أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (2/2)
المقال الثاني: مقاصد هم، ومقاصد القرآن الكريم
الشيخ الدكتور هيثم بن جواد الحداد
[email protected]
25 رجب 1431
فيما يلي عرض للمقصدين الأولين بحسب الاستقراء الكلي لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة:
أما المقصد الأول: وهو ما أراده الله لذاته العلية، بأن يعبد وحده لا شريك له، فيعظم، ويرهب من جانب، ويحب ويطلب من جانب آخر، وأدلته في القرآن الكريم أكثر من تحصى، لكني سأقتصر منها على يفيد العلية والسبب، أو الغاية والحكمة.
فمن أهم آيات القرآن الكريم {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، و {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وهذه الآيات وما في معناها تفيد الحصر، مما يقطع القول بأن هذا المقصد هو أعظم المقاصد وأهمها.
ومن أساليب القرآن الدالة على هذا المقصد، ما ورد في عدد من النصوص التي تفيد أنّ الله أراد من خلقه للخلق وشرعه للشرائع، وإرساله للرسل، وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن تظهر وحدانيته بالإلهية، والربوبية، ويظهر أمره فوق كل أمر، وسلطانه فوق سلطان، قال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
وفي معناها آيتان أخريان، ومن أمثلة أدله هذا النوع من الأساليب أمر الله بالقتال من أجل أن يظهر دينه على الدين كله، قال الله تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].
فالله جل وعلا أمر بالقتال في سبيل الله، وهو من أجلّ ما أمرت به الشريعة بعد التوحيد، وكذلك هو أشقّ ما أمرت به الشريعة، لتحقيق هذه المقصد العظيم
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8، 9]
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97].
ومن الأساليب الدالة على هذا المقصد كذلك تلك الآيات والأحاديث التي تدل على أنّ الله جل وعلا أراد أن يبتلي عباده بالتكاليف التي أهمها إظهارهم خوفهم له وأنه فوق كل خوف، وحبهم له وأنه فوق كل حب، وكذا الخضوع والذل والانكسار بين يديه، ثم الرغبة إليه، والتوجه والالتجاء إليه دون غيره، وبمعنى آخر عبادته وحده لا شريك له.
ويدخل في هذا النوع أيضا إرادته جل وعلا أن يبتلي عباده بالخير والشر وأنواع المصائب، حتى يظهروا الصبر على ما أصابهم منه، والرضى به، والفرار إليه، والربّ جل وعلا يحبّ أن يعظم، وكل ما ازداد تعظيمه جل وعلا، وتقديمه على كل شيء حبًا فيه، وخوفًا منه، وكلما ازداد إظهار الخضوع له، ازداد تقرب العبد من ربه، ورفعة عنده، وكل ما كانت العبادة أكثر في إظهار التعظيم للرب جل وعلا، كانت أكثر حبًا له، وأكثر قربًا منه، وانظر إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، كلها تعظيم له جل وعلا، ومن أهم أركانها التي تقرأ فيها الفاتحة التي يقول الله جل وعلا فيها قسمت الصلاة بيني وبين عبدين قسمين فإذا قال عبدي الحمد لله رب العالمين قال الله جل وعلا حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي.
ومن أمثلة أدلة هذا النوع ما يلي:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]
قال ابن كثير أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا: إلا لنعلم أي لنرى.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [هود: 7]
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 1، 2]
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].
ومن أمثلته كذلك:
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143].
ويدخل في هذا النوع كذلك تلك الآيات الكثيرة التي تدل على أن الله وعد من استجاب لأمره بالنعيم المقيم، وأوعد من تمرد على سلطانه بالعذاب المقيم، وكذلك الآيات التي تشير إلى أن الله أراد من خلقه للخلق أن يعذب العاصي وأن يثيب المطيع، ومنها:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 72، 73].
وإذا تأملنا هذه الآية وما قيل في تفسيرها، لوجدنا أن الله خلق الخلائق كلها من أجل أن يعذب ذك ويثيب هذا، واللام هنا للتعليل كما نص عليه جماعة من المفسرين.
وإذا كان هذا أهم مقاصد الشريعة الدنيوية، وهو مرافق للمقاصد الشريعة الأخروية، فإن مواقف المسلمين وحراكهم السياسي يجب أن يراعي منزلة هذا المقصد بين المقاصد الأخرى، وأي مناورة سياسية تغفل هذا فإن الله لن يكتب لها نجاحًا، لأنها أهملت إرادة الله جل وعلا، ومحبوبه، فأنى يكتب الله لها التوفيق.
وقد تتابع العلماء منذ العهد الأول حتى قبيل عصر الانحطاط الأخير هذا على فهم حقيقة واحدة قررها القرآن والسنة، أنّ الإسلام يعلو ولا يعلى، وأن دين الله يجب أن يسود الأرض ويحكمها، فالأرض لله، فكيف يسود فيها غير حكمه، ومن هذا فمن البديهي العقدي أنّ أي حكم غير حكم الإسلام إنما هو منازعة للملك في ملكه، لا يمكن أن يرضاه أو يقر به، ولذا كان من أكبر الكفر.
ففهم مقاصد الشريعة بهذه الطريقة، يعين على وضع التصور السياسي الصحيح الذي أراده الله من المسلمين، وقد تكون هذه القضية من أشد القضايا حساسية لكثير من الإسلاميين، وقد يكون فيها نوع حرج للبعض، لكن البحث هنا في تقرير الحقيقة، أما مجال التطبيق فقد يسعنا نوع من الاختلاف فيه، لكن يجب أن يحدونا كلنا البحث عن الحق، لا مجرد تقرير ما يجد قبولا عند شرائح واسعة من المجتمع.
وآثار مراعاة هذا المقصد على النظرة الفقهية لكثير من المسائل المعاصرة واضح جدًا.
فالمرأة الكافرة التي تسلم، فتفارق زوجها الكافر، حبًا لله وتعظيما لمراده على مرادها، موافق لأعظم مقاصد الشريعة، إذ فيه تقديم محبة الله على محبة من سواه، ولو كان أقرب الناس إليها، فكيف يقال إنّ مقاصد الشريعة تؤيد أن تبقى المرأة مع زوجها بعد إسلامها وبقائه على كفره.
وقطع يد السارق فيه تحقيق للأمن، لكن فيه ما هو أعظم من ذلك، وهو الاستجابة لأمر الرب في هذا الأمر الشاق على النفس، الأمر الذي يحقق تعظيم الرب، وبه يفرح الرب جل وعلا، وأي مقصد أعظم من هذا.
فإذا ما توهم أحد بأن قطع اليد السارق فيه مفسدة تعارض مصلحة تحقيق الأمن، فطالب بإلغاء تطبيق الحد، فأنى له أن يعرف رضى الرب من سخطه يوم يرى أن أمره في أرضه لا ينفذ!!
وإيقاف التعامل بالربا فيه مصالح دنيوية وأخرى أخروية، فإن زعم أن المصالح الدنيوية قد ألغيت فأنى له أن يزعم أن المصالح الأخروية قد ألغيت أيضا!.
والمفاصلة العقدية، وما يتلوها من تبعات سياسية لمن يسب الربّ، أو يسب أنبياءه، وأخصهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو صحابته، هي في أصلها موقف صحيح لأنه يأتي موافق لأهم مصالح الشريعة، وهو تعظيم جناب الربّ، فوق ما يمكن أن نحصل عليه من مصلحة سياسية، ولا يمكن تغليب المصلحة السياسية على هذه المصلحة العقدية، إلا إن كان المقصود تحصيل مصلحة عقدية أخرى أكبر .
المقصد الثاني: ما أراده الله لعباده، وهو نوعان :
النوع الأول: النصوص التي تقرر أن الشريعة أرادت من ضمن ما أرادت تحقيقه حفظ ضروريات الحياة، أي أنّ مقصد الشريعة هنا دنيوي، ويشمل الضروريات الخمس التي نص عليها الغزالي الأول في إفرادها بالذكر، ثم تبعه على ذلك جل من جاء بعده، والنصوص التي وردت بهذا النوع كثيرة ومتنوعة، تجدها في كل كتاب، ومقالة، ومحاضرة تحدثت عن مقاصد الشريعة.
وهذه النصوص تقرر أنّ الله أراد حفظ هذه الضروريات لعباده، لكنّ الخطأ الذي وقع فيه عدد من الباحثين ناهيك عن المقاصديّن الجدد الحديث عن هذه المقاصد بمعزل عن المقصد ين الآخرين الأهم في المقاصد كلها؛ ما أراده الله لنفسه، وما أراده الله لعباده في الدنيا من غير الدنيوي المحسوس وما أراداه لهم في الآخرة، مع أنك لا تكاد تجد آية أو حديثًا تحدث عن أي من هذه الضروريات إلا وقد تحدث صراحة أو ضمنًا على أن تحقيق هذا المقصد مجرد أمر مؤقت، الأمر الذي يقطع بأنه مقصد ثانوي بجانب المقصدين الآخرين، ولا تكاد ترى مقصدًا من هذه المقاصد الثانوية إلا وهو وسيلة لتحقيق المقصدين الكليين الآخرين.
وقد اجتهد عدد من العلماء والباحثين فزادوا مقاصد دنيوية أخرى، منها أن الشريعة ترمي للتيسير على العباد، قال الله وجل وعلا (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ومنها كذلك أن الشريعة جاءت لنشر الرحمة بين الخلق، إذ أن الله يقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
أما نشر العدل بين الناس فيمكن أن يقال إنه من مقاصد الشريعة الدنيوية لكن لم يذكره العلماء ضمن المقاصد الخمسة الثانوية، وقد يكون السبب عدم ظهور الحاجة الماسة لإفراده بالذكر.
وبكل حال فهذه المقاصد الخمسة أو الستة مع ما زيد عليها لم يكن أمرًا قد أجمع عليه العلماء منذ عهد الأئمة الأربعة وحتى هذه العصور المتأخرة حتى يتعذر أو يشق علينا أن نخالفها، ولهذا فلا مانع من الزيادة عليها كما فعل جماعة من المعاصرين، لكنّ الأمر الذي لا يسعنا السكوت عليه هو قصر مقاصد الشريعة على هذه الدنيوية، أو في أحسن الأحوال عزلها، أو عزل العمل بها عن المقاصد الكلية الأخرى للشريعة، ومن تأمل القرآن الكريم يعجب من هذا الخطأ الذي وقع فيه عدد كبير ممن انتسب إلى العلم والباحثين، والأكاديميين، وغيرهم.
فالنبي أرسل رحمة للعالمين، والصواب في معنى ذلك أنه جاء لينقذهم من نار جنهم، ويدخلهم الجنة، فرحمة الآخرة أولى، وأعظم، وأهم، من رحمة الدنيا، وقصر المقاصديّن الجدد، وأصحاب الخطاب الدنيوي هذه الرحمة على الدنيا، انتقاص للشريعة، وإهدار لحق الله جل وعلا، وقد جاء النبي بالتوحيد، والأمر به، حتى ينقذ الناس من عذاب الله أولا قبل كل شيء، وآخرًا وأهم من كل شيء، والله جل وعلا قال في ثاني سورة أنزلها على محمد {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1، 2] وسيأتي مزيد تقرير لهذا.
والشريعة أرادت اليسر بالعباد، ومع هذا اليسر فإن الشريعة كلفت العباد، والتكليف كما تقرر عند الجميع، إلزام ما فيه مشقة، فكيف أرادت الشريعة اليسر، وقد ألزمت العباد بما فيه مشقة؟!
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
الجواب هو أن الشريعة ألزمت الناس بشيء من المشقة، ابتلاء وامتحانًا كما قرره الأصوليون، والله جل وعلا جعل جزاء الصبر على هذا البلاء النجاة من مشقة نار جنهم، فكانت بذلك مريدة لليسر بهم، وهو أمر يحتاج إلى تأمل.
ومثل هذا أو قريب منه يقال في العدل والقسط وأضرابها كمقاصد رمت إليها الشريعة وأرادتها.
ولهذا، فيحسن بنا أن نسمي هذه المقاصد، بمقاصد ثانوية بجانب المقصد الكلي ؛ ما أراده الله لنفسه العلية في الدنيا والآخرة.
أما النوع الثاني: فإنه تلك الآيات والأحاديث التي تقرر أن الشريعة أرادت مصلحة العباد في الآخرة، أي بعد مماتهم، فالمقصد هنا راجع للعبد، ولكن في الآخرة:
وقد يكون هذا المقصد ما أراده بعض من تحدث في المقاصد من الأوائل ومن مشى على طريقتهم يوم أن جعلوا حفظ الدين أول الضروريات، لكن كلام بعضهم أوهم أنه مقصود للعبد فقط، وليس مقصودًا لله، فإن كان هذا الذي فهمناه من كلام السابقين صواب، فقد أخطأ منهم من قال بذلك، وإن كان غير ذلك، فالصواب ما تضافرت عليه الأدلة مؤيدًا بإجماع علماء القرون الثلاثة وأئمة المذاهب – وهو ما ورد في النوع الأول - أن الغاية من الخلق أن يفرد الرب جل وعلا بأي نوع من أنواع العبادة التي هي في أصلها إظهار غاية الرهبة والرغبة للرب جل وعلا وحده لا شريك له، ومن ثم يثيب من يحقق هذا بجنة عرضها السموات والأرض، ويعذب من تمرد على هذا بنار تلظى، لا يموت من دخلها ولا يحيي، فالمقاصد إما راجعة للرب، وإما للعبد لكن في الآخرة وليس في الدنيا، وما يرجع منها إلى الدنيا ثانوي فرعي.
ولا أظن أحدًا يقرأ هذا البحث بحاجة إلي إيراد الأدلة على منزلة هذا المقصد؛ أعني المقصد الراجع لمصلحة العبد في الآخرة، لا سيما إذا ما قورن بالمقاصد والمصالح الدنيوية.
ولعل الله ييسر إخراج كامل البحث عما قريب.