مُسلسَلُ الحسَنِ والحُسَيْنِ ومُعاويةَ - رؤيةٌ فنِّيَّةٌ شرعيَّةٌ
مركزُ التأصيلِ للدِّراساتِ والبُحوثِ
الخميس 11 من رمضان 1432هـ
تُعدُّ المسلسلاتُ التاريخيَّةُ مِن أنجَحِ الأعمالِ التي تُعرَضُ على الشاشةِ الصغيرةِ (التلفزيونِ) والكبيرةِ (السينما)، ونجاحُها يتجاوَزُ مسلسلاتِ الدِّراما (المشاكلِ) الأُخرى، وهذه الحقيقةُ الفنِّيَّةُ نُثبِتُها بأربعةِ أعمالٍ تلفزيونيَّةٍ: اثنانِ مِن عالَمِنا العربيِّ، واثنانِ مِن مركزِ وقِبلةِ السينما والتلفزيونِ (هوليود).
في عالَمِنا العربيِّ يُعدُّ مُسلسلُ (باب الحارة) مِن أكثرِ مُسلسلاتِ الدِّراما نجاحًا؛ فهو مِنَ الأعمالِ النادرةِ التي بلَغَتْ خمسةَ أجزاءٍ، وأُعِيدَ عرْضُهُ على عشراتِ القنواتِ الفضائيَّةِ العربيَّةِ طَوالَ السَّنةِ، وفي أوقاتٍ مختلفةٍ، ووصَلَ تأثيرُهُ أوساطًا سياسيَّةً عربيَّةً ويهوديَّةً، وأُشِيعَ بأنَّ هناك جهاتٍ أجنبيَّةً سَعَتْ لشراءِ المسلسلِ وعرضِهِ على قنواتِها، وهناك مُنتجاتٌ تِجاريَّةٌ اشْتُقَّتْ مِنَ المسلسلِ، وزار استوديوهاتِ التصويرِ مِئاتُ الآلافِ مِنَ المُعجَبينَ، والمثالُ الثاني مسلسلُ (الملك فاروق)، هو أيضًا عُرِضَ مِرارًا وتَكرارًا على قنواتِنا العربيَّةِ، وقد حصَلَ للمسلسلَيْنِ أخبارٌ وجدَلٌ أشغَلَتِ النَّاسَ والأوساطَ الفنِّيَّةَ والثقافيَّةَ، وكثُرَ الحديثُ والنقلُ عنهما، والاقتباسُ منهما.
وهنا حالةٌ أخرى عجيبةٌ: يُعرَضُ في رمضانَ أحيانًا ثلاثُ مسلسلاتٍ تاريخيَّةٌ مُتشابِهةٌ في القِصَّةِ والزمانِ والمكانِ والأحداثِ، ومع هذا تَنجَحُ الثلاثةُ كلُّها.
في (هوليود) هناك آليَّاتٌ احترافيَّةٌ مختلفةٌ يُعرَفُ مِن خِلالِها مدى نجاحِ العملِ الفنِّيِّ؛ منها آليَّةُ الجوائزِ التي تُقدَّمُ للأعمالِ الفنِّيَّةِ:
- السينما: جوائِزُ أوسكار.
- التلفزيون: جوائِزُ إيمي.
- الغِناء: جوائِزُ غرامي.
- المسرح: جوائِزُ توني.
تُقامُ حَفلاتُ الجوائِزِ هذِهِ سنويًّا، وبعضُها يُقامُ مُنذُ ٨٠ سنةً، ويُكرَّمُ فيها أفضلُ الأعمالِ والعامِلينَ خِلالَ السَّنةِ، وتُعدُّ الأعمالُ الدِّراميَّةُ أهمَّ العُروضِ التلفزيونيَّةِ والسينمائيَّةِ، ومِن أشهَرِ الدِّراميِّ العملُ التاريخيُّ؛ فقَدْ رُشِّحَ لجائزةِ (إيمي 2011) - أهمِّ جائزةٍ في أمريكا خاصَّةً بالتلفزيونِ- سِتَّةُ أعمالٍ عن فِئةِ أفضلِ مسلسلٍ دراميٍّ، ثلاثةٌ منها مسلسلاتٌ تاريخيَّةٌ؛ أحَدُها (مادمان) -آخر عرض أكتوبر2010 موسم رابع-، فاز في السنواتِ الثلاثِ الأخيرةِ بجائزةِ (إيمي) عن فِئةِ أفضَلِ مسلسلٍ دراميٍّ، وفاز ورُشِّحَ عن فئاتِ التمثيلِ والكتابةِ والإنتاجِ والماكياجِ وغيرِها مرَّاتٍ عديدةً ، فاز العملُ بجائزةِ (جولدن جلوب) -إحدى أهمِّ ثلاثِ جوائِزَ في أمريكا والعالَمِ تُكرِّمُ العملَ السينمائيَّ والتلفزيونيَّ- عن فئةِ أفضَلِ مسلسلٍ دراميٍّ ثلاثَ سنواتٍ متتاليةً قطَعَها عامَ 2011م عملٌ تاريخيٌّ جديدٌ (بورد ووك امباير) انتهى عرضُ مَوْسِمِهِ الأوَّلِ في ديسمبر 2010م، فاز العملُ بجائزةِ (جولدن جلوب) عن فئةِ أفضلِ مسلسلٍ دراميٍّ ومُمثِّلِ دِراما، وأيضًا رُشِّحَ للفَوزِ بجائزةِ (إيمي 2011م) بوَصْفِهِ واحدًا مِن أفضلِ ستَّةِ أعمالٍ دراميَّةٍ في أمريكا -ثلاثٌ منها مسلسلاتٌ تاريخيَّةٌ-، ومُتَوَقَّعٌ أنْ يَحصُدَ العديدَ مِن جوائِزِ (إيمي) في حفْلِها 63 موقفًا سلسلةَ فَوزِ (مادمان) المتتاليةَ هذه السَّنةَ، وهناك ترشيحاتٌ وفَوزٌ للمسلسلَيْنِ على مستوى الجائزتَيْنِ وجوائِزَ أخرى مُتعدِّدةٍ، وكِلا العملَيْنِ يُعرَضانِ على قنواتِ كيبل (المدفوعة)، ومع هذا حصَلا على كلِّ هذا النجاحِ.
المقصودُ أنْ نَفهَمَ أهدافَ المُحادِّينَ للشريعةِ (مُلَّاكِ القنواتِ الفضائيَّةِ) عِندَ عَرْضِهم مسلسلَ (الحسن والحسين ومعاوية)، فهُمْ لم يكُنْ دافِعُهم خدمةَ الإسلامِ وتقريبَ صورةٍ مِن تاريخِهِ لعمومِ المسلمينَ؛ لأنَّ هؤلاءِ الشياطينَ قنواتُهم ليلَ نهارَ تُحادُّ اللَّهَ ورسولَهُ والمؤمنينَ، وتُفسِدُ أولئكَ المسلمينَ؛ فلا يظُنَّ غافلٌ أنَّ الشرعَ والسُّنَّةَ والدَّعوةَ كانَتْ يومًا في حساباتِ هؤلاءِ، كلُّ ما في الأمْرِ أنَّ الأرقامَ تُثبِتُ أنَّ المسلسلَ التاريخيَّ يرفَعُ نسبةَ المُشاهِدينَ والإعلاناتِ.
وهذِهِ الزاويةُ لو تأمَّلَها مَن أَفْتى بجوازِ العملِ لكان فيها كفايةٌ لقلبِهِ وعقلِهِ أنْ يرجِعَ عَنِ القولِ بالجوازِ، ويَرْبَأَ بالفقيهِ أنْ يكونَ مَطِيَّةً للذينَ يُريدونَ أنْ تَشيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمَنوا، كما أنَّ فُقهاءَ آخَرينَ اختاروا أنْ يكونوا مَطِيَّةً للظالِمِ والمُفسِدِ، فالمُفتي بالجوازِ هنا استخدَمَهُ مُلَّاكُ القنواتِ لرَفْعِ نِسَبِ المُشاهِدينَ للفُحْشِ والفِسْقِ كما أنَّ عالِمَ السُّلطانِ استخدَمَهُ الحاكِمُ لِيُثَبِّتَ شرعيَّتَهُ ويُبِيِّضَ اسمَهُ بَعدَ سَرِقَتِهِ وإفسادِهِ في الأرضِ، وفَرْقٌ بينَ مَن كان مَطِيَّةً للخائِضِ في أمورِ الصَّحابةِ ومَن كان مَطِيَّةً للخائِضِ في أمورِ عُمومِ المُسلِمينَ.
موضوعُ المُسلسَلِ:
منهجُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ هو ذِكْرُ فضائِلِ الصَّحابةِ الواردةِ في السُّنَّةِ والسِّيَرِ، والكفُّ عَنِ الخَوضِ فيما شَجَرَ بينَهم، وليس مِن منهجِهم عَرْضُ تفاصيلِ الخِلافِ على عُمومِ المسلمينَ، وقَدِ اخْتارَ عُمرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه عدمَ التحدُّثِ عن واقعةِ السَّقيفةِ، وهي حالةٌ واحدةٌ والإشكالُ فيها ضعيفٌ وبعيدٌ، ومع هذا لم يُحدِّثْ بها الحَجيجَ وهو أفصَحُ وأعلَمُ، ويَقْدِرُ على إزالةِ أيِّ إشكالٍ يقَعُ بَعدَ الخِطابِ إمَّا بسؤالِهِ أو بسؤالِ آلافِ الصَّحابةِ معه، فكيفَ بمَنْ يُريدُ أنْ يَعرِضَ تفصيلاتِ الخِلافِ بينَهم حولَ أمورٍ كثيرةٍ سالَتْ فيها الدِّماءُ ويُشاهِدُ كُلَّ هذا ملايينُ مِنَ المُسلِمينَ، ومع قِلَّةِ العارِفينَ بمنهجِ أهلِ السُّنَّةِ في هذِهِ الوقائِعِ، وانقطاعِ الحلَقاتِ وعدمِ تتابُعِها في توضيحِ الأمورِ وقَدْ يُفَوِّتُ مُشاهِدونَ بعضَ الحلَقاتِ، والمُجيزُ هنا يفتَحُ بصَنيعِهِ هذا أبوابَ الشَّكِّ والتَّنقُّصِ وإيغارِ الصُّدورِ وسُوءِ الظَّنِّ في الصحابةِ، ثُمَّ يظُنُّ المُجيزُ أنَّهُ يُحسِنُ بذلك لِعُمومِ المُسلِمينَ، فهذا التصوُّرُ عَبَثٌ وقِلَّةُ إدراكٍ؛ ولهذا يقولُ الطَّحاوِيُّ في عقيدتِهِ: (ونُبغِضُ مَن يُبغِضُهم، وبِغَيرِ الخَيرِ يَذْكُرُهم، ولا نَذْكُرُهم إلَّا بخَيْرٍ).
مَن ظَنَّ أنَّهُ بهذا العملِ الدِّراميِّ سيَحُلُّ كثيرًا مِنَ الجدَلِ بينَ عُمومِ المُسلِمينَ اليومَ في تلك القضايا؛ فهو واهِمٌ ... هو فقط سيُوَسِّعُ دائرةَ الجدَلِ ويُدْخِلُ فيه أُناسًا مِن عُمومِ أهلِ السُّنَّةِ كانَتْ عقائِدُهم صافيةً نقيَّةً، ولو أنَّ المُسلِمَ جَهِلَ مِنَ الناحيةِ التاريخيَّةِ ما وقَعَ بينَ الصَّحابَةِ لَمَا ضَرَّهُ ذلك في دينِهِ.
عَرْضُ الخِلافِ بينَ الصَّحابةِ بهذِهِ الصُّورةِ وعلى عُمومِ المُسلِمينَ يراهُ الجاهِلُ والأعجميُّ وضعيفُ الفَهْمِ، فيه مِنَ الفسادِ والإفسادِ لعقائِدِ عوامِّ المُسلِمينَ الشيءُ الكثيرُ؛ فإنَّ الواجِبَ تربيةُ النَّاسِ على حُبِّ الصَّحابةِ وذِكْرِ فَضْلِهم، وأيُّ شيءٍ وقَعَ بينَهم بَعدَ ذلك هُمْ فيه بينَ الأجرَيْنِ أو أجْرٍ ومغفرةٍ، ولا يُعرَضُ خِلافُهم هكذا على الملأِ؛ فهذا مُخالِفٌ لعقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ فيما شَجَرَ بينَ الصَّحابةِ، وإشاعةُ تفاصيلِهِ مِن صَنيعِ أهلِ البِدَعِ، وبهذا تَعرِفُ سبَبَ تحذيرِ السَّلَفِ مِن مُخالَطةِ أهلِ البِدَعِ؛ فقَدْ أضعَفَتْ حُبَّ الصَّحابةِ في قلوبِ قومٍ، فأصبَحوا لا يَرَوْنَ في تَقَمُّصِ الكافِرِ والفاسِقِ شخصيَّةَ خَيرِ البشرِ بَعدَ الأنبياءِ تَنَقُّصًا لهم، فرَحِمَ اللَّهُ بعضَ السلَفِ إذْ يقولُ لِمُبتدِعٍ أراد حِوارَهُ: (ولا نِصْفَ كلمةٍ)، وإذا عرَفْتَ أنَّ بعضَ أولئكَ المُجيزينَ لا يرى فَرْقًا بينَ رأيِ السلَفِ ورأيِ الرازي زاد يقينُكَ بفقهِ السلَفِ عِندَما حذَّروا مِن مُخالَطةِ أهلِ البِدَعِ.
وإنَّ مِن صَنيعِ الرافِضةِ -في تَشْييعِ أهلِ السُّنَّةِ- أنْ يَبْدؤوا بإثارةِ الخِلافِ بينَ الصَّحابةِ على طريقةِ السؤالِ وطلَبِ المعرفةِ، ومنه يَنطلِقونَ إلى التشكيكِ في دينِهم، انتهاءً بالرَّفْضِ، وهي سلسلةٌ البَدْءُ فيها -بلا شَكٍّ- يَنْتهي بالطعنِ أَوِ السَّبِّ أَوِ التكفيرِ.
قد يَحْتَجُّ بعضُ الأفاضِلِ أنَّ المُسلسَلَ فيه دعوةٌ للشيعةِ، وهي حُجَّةٌ خطأٌ؛ فهل تَعتقِدُ أنَّ الشيعةَ يَنْتظِرونَ مِنكَ أنْ تُعرِّفَهم بتاريخِهم؟! فإنَّ مفاتيحَ عُقولِهم في جُيوبِ أشياخِهم، ثُمَّ على فرْضٍ بأنَّ هناك عددًا مِنَ الشيعةِ سيتأثَّرُ بهذا العملِ، ما عددُ أولئِكَ بالنسبةِ إلى السُّنَّةِ الذينَ سيَحصُلُ عِندَهم استفهاماتٌ وتشويشٌ سيُحدِثُهُ المسلسلُ، ولن يوضحَها بشكلٍ كافٍ؟! وقد بدَأْنا نسمَعُ مِن بعضِ مَنْ رُبِّيَ على تعظيمِ الصَّحابةِ أسئلةً وشُكوكًا عرَفوها بَعدَ هذا المسلسلِ.
وقد عرَضَ ابنُ كَثيرٍ روايةً فيها اتِّهامٌ للمُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه بتزويرٍ مكتوبٍ له بإمْرةِ الحجِّ قال بَعدَ ردِّها و إبطالِها: (ولكنَّ هذه نزعةٌ شيعيَّةٌ).
ومِن نماذِجِ إشكاليَّاتِ المسلسلِ أنَّهم مثَّلوا كلامًا على لسانِ البُغاةِ في عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه فيه طعْنٌ في دينِهِ وسَبٌّ له، وكذا مثَّلوا كلامَهم في علِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه؛ فكيف تَطيبُ نفْسُ ذاك الفقيهِ المُجيزِ إسماعَ عُمومِ المُسلِمينَ الذينَ لا يَعرِفونَ إلَّا حُبَّ الصَّحابةِ وفضْلَهم، وسوف يَعيشونَ ويَموتونَ وهُمْ لم يَسْمَعوا مِثلَ ذاك الكلامِ؟! كيف يُسْمِعُهُمُ الطَّعنَ وهُمْ لم يَعرِفوا إلَّا التعظيمَ والحُبَّ؟! هذا مِن قِلَّةِ الوَعْيِ، كيف تَطيبُ نفْسُهُ بإجازةِ تمثيلِ تلكَ الأقوالِ وقَدْ رفَضَ ذاكَ المُفْتي مسلسلًا تُمثَّلُ فيه أقوالٌ تُقالُ في إمامِ دعوتِهِ وجماعتِهِ المُعاصِرةِ، وهو أقلُّ بكثيرٍ ممَّا قِيلَ في عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه؟! نَعوذُ باللَّهِ مِنَ الخِذْلانِ!
مِن أكثرِ ما يَستدِلُّ به المُجيزُ أنَّهُ لا يوجَدُ دليلٌ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ يدُلُّ على تحريمِ تمثيلِ الصَّحابةِ، وهو غلَطٌ؛ ففي القرآنِ والسُّنَّةِ عشراتُ الأدلَّةِ تدُلُّ على عُلُوِّ قَدْرِ الصَّحابةِ على عُمومِ المُسلِمينَ، ووجوبِ تفضيلِهم وحُبِّهم، والتمثيلُ مُحاوَلةُ تجسيدٍ فيه نوعُ قِلَّةِ احترامٍ، وهو مُناقِضٌ لتلكَ النصوصِ، والقَولُ بأنَّ كُلَّ مسألةٍ بحاجةٍ إلى نصٍّ يمنعُها جَهْلٌ وقِلَّةُ عِلمٍ؛ فأدلَّةُ الأحكامِ مُتعدِّدةٌ، ولو أَطْرَدْنا القَولَ بالحاجةِ إلى نَصٍّ في التحريمِ لسقَطَ كثيرٌ مِنَ الشريعةِ.
حوارٌ مع المُجيزينَ للمُسلسَلِ:
عرَّفَ أرِسْطو التمثيلَ بأنَّهُ (مُحاكاةٌ للطبيعة)، وعرَّفَهُ بعضُهم بأنَّهُ (الكذبةُ الصادقةُ)، وعرَّفَتْهُ موسوعةُ ويكيبيديا: (هو تقمُّصُ الشخصيَّاتِ الدِّراميَّةِ، ومُحاوَلةُ مُحاكاتِها على أرضِ الواقِعِ، وتجسيدُ ملامِحِ تلكَ الشخصيَّاتِ وصِفاتِها، وأبعادِها المُتبايِنةِ في الرِّوايةِ أوِ المسرحيَّةِ المكتوبةِ).
وهو تعريفٌ ناقصٌ، لكنَّهُ يدُلُّ على معنى التمثيلِ الحقيقيِّ: التقمُّصُ والتجسيدُ، أو كما في عبارةِ أَرِسْطو: المُحاكاةُ، ومَن ظَنَّ أنَّهُ يستطيعُ فِعْلَ ذاك مع الصَّحابةِ فهو مُزْرٍ بنفْسِهِ، وبحاجةٍ إلى أنْ يعرِفَ منزلةَ نفْسِهِ، وخاصَّةً أنَّ الحسَنَ شَبيهٌ بالنَّبيِّ الأكرمِ، فمِن أينَ سيأتونَ بشَبيهِهِ، والمُمثِّلونَ معروفونَ بفسادِهم وانحِرافِهم؟!
هنا حالةٌ تَشْتَهِرُ في عالَمِ السينما والتلفزيونِ الغربيِّ، وهي رفْضُ عددٍ مِنَ المُمثِّلينَ تقديمَ أدوارِ شخصيَّاتٍ وأحداثٍ عظيمةٍ في تاريخِهم؛ بسبَبِ اعتِراِفهم بأنَّهم أقلُّ مِن تجسيدِ تلكَ الشخصيَّاتِ، أو خَشْيَتِهم مِن تقديمِ الشخصيَّةِ بصورةٍ ناقصةٍ.
العملُ الفنِّيُّ يتكوَّنُ مِن عناصِرَ عديدةٍ ومختلفةٍ، أهمُّها النصُّ والأداءُ، أمَّا النصُّ فذكَروا أنَّ المشايخَ نظَروا فيه، وأمَّا العملُ النِّهائيُّ، فلا يُعرَفُ إنْ شاهَدَهُ المشايخُ أو لا.
أداءُ المُمثِّلِ في الأعمالِ الفنِّيَّةِ أهمُّ عِندَ رُوَّادِ الفنِّ مِن كاتِبِ النصِّ، وهو المقصودُ الأعظمُ مِن كتابةِ النصِّ؛ فقَدْ يكونُ النصُّ قويًّا ومؤثِّرًا، لكِنْ يُفسِدُهُ أداءُ المُمثِّلِ السَّيِّئِ، وقد يكونُ ضعيفًا ورَكيكًا ولكِنْ يُحْيِيهِ المُمثِّلُ المُبدِعُ، وكثيرٌ مِنَ الجوائِزِ والنُّقَّادِ في (هوليود) يَعُدُّونَ المُمثِّلَ مِحورَ العملِ الفنِّيِّ، وهُمْ أشهَرُ مِنَ الكُتَّابِ لنصوصِ الأفلامِ والمسلسلاتِ، وأكثرُ تأثيرًا، وذكَرَ بعضُ مَن أجاز العملَ أنَّهم لم يُشاهِدوهُ؛ وعليهِ فإنَّ اعتِمادَ المُفْتي بالجوازِ على النصِّ وحدَهُ دونَ تقييمِ أداءِ المُمثِّلينَ هو جهلٌ فنِّيٌّ وتقصيرٌ في الاجتهادِ يَرُدُّ قَولَ المُجيزِ ويُضْعِفُهُ، و لا يجوزُ لهُ أنْ يُفتيَ في نازِلةٍ لم يَستوعِبْ جوانِبَها؛ فهذا مِنَ التجرُّؤِ على الفُتْيا، ومِن أعظمِ أولئِكَ المُفْتينَ جهلًا بالفنِّ وحقيقتِهِ الذي يقولُ: إنَّ المُمثِّلَ مُجرَّدُ أداةٍ إلكترونيَّةٍ ومحكومٌ بالنصِّ ومُقيَّدٌ به، وهذا أراحَ الناسَ مِنَ النَّظرِ في فتواهُ، وهذا ما يُبيِّنُ النظرةَ المقاصديَّةَ للمجامِعِ العِلميَّةِ التي يوجَدُ بها مِئاتُ العلماءِ عِندَما أفتَتْ بالتحريمِ، وتعجَّلَ مَن أَفْتى بالإباحةِ وآثَرَ ضغوطَ الواقعِ والتفاعُلَ الخطأَ معهُ.
بعضُ مَن أجازَ مسلسلَ (الحسن والحسين ومعاوية) قال: إنَّهُ لا يَجوزُ تمثيلُ الكُفرِ أَوِ الطَّعنِ في الصَّحابةِ، ويَجوزُ حكايتُهُ، والأوَّلُ كثيرٌ في المسلسلِ، فكيفَ أجازَ العملَ وهو يؤكِّدُ شُكوكَ المُحرِّمِ بأنَّ هذه الأعمالَ حتَّى على طريقةِ المُجيزِ لنْ يَلتزِمَ بها المُنتِجونَ ومُلَّاكُ الفضائيَّاتِ، ولا بُدَّ أنْ يتجاوَزوهُ بَعدَ أنْ يَستخدِموهُ، وفي هذا المسلسلِ تجاوَزوهُ وهُمْ يَستخدِمونَهُ؟!!!
مِن مؤكِّداتِ تحريمِ العملِ أداءُ المُمثِّلينَ في المسلسلِ؛ فقَدْ كان أداؤُهم في غايةِ الكذِبِ على الصَّحابةِ الكِرامِ بمُحاوَلةِ تجسيدِ الشخصيَّةِ بصورةٍ لا يُعرَفُ كيفَ اهْتَدَوْا إليها، ولا يُمكِنُ بحالٍ مَعرِفتُها، ثُمَّ هُمْ في تجسيدِها جسَّدوها بصورةٍ مؤلمةٍ لكلِّ مُحِبٍّ مُعَظِّمٍ للصَّحْبِ، وهي في غايةِ سُوءِ الأدبِ الذي يَتَّفِقُ المُجيزُ والمُحرِّمُ على أنَّهُ حرامٌ، ويُعاقَبُ صاحِبُهُ عليهِ، فهذا أداءُ غَضوبٍ مُحْتَقِنٍ موقفُهُ مُنطلِقٌ مِن ذلكَ، وذلك أداءُ بسيطٍ لطيفٍ يُمكِنُ استغلالُهُ، وذاك أداءُ خفيفٍ فارغٍ يذهبُ في أيِّ اتجاهٍ، وذاك أداءُ داهيةٍ يستطيعُ تحريكَ النَّاسِ لرغباتِهِ، وذاك أداءُ شابٍّ متحمِّسٍ مُندفِعٍ، وذاك أداءُ شاكٍّ حائِرٍ، وذاك أداءُ مخدوعٍ غافِلٍ، وذاك أداءُ تخوينيٍّ شاكٍّ في صدقِ غيرِهِ، وذاك أداءُ مُتحزِّبٍ للقَبائِلِ، وهي تُحرِّكُهُ لا الشَّرعُ، وذاك شابٌّ يُصادِقُ اليهودَ ويتأثَّرُ بهم، وذاك أداءُ مَلِكٍ يعيشُ حياةَ الملوكِ وتَرَفَها، وأداءُ آخَرَ في المدينةِ يأكُلُ المِلْحَ مع الفقراءِ، هذا التخرُّصُ في التقمُّصِ وما فيهِ مِن سُوءِ الأدبِ هو في الحلقاتِ الخَمْسِ الأولى فقطْ، وهي في الخلافِ بينَ الصَّحابةِ والبُغاةِ، فكيفَ إذا بدأَتْ قصَّةُ الخلافِ بينَ الصَّحابةِ أنفُسِهم؟! فإنَّكَ سترى شرًّا مُستطيرًا -والعياذُ باللَّهِ-، وكثيرٌ مِنَ المُمثِّلينَ أداؤُهم في المسلسلِ -عِندَ مَن عرَفَ حقيقةَ التمثيلِ ومقاصِدَ الشَّرعِ- مُوجِبٌ للتعزيرِ، والحَجْرِ على مَن أَصَرَّ على إجازةِ أدائِهم.
وممَّا يجِبُ مُلاحظتُهُ أنَّهُ يُعرَضُ قَبلَ المسلسلِ في بعضِ القَنواتِ أقذَرُ وأفسَقُ وأفسَدُ مُسلسَلٍ اجتماعيٍّ نِسائيٍّ أخلاقيٍّ على مُستوى كُلِّ القنواتِ العربيَّةِ؛ فأينَ الفوائدُ المزعومةُ مِن حالةٍ كهذِهِ؟!
فتوَى المُجيزِ مُتناقِضةٌ وغيرُ مُتَّسِقةٍ، وهذا دليلٌ على تساقُطِ القَولِ وضَعفِه؛ فهُمْ منَعوا تمثيلَ أشخاصِ بعضِ الصَّحابةِ وأجازوا تمثيلَ أصواتِهم، وهو تحكُّمٌ بلا دليلٍ، إلَّا إنْ كان دَليلُهم الاحترامَ والتعظيمَ للصَّحْبِ، فإنَّ هذا يكونُ لكلِّ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللَّهِ عليهم، ولا يكونُ لصورةٍ دونَ الصَّوتِ، وإجازةُ تمثيلِ الصَّوتِ دونَ الصُّورةِ دليلٌ للمُحرِّمِ أنَّ المُجيزَ يَجِدُ إشكالًا في تمثيلِ الصَّحْبِ؛ فمنَعَ بعضَهُ وأجازَ بعضَهُ؛ بقَصْدِ الاحترامِ والتعظيمِ، وهو موافَقةٌ للمُحرِّمِ في عِلَّةِ التحريمِ، على المُجيزِ أنْ يُطرِدَها في كلِّ الصَّحْبِ رِضْوانُ اللَّهِ عليهم، وفي كلِّ أنواعِ التمثيلِ.
ومِنَ الضَّعفِ في فتواهُ أنَّهُ أجازَ تمثيلَ الصَّحابةِ ولم يَرَ فيه تنقُّصًا وقِلَّةَ احترامٍ، ومنعَهُ عن أُمَّهاتِ المؤمنينَ وبناتِهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّهُ قد يؤدِّي إلى سُوءِ الظَّنِّ أَوِ التَّنَقُّصِ، وتَناسَى المُفْتي أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وعلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ أحبُّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن خَيرِ الأُمَّهاتِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها؛ فمَنْعُهُ في الصَّحْبِ أوجَبُ مِن مَنْعِهِ في الأُمَّهاتِ.
مِنَ الضَّعفِ في فتوى المُجيزِ أنَّ مِعيارَهُ في الصَّحابيِّ الذي يُمثَّلُ والذي لا يُمثَّلُ غيرُ مُنضبِطٍ، فإنْ كانَ مِعيارُ المنْعِ مِن تمثيلِ العشَرةِ فقَدْ مُثِّلَ بعضُهم في المسلسلِ، وهناك كثيرٌ مِنَ الصَّحابةِ بُشِّروا بالجنَّةِ؛ فهل يَدْخلونَ في العشَرةِ عِندَ بعضِ المُجيزينَ؟ وهل يَدخُلُ فيهم مَن رَضِيَ اللَّهُ عنهم مِن أهلِ الشجرةِ؟ وإنْ كانَ ضابِطُهم الخلفاءَ الراشدينَ، فإنَّ الحسَنَ خليفةٌ عُقِدَتْ له البَيْعةُ، وقد أجازوا تمثيلَهُ، وحتَّى يَنْتظِمَ قَولُهم كانَ عليهم أنْ يُفْتوا بجوازِ تمثيلِ صَوتِهِ دونَ صورتِهِ كما مثَّلوا عُثمانَ وعليًّا رِضْوانُ اللَّهِ عليهم أجمعينَ.
مَنْ أَفْتى بالجوازِ نظَرَ في مصلحةِ الدعوةِ والإرشادِ والتعليمِ، وبلا شَكٍّ فإنَّ الأنبياءَ أقرَبُ في تحقيقِ هذه المصلحةِ وأكثرُ تأثيرًا؛ وعليه فإنَّهُ يَلْزَمُهُ حتَّى يَنْتظِمَ اجتهادُهُ أنْ يُفْتيَ بجوازِ تمثيلِ الأنبياءِ، وهذا اللَّازِمُ يُبيِّنُ لكَ بَشاعةَ القَولِ بالجوازِ وشُذوذَهُ، وعدمَ التزامِ المُجيزِ هذا اللَّازِمَ؛ لأنَّ فيه سُوءَ أدبٍ، والتعليمُ فيه سيكونُ ناقصًا، وهذا التعليلُ لا يختلِفُ عنه في مَنْعِ تمثيلِ الصَّحابةِ، ليس لأنَّهم مِن المنزلةِ نفْسِها -والعياذُ باللَّهِ-، بل لأنَّ لهم منزلةَ الصُّحْبةِ، ولأنَّهم صورةٌ للمجتمعِ القرآنيِّ الذي يَجِبُ أنْ يَبْقى مُعظَّمًا مُحترَمًا، وقد جاء الأمْرُ بتخصيصِهم بمَزيدِ احترامٍ وتقديرٍ وأدبٍ.
ثُمَّ أيُّ مصلحةِ دعوةٍ وإرشادٍ وتعليمٍ هذه التي سيتلقَّاها المُشاهِدُ وهو قَبلَ لحظاتٍ شاهَدَ المُمثِّلَ نفْسَه على قناةٍ أخرى في أحضانِ فتاةٍ يشربُ الخمرَ ويُقامِرُ، والنَّاسُ اليومَ يَحْسُبونَ لِمُدَرِّسيهِمُ الغَلطَ والزَّلَّةَ حتَّى يَخْرجوا مِن سُلطةِ تعليمِهم، فكيفَ بمَنْ يُريهِمُ الكبائرَ والفِسقَ كلَّ يَومٍ على الشاشاتِ؟! كيفَ سيَتعلَّمونَ مِنهُ الإيمانَ والسُّنَّةَ.
وقد أدَّتْ دَورَ زينبَ بنتِ علِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ امرأةٌ في كامِلِ زينتِها وماكياجِها، وكذا زَوجةُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، والأولى مثَّلَتْ أدوارًا قذرةً في مسلسلاتٍ أخرى.
يُجيبُ المُجيزُ على اعتِراضِ المُحرِّمِ -أنَّ الإباحةَ فيها فَتحُ بابٍ للحاقِدينَ على الصَّحْبِ- بقولِهِ: إنَّ البابَ مفتوحٌ مُنذُ زمَنٍ، والمُجيزُ دخَلَ فيه لضَبْطِهِ وتنقيتِهِ.
ومِنَ الأمورِ العجيبةِ أنَّ كثيرًا مِنَ المسلسلاتِ التي مُثِّلَ فيها الصَّحابةُ كانَتْ تُرسِّخُ فضلَهم وتُرشِدُ إلى حُسنِ أخلاقِهم، مع ما فيها مِن إشكالاتٍ سبَقَ بيانُها، بَينَما مسلسلُ المُجيزِ (الحَسَن والحُسيـن ومُعاوية) كسَرَ هذا البابَ، وفتَحَ كُلَّ نَقْدٍ واعتِراضٍ على الصَّحْبِ الكِرامِ؛ فمَن هو الذي فتَحَ البابَ في مَثالِبِ الصَّحابةِ؟!
ومِن أعجَبِ ما يَحتَجُّ به بعضُ مَن أجازوا تمثيلَهم أنَّ النَّاسَ أَبْدَعوا في التمثيلِ، وبلَغوا منازِلَ عاليةً فيه، ونحنُ نتناقَشُ في حُكْمِ تمثيلِ الصَّحابةِ!
يا سيِّدي الفقيهَ، النَّاسُ اليَومَ أبدَعَتْ في تمثيلِ أمورٍ اتَّفقَتِ الأنبياءُ -وليس الفقهاءُ فقطْ- على تحريمِها، فهل يَنقُضُ إبداعُهم قولَكَ إذا امتنَعْتَ عن تمثيلِ تلك الأمورِ، أو يَنقُضُ فِعْلُكَ إجازتَكَ إذا قصَّرْتَ في إبداعِكَ كما هو حالُ مسلسلِكَ (الحسن والحسين ومعاوية)؟!
المُجيزُ هنا أحَدُ اثنَيْنِ:
الأوَّلُ: صاحِبُ جَهْلٍ بالعملِ الفنِّيِّ، وعِندَهُ شُبهةٌ وتأويلٌ، وفي هؤلاءِ أئمَّةٌ في الدِّينِ وأصحابُ عِلمٍ وفِقهٍ، ولا يَليقُ بطالِبِ العِلمِ أنْ يكونَ عُمدتُهُ ودليلُ كلِّ نقاشاتِهِ: مَن أجازَ فيهم فلانٌ وفلانٌ؛ فهذا تقليدٌ لا يَليقُ بطالِبِ العِلمِ، خاصَّةً أنَّ المجامِعَ الفقهيَّةَ الكُبرى في العالَمِ الإسلاميِّ بمذاهِبِهم كافَّةً على التحريمِ، ومَنْ فعَلَ ذلك فهو دليلُ ضعفِ حُجَّةٍ وعِلمٍ.
والثَّاني: صاحِبُ ارتِزاقٍ على موائِدِ القنواتِ ومُلَّاكِها كما أنَّ هناك مُرتزِقًا على أبوابِ الظَّلَمةِ والمُفسِدينَ.
هناك حالةٌ يعيشُها بعضُ فقهائِنا المُعاصِرينَ، وهي السَّعْيُ لإثباتِ أنَّ الشريعةَ تستطيعُ التعايُشَ والتكيُّفَ والاندماجَ مع أيِّ زمَنٍ وواقِعٍ، وهو معنًى فيه حقٌّ، لكِنْ للأسفِ يَنطلِقُ مِن هذا المَقصِدِ الشَّريفِ إلى تطويعِ الشريعةِ لذاكَ الواقِعِ؛ فتشعُرُ أنَّهُ لا فَرْقَ بينَ فتواهُ وبينَ ذاكَ الواقِعِ كأنَّهم خرَجوا مِن مِشكاةٍ واحدةٍ، فاستوى عِندَه في المنتجِ والنهايةِ؛ فلَوْ أَعْفانا مِنَ اجتهادِهِ لكانَ الأمْرُ سِيَّانِ بفتواهُ وبدونِها، وهؤلاءِ يُضيِّعونَ على أصحابِ العقولِ الصحيحةِ والمُنطلَقاتِ الشرعيَّةِ الاستِمتاعَ بإبداعِ الفقيهِ الذي اشْتَهَرَ بهِ الفقهُ الإسلاميُّ، هذا مِن جِهةٍ، ومِن جِهةٍ أخرى أضافوا دليلًا جديدًا إلى أدلَّةِ الأحكامِ، وهو التعايُشُ مع (الواقِعِ) والتَّماهِي معهُ والإغرابُ في الإفتاءِ إلى درجةِ الشُّذوذِ.