التعريف بموضوع الكتاب:
بعث اللهُ سبحانه وتعالى نبيَّنا محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا منيرًا، وجعله خاتَمَ النبيِّين وجعل رسالتَه خاتمةَ الرِّسالاتِ، فلا يتحقَّقُ الإيمانُ برسالته إلا بالإيمان به؛ وذلك لعظيمِ منزلته عند الله عزَّ وجلَّ.
وقد تعلَّق بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأعضائِه الشَّريفةِ كثيرٌ من المسائِلِ العَقَديَّة والخصائصِ النبَويَّةِ، وكَثُر الكلامُ حولَها؛ مرَّةً بالحقِّ، ومرَّاتٍ بالباطِلِ.
فكان هذا الكتابُ: (المسائِلُ العَقَديَّةُ المتعلِّقةُ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشَّريفةِ) تِبيانًا لمذهب أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ورَدًّا على المخالِفينَ في جملة من المسائِلِ المتعلِّقةِ بذاته الشَّريفةِ وأعضاءِ جَسَدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقَدِّمةٍ، وبابينِ، وخاتمةٍ
ففي المُقَدِّمة ذكر أسبابَ اختيارِه للموضوعِ، ومنها:
- عظَمةُ جنابِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وعَظَمةُ مَنزلتِه الرَّفيعةِ.
- كثرةُ المخالِفين -خصوصًا من أصحابِ الطُّرُقِ الصوفيَّةِ- فيما يتعلَّقُ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
- ما يَرِدُ من أهلِ البِدَعِ مِن اتِّهامٍ لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بالجَفاءِ فيما يتعلَّقُ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ثم في البابِ الأوَّلِ ذكَرَ المؤلِّفُ المسائلَ العَقَديَّةَ العامَّةَ المتعلِّقةَ ببَشَريَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبذاتِه الشَّريفةِ، وقَسَّم ذلك إلى فُصولٍ ومباحِثَ، نورِدُ منها بعضَ المسائِلِ التي درَسَها وبحَثَها في هذا البابِ؛ من ذلك:
الكلامُ عن بَشَريَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَرَد عددًا من النُّصوصِ الدَّالَّةِ على أنَّه بَشَرٌ، وليس له من خصائِصِ اللهِ تعالى شَيءٌ.
وأوضح أنَّه قد جاء النصُّ الشَّرعيُّ بأقوى الدَّلائِلِ على بشريَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حيثُ أمرَه بالتصريحِ بها، وقَرَن ذلك بأمرٍ زائدٍ مُؤَكِّدٍ على المِثْليَّةِ المُتعَلِّقةِ بالمخاطَبينَ، واصطفائِه عليهم بالرِّسالةِ، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6].
ومِن السُّنَّةِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللهُمَّ إنَّما أنا بَشَرٌ، فأيُّما رجُلٍ مِن المسلِمينَ سَبَبْتُه، أو لعَنْتُه، أو جلَدْتُه؛ فاجعَلْها له زكاةً ورَحمةً)).
وأتبَعَ ذلك بالأمورِ التي يتأكَّدُ منها بَشَريَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مِثلُ: مَولِدِه ونشأتِه، وأنَّه مُشابِهٌ لجميع الأنبياءِ في بشَرِيَّتِهم، ووَصْفِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما هو من خصائِصِ البَشَريَّةِ؛ مِن أكلِ الطَّعامِ، والمَشْيِ في الأسواقِ، والزَّواجِ، والذُّرِّيَّةِ، وغَيرِها من الأمورِ الدَّالَّةِ والمؤكِّدةِ على بَشَريَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مُذَيِّلًا كلَّ خاصيَّةٍ منها بالنُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الدَّالَّةِ عليها من الكتابِ والسُّنَّةِ.
ثم انتقل المؤلِّفُ إلى الحديثِ عن مادَّةِ خَلْقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأقوالِ المخالفين في ذلك، فبدأ بالكلامِ عن بُطلانِ القَولِ بأنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلُ المخلوقاتِ، وذَكَر ثلاثةَ أوجُهٍ في الرَّدِّ على من قال بهذا:
الوجه الأوَّل: أنَّ الثَّابِتَ أنَّ أوَّلَ المخلوقاتِ لم يكن بشَرًا، كما في حديثِ عُبادةَ: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ أوَّلَ ما خَلَق اللهُ: القَلَمُ، فقال له: اكتُبْ...)).
الوجه الثَّاني: هو ما جاء صريحًا بوجود الملائكةِ وأبي الجِنِّ قبل خَلقِ أبي البَشَرِ آدَمَ عليه السَّلامُ؛ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
الوجه الثَّالث: أنَّ الثَّابِتَ أنَّ أوَّلَ مَن خُلِقَ مِن البشَرِ هو آدَمُ عليه السَّلامُ، وأنَّ مادَّةَ خَلقِه مِن طينٍ؛ قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72].
ثم تكلَّم عن اعتقادِ الصوفيَّةِ الغُلاةِ أنَّ مادَّةَ خَلقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي نورٌ مِن نورِ اللهِ تعالى، مُستدلِّين على ذلك بأحاديثَ وأدِلَّةٍ ذَكَرها المؤلِّفُ ورَدَّ عليها، وبَيَّن وَضْعَ هذه الأحاديثِ وكَذِبَها ووَهاءَ أدِلَّتِهم في ذلك.
ومن الأمور التي تناولها المؤلِّفُ بالدراسة مسألةُ الحقيقةِ المحمديَّةِ، وزَعْمُ أنَّ الأنبياءَ والأولياءَ يأخُذونَ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذَكَر بُطلانَ ذلك.
كذلك كان من المسائل التي تناولها المؤلِّفُ في هذا الباب المسائِلُ العَقَديَّةُ المُتعَلِّقةُ بكمالِه وسلامةِ ذاتِه مِن الآفاتِ، فتكلَّم المؤلِّفُ عن مسائِلَ عِدَّةٍ؛ منها مسألةُ وَصفِ ذاتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالكامِلةِ، وأوضَحَ أنَّ الكمالَ المُتعَلِّقَ بذات النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ للنَّاسِ فيه قولان:
الأوَّل: أنَّ الكمالَ المُتعَلِّقَ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو من الكمالِ النِّسبيِّ الذي يكون للمخلوقِ، فلا يكونُ من لوازم ذاتِه، وإنَّما يستحِقُّه بما يقومُ به، وهو ما أيَّده المؤلِّفُ.
الثَّاني: أنَّ الكمالَ المُتعَلِّقَ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو كمالٌ يَؤُولُ في حقيقتِه إلى الكمالِ المُطلَقِ الذي هو حقٌّ لله تعالى لا يُشارِكُه فيه أحدٌ. ثمَّ أخذ المؤلِّفُ في الرَّدِّ على ذلك.
ثم أشار المؤلِّفُ إلى سلامةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذاتِه من العُيوبِ المنفِّرةِ، وأنَّ اللهَ قد وهبه السَّلامةَ في عَقلِه، والحُسنَ والبهاءَ، والخَلْقَ الكريمَ في ذاتِه الشَّريفةِ؛ مِمَّا أوجب له أبلَغَ الأثَرِ في قَبولِ دَعوتِه، وعَدَمِ النُّفرةِ منه.
ومن المسائلِ التي ذكرها المؤلِّفُ مسألةُ ولادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل وُلِدَ مختونًا أم لا؟ وبعد عَرضِه للأقوال والأدلَّة اعتبر القولَ بأن عبد المطَّلِب خَتَنَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ سابعِه: هو أقرَبُ الأقوالِ إلى الصَّوابِ.
وممَّا أفرده المؤلِّفُ بالبحث كذلك المسائِلُ العَقَديَّة المُتعَلِّقة بنبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّا يتعلَّقُ بذاته، وتناول فيها الحديثَ عن عِصمةِ جوارِحِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الشَّيطانِ وتَسَلُّطِه، وعِصمةِ اللهِ لجوارحِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تبليغِ الرسالةِ، ونحوِها من المسائِلِ.
وقد ناقش المؤلِّفُ كذلك مسألةَ سِحرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورجَّح القولَ بأنَّه قد أصابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السِّحرُ، وأنَّ ذلك لا يناقِضُ العِصمةَ، ولا يَستلزِمُ أن يَمَسَّ شَيءٌ مِن ذلك كتابَ اللهِ الذي وَعَد بحِفظِه، ثمَّ عَرَض الأدِلَّةَ على ذلك، ورَدَّ على أدِلَّةِ وشُبُهاتِ المخالفينَ في هذا الأمرِ.
ثم انتَقَل المؤلِّفُ إلى بَحثِ المسائِلِ العَقَديَّة المُتعَلِّقة بذاتِه في حياتِه البرزخيَّةِ، وأوضح أنَّ اعتقادَ أهل السُّنَّة والمتَّفَقَ عليه بينهم هو اعتقادُ أنَّ حياتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم البرزخيَّةَ لا تُقاسُ بحياتِه في الدُّنيا، بل هذه حياةٌ بَرزخيَّةٌ لا يَعلَمُ حقيقتَها وكُنْهَها إلَّا اللهُ سبحانه وتعالى.
ثم كان الباب الثاني الذي خصَّصه المؤلِّفُ لدراسةِ المسائِلِ العَقَديَّةِ المُتعَلِّقةِ بأعضاءِ جَسَدِه الشَّريفِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقسَّم المؤلِّفُ هذا الباب كذلك إلى فُصولٍ ومباحِثَ، نقتَصِرُ منها على بعضِ المسائِلِ التي درَسَها وبحَثَها؛ لطُولِها وكثرةِ فُروعِها.
فمن ذلك دراستُه للمسائِلِ العَقَديَّةِ المُتعَلِّقةِ بقَلبِه وصَدرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فتكَلَّم عن حادثةِ شَقِّ الصَّدرِ، وأنَّ شَقَّ صَدرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَسْلَه بماءِ زَمزمَ: حَدَثَ أربَعَ مَرَّاتٍ: مرَّةً وهو صغير، ومرَّةً وهو ابنُ عَشرِ سنينَ، وعند المبعثِ، وليلةَ الإسراءِ.
وتكلَّم كذلك عن عبودية قَلبِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبان المؤلِّفُ أنَّ العبادةَ القلبيَّةَ هي العبادةُ المرتبطةُ ارتباطًا مُباشِرًا بالقَلبِ؛ كالإخلاصِ لله تعالى، ومحبَّتِه، وخَوفِه ورجائِه، وخَشيتِه والتوكُّلِ عليه، وأنَّ نَبيَّنا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد بلَغ الدَّرَجاتِ العُليا والمقامَ الأكمَلَ في جميعِ أحوالِها الظَّاهِرةِ والباطِنةِ.
وكذلك تناول المؤلِّفُ المسائِلَ العَقَديَّةَ المُتعَلِّقةَ بلِسانِه وفَمِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وبيَّن أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد بلغ المقامَ الأعلى في الفصاحةِ والبلاغةِ حتى عُدَّ ذلك من علاماتِ نبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ مِن الخصائِصِ التي خَصَّ اللهُ تعالى بها نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه أُعطِيَ جوامِعَ الكَلِمِ.
ثم كان ختامُ الكتابِ بالحديثِ عن المسائلِ العَقَديَّة المُتعَلِّقة بما انفَصَل مِن جَسَدِه الشَّريفِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ،
فتكَلَّم عن التبَرُّكِ بشَعرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وذكَرَ حَديثَ أنَسٍ، قال: ((لقد رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والحَلَّاقُ يَحلِقُه، وأطاف به أصحابُه، فما يُريدونَ أن تَقَعَ شَعرةٌ إلَّا في يَدِ رَجُلٍ)).
ثمَّ بَيَّن أنَّ الصَّحيحَ في التبَرُّكِ المُتعَلِّقِ بما انفَصَل من الجَسَدِ: أنَّه خاصٌّ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأنبياءِ مِن قَبلِه، ولا يقاسُ عليهم غَيرُهم من الصَّالحينَ.
ثم تحَدَّث عن طهارةِ ما انفَصَل منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وذكَرَ فيه قَولَ ابنِ تيميَّةَ : (...وتنازعوا في بَولِه وغائِطِه، فجُمهورُ المسلمينَ مِن الأوَّلِينَ والآخِرينَ على أنَّ ذلك نَجِسٌ؛ ولهذا صَحَّ عنه أنَّه كان يَستَنجِي ويَستَجمِرُ، ولا يُقالُ هذا تنقُّصٌ له).
وكذلك أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ الصَّحابةَ لم يكونوا يُساوُونَ بين التبَرُّكِ بالشَّعرِ والبَولِ، وأنَّ مَن تبَرَّك ببَولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -على فَرضِ ثُبوتِه- إنَّما كان بدونِ عِلمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبدونِ إذنِه، وإنَّما هو أمرٌ قد وقَعَ لا يمكِنُ تداركُه.
ثم كانت الخاتمةُ والفهارسُ.
والكتاب من أنفْسِ ما كُتب في بابه، والله أعلم.