التعريف بموضوع الكتاب:
((من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها)) .. بهذه الكلمات القليلة المبنى العظيمة المعنى وصف الإمام الشوكاني رحمه الله كتاب تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير رحمه الله , ولا غرابة في ذلك فابن كثير رحمه الله يعد فقيه المفسرين ومفسر المحدثين, وقد اتسم تفسيره بسمات ومميزات قد لا تتوفر في غيره من كتب التفسير سواء التي تقدمته أو التي جاءت من بعده, فهو دائما ما يقدم تفسيره بالبيان القرآني للآية فلا يجد آية مبينة للآية التي يفسرها إلا وذكرها بما يتمتع به من حُسن استحضار للآيات المتَّفِقة, وهذا من أجلِّ ضروب التفسير وأعظمها، تفسير القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان قد بسط في مكان آخر , كما أنه يهتم اهتماماً عظيماً بالتفسير النبوي لآي القرآن, فنراه يحشد الأحاديث الكثيرة في تفسير الآية من كتاب الله, ولو أحصيت الأحاديث التي سردها في تفسيره لبلغت آلاف الأحاديث, وكيف لا والسنة هي الشارحة والمبينة للكتاب، أضف إلى ذلك اهتمامه البالغ بآثار الصحابة والتابعين الواردة في تفسير الآيات فهم الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل.
وطريقة ابن كثير في التفسير أن يذكر الآية ثم يذكر معناها العام بأسلوب سهل واضح ثم يورد تفسيرها من القرآن ثم من السنة ثم من أقوال الصحابة والتابعين مع ما يتعلق بالآية من أحكام فقهية إلى غير ذلك .
وقد كان لابن كثير في تفسيره منهج قويم في الترجيح عند الآيات التي اختلف فيها المفسرون, فتراه يقف مع هذه الأقوال وقفة دراسة متأنية ثم ينتقي أقواها معتمداً في ذلك على الأدلة الثابتة والقواعد الراسخة.
وبما تقدم من منهج علمي راق, إضافة إلى سلامة التفسير من التأويل والتحريف في مسائل المعتقد والمسلك السلفي الواضح الذي يتمتع به أصبح تفسير ابن كثير من أفضل كتب التفسير وأوسعها انتشاراً, وأكثرها تداولاً بين طلاب العلم والباحثين عن التفسير بالمأثور عن سلف الأمة رحمهم الله.
وقد طبع تفسير ابن كثير طبعات كثيرة منها الجيد النفيس ومنها دون ذلك, وهذه الطبعة التي نحن بصدد التعريف بها صدرت عن دار ابن الجوزي، مؤلفة من سبعة مجلدات كبار بتحقيق الدكتور حكمت بن بشير بن ياسين, والذي دعاه إلى إخراج هذا التحقيق هو وجود الكثير من الآثار لم يحكم عليها من قِبَل من حقَّق هذا التفسير بالإضافة إلى وقوع أخطاء في كثير من طبعات التفسير الموجودة .
لذا تميز هذا التحقيق بتخريج الأحاديث والحكم عليها اعتمادا على أقوال النقاد من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين ليس ذلك فقط بل وتخريج هذا الكم الهائل من الآثار والحكم عليها وقد نقل ما قام به الشيخ أبو إسحاق الحويني من تحقيق وتخريج لأول تفسير ابن كثير، نقله وضمه إلى تحقيقه مختصرا له حيث إن الشيخ لم يتم تحقيقه .
ولعل هذا هو أهم ما يميز هذه الطبعة عن غيرها من الطبعات ، مع خدمة النص بتوثيق النقولات وعزو الشعر وبيان القراءات والتعليق على بعض الروايات والتنبيه على الإسرائيليات وبيان الغريب وضبط ما يحتاج إلى الضبط.
ويضاف إلى ذلك جودة الإخراج وحسن الصف وجمال الديباجة، فهذه الطبعة بهذا التحقيق تعد من الطبعات المتميزة لهذا الكتاب المبارك.