قراءة وتعريف

التعريف بموضوع الكتاب:

لا يَخفى ما يَحظى به الإمامُ الأشعَريُّ من مكانةٍ كبيرةٍ في الواقعِ الإسلاميِّ؛ فهو -بلا شكٍّ- له أثرٌ بالغٌ في التوجُّه العَقَدي لشرائحَ كبيرةٍ من المسلمين في قديمِ الزَّمانِ وحديثِه، ومعروفٌ أنَّ الإمامَ الأشعَريَّ قبل أن يستقِرَّ مَنهجُه في الاعتقادِ على منهجِ أهل السُّنَّة والجماعة، كان -رحمه الله- يتبنَّى الفِكرَ الاعتزاليَّ، ويسيرُ في رِكابه.

وقد ألَّف الأشعَريُّ عِدَّةَ مُؤلَّفاتٍ تعالجُ قضايا العقيدةِ، بعضُ تلك الكتُبِ والرَّسائل كُتِبَ في الفترة التي سبقت تحوُّلَه عن الاعتزالِ، وبَعضُها كُتِبَ بعد أن انتقل إلى منهجِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وبَقِيَت هذه الكُتُب إلى الآن موضِعَ دراسة الباحثين والمهتمِّين بالأشعَريِّ ومذهبِ الأشاعرةِ، واستمَرَّت هذه الكُتُب تثيرُ جدَلًا واسعًا حول نسبتِها إلى الأشعَريِّ، وظهورِها التاريخيِّ عمَّا استقَرَّ عليه حالُه.

ومحاولةً لتوضيحِ حقيقةِ تنقُّلاتِ الأشعَريِّ، وبيانِ أمرِ رُجوعِه إلى الحَقِّ، وصِحَّةِ نسبةِ تلك المؤلَّفات إليه؛ كانت هذه الرِّسالةُ (الإمامُ الأشعَريُّ - حياتُه وأطوارُه العَقَديَّةُ)، خصوصًا أنَّ الأشعَريَّ -رحمه الله- ابتُلِيَ في هذا الباب بطائفتَينِ كلاهما جَنى عليه: طائفةٌ من محبِّيه، وطائفةٌ مِن مُبغِضيه، وكُلُّ طائفةٍ تَكذِبُ عليه للوُصولِ إلى الهدفِ الذي يدفَعُها إليه سواءٌ كان حُبًّا أو بُغضًا.

ويتكوَّن هذا الكتابُ من: مقدِّمةٍ، وتمهيدٍ، وأربعةِ فُصولٍ:

وبدأ المؤلِّفُ كتابَه هذا بمقدِّمةٍ، ثم تمهيدٍ ذكَرَ فيه (أهمية البحث) التي تتلخَّصُ: في أن المذهَبَ الأشعَريَّ واسعُ الانتشار قديمًا وحديثًا، حتى إنَّه أصبح مُتبنًّى مِن قِبَل بعض الجامعات والمعاهد المنتَشِرة في العالمَ الإسلاميِّ، وكذلك من أجْلِ إبراز أقوالِ أهلِ السُّنَّة والجماعة على لسانِ الإمامِ الأشعَريِّ رحمه الله؛ فإنَّ ذلك أدعى لقَبولِه لدى من ينتسِبُ إلى مذهبه.

ثمَّ بَيَّن (موضوعَ البحث): وذكر أنَّ للبحث علاقةً وطيدةً بالعقيدة، وتطَرَّق لأهداف الدراسة؛ وموجزُها: تبيينُ آراءِ الأشعَريِّ التي توافِقُ أهلَ السُّنَّة وتخالِفُ ما عليه متأخِّرو الأشاعرةِ في بعض مسائلِ العقيدةِ، وإبرازُ وُجوه الارتباطِ في الاستدلالِ عند الأشعَريِّ بين النَّقلِ والعَقلِ.

ثمَّ ذكَرَ (حدودَ الدراسةِ) وأنَّها حياةُ الإمامِ الأشعَريِّ وما مرَّ به من أطوارٍ، وبَعْدَها عدَّدَ إجراءاتِ الدِّراسةِ التي سار عليها في كتابةِ هذه الرِّسالةِ.

ثم بَيَّن (تصوُّرَ أجزاء الدراسة)، وما الذي تشتَمِلُ عليه مِن: مُقَدِّمةٍ، وتمهيدٍ، وفُصولٍ، وفهارِسَ.

ثم َّكان الفصلُ الأولُ، وهو عن (حياة أبي الحسَنِ الأشعَريِّ)، وضمَّ تحته ثمانيةَ مباحِثَ:

المبحث الأول: اسمُه ونسَبُه: وأهمُّ ما فيه أنَّه مِن ذريَّةِ الصحابي الجليل أبي موسى الأشعَريِّ رضِيَ الله عنه. وإن كان هناك من طَعَن في هذه النِّسبةِ، وتكفَّل بالرَّدِّ على الطاعِنِ بعضُ العلماءِ.

المبحث الثاني: كُنيتُه ولَقَبُه.

المبحث الثالث: ولادتُه: تاريخُها ومكانُها.

والمبحث الرابع: ثناءُ العلماءِ عليه، وذكر نصوصًا من ثناء العلماء عليه، ومن أبرزِ مَن أثنى عليه: الإمامُ الذهبي، وبكر الصيرفي، والقاضي عِياض، والسُّبكي، وتقي الدين ابن قاضي شُهْبة، والباقلَّاني، وغيرهم.

المبحث الرابع: مذهبُه الفقهيُّ، وقد اختُلِفَ في ذلك على عدَّةِ أقوالٍ: منها أنَّه حنفيٌّ، ومنها أنه مالكيٌّ، ومنها أنَّه شافعيٌّ، وهو ما عليه أكثَرُ أهل العلم، وهو ما رجَّحه المؤلِّفُ.

المبحث السادس: شيوخُه: وذكر ملاحظتَينِ جيِّدتينِ قبل أن يُعَدِّدَ بعضَ مَن تتلمَذَ عليهم.

والمبحث السابع: تلاميذُه: وبيَّن أنَّ مما يَلفِتُ النظَرَ أنَّ الأشعَريَّ لم يكن له في بداية حياتِه وفي مرحلةِ الاعتزالِ تلاميذُ، وأنَّهم انكبُّوا عليه بعد عودته لمنهجِ الحقِّ، ثمَّ عَدَّد بعضًا من تلاميذه.

والمبحث الثامن والأخير مِن هذا الفَصلِ: كان عن وفاتِه، وذكر خلافَ المؤرِّخين في ذلك، ومال المؤلِّفُ إلى أنَّه توفِّيَ عام أربعٍ وعشرين وثلاثمائة؛ فهو الأقرَبُ في نَظَرِه، وعليه غالِبُ المصادِرِ كما ذَكَر.

الفصل الثاني: كان عن (عَصْرِه)، وذِكرُ العَصرِ لأيِّ شَخصٍ مُترجَمٍ له: مِن الأهميَّةِ بمكانٍ؛ فمن خلالِ النَّظَرِ فيه قد يصِلُ الناظِرُ لمعرفةِ المؤثِّراتِ في توجُّهِ الأشخاصِ؛ فالإنسانُ مَدَنيٌّ بطَبعِه؛ ممَّا يؤدِّي به إلى التَّفاعُلِ مع البيئةِ المحيطةِ به، ويجعَلُه يتأثَّرُ بها، وقد يؤثِّرُ فيها.

وذكَرَ فيه ثلاثةَ مباحِثَ، أطال نوعًا ما في شَرْحِها، وهي:

الحالةُ السياسيةُ، والحالةُ الاجتماعيةُ، والحالةُ العِلميةُ.

والفَصلُ الثالث: عُقِدَ لـ (لتطوُّرِ حياتِه العَقَديَّةِ) وكان أيضًا كسابِقِه في ثلاثةِ مباحِثَ:

المبحث الأول: طَورُ الاعتزالِ:

فالإمامُ الأشعَريُّ بعد وفاة والِدِه كان صغيرًا وقد أوصى به والِدُه قبل وفاتِه إلى الإمامِ الساجي من أهل السُّنَّة والجماعة، ولكِنَّ والدتَه تزوَّجت بعد وفاة والدِه مِن (أبي علي الجُبَّائي) أحدِ رُموزِ المعتزلةِ في ذلك الوقت، فاحتَضَن الصبيَّ ورَبَّاه على فِكْرِه، وذكر المؤلِّفُ أنَّ هذا الطَّورُ الأوَّلُ عند الأشعَريِّ، ولم يجِدْ أحدًا خالف في أنَّ ذلك يمثِّلُ المرحلةَ الأولى من حياة الأشعَريِّ، وقد أثبتت جميعُ التراجمِ عنه ذلك.

المبحث الثاني:  (أسبابُ رُجوعِه عن الاعتزالِ)

وبيَّن فيه المؤلِّفُ الخلافَ في سَببِ رُجوعِه عن الاعتزالِ، فذكَرَ مُستعرِضًا الأقوالَ التي أوصلها إلى أربعةَ عَشَرَ قَولًا: مِن ذلك: أنَّ بعض الروايات تجعل رجوعَه لمناماتٍ رآها -وقد ردَّ المؤلِّفُ هذا القولَ-، وبعضُهم يرى أنَّ ذلك من خلالِ خللٍ بان له في مذهبِ المعتزلة، اكتَشَفه في مناظراتِه لهم؛ فأسهَمَت في رجوعِه, وغير ذلك من الأقوالِ التي فَصَّلها، ورجَّح المؤلِّفُ أن تحوُّلَه ليس مقصورًا على سببٍ واحدٍ، بل يَرجِعُ إلى عدة أسبابٍ مجتَمِعةٍ؛ حيث إنَّ غالبَ الأسبابِ المذكورة لا تَعارُضَ بينها.

المبحث الثالث: (ما بعد مرحلةِ الاعتزالِ)

ذكر المؤلِّفُ أنَّه لا شكَّ في الطَّور الأول من حياته الاعتزاليَّة، ثمَّ بعد ذلك اختُلِف في هذا الرجوعِ، فهناك من جعله يرجِعُ عن الفُروعِ ويَبقى على الأُصول، وهناك من جعَلَه يمرُّ بعد الاعتزال بطَورينِ: أ- موافقةُ السَّلَفِ الصالح وأهلِ الحديثِ. ب- اتِّباعُ ابنِ كُلَّاب. وهناك مَن جَعَل ذلك على العكسِ: أ- اتِّباعُ ابنِ كُلَّاب، ب- موافقةُ السَّلَفِ الصَّالح وأهلِ الحديثِ، وهناك من جعَلَه طَورًا واحِدًا، وهو اتِّباعُ أهلِ الحديثِ، وهناك من جعَلَ هذا الطَّوَر هو منهَجَ التوسُّطِ بين أهل الحديثِ والمعتزلةِ، وهناك من جعَلَه يمُرُّ بطَورِ التوسُّطِ، ثم مُتابعةِ ابنِ كُلَّاب، مع وجودِ بقايا كلامِه عنده لم يتخلَّصْ منها، فهذه ستةُ أقوالٍ تَعرَّض لها المؤلِّفُ بتفصيلٍ، وأطال فيها النِّقاشَ.

ومِن ثمَّ رَجَّح أنَّ القَولَ بأنَّ الأشعَريَّ مَرَّ بعد طَورِ الاعتزال بطَورينِ:

الطَّورُ الأوَّلُ: السيرُ على طريقة ابن كُلَّابٍ، وألَّف في ذلك كُتُبَه المختَلِفةَ كاللُّمَع، والمقالات.

الطَّورُ الثاني: رجوعُه أخيرًا إلى مذهب السَّلفِ رُجوعًا تامًّا، من خلال تأليفه كتابَ الإبانة. وهو القَولُ الأقرَبُ للصَّوابِ، وهذا قولُ عدد كبير من أهل العلم؛ من أبرزهم: شيخُ الإسلام ابن تيمية، وتلميذُه ابنُ القيِّم، والإمام الذهبي، والحافظ ابن كثير، وغيرهم. وقد ساق المؤلِّفُ أدلَّتَهم، وبَيَّن بعد ذلك سببَ ترجيحِه لهذا القولِ.

بعد ذلك تعَرَّض المؤلِّفُ لمسألةٍ: هل كان الإمامُ الأشعَريُّ مُكَفِّرًا لأهلِ القِبلة؟ وناقشها المؤلِّفُ ببعض التفصيل، وخَلَص إلى أنَّ الإمامَ الأشعَريَّ كان آخرُ كُتُبِه الإبانةَ، وقد أورد نصوصًا منه تؤكِّدُ أن مَنهجَه الذي استقرَّ عليه هو: منهجُ أهل السُّنَّة البعيدُ كُلَّ البعد عن التكفير لمرتكِبي الصغائرِ والكبائرِ مِن الذُّنوبِ والمعاصي غيرِ المُخرِجةِ مِن المِلَّة.

الفصل الرابع: (مؤلَّفاتُه)

وفي هذا الفصل أربعةُ مباحثَ:

المبحث الأول: المصنَّفات التي وصلت إلينا، وبعضُها مطبوعٌ الآن, وعَدَّدها المؤلِّفُ، مع نُبذةٍ عن كلِّ كتابٍ، يُبَيِّنُ في بعضِها مدى صِحَّة نسبة الكتاب إليه، وموضوعَه، وقيمتَه العِلميَّةَ، وهذه الكتبُ هي:

1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصَلِّين.

2- رسالته إلى أهل الثُّغور.

3- اللُّمَع في الرد على أهل الزَّيغ والبِدَع.

4- رسالة استحسان الخوض في علم الكلام.

5- الإبانة.

6- رسالة في الإيمان.

7- العمد في الرؤية.

8- تفسير القرآن.

المبحث الثاني: الكتُبُ التي لها نُسخٌ مخطوطةٌ، ولم تُطبَعْ حتى الآن.

وذكر المؤلِّفُ ما وقف عليه من أسماءِ مُؤلَّفاتِه التي لها نُسَخٌ خَطِّية، ولم تُطبَعْ حتى الآن، من خلال ما ذكره الباحثون، مع ذِكْرِه لشيءٍ من التعريف بها، وهي كالتالي:

1- شجرة اليقين.

2- كتاب مُقدِّمة سيِّدي أبي الحسن في علم التوحيد.

المبحث الثالث: سمَّاه المؤلِّف: (المؤلَّفات التي لم تصِلْ إلينا، ولا أعلمُ لها نُسخةً خَطِّيَّة، وإنَّما نسبها بعضُ الباحثين للأشعَريِّ):

وقَسَّمها إلى فرعينِ: الفرعُ الأول: الكتُبُ التي ألَّفَها إلى سنةِ عشرينَ وثلاثِمائة، وعَدَّدَها تحت هذا المبحث، مع ذِكرِ نُبذةٍ مختَصَرة عن كل كتابٍ، أو مَن ذَكَره، وهي سبعةٌ وستون كتابًا، نذكر منها:

1- الفصول.

2- الموجَز.

3- كتاب خَلْق الأعمال.

4- الاستطاعة.

5- كتاب الصِّفات.

والفرع الثاني: أفرده بمَبحَثٍ مُستقِلٍّ، وهو:

المبحث الرابع: الكتُبُ التي ألَّفَها من سنةِ عِشرينَ وثلاثِمائة إلى وفاتِه سنةَ أربعٍ وعشرين وثلاثِمائة.

وكذلك عَدَّدَها مع بيانِ مَن ذَكَر كُلَّ كتاب. وما ذكره تحت هذا المَبحَثِ: عَدَدُه سبعةٌ وعشرون كتابًا، منها:

1- نقضُ المضاهاة على الإسكافي.

2- العمد في الرؤية.

3- كتاب في معلومات الله ومقدوراته.

4- كتاب في الصفات.

5- كتاب على أهل التناسُخ.

وفي نهايةِ هذا المبحث ذكر مُلاحظاتٍ جَيِّدةً توصَّل لها من خلالِ دراستِه لكُتُبِ الأشعَريِّ.

ثمَّ ختم الرِّسالةَ بخاتمةٍ فيها خُلاصةُ ما وصل إليه الباحِثُ من نتائِجَ مِن خِلالِ عَمَلِه على هذه الرِّسالة، أبرَزُها أنَّ الأشعَريَّ عاش في زمنٍ انتشر فيه التصنيفُ والتأليفُ، وكانت حياتُه في زمن الخلافة العباسيَّةِ، وفي وَضعٍ سياسيٍّ غيرِ مستقِرٍّ، وأنَّه عاش في زمنٍ انتشر فيه الفكرُ الاعتزاليُّ الخبيثُ، وما كان عليه من إلحادٍ في أسماءِ اللهِ وصِفاتِه، وكذلك تأوُّلُهم للنُّصوص الثابتة، وجُرأتُهم على الله، وغير ذلك مِن ضلالتِهم.

كما أوضح المؤلِّف أنَّ الإمامَ الأشعَريَّ رجع إلى مَنهَجِ السَّلَفِ رُجوعًا تامًّا لا يَقدَحُ فيه بعضُ الأخطاءِ الاجتهاديَّةِ التي لا تتعَلَّقُ بالأصولِ، وأوضَح أيضًا أنَّ الأشعَريَّ كان يتوقَّدُ ذكاءً، وأنَّه مَرَّ بثلاثِ مراحِلَ عَقَديةٍ سَبَق ذِكرُها، وأنَّه كان نُموذجًا للعالِم الصَّادق الذي يَرتجي مرضاةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، فلم تأخُذْه العِزَّةُ بالإثمِ، وأنَّ له العَشَراتِ مِن المؤَلَّفاتِ التي كان آخِرُها كتابَه (الإبانة).

ثمَّ في النهايةِ كانت الفهارِسُ، وهي على تسعةِ تَصنيفاتٍ: فِهرسُ الآياتِ، والأحاديثِ، والآثارِ، والأعلامِ، والفِرَق والطوائِفِ والمِلَلِ، وفِهرسُ الكَلِمات الغريبةِ، وفِهرسُ الأماكِن والبلدانِ، وفِهرسُ المراجِع، وفِهرسُ الموضوعاتِ.

والكتابُ مفيدٌ جدًا وجديرٌ بالاقْتِناء والقِراءةِ.