التعريفُ بموضوعِ الكتابِ:
لا يخفى ما لكتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ من الأهمِّيَّةِ الكبرى؛ فهو أشرَفُ الكتُبِ السَّماويَّةِ، وأعظمُ وحيٍ أُنزِل على البشريَّةِ، وإنَّ سعادةَ كلِّ إنسانٍ مرهونةٌ بهذا القرآنِ؛ فهمًا له وتبليغًا، وعملًا به وتحكيمًا. وقد جُعِلَت تلاوتُه من أفضَلِ الطَّاعاتِ، وتدبُّرُه من أجلِّ وأعلى القُرُباتِ. وإنَّ إجالةَ الخاطِرِ في حِكَمِه، وتلمُّسَ أسرارِه ومراميه: بابٌ يُفتَحُ بمعرفةِ تفسيرِه، والتمعُّنِ في بديعِ معانيه. وقد كان هذا ديدَنَ النَّبيِّ المختارِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- وأصحابِه الأطهارِ الكرامِ. وشرَفُ العِلمِ إنما يكونُ على قدْرِ شرَفِ المعلومِ، ولذا فإنَّ أشرَفَ العلومِ وأرفَعَها قَدرًا، وأولاها بالتَّفضيلِ حقًّا وصِدقًا، هو عِلمُ التفسيرِ؛ فموضوعُه كلامُ الحكيمِ الخبيرِ.
ولهذه الأهمِّيَّةِ العظمى قامت مؤسَّسةُ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ بإخراجِ تفسيرٍ مُوَسَّعٍ محرَّرٍ لجميعِ سُوَرِ القرآنِ الكريمِ، صدَر في أربعةٍ وأربعين مجلَّدًا بفَضلِ اللهِ، ومن ضِمنِ ذلك تفسيرُ سورةِ الفاتحةِ، وسُوَرِ الجزءِ الأخيرِ (جزءِ عَمَّ)، ولمَّا كان لتلك السُّوَرِ مزيدُ اهتمامٍ وعنايةٌ خاصَّةٌ من قِبَل عامَّةِ المسلِمين وخاصَّتِهم، وصغيرِهم وكبيرِهم؛ إذ هي أكثَرُ ما يُقرأُ في الصَّلواتِ، وهي التي يستَهِلُّ بها الكثيرون حِفظَهم لكتابِ اللهِ وتعلُّمِ معانيه- برزت الحاجةُ إلى اختصارِ تفسيرِ تلك السُّوِرِ الكريمةِ من الأصلِ الموسَّعِ والكتابِ الأمِّ، فارتأت مُؤَسَّسةُ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ إخراجَه في مصنَّفٍ مُستقِلٍّ مختَصَرٍ يَشتَمِلُ على الآتي:
- مُقَدِّماتٌ بينَ يَدَيْ تفسيرِ كُلِّ سورةٍ، اشتملت على أسماءِ السُّورةِ، وفضائِلِها وخصائِصِها، وبيانِ المكِّيِّ والمدَنيِّ.
- تفسيرُ سورةِ الفاتحةِ وسُوَرِ جُزءِ عَمَّ، واشتمل هذا التفسيرُ على المعنى الإجماليِّ، وعلى تفسيرٍ تفصيليٍّ لكُلِّ آيةٍ من آياتِ الفاتحةِ وجُزءِ عَمَّ، فيه بيانُ معنى كُلِّ آيةٍ، والأقوالُ المذكورةُ في تفسيرِها، وسَبَبُ نزولِها -إن وُجِد- مع الاقتصارِ على الصَّحيحِ منه، مع إتباعِ بعضِ الآياتِ بما يوضِّحُ معناها من نظائِرِها في سُوَرٍ أخرى، أو من الأحاديثِ الصَّحيحةِ.
ويتميَّزُ هذا التفسيرُ -كأصلِه- بعِدَّةِ أمورٍ؛ منها: الشُّمولُ والاستيعابُ مع حُسنِ التَّرتيبِ والعَرضِ. ومنها: الحِرصُ على تسهيلِ المعلومةِ؛ حيث صيغَت بعباراتٍ عِلميةٍ سهلةٍ، وواضحةٍ ومحرَّرةٍ. ومنها: الاعتمادُ على المصادِرِ الأصليَّةِ المعتمَدةِ في كلِّ علمٍ من علومِ القرآنِ وتفسيرِه، والعَزوُ إليها، مع تخريجِ الأحاديثِ والآثارِ الواردةِ. والسَّيرُ على معتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ونَبْذُ ما يخالِفُه.
والمرجوُّ أن يكونَ هذا الكتابُ بثرائِه رَغمَ اختصارِه، وبحَجمِه اللَّطيفِ وإخراجِه الأنيقِ: مَحَلَّ عنايةٍ ودراسةٍ وإقبالٍ لدى المسلِمين كافَّةً.