛ لأن ذلك أمر معلوم بالحسِّ -كما يقول سعيد فودة.
ثم الفصل الثاني الذي عنون له المؤلف بـ (مكونات الخطاب الأشعري) وتحدَّث فيه عن ثلاثة مكِّونات يَعدُّها "النشاط الأشعري المعاصر" مكوِّناتٍ لمفهوم السُّنِّية، وهي:
المكوِّن الأول: الدعوة إلى اتِّباع المذهب الأشعري والماتُريدي في الاعتقاد.
المكوِّن الثاني: الدعوة إلى تقليد المذاهب الأربعة في الفقه.
المكوِّن الثالث: الدعوة إلى الطرق الصوفية في السلوك.
وذكر فيها المؤلِّفُ عددًا من النصوص والاقتباسات من كلام عددٍ من رموز "النشاط الأشعري المعاصِر"، التي توضح أبعاد وحدود كل مكَوِّن من المكونات السابقة.
أما الفصل الثالث والأخير فقد خصصه المؤلِّف لتوضيح المواقف والعلاقات بين "النشاط الأشعري المعاصر" وعددٍ من التيارات الأخرى، وقد تضمَّن خمسة مباحث:
في المبحث الأول تحدث المؤلِّف حول موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من مدرسة التنوير الإسلامي، وبيَّن أنه منذ ظهرت هذه المدرسة لم تحظَ بعلاقة جيدة مع المدرسة الكلامية الأشعرية؛ إذ إن تأويلَ المحكَمات الشرعية تأثُّرًا بمفاهيمَ غربيةٍ أمرٌ غيرُ مقبولٍ أشعريًّا، وقد وصف الشيخ مصطفى صبري رموزَ المدرسة التنويرية: محمد عبده، ورشيد رضا، والمراغي، بقوله: (هؤلاء الشخصيات الثلاثة ينتهي إليهم كلُّ شذوذ وزَيغ في الدين بمصرَ في عصر التجديد)!
أما المبحث الثاني فكان عن موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من المدرسة السَّلَفية المعاصرة، ولخَّصه المؤلِّف بأن المدرسة السَّلَفية المعاصِرة تنال درجةً شديدة من العداوة من "النشاطِ الأشعريِّ المعاصِر"، وذكرَ أنَّ السَّلفيين يأخذون ألقابًا متعدِّدةً في "النشاط الأشعري المعاصِر"؛ منها: الوهَّابية، والمجسِّمة، وخوارج العصر!
وكان المبحث الثالث حول موقفِ "النشاط الأشعري المعاصر" من الرافضة، وبيَّن فيه المؤلِّفُ أنَّ الامتيازَ بين عقائدِ الأشعرية والرافضة أمرٌ لا يخفى على الناظرِ، وأنَّ المناظَرةَ مع الرافضةِ في أصولهم العَقَدية في القَدَر والصِّفات والإمامةِ مبحثٌ تقليديٌّ في كثير من كتُبِ الأشعريةِ.
أمَّا بالنسبة لعَرضِ ما قدَّمه "النشاط الأشعري المعاصر" من رؤيةٍ في قضية العَلاقة مع الشيعة في وجودِهم المعاصِر، فبيَّن المؤلِّف أنَّ الدعوةَ الى التقريبِ بين السُّنَّة والشيعة التي تبناها بعضُ الأزهريين أثَّرَت في موقف "النشاطِ الأشعريِّ المعاصِر". وختم المؤلِّفُ هذا المبحثَ بقوله: إنَّ "النشاط الأشعري المعاصر" محجوبٌ بحَربِه على السَّلَفية عن بذلِ أيِّ جُهد في التصدِّي للمشروع الإيراني والخَطَر الرافضي.
وفي المبحث الرابع تناول موقِفَ "النشاط الأشعري المعاصر" من بعض الحركاتِ الإسلاميِّةِ، كالإخوان المسلمين، وأشار إلى أن "النشاط الأشعري المعاصر" لم يتَّخِذ بحَقِّها موقفًا حادًّا كالذي أخذه على المدرسةِ السَّلَفية، مع الإشارة إلى أنَّ جانبًا من الجوانب المتعَلِّقة بالأداء السياسي للإخوانِ كان محلَّ انتقادٍ شديدٍ لدى عددٍ مِن رموزِ "النشاطِ الأشعريِّ المعاصِر".
أما المبحث الخامس والأخير فقد كان حولَ موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من تنظيمات الغُلاة القتالية، وذكَرَ فيه المؤلِّفُ تصريحَ "النشاط الأشعري المعاصر" بذمِّ التنظيمات المغالِية، مثل: داعش، والقاعدة، مع التأكيدِ على ربطها دومًا بالسَّلَفية المعاصِرة!
ثم كانت الخاتمة وذكر فيها إشاراتٍ نقديةً تتعلَّقُ بطرائقَ غيرِ صحيحةٍ في التعامل مع "النشاطِ الأشعري المعاصِر"، مثل:
غلط الاستسهال في الردود دون بذلِ الوُسع في تحرِّي الأقوال وفهمِها، وترتيب الحُجَج المستقيمة.
تجاوزُ قواعِدِ أهل العلم من أجلِ وَهْم التقريبِ بين المذاهبِ لأيِّ غايةٍ كانت- يضُرُّ ولا ينفَعُ.
وأخيرًا ذكر المؤلِّفُ أهمَّ النتائج، ومنها:
والكتاب جيِّد وجديد في بابه.