التعريف بموضوع الكتاب :
لا شك أن الناس في عبودية الله تعالى متفاوتون ؛ فألوهية الله تعالى في قلوبهم على درجات عظيمة تزيد و تنقص , كما قال تعالى : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} (فاطر:32), فدل ذلك على أن المسلمين ليسوا درجة واحدة ؛ بل ثلاث كما هو ظاهر الآية الكريمة:
-الظالم لنفسه: و هو الذي يظلم نفسه بارتكاب المعاصي و الآثام التي هي دون الكفر , وفوقه المقتصد , و فوقهما السابق بالخيرات.
والمؤلف يتحدث عن الظالم لنفسه لا غير , وهو أيضا لا يخلو من حالات ثلاث :
إما أن يفعل الكبائر مستترا بها , أو مجاهرا بها , أو أن يزيد على المجاهرة بها الدعوة إليها ؛ عياذا بالله . و الأخيران هما محل البحث في هذا الكتاب الذي سماه مؤلفه :
"أحكام المجاهرين بالكبائر" . و قد أدار المؤلف رؤوس رسالته على خمسة أبواب , وتحت كل باب فصول .
قبل هذه الأبواب بدأ المؤلف بمقدمة موجزة فيها توطئة للموضوع و تنبيه على ما كتب أهل العلم في هذا الباب و إيقاظ للقارئ بأن الطائفة المنصورة لم تزل ظاهرة قائمة بأمر ربها .
بعد ذلك بدأ المؤلف في الباب الأول و أودع فيه فصلين : الأول يتكلم عن علاقة البدعة بالمعصية و قرر فيه أن أحكام أهل الأهواء و البدع في الجملة مأخوذة من أحكام أهل الفسق , و الثاني يتكلم عن الفوارق بين المعاصي و البدع و ذكر فيه بإيجاز ثمان مفارقات و ثلاث موافقات.
و أما الباب الثاني ففيه عشرة فصول : تحدث في الأول عن تعريف المعصية و في الثاني عن تعريف الفسق , ثم أردفهما بفصل ثالث عن أقسام المعاصي و أنها تنقسم إلى كبائر و صغائر كما ذهب إليه جماهير السلف و الخلف . ثم ناسب أن يأتي بفصل يتكلم فيه عن تعريف الكبائر . وتحدث في الفصل الخامس عن متعلقات الذنوب من حيث تكفير الحسنات لها , و تعديها , و إباحتها للضرورات , و غلظها . و الفصل السادس عن تعريف الصغائر , و ذكر فيه خطر التهاون بها . وعرف بالمجاهرة بالذنوب , و إشاعتها في فصل مستقل . و فرق في الفصل الذي بعده بين المجاهرة بالمعاصي , والاستتار بها , و ذكر فيها خمسة عشر فرقا . و عقد الفصل التاسع للتحذير من الذنوب . و الأخير كان عن آثار ترك الذنوب في الحياة و بعد الممات .
و كان عنوان الباب الثالث مصادر الكبائر و هي ستة مصادر أشبه ما تكون بالقواعد , رأى المؤلف أن الكبائر جميعها تندرج تحتها و لا تخرج عنها .
أما الباب الرابع فيتكون من فصلين , سمى الفصل الأول جريدة الكبائر و ذكر فيها ما استطاع أن يحصيه من منظومة الكبائر التي اتفق أهل العلم على حرمتها . و الفصل الثاني عن آثار المعاصي ذكر فيها جملة من الآثار . و لم يطل في هذا الفصل كعادته في الفصول الثلاثة الأول , بخلاف الباب الخامس و الأخير فقد استغرق أكثر من نصف الكتاب لأنه هو المراد من تأليفه و الذي عنون له بــ :
أحكام أهل الكبائر في الحياة و بعد الممات , و فيه ستة و أربعون حكما , عرضها عرضا جيدا متميزا , حيث أنه يدعم الحكم الواحد منها بالأدلة من الكتاب و السنة و أقوال السلف و أهل العلم المعتبرين و بعض التعليقات التي توضح كلامهم . و حث في آخر الباب الخامس على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كالعلاج بعد تشخيص هذا الداء العضال , جعله على شكل مسائل و ضوابط وتنبيهات , و هي من الأهمية بمكان خاصة أن بعضها فهم على غير وجهه الشرعي , لاسيما عند بعض طلبة العلم ! و لما فيها أيضا من أمور تحتاج بيانا شافيا لانتشارها في أوساط مجتمعاتنا.
بعد ذلك ختم بخاتمة مختصرة , أردفها بسرد قائمة أحكام المجاهرين بالكبائر التي ذكرها في الباب الخامس مجردة من الدليل و التعليل , و التخصيص و التقييد , تقريبا للأحكام , و تنبيها للأنام , و تبصرة لأهل الإسلام , فجزى الله المؤلف خيرا على ما قدم في هذا السفر , و نفع الله به الإسلام والمسلمين .