الموعِظةُ الحَسَنةُ ضَرورةُ الزَّمانِ المُلِحَّةُ
الأُسْتاذُ الدُّكتورُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الدميجيُّ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشْرفِ الأنْبياءِ والمُرسَلينَ؛ نَبِيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصَحبِه أَجْمعينَ.
أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ المَوعظةَ الحَسنةَ هي إحدى أهَمِّ الرَّكائِزِ الموقِظةِ للقُلوبِ، والمُنبِّهةِ مِن الغَفلةِ، وإحدى أهَمِّ عوامِلِ صَلاحِ القُلوبِ وعِلاجِ أمْراضِها. وهي مِن شَعيرةِ الأمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ؛ المَصحوبِ بالتَّرْغيبِ والتَّرْهيبِ، والدَّعوةِ إلى اللهِ والنَّصيحةِ النَّافِعةِ الَّتي تُثمِرُ رِقَّةَ القَلبِ ولِينَه، فيَتحرَّكُ للعَملِ طَلَبًا للنَّجاةِ والخَلاصِ مِن المَخوفِ والمَرهوبِ، ورَغبةً في الحُصولِ على المَرجُوِّ والمَرغوبِ.
وتكونُ بالمَسموعِ، وهو الانْتِفاعُ بما يُسمَعُ ويُقرَأُ ويُتلى مِن الهُدى والرُّشدِ والنَّصائِحِ الَّتي جاءَت على ألسِنةِ الرُّسلِ وما أُوحِيَ إليهم مِن رَبِّهم، وكذلك الانْتِفاعُ مِن كلِّ ناصِحٍ ومُرشِدٍ في مَصالِحِ الدِّينِ والدُّنْيا.
كما تكونُ بالاعْتِبارِ بالمَشهودِ، وهو الاقْتِناعُ بما يَراه ويَشهَدُه في العالَمِ مِن مَواقِعِ العِبَرِ والحَوادِثِ والمَواقِفِ والتَّجارِبِ، وأحْكامِ القَدَرِ ومَجاريه وسُنَنِ اللهِ في الكَونِ؛ تَدبُّرًا وتَفكُّرًا واعْتبارًا.
وحاجةُ القُلوبِ إلى المَوعظةِ لا تَقِلُّ أهمِّيَّةً عن الحاجةِ إلى العِلمِ والمَعرفةِ، بل هو الطَّريقُ المُمهِّدُ لها، فإذا لانَ القَلبُ انْفتَحَتْ قابِليَّةُ بَصيرتِه لتَلقِّي العِلمِ النَّافِع،ِ فارْتاحَتْ الرُّوحُ وسَكَنَت النَّفسُ واغْتذى العَقلُ واطْمأنَّ القَلبُ؛ ولِذا جاءَ وَصفُ القُرآنِ الكَريمِ بأنَّه (مَوعِظةٌ) قالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُم آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النور: 34] وقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]. وكذلك كانَتِ الكُتُبُ السَّابقةُ، فقالَ تعالى عن الإنْجيلِ: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيْهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة: 46]، وقالَ تعالى عن الألْواحِ المُنزَّلةِ على موسى عليه السَّلامُ: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145].
ووَعَظَ اللهُ تعالى عِبادَه في كِتابِه العَزيزِ في مَواضِعَ كَثيرةٍ، مِثلُ قَولِه تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17].
والوَعْظُ بالقُرآنِ هو أعْظَمُ السُّبُلِ للِينِ القَلبِ، وأسْهَلُها وأقْرَبُها وأشَدُّها تَأثيرًا، وأقْواها نَفْعًا وتَنْبيهًا، فالقُرآنُ كلُّه مَوعِظةٌ.
وقد جَعلَ اللهُ تعالى المَوعِظةَ الحَسنةَ إحدى وَسائِلِ الدَّعوةِ النَّبَويَّةِ، فقالَ تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وذلك حسَبَ حاجةِ المَدعوِّ؛ فإمَّا أن يكونَ طالِبًا للحقِّ راغِبًا فيه، فهذا يُدْعى بالحِكمةِ، وإمَّا أن يكونَ مُعرِضًا غافِلًا مُنشغِلًا بضدِّ الحقِّ، فهذا يَحتاجُ معَ الحِكمةِ إلى المَوعِظةِ الحَسنةِ، وإمَّا أن يكونَ مُعانِدًا مُعارِضًا، فهذا يُجادَلُ بالَّتي هي أحسَنُ، إضافةً إلى ما تَقدَّمَ، وقدْ يَحتاجُ إلى شيءٍ مِن الاخْشيشانِ بعْدَ اسْتِنفادِ ما سبَقَ معَ إصرارِه على الظُّلمِ، كما قالَ تَبارَكَ وتَعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46].
وقدْ أمرَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يقومَ بمُهمَّةِ الوَعظِ والتَّذكيرِ، فقالَ عزَّ اسمُه: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63].
وقدْ قامَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذه المُهمَّةِ حقَّ القِيامِ، يقولُ عبْدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ تعالى عنه: ((كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخوَّلُنا بالمَوعِظةِ في الأيَّامِ مَخافةَ السَّآمةِ علينا))([1])؛ لأنَّ جَمالَ المَوعِظةِ بأمْرَينِ:
1- حُضورُها في وَقْتِها، كالغَيثِ بعْدَ الجَدْبِ، فإن زادَ المَطرُ عن حاجةِ الأرضِ تَشبَّعَتْ به وقَلَتْه.
2- مُناسَبتُها للحالِ.
ومِن مَواعِظِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَشهورةِ ما جاءَ في حَديثِ العِرْباضِ بنِ سارِيةَ رَضيَ اللهُ تعالى عنه، قالَ: وَعَظَنا رَسولُ اللهِ مَوعِظةً وَجِلَتْ مِنها القُلوبُ وذَرَفَتْ مِنها العُيونُ -مِصْداقًا لقولِه تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]، فاقْشَعرَّتْ هَيبةً وخَوفًا ووَجَلًا وخَشيةً، ثُمَّ لانَت فَرَحًا ورَجاءً وشَوقًا وحُسْنَ ظَنٍّ بمَن لا يأتي الخيْرُ إلَّا مِنه- فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ كأنَّها مَوعِظةُ مُودِّعٍ فأَوْصِنا، فقالَ: ((أوصيكم بتَقْوى اللهِ عزَّ وجلَّ والسَّمعِ والطَّاعةِ... الحديث))([2]).
وفي كتابِ الرِّقاقِ([3]) مِن صَحيحِ البُخاريِّ([4]) ودَواوينِ السُّنَّةِ نَماذِجُ مُضيئةٌ مِن مَواعِظِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه، وكذلك في مَأثورِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ والأئِمَّةِ وسِيَرِ المُصلِحينَ ومُؤلَّفاتِهم الكَثيرُ مِن ذلك، وكلَّما قرُبَ العَهدُ بالقرونِ المُفضَّلةِ ازْدانَ الكَلامُ بالبَركةِ؛ فقدْ كانَ كلامُ السَّلَفِ قَليلًا عَظيمَ البَركةِ بخِلافِ كَثيرٍ ممَّن تَأخَّروا عنهم زَمنًا وفَضْلًا وعِلمًا وحِكمةً، واللهُ المُستعانُ.
والوَعْظُ هو سَبيلُ المُصلِحينَ في كلِّ زَمانٍ ومَكانٍ؛ قالَ تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقالَ تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].
فعلى مُعلِّمي النَّاسِ الخَيْرَ مِن مُعلِّمينَ في قاعاتِ الدُّروسِ أيًّا كان الفَنُّ الَّذي يُعلِّمُونَه، والمُهتَمِّينَ بوَسائِلِ التَّواصِلِ المُعاصِرةِ الاهْتِمامُ ببَثِّ الرَّسائِلِ الوَعْظيَّةِ الموجَزةِ لقُلوبِ طُلَّابِهم ومُتابِعيهم؛ فرُبَّ كَلمةٍ صادِقةٍ فَتَحَ اللهُ بها قَلبًا غافِلًا أحْياه بعْدَ مَوتِه، فلا تَبخَلْ بالكَلمةِ النَّافِعةِ؛ قالَ الحَسَنُ بنُ صالِحٍ: قالَ زبيدٌ: "سَمِعْتُ كَلمةً فنَفَعَني اللهُ بها عزَّ وجلَّ ثَلاثينَ عامًا"5، وكم مِن أقْوامٍ سَمِعوا كَلمةً واحِدةً فأنارَت بَصائِرَهم فتَحوَّلَت أمُورُهم إلى الجِدِّ والاسْتِقامةِ وهِجْرانِ الانْحرافِ والفَسادِ!
وتَتأكَّدُ أهمِّيَّةُ الوَعْظِ والحاجةُ إليه في عَصْرِنا الحاضِرِ الَّذي غلَبَتْ عليه المادِّيَّاتُ، وطَغَتِ الشَّهواتُ، وقَسَتِ القُلوبُ وتَعلَّقَتْ بالدُّنْيا، وقَحَطَتِ العُيونُ، فكثيرٌ مِن ضُلَّالِ المُعاصِرينَ مَرجِعُه إلى قَسوةِ القُلوبِ وكِبْرِ النُّفوسِ لا لِقلَّةِ العِلمِ والمَعرفةِ؛ فشابَهوا أحْبارَ اليَهودِ؛ لهذا اشتدَّتِ الحاجةُ لسِياطِ مَواعِظِ القُلوبِ.
وممَّا يُنبَّه إليه في هذا أنَّ كثيرًا ممَّن يُرَدِّدونَ شُبَهَ الإلْحادِ إنَّما أُتُوا مِن غَفلةِ القُلوبِ وغَلَبةِ الرَّانِ عليها، فيَحسُنُ ابْتِداؤُهم بالوَعظِ ثُمَّ بالحِجاجِ؛ لأنَّ الوَعْظَ إذا نَفَعَ فإنَّه يُزيلُ رَواسِبَ الرَّفْضِ لقَبولِ الحُجَجِ الصَحيحةِ، تَأمَّلْ قولَه تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176] فالمَوعِظةُ سابِقةٌ للفِكرةِ.
ومعَ هذه الحاجةِ المُلحَّةِ للوَعظِ نَجدُ في مُقابِلِ ذلك قِلَّةَ النَّاصِحِ الواعِظِ الصَّادِقِ، بل تَعدَّى الأمرُ إلى ازدِراءِ الوَعظِ، والتَّقليلِ مِن شأنِه وأهْلِه، ويَزيدُ الأمرَ خُطورةً أنَّ هذا التَّهْوينَ والازدِراءَ قد يَرِدُ على ألسِنةِ بعضِ المُنْتسِبينَ للعِلمِ والفِقْهِ، ومِن المُشتَغِلينَ بالقَضايا الفِكريَّةِ والثَّقافيَّةِ، فيقالُ: هذا خِطابٌ وَعظيٌّ عاطِفيٌّ ليس خِطابًا عِلميًّا دَقيقًا، ولا فِكريًّا عَميقًا، ولا تَحْريرًا وتَحقيقًا يُناسِبُنا، وإنَّما يَصلُحُ هذا للعامَّةِ والدَّهْماءِ والبُسَطاءِ مِن النَّاسِ. وما عَلِمَ هؤلاء أنَّ المُنتَسِبينَ للعِلمِ والفِقْهِ والفِكرِ هُم أحوَجُ النَّاسِ للخِطابِ الوَعْظيِّ الَّذي يُلينُ القلوبَ القاسِيةَ، وهي الشَّكْوى المُتَكرِّرةُ المَسْموعةُ مِنهم كثيرًا، وبِخاصَّةٍ عندَ مَشارِفِ رَحيلِهم عن الدُّنْيا.
يقولُ ابنُ الجَوزيِّ رَحمَه اللهُ: "رأيْتُ الانْشِغالَ بالفِقْهِ وسَماعِ الحَديثِ لا يَكادُ يَكْفي في صَلاحِ القلبِ إلَّا أن يُمزَجَ بالرَّقائِقِ والنَّظرِ في سِيَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ".([5])
ومعَ أنَّه قد دَخَلَ على بعضِ الوُعَّاظِ والخِطابِ الوَعْظيِّ بعضُ الخُرافاتِ والمَناماتِ والإسْرائيليَّاتِ والمُسْتَحيلاتِ والقِصَصِ المُخْتلَقةِ والأحاجيِّ، فإنَّ هذا لا يُسوِّغُ التَّقليلَ مِن شأنِه، بل يَقْتضي ضَرورةَ تَصْحيحِ مَسارِه وتَنْقيةِ مُحْتواه، والتَّشديدَ في شأنِ حِراستِه مِن الإحْداثِ والكَذِبِ حتَّى يَعودَ إليه رَوْنَقُه وصَفاؤُه ونَقاؤُه، وعلى الواعِظِ الْتزامُ شُروطِ الوَعْظِ وآدابِه مُراعِيًا صحَّةَ الخَبَرِ دَليلًا كانَ أو قِصَّةً، وصِدْقَ النِّيَّةِ، ومُراعاةَ الحالِ والزَّمانِ والمَكانِ ونَحْوِها؛ ليُؤتِيَ أُكُلَه بإذْنِ اللهِ.
وهِجْرانُ الوَعْظِ وازدِراءُ أهْلِه ليس مِن نَوازِلِ عُصورِنا المُتأخِّرةِ، بل هو قَديمٌ قد سَنَّه المُناوِئون للرُّسلِ والمُصْلِحينَ، وجَعَلوه ذَريعةً للصَّدِّ عن سَماعِ الحَقِّ والانْتِفاعِ به، وفي القُرآنِ الكَريمِ نَماذِجُ كَثيرةٌ؛ مِن ذلك ما ذَكَرَه اللهُ تَعالى عن قومِ هُودٍ عليه السَّلامُ لمَّا نَصَحَ قَوْمَه قَوْمَ عادٍ، وكان ممَّا قالَ لهم: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 135] وكانَ جَوابُهم: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 136-137].
وهو أحَدُ مَداخِلِ الشَّيْطانِ وأدَواتِ تَلْبيسِه على أهلِ العِلمِ؛ يقولُ ابنُ الجَوْزيِّ رَحِمَه اللهُ: "ومِن تَلْبيسِه عليهم أن يُحَسِّنَ لهم ازدِراءَ الوُعَّاظِ، ويَمنَعَهم مِن الحُضورِ عندَهم، فيقولونَ عن هؤلاء: قُصَّاصٌ، ومُرادُ الشَّيْطانِ ألَّا يَحْضُروا في مَوضِعٍ يَلينُ فيه القَلبُ ويَخشَعُ، والقُصَّاصُ لا يُذَمُّونَ مِن حيثُ هذا الاسمُ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} وقالَ: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}، وإنَّما ذُمَّ القُصَّاصُ؛ لأنَّ الغالِبَ مِنهم الاتِّساعُ بذِكرِ القِصَصِ دونَ ذِكرِ العِلمِ المُفيدِ. ثُمَّ غالِبُهم يَخلِطُ فيما يورِدُه، ورُبَّما اعتَمَدَ على ما أكْثَرُه مُحالٌ، فأمَّا إذا كانَ القَصَصُ صِدْقًا ويوجِبُ وَعْظًا فهو مَمْدوحٌ، وقد كانَ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يقولُ: ما أحْوَجَ النَّاسَ إلى قاصٍّ صَدوقٍ!".([6])
ونَسأَلُ اللهَ أن يُصلِحَ فَسادَ قُلوبِنا وأعْمالِنا، وأن يُلْهِمَنا رُشْدَنا، ويَرْزُقَنا العِلمَ النَّافِعَ والعَمَلَ الصَّالِحَ.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أَجْمَعينَ