الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: صُلحُ الحَطيطةِ


يجوزُ صُلحُ الحَطيطةِ [98] صُلحُ الحَطيطةِ: هو الصُّلحُ الجاري على بَعضِ العَينِ المُدَّعاةِ، كما إذا صالَحَ مِنَ الدَّارِ المُدَّعاةِ على نِصفِها أو ثُلُثِها. يُنظر: ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (10/295). ، وتَثبُتُ له أحكامُ الهِبةِ، سَواءٌ كان بلَفظِ الصُّلحِ [99] يَجوزُ الحَطيطةُ عِندَ الحَنابلةِ، لَكِن بغَيرِ لَفظِ الصُّلحِ. ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 139)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/334). أو الهِبةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [100] ((منح الجليل)) لعليش (6/137). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (3/407). ، والشَّافِعيَّةِ [101] ((روضة الطالبين)) للنووي (4/193، 194)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/384). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [102] ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (6/423)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/259). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين [103] قال ابنُ عُثَيمين: (إذا فُهِم مِن هذه المُصالَحةِ أنَّها إسقاطٌ في دَينٍ أو هِبةٌ في عَينٍ، فيَنبَغي قَبولُ ذلك؛ لأنَّ العِبرةَ بالمَعاني لا بالألفاظِ، فإذا عَلِمْنا أنَّ مُرادَهما بالمُصالَحةِ الهِبةُ في العَينِ والإسقاطُ في الدَّينِ، فلا مانِعَ. صَحيحٌ أنَّ المُصالَحةَ لا تَكونُ إلَّا بَعدَ نِزاعٍ، ولا تَكونُ إلَّا لفضِّ النِّزاعِ، وهنا لا نِزاعَ في المَسألةِ؛ لأنَّه إقرارٌ وهِبةٌ، لَكِن يُقالُ: ما دُمْنا عَرَفْنا أنَّ المَقصودَ بالمُصالَحةِ هنا الإسقاطُ في الدَّينِ والهبةُ في العَينِ، فإنَّ الألفاظَ قَوالِبُ في الواقِعِ، والعِبرةُ بالمَعاني. إذًا هذا يُسَمَّى الصُّلحَ على إقرارٍ، وشَرطُه ألَّا يَكونَ مَشروطًا). ((الشرح الممتع)) (9/231). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه: ((أنَّه تقاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَينًا كان له عليه، في المسجِدِ، فارتفعَت أصواتُهما حتى سَمِعَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في بيتِه، فخرج إليهما حتى كَشَف سِجْفَ حُجرتِه، فنادى: يا كَعبُ، قال: لَبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: ضَعْ مِن دَينِك هذا -وأومأ إليه، أي: الشَّطْرَ-، قال: لقد فعَلْتُ يا رسولَ اللهِ، قال: قُمْ فاقْضِه)) [104] أخرجه البخاري (457) واللفظ له، ومسلم (1558). .
2- عَن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما قال: ((توفِّيَ عَبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ حَرامٍ وعليه دَينٌ، فاستَعَنتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على غُرَمائِه أن يَضَعوا مِن دَينِه، فطَلَبَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم فلَم يَفعَلوا، فقال لي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اذهَبْ فصَنِّفْ تَمرَكَ أصنافًا؛ العَجوةَ على حِدةٍ، وعَذْقَ زَيدٍ على حِدةٍ، ثُمَّ أرسِلْ إليَّ، ففعَلتُ، ثُمَّ أرسَلتُ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاءَ فجَلَسَ على أعلاه، أو في وسَطِه، ثُمَّ قال: كِلْ للقَومِ، فكِلتُهم حَتَّى أوفيتُهمُ الذي لَهم، وبَقيَ تَمري كَأنَّه لَم يَنقُصْ مِنه شَيءٌ! وقال فِراسٌ عَنِ الشَّعبيِّ، حَدَّثَني جابرٌ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فما زالَ يَكيلُ لَهم حَتَّى أدَّاه. وقال هشامٌ: عَن وهبٍ، عَن جابرٍ: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: جُذَّ له فأَوفِ له)) [105] أخرجه البخاري (2127). .
3- عَنِ ابنِ كَعبِ بنِ مالكٍ: ((أنَّ جابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أخبَرَه أنَّ أباه قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ شَهيدًا، فاشتَدَّ الغُرَماءُ في حُقوقِهم، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فكَلَّمتُه، فسَألَهم أن يَقبَلوا ثَمَرَ حائِطي ويُحَلِّلوا أبي فأبَوا، فلَم يُعطِهم رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حائِطي ولَم يَكسِرْه لَهم، ولَكِن قال: سَأغدو عليك، فغَدا علينا حَتَّى أصبَحَ فطافَ في النَّخلِ ودَعا في ثَمَرِه بالبَرَكةِ، فجَدَدْتُها فقَضيتُهم حُقوقَهم، وبَقيَ لَنا مِن ثَمَرِها بَقيَّةٌ، ثُمَّ جِئتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو جالسٌ فأخبَرْتُه بذلك، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لعُمَرَ: اسمَعْ -وهو جالِسٌ- يا عُمَرُ! فقال: ألَّا يَكونُ؟ قد عَلِمْنا أنَّك رَسولُ اللهِ، واللهِ إنَّك لرَسولُ اللهِ!)) [106] أخرجه البخاري (2601). .
ثانيًا: لأنَّ الخاصِّيَّةَ التي يَفتَقِرُ إليها لَفظُ الصُّلحِ هيَ سَبقُ الخُصومةِ، وقد حَصَلَت [107] ((روضة الطالبين)) للنووي (4/194). .
ثالثًا: لأنَّ الإنسانَ لا يُمنَعُ مِن إسقاطِ بَعضِ حَقِّه أو هبَتِه، كما لا يُمنَعُ مِنِ استيفائِه [108] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/259)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/139). .

انظر أيضا: