التعريف بموضوع الكتاب:
من أعلام العلماء المطلعين على اختلاف الفقهاء وإجماعهم، العارفين بمذاهبهم وأقوالهم- الإمام ابن المنذر، وهذا أمر لا ينازع فيه أحد، فهذا الإمام النووي يقول عنه: وقد عَلِمَ كلُّ منصف ممن له أدنى عناية: أن ابن المنذر إمام هذا الفن، أعني: نَقل مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وأنّ معول الطوائف في نقل المذاهب عليه. وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: عليه اعتماد أكثر المتأخرين في نقل الإجماع والخلاف.
ولما كان ابن المنذر بهذه المكانة اهتم العلماء بكتبه، خاصة ما يتعلق منها بذكر اختلاف الفقهاء ومذاهبهم، وله في هذا الفن العديد من المؤلفات ومنها كتابه (الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف) الذي اختصره من كتاب له كبير يقال: إنه كتاب (المبسوط).
وقد تميز كتاب (الأوسط) بمزايا منها أنه يعد موسوعة فقيهة حديثية خاصة فيما يتعلق بمذاهب العلماء ومواطن اتفاقهم واختلافهم، وقد رتب كتابه على الأبواب الفقهية ويصدر الترجمة بذكر المسائل المجمع عليها والمسائل المختلف فيها والتي تندرج تحت الباب فيذكر مذاهب الصحابة والتابعين ومن دونهم ومنهم الأئمة الأربعة مع ذكر الأحاديث والآثار التي يستدل بها كل فريق.
ومما يميز كتاب الأوسط أنه يوثق ما ينقله عن العلماء إما بإسناد إليهم يرويه أو نقل من كتبهم أو بواسطة تلامذتهم إلى غير ذلك.
ويتميز ابن المنذر في كتابه الأوسط بأنه لا يميل إلى عالم دون عالم ولا يتعصب لمذهب دون مذهب وإنما يرجح ما يرى أنه موافق للدليل الصحيح فيقول به ويدور معه .
كذلك يتميز بسعة روايته فقد انفرد بإخراج آثار ربما لا تجدها عند غيره، ليس ذلك فقط بل يتكلم على الأحاديث والآثار صحة وضعفا وعلى الرجال جرحا وتعديلا .
وقد نقل في كتابه من مصنفات لم تصل إلينا، إلى غير ذلك من مزايا هذا الكتاب .
وكان الكتاب قد طبع بدار طيبة بتحقيق الدكتور صغير أحمد بن محمد حنيف - الذي حصل على رسالة الماجستير بتحقيق كتاب الحدود منه، وحصل على الدكتوراه بتحقيق كتاب القصاص منه - طبع الكتاب بتحقيقه في ستة مجلدات من الجزء الأول إلى الخامس ثم المجلد الحادي عشر ونقص منه كتاب الزكاة والصيام والاعتكاف والحج والضحايا والذبائح وعدة أبواب من كتاب الجهاد، وكان قد أعلن أن الكتاب سيصدر في عشرين مجلدا لكنه توقف عند القدر المطبوع المذكور آنفا.
ثم قام مجموعة من المحققين بدار الفلاح بتحقيق الكتاب مستدركين ما وقع في طبعة دار طيبة من أخطاء وتصحيفات ومستكملين ما لم يطبع من الكتاب وبلغ قدر ما زادوه قرابة سبع مجلدات ونصف ابتداء من النصف الثاني من المجلد السادس إلى الربع الأول من المجلد الرابع عشر وباقيه مع المجلد الخامس عشر كان للفهارس العلمية ، ومع ذلك لا تزال هناك فجوة في الكتابين فجزء من الكتاب ناقص وهو الذي يتضمن كتاب الزكاة والصيام والاعتكاف والحج والضحايا والذبائح وبعض أبواب الجهاد، وذلك في الطبعتين.
ولكن قد أحسن القائمون على كتاب الأوسط طبعة دار الفلاح بالمسارعة في إخراج الأجزاء الموجودة من نسخ الكتاب الخطية، حتى يستفيد منه المسلمون، مع ما قاموا به من خدمة للكتاب بتحقيق نصوصه والتعليق عليه فجزاهم الله خيرا.