التعريفُ بموضوعِ الكتابِ:
إنَّ العَقيدةَ الإسلاميَّةَ الصَّحيحةَ القائِمةَ على الكِتابِ والسُّنَّةِ وفَهْمِ الصَّحابةِ ومَن تَبِعَهم مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ: هي أساسُ هذا الدِّينِ، وعليها تُبْنى جميعُ الأعمالِ؛ فمَن صَحَّت عَقيدتُه صَحَّ عَمَلُه، ومَن فَسَدت عَقيدتُه فَسَد جميعُ عَمَلِه، ولا يَقبَلُ اللهُ العَمَلَ إلَّا بالإيمانِ الصَّحيحِ الَّذي تُبْنى عليه العَقيدةُ الصَّحيحةُ المجانِبةُ للشِّركِ ووَسائِلِه.
لهذا كان من المهمِّ جِدًّا الاهتمامُ بالكتابةِ في مَسائِلِ العَقيدةِ والتَّوحيدِ والإيمانِ؛ بتحريرِ مَسائِلِها، مُستَنِدةً أدِلَّتُها إلى كتابِ اللهِ تعالى وما ثبت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحاديثَ، وعن صحابَتِه مِن آثارٍ، مشْفُوعةً بنُقولاتٍ عن كِبارِ عُلَماءِ الأُمَّةِ، مع عَرضِها بأسلوبٍ سَهلٍ، ونَشرِها للنَّاسِ لنَشرِ الاعتقادِ الصَّحيحِ.
ويُعَدُّ هذا الكِتابُ (حقيقةُ الإيمانِ ونَواقِضُه) من هذه النَّماذجِ التي تسعى لنشرِ الاعتقادِ الصَّحيحِ بالأسلوبِ المحرَّرِ، المُدعَّمِ بالأدلَّةِ والنُّقولاتِ عن السَّلَفِ وكبارِ العُلماءِ، وتَبرزُ أهميَّةُ اختيارِ هذا الموضوعِ العَقَديِّ لِما حصَلَ مِنِ انحرافٍ في فَهمِ حقيقةِ الإيمانِ ونواقِضِه، وهو أوَّلُ خَلَلٍ عَقَديٍّ ظَهَر في صُفوفِ المُسلِمينَ واشْتَجَر فيه الرأيُ، بدأ به الخوارِجُ وغَلَوا، ثمَّ ظَهَرت المُرْجِئةُ وجَفَوا، ولا تزالُ آثارُ انحِرافاتِهم تلك تؤَثِّرُ في كِتاباتِ وأبحاثِ كَثيرٍ مِنَ الدُّعاةِ وطَلَبةِ العِلْمِ -وبخاصَّةٍ مَسألةُ العُذْرِ بالجَهْلِ- ولا عاصِمَ مِن هذه الانحِرافاتِ إلَّا التِزامُ مَنهَجِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في فَهْمِهم لمسائِلِ الإيمانِ والتَّكفيرِ وضوابِطِه في ضَوءِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وفَهْمِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ.
وممَّا تجدُرُ الإشارةُ إليه وما سيلحَظُه القارِئُ للكِتابِ أمْرانِ:
الأوَّلُ: غزارةُ الأدِلَّةِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وكَثرةُ النُّقولاتِ مِن أقوالِ العُلَماءِ مِن القُرونِ الأُولى إلى عَصْرِنا الحاضِرِ، وسبَبُ ذلك أنَّ المكتبةَ الإسلاميَّةَ تَزخَرُ بالمصادِرِ، وأنَّ عُلَماءَ السَّلَفِ لم يَذَروا شَيئًا مِن مَسائِلِ العَقيدةِ إلَّا تكَلَّموا عنه وبَيَّنوه بالأدِلَّةِ والبَراهينِ؛ فلا جَديدَ فيها.
الثَّاني: خُلُوُّ أسماءِ العُلَماءِ مِن ألقابِ الوَصْفِ والتَّبْجيلِ، وذِكْرُها مجَرَّدةً؛ وذلك لأنَّ الكِتابَ مُسْتَلٌّ مِن الموسوعةِ العَقَديةِ، وهذا حَسَبَ المَنهَجِ الذي سارت عليه.
أتى هذا السِّفرُ العَقَديُّ مُقسَّمًا إلى كتابينِ رَئيسَينِ؛ الكتابُ الأوَّلُ بعنوان: (حقيقةُ الإيمانِ عند أهل السُّنَّةِ والجَماعةِ)، وجاء مشتملًا على سِتَّةِ أبوابٍ.
البابُ الأوَّلُ: حقيقةُ الإيمانِ وبيانُ الخِلافِ في مُسَمَّاه.
وبتفصيلٍ غايةٍ في الدِّقَّةِ ناقش الكتابُ هذا الموضوعَ المتشعِّبَ، والذي تفرَّقت فيه الأمَّةُ، وتباينت فيه الأقوالُ، مع أهميَّتِه، وما يترتَّبُ عليه من قضايا عَقَديَّةٍ خطيرةٍ. فبَيَّن المبحثُ المعنى اللُّغويَّ والشَّرعيَّ، وحقيقةَ الإيمانِ عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ووضَّح أنَّ الإيمانَ ذو ثلاثةِ أجزاءٍ لا ينفَكُّ بعضُها عن بَعضٍ: الاعتقادُ، والقَولُ، والعَمَلُ.
البابُ الثَّاني: زيادةُ الإيمانِ ونُقصانُه.
وناقش هذه البابُ موضوعًا أيضًا في غايةِ الأهميَّةِ، وهو مسألةُ زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه، فساق الأدلَّةَ على ذلك، مع ذِكرِ كلامِ أئمَّةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ في ذلك، وتطرَّق لخصالِ الإيمانِ وشُعَبِه، والاستثناءِ في الإيمانِ.
البابُ الثَّالِثُ: أركانُ الإسلامِ والعَلاقةُ بين الإسلامِ والإيمانِ.
وفي هذا البابِ كان الحديثُ عن أركانِ الإسلامِ، وهل الإسلامُ كالإيمانِ يزيدُ ويَنقصُ، وما حكمُ الاستثناءِ في الإسلامِ، وبيَّن هنا أنَّ جُمهورَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ لا يَرَونَ الاستثناءَ في الإسلامِ كما يَرَونه في الإيمانِ؛ لأنَّ الإسلامَ غيرُ الإيمانِ؛ فالإيمانُ دَرَجاتٍ، والنَّاسُ فيه طَبَقاتٌ، والإسلامُ هو أقَلُّ هذه الدَّرَجاتِ، وليس وراءَه إلَّا الكُفرُ؛ فمَن لم يكن مُسلِمًا كان كافرًا، وأمَّا من لم يكنْ مُؤمِنًا فقد يكونُ مُسلِمًا؛ لأنَّ من نطَق بالشَّهادتينِ أصبح مُسلِمًا، وتميَّز عن غيرِه من الكُفَّارِ، فتجري عليه أحكامُ الإسلامِ.
ثمَّ خُتم البابُ بالمبحثِ المهِمِّ جِدًّا، وهو عن العَلاقةِ بين الإيمانِ والإسلامِ، وأجاب المبحثُ عن تساؤُلٍ مهمٍّ: هل الإسلامُ هو الإيمانُ، وما وَجهُ التلازمِ بينهما، وما هي الثَّمرةُ التي تنتجُ من التفريقِ بينهما.
البابُ الرَّابعُ: دَرَجاتُ الإيمانِ ومَراتِبُه.
والكلامُ في هذا البابِ عن أصلِ الإيمانِ، والإيمانِ الواجِبِ، والإيمانِ المستحَبِّ، وعن دخولِ الأعمالِ في هذه المراتبِ الثَّلاثِ.
البابُ الخامِسُ: المعاصي وأثَرُها على الإيمانِ، واجتماعُ الإيمانِ وبَعضِ شُعَبِ الكُفرِ في الشَّخصِ الواحِدِ.
وكما هو واضِحٌ من العنوانِ، ناقش البابُ موضوعًا في غايةِ الأهميَّةِ والحساسيَّةِ، وهو موضوعُ المعاصي، وقسَّمها إلى قِسمينِ، كما هو عندَ جُمهورِ أهلِ السُّنةِ، وتطرَّق لكلا القِسمَينِ، وكذلك تحدَّث عن الإصرارِ على المعصيةِ، وعن الفِسقِ، ومن هو الفاسِقُ المِلِّيُّ، وما حُكمُ أهلِ الكبائرِ عندَ أهلِ السُّنةِ، وغيرِها من المسائِلِ المهمَّةِ التي تتعلَّقُ بهذا الموضوعِ. وختم بمسألةِ اجتِماعِ الإيمانِ وبَعضِ شُعَبِ الكُفْرِ في الشَّخصِ الواحِدِ، وأثَرِه في مسألةِ الوَلاءِ والبَراءِ.
وتحدَّث البابُ السَّادِسُ عن مَسائِلَ متفَرِّقةٍ تتعَلَّقُ بالإيمانِ. مِثلُ: هل الإيمانُ مخلوقٌ، وما حُكمُ إيمانِ المقلِّدينَ، وما حُكمُ من مات من أطفالِ المسلمينَ، وأطفالِ المُشركينَ، وأهلِ الفترةِ.
والقِسمُ الثَّاني من الكتابِ: كان عنوانُه: (نَواقِض الإيمانِ)، وقد احتوى على تمهيدٍ وستَّةِ أبوابٍ، كان التمهيدُ مشتملًا على تعريفِ النَّاقِضِ لُغةً واصطِلاحًا، وذِكرِ الأحْكامِ المتَرتِّبةِ على وجُودِه.
ثمَّ جاء البابُ الأوَّلُ: تعريفُ الكُفْرِ والرِّدَّةِ وبيانُ أنواعِ الكُفْرِ، وضوابِطُ التَّكفيرِ عندَ أهلِ السُّنَّة والجماعةِ.
وممَّا تجدُرُ الإشارةُ إليه أنَّ الكتابَ أفاض في هذا البابِ وأطال في ذِكرِ مسائِلَ في غايةِ الأهميَّةِ، يحتاج إليها المُسلِمونَ عامَّةً، وطلبةُ العِلمِ خاصَّةً، وهي ضوابطُ التكفيرِ عندَ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ وموانعُه، وتبرُزُ أهميَّةُ الحديثِ عن هذا للحاجةِ الماسَّةِ لفهمِ نصوصِ الشَّرعِ التي وردت فيها مصطلحاتُ الكُفرِ، ولتوضيحِ ما يُلبِسُ في هذا الجانبِ، وكذلك لظهورِ ما يؤسَفُ عليه من ظَنِّ بَعضِ طَلَبةِ العِلْمِ أنَّ التسَرُّعَ في التكفيرِ ورَمْيِ غَيرِهم بالإرجاءِ؛ أنَّه مِن عَلاماتِ رُسوخِ العِلْمِ، وأخْذِ الحَقِّ بقُوَّةٍ، واتِّباعِ السَّلَفِ! وفي المقابِلِ آخَرون مَيَّعوا مفهومَ الوَسَطيَّةِ والاعتِدالِ، وألغَوا مِن قواميسِهم مُفرَدةَ التكفيرِ! وكِلا الفريقينِ على غَيرِ هُدًى، وعلى خِلافِ مَنهَجِ السَّلَفِ الذين كانوا وَسَطًا بَينَ هؤلاءِ وهؤلاءِ؛ فلا يتسَرَّعونَ في التَّكفيرِ حتى تقومَ الحُجَّةُ وتتَبَيَّنَ المحَجَّةُ، ولا يتوَرَّعونَ عنه إذا أقيمَت الحُجَّةُ وانتَفَتِ الموانِعُ؛ لهذا كان الحديثُ هنا مفصَّلًا واضحًا بيِّنًا، والقواعِدُ والضَّوابطُ مُدعَّمةً بأدلَّتِها، وأقوالِ أئمَّةِ السَّلَفِ وعُلماءِ الأمَّةِ.
ثمَّ تلاه البابُ الثَّاني: نواقِضُ الإيمانِ في بابِ التَّوحيدِ.
ثمَّ البابُ الثَّالثُ: نواقِضُ الإيمانِ في بابِ النُّبُوَّاتِ.
كما اشتمل البابُ الرَّابِعُ على: نواقِض الإيمانِ في سائِرِ الغيبيَّاتِ.
وتحدَّث البابُ الخامِسُ عن تَركِ العَمَلِ بالكُلِّيَّةِ وأنَّه ناقِضٌ من نواقِضِ الإيمانِ.
ثمَّ خُتِم هذا الكتابُ بالبابِ السَّادِسِ، واحتوى هذا البابُ على: نواقِض أخرى للإيمانِ فيها تفصيلٌ.