الاتجاهاتُ التفسيريَّةُ في آياتِ علوِّ بني إسرائيل من سُورة الإسراء(1)
الشيخ الدكتور منصور بن حمد العيدي(2)
21 ربيع الآخر 1446
بسم الله الرحمن الرحيم
قال اللهُ تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٤ -8].
وقع خلافٌ في هاتينِ المرَّتينِ المذكورتينِ في قولِه تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}؛ من حيث أُولاهما وقوعًا، وهل كان وقوعُها -إن كانت وقعت- قبل الإسلامِ أو بعدَه، أو وقعت واحدةٌ والأخرى لم تقعْ، وهل الخطابُ لبني إسرائيلَ فقط، أو بعضُه لهذه الأمَّةِ؟
وفيما يلي توضيحُ اتجاهاتِ المُفَسِّرين في ذلك، مع بيان الرَّاجِح:
الاتجاهُ الأوَّلُ: أنَّهما وقعتا قبل الإسلامِ، وأن الخطابَ لبني إسرائيلَ
يرى أصحابُ هذا الاتجاهِ أنَّ هاتين المرتينِ قد وقعتا قبلَ الإسلامِ بقرونٍ؛ فهو من حديثِ القرآنِ الكريمِ عن الأخبارِ الماضية(3). رُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وعن ابنِ مسعودٍ، وبه قال ابنُ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ جُبير، ومجاهدٌ، والحسَنُ، وقتادةُ، والسُّدِّي، والضَّحَّاكُ، والربيعُ بنُ أنسٍ، ومقاتلٌ، وابنُ زيدٍ. وقال به من المُفَسِّرين: الطَّبريُّ، والسَّمرقنديُّ، وابنُ أبي زمَنين، والثَّعلبيُّ، ومكِّيٌّ، والمهدويُّ، والواحديُّ، ونَسَب مقتضاه إلى المُفَسِّرين، والسَّمعاني، والبَغَوي، والكرماني، وأبو حفص النَّسَفي، والزَّمخشَري، وابن عطية، وابن الجوزيِّ، ويُفهَم من كلامِه نسبةُ ذلك إلى المُفَسِّرين، والرَّازي، والبيضاوي، وابن تيميَّة، والخازن، وابن جُزَيٍّ، وأبو حيَّان، والقمي النَّيسابوري، والكوراني، والسُّيوطي، والثَّعالبي، والعليمي، وإسماعيل حقي، والألوسي، والقاسمي، والمراغي، والسَّعدي، والطَّاهر ابن عاشور، والشِّنقيطي، ووهبة الزحيلي.
إلا أنَّهم اختلفوا في تحديِد هؤلاء المبعوثين في المرَّةِ الأولى؛ فقيل: جالوت، وقيل: بُختنَصَّر، وقيل: سنحاريب، وقيل: العمالقةُ، وقيل: ملوكٌ من فارسَ، وقيل: قومٌ مؤمنون.
وأما في المرَّةِ الثانيةِ فحكى الطَّبريُّ الإجماعَ على أنَّه بسببِ قتل يحيى بن زكريَّا، وإنما وقع الخلافُ: هل المبعوثُ لهم بُختنَصَّر أو بعضُ ملوكِ الرُّومان؟ والمحقِّقون من العلماء يرون أن بختنصَّر لم يكنْ في زمنِ يحيى، وإنما قَبلَه بقرونٍ، والمثبَتُ في تواريخِ أهلِ الكتابِ أنَّ المبعوثَ في المرَّة الثانية: إسبيانوس؛ أحدُ القياصرةِ(4 ).
ولا يترتَّبُ على تحديدِ هؤلاء كبيرُ فائدةٍ -بعد الاتفاق على كونها حوادثَ تاريخيةً- وإنما المقصودُ أخذُ العظةِ والعبرةِ(5).
استدلَّ هؤلاء العلماءُ بأدلَّةٍ نقليةٍ وتاريخيةٍ؛ فمن ذلك:
الدليلُ الأولُ: قولُه تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 71].
ووجهُ الاستدلالِ: أنَّ الله تعالى أخبر في هذه الآيةِ عن عمًى وصممٍ أصاب بني إسرائيل مرتين، وهاتان المرَّتان هما اللتان نتج عنهما العقوبتان الغليظتان على بني إسرائيلَ المذكورتانِ في سورة الإسراء(6).
الدليلُ الثاني: قولُه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 176].
ووجهُ الاستدلالِ من هذه الآيةِ: أنها أخبرت بوعدٍ من اللهِ قاطعٍ بأنه سيُنزِلُ باليهودِ المخالفين لشَرعِه أشدَّ العقوبةِ، وهو عينُ ما وعد اللهُ به في سورةِ الإسراءِ بقولِه: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، وقد اتَّفَقت كلمةُ السَّلَفِ على ذلك(7).
يقول الشِّنقيطيُّ: «وهذه الآيةُ الكريمةُ من سورةِ الأعرافِ فيها التنصيصُ الصريحُ مِنْ رَبِّ العالمين أنه يُسلِّط على اليهودِ في دار الدُّنيا حتى تقومَ الساعةُ من يذيقُهم سوءَ العذابِ، ويعذِّبُهم أشدَّ التعذيبِ وأتمَّه...؛ لأنَّ اللهَ سلَّط عليهم سابقًا بختنَصَّر وأهانهم تلك الإهانةَ الشديدةَ، وملك الرومان؛... لأنَّ اللهَ يقولُ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ}. المُفَسِّرون والمؤرخون يقولون: إنَّ إحدى المرَّتين تسليطُ بختنصَّر عليهم، والثانية: تسليطُ مَلِك الرومان»(8). وقد نسب الماتُريديُّ هذا الرَّبطَ بين الآيتينِ إلى جماعةٍ لم يسمِّهم(9).
الدليلُ الثالثُ: قولُه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} [البقرة: 114].
ووجهُ الاستدلالِ من هذه الآيةِ: أنها أخبرت عمَّا حصل من بعض الظَّلَمةِ المفسِدين من تخريبِ المسجدِ الأقصى، والحيلولةِ دون التعبُّدِ لله فيه، وإنما حصل هذا على أثر الإفسادِ الثَّاني لبني إسرائيلَ، الذي أعقبه غزوُ الرومانِ لبني إسرائيلَ وتخريبُهم المسجِدَ الأقصى، وهو ما ذهب إليه جمهورُ المُفَسِّرين من السَّلَفِ(10).
الدليلُ الرابعُ: قولُه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78]
ووَجهُ الاستدلالِ: أنَّ هذه الآيةَ ذكَرت حصولَ اللَّعنِ مرَّتين على بني إسرائيلَ، وهذا يتوافقُ مع حصولِ الإفسادينِ من بني إسرائيلَ، ويتوافق أيضًا مع ما ذكَره جمهورُ المُفَسِّرين وعامَّةُ المؤرِّخين من أنَّ الفسادَ الأوَّلَ كان بعد عهدِ داوودَ، والثَّاني بعد عيسى، عليهما السلامُ(11).
الدليلُ الخامسُ: أنَّ هذا القولَ ممَّا انعقد عليه الإجماعُ، وقد استفيدُ حصولُ هذا الإجماعِ من قولِ الطَّبري: «وأمَّا إفسادُهم في الأرضِ المَّرةَ الآخرةَ فلا اختلافَ بين أهلِ العلمِ أنَّه كان قتلَهم يحيى بن زكريا»(12). وإذا كانت المرةُ الثانيةُ بسبب قتلِ نبيِّ الله يحيى فقطعًا كانت الأولى قبلها.
والواقعُ أنَّ هذا الإجماعَ لم يقتصِرْ على زمنِ السَّلَفِ الصالحِ، بل امتدَّ للمفسِّرين بعدهم، فلم يقعْ خلافٌ إلَّا في القرن الهجريِّ الماضي.
ويؤكِّدُ صِحَّةَ هذا الإجماعِ: تواترُ القولِ بكونِ آيةِ الإسراءِ تتحدَّثُ عن أمرٍ تاريخيٍّ كان قبل الإسلامِ، وإن خفي التواترُ عن بعضِهم(13).
الدليلُ السادسُ: أنَّ الآيةَ الكريمةَ بيَّنت أنَّ المسجدَ الأقصى سيُخرَّب مرَّتين، وهو إنما خُرِّب -هاتين المرتين- على يدِ الفُرسِ والرُّومان، وهذا باعترافِ أهلِ الكتابِ أنفُسِهم(14). بل هو المعروفُ المشهورُ عند كافَّةِ المؤرخين من مسلمين وغير مسلمين. يقول الأستاذ دروزة: «والضربتانِ الأخيرتانِ ذُكِرتا في مدوَّناتٍ يهوديَّةٍ ويونانيةٍ ورومانيةٍ قديمةٍ أيضًا»(15). فتضافر على هذا القول: النقلُ، والإجماعُ، والتاريخُ.
الاتجاهُ الثاني: إحدى المرَّتين قبلَ الإسلام، والثانيةُ ما نعيشه الآنَ
يرى أصحابُ هذا الاتجاهِ أنَّ إحدى المرَّتين قبلَ الإسلامِ، والثانية: ما نعيشه الآن، وينقَسِمُ أصحابُ هذا الاتجاهِ إلى قسمين:
القِسمُ الأوَّلُ: من يرى أنَّ الخطابَ في الآيةِ لبني إسرائيل، وفيه البشارةُ بالنَّصرِ على اليهود
وتفصيلُ قولهم على النحوِ التالي:
يرى أصحابُ هذا الاتجاهِ أنَّ المرَّةَ الأولى من الإفسادِ والعقوبةِ قد حصلت، وذلك على يدِ البابليين، وأمَّا الثانيةُ فهي ما نعيشه الآن من إفسادِ بني إسرائيلَ في الأرضِ المُقَدَّسة، وأنَّ إخراجَ المسلمين لهم منها هو ما ننتظره، ولمَّا يقعْ. وهو رأيُ عبد الكريم الخطيب(16)، وسعيد حوَّى(17)، والمكِّي النَّاصِري(18)، ومصطفى مسلم، ونسبه لكثيرٍ من المُفَسِّرين!(19).
استدلَّ هذا الفريقُ بدليلٍ نَقليٍّ، وما رأوه قرائِنَ في سياقِ الآية؛ فمن ذلك:
قولُه تعالى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 103-104].
ووَجهُ الاستدلالِ من الآيةِ ما ذكره المكِّيُّ الناصريُّ: «وفسَّر المرَّةَ الثانيةَ بعدَها في نفسِ السياقِ بقَولِه: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}، وهكذا يكونُ لفظُ {الْآخِرَةِ} في الموضعينِ معًا هنا وهناك بمعنى المرَّةِ الثانيةِ، ويكونُ معنى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي: المرة الثانية، لا بمعنى القيامةِ والدَّارِ الآخرةِ، كما فسَّرها البعضُ هنا بالخصوصِ. وكلِمة {لَفِيفًا} الواردةُ في قوله تعالى هنا: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} يراد بها في اللُّغةِ: الجماعاتُ المنتميةُ إلى أصولٍ مختلفةٍ، والأخلاطُ من الناسِ، وهذا المعنى أصبح لاصقًا باليهودِ منذُ حَلَّ بهم عهدُ الجلاء، وتفرَّقوا في البلادِ للابتلاءِ»(20).
وقال سعيد حوَّى في معنى: {اسْكُنُوا الْأَرْضَ}: «كلَّ الأرض متفرِّقين، فإذا جاء وعدُ الآخرةِ جئنا بكم جميعًا إلى فلسطين»(21).
وأجيب عنه بما يلي:
الأوَّلُ: المرادُ بوعدِ الآخرةِ في آخرِ سورةِ الإسراءِ هو وعدُ يومِ القيامة؛ ذلك أنَّ كلمةَ الآخرةِ في سورةِ الإسراءِ وردت خمسَ مرَّاتٍ أريد بها جميعًا القيامةُ، فحَملُ كلمة الآخرة في آخرِ سورةِ الإسراء على ما تكرَّر أَولى من حملِه على ما ورد مرَّةً واحدةً، ولا سيَّما أنَّ الأصلَ في القرآنِ أنَّه إذا أُطلِقَت كلمةُ الآخرةِ فإنما يراد بها يومُ القيامة، والقاعدةُ التفسيريةُ -إعمالُ الأغلبِ في القرآنِ، وتقديمُ المفهومِ الجاري في استعمالِه أَولى(22)- تشهد لذلك.
ثم إنَّ تفسيرَها بيومِ القيامةِ محلُّ اتفاقٍ بين المُفَسِّرين لا يُعرَفُ بينهم خلافٌ في ذلك(23).
الثَّاني: أنَّ تفسيرَ {اسْكُنُوا الْأَرْضَ} بكلِّ الأرضِ: مجانِبٌ للصَّوابِ، بل الظاهرُ أنها الأرضُ المشارُ إليها قبلَ ذلك في قولِه تعالى: {أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ} وهي أرضُ مصرَ، أو الشَّام؛ قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٥٧ - 59]، وخيرُ ما يُفسَّر به القرآنُ: القرآنُ، ولا مانعَ من حملِ الآيةِ على كليهما(24).
ونسب الماتُريديُّ إلى قومٍ لم يُسَمِّهم أنَّ المراد: تخييرٌ لهم أن يسكنوا حيث شاؤوا(25). ولم يقُلْ مُفَسِّرٌ قط: إنَّ المرادَ الأمرُ بسكناهم متفرِّقين، سواءٌ أكان أمرًا شرعيًّا أم كونيًّا. وأمَّا قولُه تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 168] فهو خبرٌ وليس بأمرٍ، ثمَّ هو متأخِّرٌ عن أمرِهم بدخولِ الأرضِ المُقَدَّسةِ بقرونٍ(26)، بخلافِ ما في آية الإسراءِ؛ فهو حديثٌ عمَّا حصل لهم بعد إغراقِ فِرعَونَ.
الثَّالثُ: أنَّ تفسيرَ «لفيفًا» بما ذكره أصحابُ هذا القولِ مجانبٌ للصَّوابِ؛ فالمرادُ باللفيفِ: الجميعُ، وإنما أُطلِق على المحشورين يومَ القيامةِ {لفيفًا}؛ لأنهم يأتون يومَ القيامةِ أخلاطًا فيهم المسلِمُ والكافرُ، والبَرُّ والفاجرُ(27).
الرَّابعُ: أنَّه إن قيل بأنَّ المرادَ بالأرضِ جميعُها، فليس فيها قطُّ أنَّ مجيئهم هو مجيءٌ إلى فلسطين؛ فليس في الآيةِ إشارةٌ إلى ذلك، وليس له ما يعضِّدُه من أدلَّةٍ خارجيَّةٍ.
وأمَّا ما اعتمده أصحابُ هذا القولِ من قرائنَ فهي:
القرينةُ الأولى: أنَّ النَّظْم القرآنيَّ قد غاير بين مرتَي الإفسادِ؛ فجعل الأولى بصيغة الماضي، {بَعَثَنَا} {فَجَاسُوا}، أما المرةُ الثانيةُ فجعلها بصيغةِ المضارع {لِيَسُوءُوا} {وَلِيَدْخُلُوا}، فهذه المغايرةُ تشي بأنَّ الأولى قد وقعت، والثانية لم تقعْ، وإلَّا لم يكنْ للمغايرةِ فائدةٌ، وهو ممَّا يُنَزَّه عنه القرآنُ(28).
وأجيبَ عنه بثلاثةِ أجوبةٍ:
الأوَّلُ: أنَّ جوابَ الشَّرطِ في قولِه: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} -وهي المرَّةُ الثانيةُ- هو مِثلُ الأوَّلِ بصيغة الماضي، لكنه مُقدَّرٌ، وتقديره: بَعَثْنا، فيكونُ تقديرُ النَّظْمِ: إذا جاء وعدُ الآخرة بعثنا عليكم عبادًا لنا ليسوءوا وجوهَكم، وهذا المحذوفُ هو ما تعلَّق به اللامُ في {ليسوءوا}، ودليلُ التقديرِ صدرُ الآيةِ التي قبلها {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا}(29). فانتظمتِ الآيتان بصيغة الماضي.
الثَّاني: أنَّ التعبيرَ بالمضارعِ عن أمرٍ ماضٍ معهودٌ في القرآنِ الكريمِ، كما في قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. وهم إنما قتلوهم قبلَ نزولِ الآياتِ بقرونٍ، ومع ذلك جاء التعبيرُ بصيغة المضارع. فلا عجَبَ من أن يُستعمَلَ ذلك في آيةِ الإسراء؛ لتصويرِ شِدَّةِ التدميرِ والهلاكِ الذي حصل لبني إسرائيل، حتى لكأننا نراه الآن رأيَ العينِ. وتحويلُ الكلامِ من الماضي إلى المضارع وعكسه: داخِلٌ في أسلوبِ الالتفاتِ القرآنيِّ، وهو أسلوبٌ قُرآنيٌّ بلاغيٌّ.
الثَّالِثُ: أنَّ الفعلَ المضارعَ لا يتعيَّنُ أن يكونَ للمُستقبَلِ، بل قد يكونُ للحالِ، وعلى مُدَّعي إرادةِ الاستقبالِ إثباتُ الحُجَّةِ، بل الأنسبُ للآيةِ الكريمةِ أن يكونَ للحالِ؛ وذلك لكونِ آثارِ التخريبِ كانت ما تزال باقيةً إلى وقتِ نزولِ القرآنِ، فلم يُطهَّرِ المسجدُ الأقصى بعد المرَّةِ الثانية ويُعَدْ بناؤه وتكريمُه إلَّا في عهدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه.
القرينةُ الثَّانيةُ: أنَّ ذِكر «بيت المقدِس» باسم «المسجد» يشيرُ إشارةً واضحةً إلى أنَّ المرَّةَ الثَّانيةَ التي يقعُ فيها من بني إسرائيلَ هذا الإفسادُ إنما تكونُ في العهدِ الإسلاميِّ، وفى الوقتِ الذي يكونُ فيه بيتُ المقدِسِ مَسجدًا للمسلمين، على خلافِ ما كان عليه من قبلُ؛ حيث لم تُشِرِ الآيةُ الأولى إلى المسجدِ من بعيدٍ أو قريبٍ(30).
وأجيبَ عنه: بأنَّ الآيةَ في غايةِ الصَّراحةِ أنَّ العبادَ قد دخلوا المسجد مرتين؛ فمعنى الآيةِ الذي لا ينازَع فيه: وليدخلوا المسجِدَ ثانيةً كما دخلوه في المرَّةِ الأولى، فلا بُدَّ للضميرِ من مرجعٍ، وهو هنا المسجِدُ لا محالةَ، والقاعدةُ التفسيريَّةُ تقولُ: إذا أمكن ردُّ الضَّميرُ إلى مذكورٍ فلا وَجهَ لرَدِّه إلى غيرِه(31). وليس بالضرورةِ أن يُذكَرَ اسمُ المسجدِ مرتين ما دام النَّصُّ واضحًا في المراد، ثمَّ إنَّ المسجِدَ الأقصى كان ولا يزال بهذا الاسمِ، بما في ذلك حقبةُ نبيِّ اللهِ سليمانَ عليه السلامُ؛ يقولُ النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وسأل «سليمان» اللهَ حين فرغ من بناء المسجدِ أن لا يأتيَه أحدٌ لا يَنهَزُه إلَّا الصلاةُ فيه، أن يخرِجَه من خطيئتِه كيَومَ وَلَدته أمُّه)(32). وهو مسجِدٌ للمسلمين من أوَّلِ يومٍ بُني، ولا يمنعُ أن يُسمَّى أيضًا ببيتِ المقدِسِ.
القرينةُ الثالثةُ: أنَّ مَن يدخله المرةَ الثانيةَ كانوا قد دخلوه قبلَ ذلك، وإنما كان الدخولُ الأوَّلُ في زمنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، والدُّخولُ الثَّاني سيكون للمُسلمين لينتزعوه من اليهودِ(33)!
وأجيبَ عن هذا: بأنه يلزَمُ على هذا أن يعودَ الضَّميرُ إلى غيرِ مذكورٍ، فلم يسبِقْ في الآيةِ غيرُ ذِكرِ العبادِ الكُفَّارِ، فكيف نعيدُ الضَّميرَ في {لِيَسُوءُوا} {وَلِيَدْخُلُوا} إلى غيرِهم؟ وهو مخالِفٌ أيضًا لقاعدةِ عَودِ الضميرِ إلى المتحدَّثِ عنه(34)؛ فإنَّ الحديثَ في الآيةِ عن بني إسرائيلَ وعن المبعوثين عليهم، فلا يصِحُّ إخراجُه عن هذا السياقِ إلى من لم يجرِ الحديثُ عنهم من هذه الأمَّةِ.
القرينةُ الرابعةُ: أنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن عُلوٍّ كبيرٍ لليهودِ، وهم لم يحصُلْ لهم علوٌّ آخرُ بعدَ العُلوِّ الأوَّلِ في زمنِ سُليمان عليه السَّلامُ، وإنما حصل لهم أكبَرُ العُلوِّ في هذا الزَّمَنِ؛ مما يجعَلُنا نقولُ: إنَّه المرادُ في الآيةِ الكريمةِ(35).
وأجيبَ عنه: بأنه لا يمتنعُ أن يكونَ التمكينُ الثَّاني والعلوُّ هو في زمن سليمانَ عليه السَّلامُ(36). ويمكِنُ أن يقالَ أيضًا: إنَّ الآيةَ أخبرت بحصولِ عُلوٍّ لهم، لكن لا يلزمُ أن يقترن ذلك بحصولِ دولةٍ لهم، وهم قبلَ ميلادِ المسيحِ بأكثَرَ من مائةِ سنةٍ صار لهم استقلالٌ نِسبيٌّ، بل في فترة الثَّورةِ المكابيةِ حصل لهم تمكينٌ عظيمٌ(37)، ولو كان لا حولَ لهم ولا قوَّةَ لَمَا حاربوا الرومانَ زمنًا طويلًا(38)، أمَّا من حيث الفسادُ ففي هذه الفترةِ كان فسادُهم هائلًا جدًّا مِن قتلِ الأنبياءِ وعبادةِ الأوثانِ؛ فحَملُ الآيةِ على أحدِ الاحتمالينِ واردٌ جِدًّا.
القِسمُ الثَّاني: من يرى أنَّ الخطابَ في أوَّلِ السِّياقِ لبني إسرائيلَ، ثم تحوَّل لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس فيه بشارةٌ بالنصرِ على اليهودِ
وتفصيلُ قولهم على النحوِ التَّالي:
يرى أصحابُ هذا الاتجاهِ أنَّ المرَّةَ الأولى وقعت قبل الإسلامِ، وأنَّ الثانيةَ وقعت بعد الإسلامِ، إلَّا أنهم يرون أنه حصل في الكلام التفاتٌ من مخاطبةِ بني إسرائيلَ إلى مخاطبةِ هذه الأمَّةِ(39). وهو قولُ محمَّد أبي زهرة(40)، فمعنى الآيةِ عنده: إذا حصل منكم -يا بني إسرائيل- الفسادُ الأوَّلُ، سلَّطنا عليكم عبادًا لنا -وهم جالوتُ أو البابليون- فأفسدوا وخرَّبوا ودمَّروا، ثم ينتَقِلُ الخطابُ لأمَّةِ محمَّدٍ، فيخبرُ اللهُ عن أمَّةِ محمد أنهم يصيرون أكثرَ عددًا وعُدةً، وبعد ذلك يجيءُ وَعدُ الآخرةِ فينتصر اليهودُ على المسلمين، ويستولون على المسجدِ الأقصى، ويدخلونه بعد أن أخرجهم منه الرومانُ والمسلمون، وتظهر المساءةُ على وجوهِ المسلمين، ثم يخاطبُ اللهُ المسلمين بأنَّكم إذا عدتُم للتمسُّك بالإسلامِ عُدْنا عليكم بالتمكينِ، ثم يرجعُ الخطابُ لليهودِ الذين كفروا بالله وقتلوا الأنبياء بأنَّ لهم جهنَّمَ.
بنى أبو زهرة رأيَه هذا على ما رآه قرائنَ في السِّياقِ، وهي:
القرينةُ الأولى: قولُ أبي زهرة: «الأمرُ الأوَّلُ: تحقيقُ الفسادِ من بني إسرائيلَ مرَّتين، وأنه لا يتحقَّقُ الفسادُ في المرَّة الثَّانية إلا بدخولهم المسجِدَ كما دخلوه أوَّلَ مرَّةٍ، وأنهم ما أُخرجوا منه في المرَّة الأخيرةِ إلَّا في عهدِ الرومانِ»(41).
وأجيبَ عنه: بأنَّ الضَّمائرَ في قولِه تعالى: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} عائدةٌ للمبعوثين لمعاقبةِ بني إسرائيلَ، ودخولُهم مَظهَرٌ من مظاهِرِ العقوبةِ التي حصلت على بني إسرائيلَ بعدَ فسادِهم، وليس هو مَظهرًا من مظاهِرِ فَسادِ بني إسرائيلَ، ولا دخولُ بني إسرائيلَ للمَسجِدِ شَرطًا لعقوبتهم؛ وذلك لأنَّ بني إسرائيلَ كانوا في الأرضِ المُقَدَّسةِ، وكان المسجدُ تحتَ سُلطانهم يدخلونه كلَّ يومٍ، وكان أهلُ التقوى منهم يتعبَّدون لله فيه. وإنما أخبرهم اللهُ بأنَّ هذا المسجِدَ المعظَّمَ سيتدنَّسُ من أعدائكم بسببِ فَسادِكم.
وأمرُ سُكنى بني إسرائيلَ في الأرضِ المُقَدَّسةِ، وتجديد بنائه في زمنِ سليمان، وبقائه تحتَ سُلطانهم: أمرٌ أشهَرُ من أن يُدلَّلَ عليه.
القرينةُ الثَّانيةُ: قَولُ أبي زهرة: «إنَّه لا يمكِنُ أن يكونَ المخاطَبون اليهودَ؛ لأنهم ما ساءت وجوهُهم بدخولِ المسجدِ، بل ساء وجوهُ غَيرِهم»(42)!
وأجيب عنه: بعدمِ التسليمِ؛ فوجوهُ اليهودِ سِيئَتْ أعظَمَ المَساءةِ بطَردِهم من الأرض المُقَدَّسةِ في زمنِ الرومان، بل وقبل ذلك في زمنِ البابليين، وقَبلَه في زمنِ جالوتَ، وإذا كانوا قد شكَوا لنبيِّهم بأنهم أُخرِجوا من ديارهم وأبنائِهم زَمَنَ جالوتَ -وفي ذلك أعظمُ المساءةِ- فإنَّ ما حصل لهم بعدَ ذلك في زمنِ البابليين ثمَّ الرومان أدهى وأمرُّ وأعظمُ مساءةً.
القرينةُ الثالثةُ: قولُ أبي زهرة: «قولُه تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} لا يمكنُ أن يكونَ لليهودِ، إنما يكونُ للمسلمين؛ لينشَطوا من عقالٍ، وليرتفعوا بعد عزَّةٍ، وليُذهبوا المذَلَّةَ»(43).
وأجيب عنه من وجهين:
الأوَّلُ: الخطابُ في الآيةِ لبني إسرائيلَ، وهم المتحدَّثُ عنهم؛ قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ} ولم يجرِ ذِكرٌ قَطُّ لأمةِ محمَّدٍ. والقاعدةُ التَّفسيريَّةُ في بابِ الضَّمائرِ تقولُ: الواجبُ إعادةُ الضميرِ للمتحدَّثِ عنه(44).
الثَّاني: أنَّ بني إسرائيلَ قد خوطبوا بنظير هذا الخطابِ الذي يؤمِّلُهم بهلاكِ العدوِّ، والاستخلافِ في الأرضِ؛ قال تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]. ولا شَكَّ أنَّ هذا مَظهَرٌ بارزٌ من مظاهرِ الرحمةِ الإلهيَّةِ، ثمَّ إنَّ ترجيةَ الرحمةِ قد جاء بها عامَّةُ الأنبياءِ لأممِهم، فليس بنو إسرائيلَ مُستثنَين من ذلك. قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]، وقد وصف اللهُ كتابَه التوراةَ بالرحمةِ، فقال: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} [الأحقاف: 12]، واللهُ تعالى خاطبهم بذلك حثًّا لهم على سلوكِ الطريقِ المستقيمِ.
القرينةُ الرابعةُ: يقولُ الشَّيخُ أيضًا: «{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} الخطابُ أيضًا للمؤمنين، أي: وإن عدتُم بالإيمانِ والصبرِ وإخلاصِ النيَّةِ والجهادِ لاستنقاذِ الأرضِ الطَّاهرةِ، عُدْنا إليكم بالنصرِ والتأييدِ، واللهُ معكم ولن يَتِرَكُمْ أعمالَكم»(45).
وأجيب عنه بما يلي:
الأوَّلُ: أنَّ تفسيرَ الآيةِ بما ذكره الشيخُ خَطَأٌ؛ فإنَّ هذا التركيبَ القرآنيَّ إنما يَرِدُ للتهديدِ، كما في قولِ اللهِ تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا} [الأنفال: 19]، وقَولِه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}؛ فظاهِرٌ من الآيتينِ أنَّ عودَ المُشرِكين لمحاربةِ اللهِ ورَسولِه يترتبُ عليه عَودُ اللهِ عليهم بالعُقوبةِ، فكذلك آيةُ الإسراءِ.
الثَّاني: أنَّ العودةَ للإيمانِ والصَّبرِ والإخلاصِ مُستفادةٌ من الجملةِ السَّابقةِ، وهي قَولُه تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}؛ ذلك أنَّ رحمةَ اللهِ لبني إسرائيلَ ولغيرِهم مشروطةٌ بالتقوى والإيمانِ؛ قال تعالى لبني إسرائيلَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156]، فلو كانت جملةُ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} يُرادُ بها العودةُ للإيمانِ والتقوى لكانت تكرارًا لجملةِ {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}، والمقرَّرُ في قواعِدِ التفسيرِ: أنَّ التَّكرارَ خلِافُ الأصلِ، وأنَّ التأسيسَ مُقدَّمٌ على التأكيدِ(46).
وممَّا يدلُّ على ضَعفِ قَولِ أبي زهرة: أنَّه يترتبُ عليه تشتيتٌ شديدٌ لمرجعِ الضَّمائرِ. ووَجهُ ذلك: أنَّه تارةً يعيدُ الضميرَ إلى العبادِ المبعوثين من البابليين ونحوِهم، وتارةً إلى بني إسرائيلَ، ويصيرون هم المبعوثين، وتارةً يعيدُ الضميرَ إليهم لكن يصيرون مبعوثًا عليهم، وتارةً يعيدُ الضَّميرَ إلى أمَّةِ محمَّدٍ، على أساسِ أنَّهم من تُعادُ لهم الكَرَّةُ!
والمقرَّرُ في قواعِدِ التفسيرِ: أنَّ توحيدَ مَرجِعِ الضمائرِ في السياقِ الواحِدِ أَولى من تفريقِها(47). فكان المتعيَّنُ جَعلَ العبادِ المبعوثين جنسًا واحدًا، وجَعْلَ المبعوثِ عليهم جنسًا واحدًا هم بنو إسرائيلَ؛ لئلَّا يصيَر النَّظمُ ركيكًا مفكَّكًا، وهو ما يُنزَّه عنه القرآنُ الكريمُ.
الاتجاهُ الثَّالثُ: كِلتا المرَّتين تكونان في الإسلامِ، وأنَّ الخطابَ لبني إسرائيلَ
يرى أصحابُ هذا الاتجاهِ أنَّ كلتا المرتين تكونان في الإسلامِ، وأنَّ الخطابَ لبني إسرائيلَ، وفيه البشارةُ لهذه الأمَّةِ بالنَّصرِ على اليهودِ، ثمَّ انقسم أصحابُ هذا الاتجاهِ إلى قِسمين:
القِسمُ الأوَّلُ: من يرى أنَّ المرَّةَ الأولى قد حصلت في زمن النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، والثَّانيةُ ما نعيشُه الآن
وتفصيلُ قَولِهم على النَّحوِ التَّالي:
يرى هؤلاء أنَّ ما جرى للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع قبائِلِ اليهودِ في المدينةِ من صراعٍ انتهى بقتلِ بعضِهم وطردِ بعضِهم: هو ما ذكره اللهُ تعالى في المرَّةِ الأولى؛ فهم العبادُ ذوو البأسِ الشديد، وأما الثَّانيةُ فهي ما نعيشه الآن من صراعٍ مع اليهودِ على أرضِ فِلَسطين، وسينتهي أيضًا بالانتصارِ عليهم. وهذا رأيُ الشَّعراويِّ(48)، وفضل حسن عباس(49)، وصلاح الخالدي(50).
استدل هؤلاء بمجموعةٍ من القرائِنِ المستفادةِ من النَّصِّ، وهي:
القرينةُ الأولى: أنَّ {إذا} في قَولِه تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ} ظرفٌ لِما يُستقبَلُ من الزمانِ، كما تقول: إذا جئتَني أكرمتُك. وعليه فيكونُ مِصداقُ الآيةِ إنما يتحقَّقُ بعدَ نُزولِ الآية لا قَبلَه(51).
وأجيبَ عنه من وجهين:
الأوَّلُ: أنَّ هذا الأمرَ مُستقبَلٌ بالنسبةِ للقضاءِ، وبالنسبةِ لِما أُخبر به اليهودُ في التوراةِ ومن قِبَل أنبيائهم، وليس بالنسبةِ للآية؛ فاليهودُ أُخبروا في التوراةِ بأنَّه سيقع منكم إفسادٌ وستحُلُّ بكم عقوباتٌ، وفي الوقتِ الذي أُخبروا به بذلك لم تنزِلْ عقوباتٌ، وإنما هو أمرٌ مُستقبليٌّ؛ فلذا استعمل كلمة إذا. وليس المرادُ بالنصِّ القرآنيِّ أنَّه ستَحُلُّ عليكم العقوباتُ بعد نزول هذه الآية.
الثَّاني: أنَّ الظَّرفَ «إذا» قد يأتي بعدَه ما يكونُ في الماضي حقيقةً، لا ينصَرِفُ إلى المستقبَلِ معنًى، وهو موجودٌ في القرآنِ الكريمِ؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس: 90]، وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93]، فيمكِنُ أن تُحمَلَ آيةُ الإسراءِ على هذه النظائِرِ، فلا يتعيَّنُ أن يكونَ ما بعدَ إذا دالًّا على الاستقبالِ، بل يبقى الفِعلُ على الماضي حقيقةً.
القرينةُ الثَّانيةُ: أنَّ الآيةَ الكريمةَ استعملت البعثَ، وهي تدُلُّ على الخيرِ والرحمةِ، وهو ما يناسِبُ حالَ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسلامُ لا حالَ البابليين والرومان(52)، وكلمةُ {بعثنا} في القرآنِ حيث وردت إنما تكونُ في سياقِ المدحِ والثَّناءِ، والمبعوثون يكونون رسلًا وأنبياءَ؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ المبعوثين في آيةِ الإسراءِ ليسوا كفَّارًا(53).
وأجيبَ عنه: بأنَّ البعثَ في القرآنِ الكريمِ على نوعين:
النوعُ الأولُ: البعثُ الكونيُّ القَدَريُّ، وهو متعلِّقٌ بالربوبيةِ، ولا يلزمُ فيه محبةٌ ولا رضا. ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام:60].
النوعُ الثَّاني: البعثُ الشَّرعيُّ، وهو متعَلِّقٌ بالألوهيةِ، ويلزَمُ منه المحبة والرضا(54)، كما في قولِه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ} [يونس: 74]، والذي في سورةِ الإسراءِ هو من الكونيِّ لا الشَّرعيِّ؛ فالشَّرعيُّ يقترنُ معه صريحُ النبوَّةِ أو الرسالةِ ونحوهما، ثمَّ إن الذي في الإسراء مقترنٌ بالتدميرِ والقتلِ المستفادِ من الجَوسِ والتتبيرِ، فكان الأَولى به الكونيُّ لا الشَّرعيُّ، يضافُ إلى ذلك مشابهةُ البعثِ هنا ببعثِ العذابِ المذكورِ في قَولِه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 176].
قولُهم: إنَّ كَلِمةَ {بعثنا} تكونُ في سياقِ المدحِ، غَلَطٌ؛ فقد تكونُ لغيرِ ذلك. قال تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52].
وهم إنما بُعِثوا ليُعذَّبوا، وما جاء في سياقِ مَدحٍ ولا ثناءٍ، وإنما سياق الربوبيَّةِ وإنفاذِ الحُكمِ.
القرينةُ الثالثةُ: أنَّ كَلِمةَ عباد لا تُطلَقُ إلا على المؤمنين، وما جاء من إطلاقِها على الكُفَّارِ فهو في حالِ الآخرةِ فقط(55).
أجيبَ عنه: بعدمِ التَّسليمِ، بل قد ذُكِر في القرآنِ العبادُ مُرادًا بها المؤمنون والكُفَّارُ في حالِ الدنيا؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194]، وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18].
القرينةُ الرابعةُ: أنَّه استعمل كلمة «لنا» في السياقِ القرآنيِّ، وهي تدُلُّ على مزيدِ التكريمِ الربانيِّ والتشريفِ، وهو ما يناسِبُ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والصَّحابةَ، ولا يناسِبُ أقوامًا كفَّارًا(56).
وأجيبَ عنه: بعدَمِ التسليمِ؛ فالظاهِرُ أنَّ المرادَ بذلك: أن هؤلاء العبادَ مملوكون لنا، يتصرَّفون وَفقَ إرادتنا الكونيَّةِ، فهو نظيرُ قَولِه تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى} [الليل: 13]. فالمرادُ: أنَّها لنا ملكًا وتصرُّفًا(57)، فلا يلزمُ وجودُ تشريفٍ ولا تكريمٍ، ولو أراد التكريمَ أو التشريفَ لوَصَف العبادَ بالصلاحِ أو الإيمانِ ونحوِ ذلك، كما في قولِه تعالى: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠]، وقولِه تعالى: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
القرينةُ الخامسةُ: أنَّ كَلِمةَ «جاسوا» تنطَبِقُ على احتلالِ الصَّحابةِ لديارِ اليهودِ وتدميرِها، وإزالةِ كُلِّ مظاهرِ الفَسادِ اليهوديِّ في بلادِ الحِجازِ(58).
وأجيبَ عنه: بعَدَمِ التسليمِ، بل هذه اللَّفظةُ أقرَبُ لأن تكونَ دليلًا على بطلانِ هذا الاتجاهِ؛ لأنَّ «جاسوا» تدلُّ على الإفسادِ، وتتبُّعِ الناسِ لقَتلِهم، وهذا بعيدٌ كلَّ البعدِ عن هديِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام والصحابةِ في معاركِهم بعامَّةٍ، وفي قتالهم لليهودِ بخاصَّةٍ؛ فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لم يقتُلْ بني قَينُقاع وبني النضير بل أجلاهم، وأقرَّ يهودَ خَيبَرَ على أرضهم مقابِلَ خراجٍ، ولم يعيثوا فيها فسادًا، وإنما قتل النبيُّ عليه الصلاة والسلام رجالَ قريظةَ، ولم يقتُلِ النساءَ والصِّبيانَ، ولم يتتبَّعِ اليهودَ في دورِهم لقتلِهم، وإنما كان هذا من صنيعِ البابليين والرومان.
القرينةُ السادسةُ: أنَّ اللهَ تعالى خاطب اليهودَ في الكَرَّةِ الثَّانيةِ، فقال: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}، وهذا ينطبِقُ أحسَنَ الانطباقِ على اليهودِ اليومَ؛ فالأموالُ تتدفَّقُ عليهم من أقطارِ الأرضِ، وعلى ما أرادوا من صَعبِه أو سَهلِه، وبنين مهاجرين من شتى الأقطار، ينتجون بحماسِهم وصلاحيتِهم لبناءِ دَولتِهم {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}، ولم يكنِ اليهودُ في يومٍ ما أكثر نفيرًا وناصرًا منهم اليومَ، ولم يتمتَّعِ اليهودُ في تاريخهم ولا أمَّةٌ في الأرضِ غيرُهم بمثلِ ما يتمتَّعون به من كثرةِ الناصرين لهم، النافرين لنجدتهم(59).
وأجيبَ عنه بما يلي:
- أنَّ ما حصل لبني إسرائيلَ في زمنِ داوود وسليمانَ أعظمُ ممَّا هم عليه الآن، ويكفي وصفُه تعالى بقولِه: {وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، فحَمْلُه على ما حصل في ذلك الزمانِ أَولى.
- أنَّ ظاهِرَ الآيةِ أنهم أكثرُ عددًا من عدوِّهم، والواقعُ الآن أنَّهم أقلُّ من المسلمين، ثمَّ إنَّ ظاهِرَ الآيةِ أنَّ عَدَدَهم ناتجٌ عن التوالُدِ، فصَرفُ المعنى إلى هجراتِ اليهودِ من أصقاعِ الأرضِ صَرفٌ للَّفظ عن ظاهرِه بلا مسوِّغٍ، وهو ممنوعٌ على ما تقرر في قواعِدِ التفسيرِ(60).
- أنَّ النفيرَ: القومُ يجتمعون لمحاربةِ عدوِّهم؛ فتأويلُ ذلك إلى من يناصرهم خلافُ حقيقةِ مدلولِ اللفظِ(61).
وبعدُ، فإذا كانت هذه هي القرائنَ التي اعتمدها أصحابُ هذا القِسمِ -وهي كما ترى- فثمَّةُ قرائنُ في السياقِ تدُلُّ على إبطالِ قَولِهم، وهي على النَّحوِ التالي:
- أنه بناءً على تفسيرهم فإنَّ المرادَ بالأرضِ: المدينةُ النبويةُ، وهذا التفسيرُ خطأٌ، مخالِفٌ لقولِ المُفَسِّرين قاطبةً؛ فقولهم مخالفٌ للإجماعِ، ومخالِفٌ لنظائرِ هذه الآيةِ الكريمةِ في مفردةِ الأرضِ.
- أنَّ قَولَه تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} امتنانٌ من الله لهم بذلك لمَّا تابوا من الإفسادِ والطغيانِ(62)؛ ولهذا جاء التعقيبُ القرآنيُّ بأنَّ جزاءَ إحسانِكم عائدٌ إليكم، أمَّا انتصارُ اليهودِ على المسلمين في العصرِ الحاضرِ فلم يكن ناتجًا عن إيمانٍ ولا توبةٍ؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن انتصارٍ تاريخيٍّ لهم لمَّا كانوا مفضَّلين على الأمَمِ، فلا يناسِبُ تنزيل الآيةِ على انتصارٍ حادثٍ، وهم في أعلى درجاتِ الكُفرِ والضَّلالِ.
- أنَّ فسادَ اليهودِ في المدينةِ النبويَّةِ عظيمٌ، لكِنَّه أقلُّ بكثيرٍ من فسادِهم بعد زمَنِ سُليمانَ عليه السَّلامُ؛ إذ بلغ آنذاك حَد نَصبِ الأوثانِ وعبادتِها من دونِ اللهِ، وقَتلِ خَلقٍ من الأنبياءِ، وقد وُصف ذلك في كتُبِهم المُقَدَّسةِ(63)؛ فتنزيلُ الآياتِ على أعظَمِ الفسادينِ أَولى.
- أنَّه لم يحصُلْ لليهودِ عُلوٌّ يُذكَرُ في المدينةِ، بل كانوا مضطرَّين للتحالُفِ مع الأوسِ والخزرجِ، ولربما قتل اليهوديُّ ابنَ عمِّه لكونه مع الحِلفِ الآخَرِ، كما ذكر اللهُ تعالى ذلك في كتابِه، فأيُّ خزيٍ هذا؛ أن يَقتُل قريبَه نُصرةً لوثنيٍّ؟! وما أبعَدَ هذا عن العُلوِّ!
- أنَّ القتلَ والتدميرَ الذي حصل لبني إسرائيلَ في الأرضِ المُقَدَّسةِ، واستباحةَ المسجِدِ الأقصى: أشَدُّ فظاعةً ممَّا حصَل لهم في المدينةِ، بل لا وَجهَ مقارنةٍ بينهما؛ فقد بلغ قتلاهم -في قتلِ الرومان لهم فقط- مليونَ قَتيلٍ! وهم إنما يذكرون في كُتُبِهم وصلواتهم نكبتَهم مع البابليين والرومان، وقلَّ أن يذكروا ما حصل لهم في زمنِ النبوَّةِ(64)؛ لأنَّ تلك أشدُّ وأنكى؛ فكان الأَولى حملَ العقوبةِ في الآيةِ على ما هو أشَدُّ لا ما هو أخَفُّ.
وأخيرًا؛ فإنَّه من المحالِ أن تتحدَّثَ الآيةُ عن أمرٍ متعَلِّقٍ بسيرةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، ثمَّ لا يأتي شاهِدٌ له من السُّنَّةِ، ولا من كلامِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، مع أنهم أعلمُ النَّاسِ بمرادِ اللهِ تعالى، وهم من عاصروا التنزيلَ، وأعلَمُ الناسِ بتنزُّلاتِه ومقاصدِه.
القِسمُ الثَّاني: من يرى أنَّ كلتا المرتينِ هما ما نعيشُه الآن
وتفصيلُ قولهم على النحوِ التالي:
يرى هؤلاء أنَّ هذا الذي حَدَّثَنا عنه القرآنُ ليس له وجودٌ إلا في عصرِنا، وهما إفسادانِ متعاقبانِ متواليانِ، مضى بعضٌ منهما في السنواتِ الماضيةِ، ولا يزال بعضٌ آخَرُ منهما لم يقَعْ. وهو رأيُ عُمر الأشقر(65).
ويرى أنَّ المرادَ بالجَوسِ: العَمَليَّاتُ الاستشهاديَّةُ ونحوُها من العمليَّاتِ الموجِعةِ التي يقومُ بها المجاهِدون ضِدَّ اليهودِ هذه الأيامَ. وأن الكَرَّةَ: هي بناءُ اليهودِ للجِدارِ العازِلِ، أمَّا المرَّةُ الثَّانيةُ (وعد الآخرة) المذكورُ في القرآنِ، والذي فيه تُساءُ وجوهُ اليهودِ، فهو: جيشٌ قادمٌ من المسلمين لا يخضَعُ لِما يُعرفُ بالقوى العظمى، ولا مجلِسِ الأمنِ، يفتحون المسجِدَ الأقصى، ويدمِّرون العلوَّ اليهوديَّ(66).
وقد استند الأشقرُ لمجموعةٍ من القرائنِ:
القرينةُ الأولى: أنَّ احتلالَ اليهودِ لفِلَسطين حدثٌ غيرُ اعتياديٍّ، ومن المستبعَدِ أن لا تأتيَ الإشارةُ إليه في الكتابِ أو السُّنَّةِ، وحيث لم يوجَدْ في السُّنَّةِ إشارةٌ لذلك فالصوابُ أنه موجودٌ في القرآنِ في هذه الآياتِ من سورةِ الإسراءِ، لا سيما وأنَّه لم يحصُلْ في التاريخِ أنَّ اليهودَ علَوا علوًّا كبيرًا ثمَّ بعث اللهُ عليهم عبادًا، ثم ردَّ الكَرَّةَ لليهودِ؛ فيتعيَّنُ أن يكونَ المرادُ ما يحصُلُ الآن!
ويُجابُ عنه بما يلي:
- أنَّه لا يلزمُ أنَّ كُلَّ حَدَثٍ عظيمٍ مرَّ بالمسلمين أن يكونَ له ذِكرٌ في القرآنِ أو السُّنَّةِ، وما قال بذلك أحدٌ من أهلِ العِلمِ.
- أنَّ العُلُوَّ اليهوديَّ المنصَرِمَ ثابتٌ في القرآنِ الكريمِ في آياتٍ متعددةٍ، ومن ذلك قولُه تعالى: {وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، وقولُه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20]، والآياتُ والأخبارُ في سَعةِ مُلكِ سُليمان عليه السلامُ أشهَرُ من أن تُذكَرَ، وهو أمرٌ ثابتٌ في التاريخِ عندَ المسلمين وعندَ غَيرِهم.
- أنَّه إذا قيل: إنَّ العقوبةَ الأولى قد حصلت بغزوِ جالوتَ، فإنَّ الكَرَّةَ لليهودِ قد حصلت مع طالوتَ وداوودَ عليه السَّلامُ، وهو أمرٌ ثابتٌ في القرآنِ لا يحلُّ إنكارُه، وإن قيل: إنَّها في غزو بُختنَصَّر وأتباعِه لهم، فقد باد ملكُهم إلى الأبَدِ، وعاد بنو إسرائيلَ إلى بيتِ المقدِسِ، وصاروا ممتنعين بما لهم من المالِ والوَلَدِ عن أعدائِهم إلى حينٍ.
القرينةُ الثَّانيةُ: يقولُ الأشقرُ: «إنَّ الجَوسَ يعني: أن العبادَ أولي البأسِ الشديدِ يدخلون ديارَ اليهود، ويتوسَّطون فيها... وليس معناه احتلالَها، وإخراجَ اليهودِ منها»(67)! ويرى أنَّ هذا حصل بالعمليَّات الجهاديَّةِ.
وأجيب عنه بأنَّ معنى الجَوسِ لا ينطَبِقُ أبدًا على العمليَّاتِ الجهاديَّةِ؛ فالجَوسُ يكونُ من قومٍ صارت لهم الغَلَبةُ؛ فلذا يذهبون ويرجعون في وسَطِ الديار، يتتبَّعون النَّاسَ لقَتلِهم، لا يخشون عدوَّهم، فأين هذا من العملياتِ الجهاديةِ؟! ثم واضحٌ من النَّصِّ القرآنيِّ أنَّ هؤلاء العبادَ قد صارت لهم الغَلَبةُ على بني إسرائيلَ؛ ولذا بيَّن تعالى أنَّ الكَرَّةَ لاحقًا ستكونُ لبني إسرائيلَ، أمَّا العمليَّاتُ الجِهاديَّةُ فلا يُقالُ معها: إنَّ التمكُّنَ والفتحَ قد صارا للمجاهِدين، بل ما تزالُ الدولةُ لبني إسرائيلَ.
القرينةُ الثالثةُ: أنَّ القرآنَ نَسَب الإفسادَ لبني إسرائيلَ، واليهودُ سمَّوا دولتهم بإسرائيلَ ولم يسمُّوها باليهودِ، فيتطابق النَّصُّ القرآنيُّ مع الاسمِ الذي سمَّى به اليهودُ دولتَهم(68).
وأجيبَ عنه بما يلي:
- أنَّه في القرآنِ كُلِّه لم ينادِ اللهُ اليهودَ إلا ببني إسرائيلَ، فجرت الآيةُ الكريمةُ على معهودِ القرآنِ في خطابِ اللهِ لهم.
- على التسليمِ، إلَّا أنَّه لا تطابُقَ؛ فاليهودُ سمَّوا دولتَهم بإسرائيلَ، أمَّا الآيةُ الكريمةُ فخاطبتهم ببني إسرائيلَ.
- أنَّهم وإن سمَّوها بإسرائيلَ فإنهم جعلوها في قانونهم دولةً لليهودِ بهذا الاسمِ، فلم يحصُلِ التطابقُ المزعومُ.
وبعدُ، فإذا كانت هذه هي القرائِنَ التي اعتمدها الدكتور الأشقر -وقد أجيب عنها- فثمَّةَ قرائنُ في السياقِ تدُلُّ على إبطالِ قَولِه، وهي على النَّحوِ التالي:
- أنَّ اللهَ تعالى عطف بين المرَّتين بالحرفِ «ثمَّ»، وهو دالٌّ على التراخي؛ ممَّا يدُلُّ على فاصلٍ زمنيٍّ بين الوعدينِ، أمَّا تفسيرُ الأشقَرِ فيَجعَلُ المرتين متصلتين؛ ممَّا يدُلُّ على ضَعفِه؛ لمخالفته ظاهِرَ القرآنِ.
- أنَّ جعْلَ جِدارِ الفَصلِ العنصريِّ هو الكَرَّةَ أو جزءًا منها: غَلَطٌ ظاهِرٌ؛ لأنَّ الكَرَّةَ هي الغَلَبةُ وعودةُ الظَّفَرِ؛ ممَّا يعني أنَّهم قبلَ ذلك كانوا مغلوبين، أمَّا واقعُ الحالِ فأنَّ الغلبةَ لليهودِ قَبلَ وبعدَ بناءِ الجدارِ، ثمَّ إنَّ إطلاقَ الكَرَّةِ على الجدارِ أمرٌ لا تُساعِدُ عليه اللغةُ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ!
- أنَّه واضحٌ من سياقِ الآياتِ أنَّ العبادَ في المرَّةِ الأولى سيدخلون المسجِدَ الأقصى، ولم يكونوا دخلوه قبلَ ذلك، أمَّا الجَوسُ -على تفسيرِ الأشقر- فلا صِلةَ له بدخولِ المسجِدِ الأقصى، إنَّما هي عمليَّاتٌ قِتاليَّةٌ مُوجِعةٌ. ثمَّ ما يزالُ المسلِمون في الأرضِ المُقَدَّسةِ يُصَلُّون في المسجِدِ الأقصى لم يخرجوا عنه أصلًا ليدخلوا إليه، أما الآياتُ -في ظاهِرِها- فتدُلُّ على أنَّ العِبادَ المبعوثين لم يكونوا فيه ثمَّ استولَوا عليه؛ فلا تطابُقَ بينَ سياقِ الآياتِ وما ذكره صاحِبُ هذا التفسيرِ.
الترجيحُ:
بعدَ استعراضِ الاتجاهاتِ بأقسامِها تجاهَ هذه الآياتِ يتبيَّنُ أنَّ القولَ الحَقَّ هو ما ذهب إليه أصحابُ الاتجاهِ الأوَّلِ؛ وهو: أنَّ هاتينِ المرَّتين المذكورتينِ في الآيةِ قد وقعتا قبلَ الإسلامِ؛ لِما يلي:
- أنَّ قَولَهم مدلولٌ عليه في ظاهِرِ القرآنِ، متَّسِقٌ مع الرواياتِ التاريخيةِ للمُسلمين وغيرِهم.
- أنَّه أمكن الإجابةُ عن جميعِ الاعتراضاتِ على هذا القولِ.
- أنَّ قولَهم مَحلُّ إجماعٍ بين المسلمين لقرونٍ، وهذه الأمَّةُ لا تجتمعُ على ضلالةٍ، وإذا كان مقرَّرًا في قواعدِ التفسيرِ أنَّه لا يحِلُّ إحداثُ قَولٍ ثالثٍ إذا كان السَّلَفُ اختلفوا على قولينِ(69)، فمِن بابِ أَولى حرمةُ ذلك إذا كانوا لم يختلفوا أصلًا.
- أنَّه لم ينهَضْ للاتجاهاتِ الأخرى قرينةٌ أو دليلٌ سالمٌ من المعارَضةِ.
-----------------------------------
(1) أصلُ هذا المقال بحثٌ محكمٌ نُشر في إحدى المجلات وهو مرفق.
(2) أستاذ التفسير المشارك في قسم الدراسات القرآنية بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل.
(3) يرجع إلى الأصل لمواضع الأقوال.
(4) ينظر: النكت والعيون، الماوردي، 3/230-231؛ حدائق الروح والريحان، محمد الهرري. دار طوق النجاة: بيروت. ط1، 1421ه. 16/27.
(5) ينظر: مفاتيح الغيب، الرازي، 20/300؛ غرائب القرآن، القمي، 4/327؛ روح المعاني، الألوسي، 8/21.
(6) ينظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، 3/561، مفاتيح الغيب، الرازي، 12/407، التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، 6/277-278، أضواء البيان، محمد الشنقيطي. دار عطاءات العلم: الرياض. ط5، 1441ه. 2/140.
(7) ينظر: جامع البيان، الطبري، 10/529-533، 14/406.
(8) العذب النمير، الشنقيطي، 4/291. وينظر: التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، 9/156-157.
(9) تأويلات أهل السنة، للماتريدي، 5/76.
(10) جامع البيان، الطبري، 2/442-443؛ تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، 1/210-211.
(11) ينظر: الجواب الصحيح، ابن تيمية، 5/94-95. بعض المفسرين قديمًا وحديثًا جعلوا المرة الأولى هي ما أشار الله إليه في سورة البقرة من قصة طالوت وجالوت. ولما كان هذا الدليل متعلقًا بماهية المبعوثين لم أطِلِ الكلام فيه، لكنه بشكل عام يؤيد كون المرة الأولى -على الأقل- كانت قبل الإسلام.
(12) جامع البيان، الطبري، 14/469.
(13) الجواب الصحيح، ابن تيمية، 6/337.
(14) المرجع السابق، 5/94.
(15) التفسير الحديث، دروزة محمد عزت. دار إحياء الكتب العربية: القاهرة. 1383ه. 3/360. ويُنظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير. تحقيق: عمر تدمري. دار الكتاب العربي: بيروت. ط1، 1417ه. 1/272؛ تاريخ الخميس، حسين الديار بكري. دار صادر: بيروت. 1/177؛ البحر المديد، أحمد الحسني الفاسي. تحقيق: أحمد رسلان. الناشر: د: حسن زكي: القاهرة. 3/183.
(16) التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب. دار الفكر العربي: القاهرة. 8/446.
(17) الأساس في التفسير، سعيد حوى. دار السلام: القاهرة. ط6، 1426ه. 6/3044.
(18) التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري. دار الغرب الإسلامي: بيروت. ط1، 1405ه. 3/420.
(19) مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم. دار القلم: دمشق. ط3، 1426ه. ص: 284.
(20) التيسير في أحاديث التفسير، المكي الناصري، 3/420-421. وينظر: التفسير القرآني، الخطيب، 8/457؛ الأساس في التفسير، سعيد حوى، 6/3044.
(21) الأساس في التفسير، سعيد حوى، 6/3044.
(22) دراسات في قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني، عبد الله الرومي. دار التدمرية: الرياض. ط1، 1431ه. 2/759.
(23) تفسير مقاتل بن سليمان 2/544؛ الكشف والبيان، الثعلبي، 16/501؛ معالم التنزيل، البغوي، 5/135. وينظر: التفسير المحرر 14/474.
(24) معالم التنزيل، البغوي، 5/135؛ الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي. تحقيق: أحمد البردوني. دار الكتب المصرية: القاهرة. ط2، 1384ه. 10/338.
(25) تأويلات أهل السنة، الماتريدي، 7/123.
(26) المحرر الوجيز، ابن عطية، 2/471.
(27) ينظر: البسيط، الواحدي، 13/501. وينظر أيضًا: مفاتيح الغيب، الرازي، 21/416.
(28) ينظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب. 8/449.
(29) ينظر: جامع البيان، الطبري، 14/479؛ الحجة للقراء السبعة، الحسن بن أحمد أبو علي الفارسي. تحقيق: بدر الدين قهوجي. دار المأمون: دمشق. ط2، 1413ه. 5/86؛ الدر المصون، السمين الحلبي 7/316؛ أضواء البيان، الشنقيطي، 3/484.
(30) ينظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، 8/450.
(31) مفاتيح الغيب، الرازي، 3/542.
(32) رواه النسائي في السنن 1/385 برقم 774. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 2090.
(33) التفسير القرآني للقرآن، 8/451.
(34) قواعد الترجيح عند المفسرين، حسين الحربي، 2/603.
(35) ينظر: التفسير القرآني، الخطيب، 8/452؛ الأساس في التفسير، سعيد حوى، 6/3038 – 3039.
(36) لتفسدن في الأرض مرتين، محمد علي دولة، دار القلم: دمشق. ط2. ص: 154.
(37) الثورة المكابية: ثورة يهودية تُنسب لقائدها يهوذا مكابي ضد اليونانيين لغرض الاستقلال، وقد حصل لهم ذلك بما يُعرف بالدولة الحشمونية عام 140 قبل الميلاد، لكنها سقطت بعد ذلك على يد القائد الروماني بومباي. المرجع السابق، ص: 180.
(38) ينظر: محاسن التأويل، القاسمي، 6/445. فقد لخص تاريخهم تلخيصًا حسنًا.
(39) ادعاء تحوُّل الكلام من بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتسمية ذلك التفاتًا: خطأ؛ لأن من شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدًا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه، وقد أوقعه في ذلك عدم مراعاة السياق، فلم يجرِ ذكر لأمة محمد في هذا السياق، إنما الحديث كله في بني إسرائيل. والمقرر في قواعد التفسير: أن القول المبني على مراعاة السياق أَولى ممَّا خالفه. ينظر: البرهان في علوم القرآن، بدر الدين الزركشي، 2/200؛ الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، 3/290، 293؛ البلاغة العربية لعبد الرحمن الميداني، 1/479؛ دراسات في قواعد الترجيح، عبد الله الرومي، 2/634.
(40) زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، 8/4337.
(41) زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، 8/4337.
(42) المرجع السابق، 8/4338.
(43) المرجع السابق.
(44) قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، 2/603.
(45) زهرة التفاسير، أبو زهرة، 8/ 4339.
(46) مفاتيح الغيب، الرازي، 14/276؛ قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، 2/473.
(47) قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، 2/613؛ دراسات في قواعد الترجيح، الرومي، 1/427.
(48) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي. مطابع أخبار اليوم: القاهرة. 1997م. 13/8352.
(49) التفسير والمفسرون، فضل حسن عباس. دار النفائس: الأردن. ط1، 1437ه. 3/118.
(50) الشخصية اليهودية، صلاح الخالدي. دار القلم: دمشق. ط1، 1407ه. ص: 333.
(51) ينظر: تفسير الشعراوي، 14/8353.
(52) تفسير الشعراوي، 14/8358.
(53) الشخصية اليهودية، صلاح الخالدي، ص: 338-339.
(54) الجواب الصحيح، ابن تيمية، 1/149.
(55) تفسير الشعراوي، 14/8353.
(56) الشخصية اليهودية، الخالدي، ص: 340.
(57) تفسير السعدي، ص: 926؛ التحرير والتنوير، ابن عاشور، 30/388-389.
(58) الشخصية اليهودية، الخالدي، ص: 340.
(59) ينظر: الجامع الصحيح للسيرة النبوية، سعد المرصفي، 4/ 1748؛ الشخصية اليهودية، صلاح الخالدي، 343-345.
(60) قواعد الترجيح، الحربي، 1/137.
(61) ينظر: لتفسدن في الأرض مرتين، محمد دولة، ص: 117.
(62) ينظر: جامع البيان، الطبري، 14/476؛ التفسير المحرر، 14/45.
(63) لتفسدن في الأرض مرتين، محمد دولة، ص: 32-35، 151، 266.
(64) الجامع الصحيح للسيرة النبوية، المرصفي، 4/1710.
(65) وليُتَبِّروا ما علوا تتبيرًا، عمر الأشقر، دار النفائس: عمان. ط2، 1442ه. ص: 163.
(66) المرجع السابق، ص: 165-167.
(67) المرجع السابق، ص: 165.
(68) المرجع السابق، ص: 168.
(69) قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، 1/280.