الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: صيغةُ الصُّلحِ


يَنعَقِدُ الصُّلحُ بكُلِّ صيغةٍ تَدُلُّ عليه، وهو مُقتَضى اختيارِ ابنِ تيميَّةَ [17] قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (الاكتِفاءُ في العُقودِ المُطلَقةِ بما يَعرِفُه النَّاسُ، وأنَّ ما عَدَّه النَّاسُ بَيعًا فهو بَيعٌ، وما عَدُّوه إجارةً فهو إجارةٌ، وما عَدُّوه هِبةً فهو هِبةٌ، وما عَدُّوه وَقفًا فهو وَقفٌ، لا يُعتَبَرُ في ذلك لَفظٌ مُعيَّنٌ). ((مجموع الفتاوى)) (20/230). ويُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تَيمِيَّةَ (5/ 387)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/190). ، وابنِ القَيِّمِ [18] قال ابنُ القَيِّمِ: (فَرَّقتُم بَينَ ما جَمَعَ اللهُ بَينَه مِن عَقدَينِ مُتَساوِيَينِ مِن كلِّ وَجهٍ، وقد صَرَّحَ المُتَعاقِدانِ فيهما بالتَّراضي، وعَلِمَ اللهُ سُبحانَه تَراضيَهما والحاضِرونَ، فقُلتُم: هذا عَقدٌ باطِلٌ لا يُفيدُ المِلكَ ولا الحِلَّ حتَّى يُصَرِّحا بلَفظِ «بِعتُ واشتَريتُ»، ولا يَكفيهما أن يقولَ كلُّ واحِدٍ مِنهما: أنا راضٍ بِهذا كُلَّ الرِّضا، ولا قد رَضيتُ بِهذا عِوَضًا عن هذا، معَ كَونِ هذا اللَّفظِ أدَلَّ على الرِّضا الذي جَعَلَه اللهُ سُبحانَه شَرطًا للحِلِّ مِن لَفظِه: بِعتُ واشتَريتُ؛ فإنَّه لَفظٌ صَريحٌ فيه، وبِعتُ واشتَريتُ إنَّما يَدُلُّ عليه باللُّزومِ، وكذلك عَقدُ النِّكاحِ، وليس ذلك مِن العِباداتِ التي تَعَبَّدَنا الشَّارِعُ فيها بألفاظٍ لا يقومُ غَيرُها مَقامَها؛ كالأذانِ، وقِراءةِ الفاتِحةِ في الصَّلاةِ، وألفاظِ التَّشَهُّدِ، وتَكبيرةِ الإحرامِ، وغَيرِها، بل هذه العُقودُ تَقَعُ مِن البَرِّ والفاجِرِ، والمُسلِمِ والكافِرِ، ولم يَتَعَبَّدْنا الشَّارِعُ فيها بألفاظٍ مُعيَّنةٍ...، وأمَّا العُقودُ والمُعامَلاتُ فإنَّما تَتبَعُ مَقاصِدَها والمُرادَ مِنها بأيِّ لَفظٍ كانَ؛ إذ لم يَشرَعِ اللهُ ورَسولُه لنا التَّعَبُّدَ بألفاظٍ مُعيَّنةٍ لا نَتَعَدَّاها). ((إعلام الموقعين)) (1/343). ، وابنِ عُثَيمينَ [19] قال ابنُ عُثَيمينَ: (جَميعُ العُقودِ تَنعقِدُ بما دَلَّ عليها عُرفًا، وهذا القَولُ هو الرَّاجِحُ، وهو المُتَعيَّنُ، وهو اختِيارُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ... فالصَّوابُ: أنَّ جَميعَ العُقودِ ليس لها صِيَغٌ مُعيَّنةٌ، بل تَنعقِدُ بما دَلَّ عليها). ((الشرح الممتع)) (8/102). ؛ وذلك لأنَّه لم يَصِحَّ في الشَّرعِ اشتِراطُ لَفظٍ، فوَجَبَ الرُّجوعُ إلى العُرفِ كغَيرِه مِن الألفاظِ [20] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/343). .

انظر أيضا: