الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الرَّابعُ: الصُّلحُ عَنِ الدَّينِ المُؤَجَّلِ ببَعضِه حالًّا (مَسألةُ: ضَعْ وتَعَجَّلْ)


يَجوزُ الصُّلحُ عَنِ الدَّينِ المُؤَجَّلِ ببَعضِه حالًّا [135] كأن يَكونَ لشَخصٍ على آخَرَ دَينٌ لأجَلٍ -كشَهرٍ مَثَلًا- ويَتَّفِقَ مَعَ مَن عليه الدَّينُ على إسقاطِ بَعضِه، ويُعَجِّلَ له الباقيَ قَبلَ حُلولِ الأجَلِ. وذهب الجُمهورُ إلى عَدَمِ جَوازِه. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/43)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/310)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/192)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/392). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ [136] ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (6/423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/176). ، وقولُ زُفَرَ من الحَنَفيَّةِ [137] ((شرح مشكل الآثار)) للطحاوي (11/64). ، وقولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ [138] رُوِيَ جوازُه عن ابنِ عَبَّاسٍ، والنَّخعيِّ، وابنِ سِيرينَ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/367). ، واختيارُ ابنِ تيميَّةَ [139] قال ابنُ تيميَّةَ: (يَصِحُّ الصُّلحُ عَنِ المُؤَجَّلِ ببَعضِه حالًّا، وهو رِوايةٌ عَن أحمَدَ، وحُكيَ قَولًا للشَّافِعيِّ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/396). ويُنظر: ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (6/423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/176). ، وابنِ القَيِّمِ [140] قال ابنُ القَيِّمِ: (القَولُ الثَّاني: أنَّه يَجوزُ، وهو قَولُ ابنِ عَبَّاسٍ، وإحدى الرِّوايَتَينِ عَنِ الإمامِ أحمَدَ حَكاها ابنُ أبي موسى وغَيرُه، واختارَه شَيخُنا؛ لأنَّ هذا عَكسُ الرِّبا؛ فإنَّ الرِّبا يَتَضَمَّنُ الزِّيادةَ في أحَدِ العِوَضَينِ في مُقابَلةِ الأجَلِ، وهذا يَتَضَمَّنُ بَراءةَ ذِمَّتِه مِن بَعضِ العِوَضِ في مُقابَلةِ سُقوطِ الأجَلِ، فسَقَطَ بَعضُ العِوَضِ في مُقابَلةِ سُقوطِ بَعضِ الأجَلِ، فانتَفعَ به كُلُّ واحِدٍ مِنهما، ولَم يَكُن هنا رِبًا لا حَقيقةً ولا لُغةً ولا عُرفًا؛ فإنَّ الرِّبا الزِّيادةُ، وهيَ مُنتَفيةٌ هاهنا، والذينَ حَرَّموا ذلك إنَّما قاسوه على الرِّبا، ولا يَخفى الفرقُ الواضِحُ بَينَ قَولِه: «إمَّا أن تُرْبِيَ وإمَّا أن تَقضيَ، وبَينَ قَولِه: عَجِّلْ لي وأهَبُ لَك مِئةً»، فأينَ أحَدُهما مِنَ الآخَرِ؟! فلا نَصَّ في تَحريمِ ذلك ولا إجماعَ ولا قياسَ صَحيحٌ). ((إعلام الموقعين)) (5/331، 332). ، وقَرارُ مَجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ التَّابعِ لمُنَظَّمةِ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ [141] جاءَ في قَراراتِ مَجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ قَرار رَقْم: 66/2/7 ما يَلي: (الحَطيطةُ مِنَ الدَّينِ المُؤَجَّلِ لأجْلِ تَعجيلِه، سَواءٌ أكانت بطَلَبِ الدَّائِنِ أوِ المَدينِ، «ضَعْ وتَعَجَّلْ»: جائِزةٌ شَرعًا، لا تَدخُلُ في الرِّبا المُحَرَّمِ إذا لَم تَكُنْ بناءً على اتِّفاقٍ مُسبقٍ). ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد السابع (1/217- 218). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [142] جاءَ في فتوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (ما يُعرَفُ عِندَ الفُقَهاءِ بمَسألةِ: «ضَعْ وتَعَجَّلْ» وفي جَوازِها خِلافٌ بَينَ أهلِ العِلمِ، والصَّحيحُ مِن قَولَيهم جَوازُ الوَضعِ والتَّعجيلِ، وهو رِوايةٌ عَنِ الإمامِ أحمَدَ، واختيارُ الشَّيخَينِ: ابنِ تيميَّةَ وابنِ القَيِّمِ، ومَنسوبٌ إلى ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (13/168). ، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ [143] قال ابنُ بازٍ: (يَجوزُ إذا قال المَدينُ: أنا أُعطيك حَقَّك دَفعةً واحِدةً، ولَكِنْ نَزِّلْ عَنِّي، والدَّينُ أربَعةُ آلافٍ على أربَعةِ أعوامٍ، فقال: أنا أُنجِزُه لَك إذا وضَعتَ عَنِّي ألفًا، فقال صاحِبُ الدَّينِ: نَعَم، أنا أضَعُ عَنك ألفًا وأعطِني ثَلاثةَ آلافٍ وأنا أُسامِحُك، لا حَرَجَ في ذلك، الصَّوابُ أنَّه جائِزٌ، وإن كان كَثيرٌ مِن أهلِ العِلمِ يَرى خِلافَ ذلك، لَكِنَّ الصَّحيحَ أنَّه جائِزٌ؛ لأنَّ هذا فيه مَصالِحَ. تَعجيلُ الحَقِّ وبَراءةُ الذِّمَّةِ، هذا فيه مَصلَحَتانِ؛ تَعجيلُ الحَقِّ لصاحِبِه ولو ناقِصًا، بَدَلَ ما يَكونُ في سَنَواتٍ يُعطيه إيَّاه حالًّا، وتَخفيفُه على المَدينِ يُطيحُ عنه قِطعةً مِنَ الدَّينِ). ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). ، وابنِ عُثَيمين [144] قال ابنُ عُثَيمين: (مَنِ اشتَرى سِلعةً بأقساطٍ لمُدَّةِ خَمسِ سَنَواتٍ، ثُمَّ يَسَّر اللهُ عليه وتمكَّن مِنَ الوفاءِ في خِلالِ سَنَتَينِ، فهل له الحَقُّ أن يُطالبَ البائِعَ بالتَّنزيلِ أم لا؟ نَقولُ: ليس له الحَقُّ، لَكِنْ إذا وافقَ البائِعُ وقال: أنا أقبَلُ مِنك التَّعجيلَ مَعَ الإسقاطِ، فالصَّحيحُ أنَّه لا بَأسَ به؛ لأنَّ هذا فيه مَصلَحةٌ للدَّائِنِ والمَدينِ، وليس فيه ظُلمٌ ولا رِبًا). ((لقاء الباب المفتوح)) رقم اللقاء (146). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لِما فيه مِن إبراءِ الذِّمَّةِ؛ فإنَّ الشَّارِعَ له تَطَلُّعٌ إلى بَراءةِ الذِّمَمِ مِنَ الدُّيونِ [145] يُنظر: ((إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان)) لابن القيم (2/684). .
ثانيًا: لأنَّ فيه مَصلَحةً للطَّرَفينِ؛ ففيه تَخليصُ ذِمَّةِ الأوَّلِ مِنَ الدَّينِ، وانتِفاعُ الآخَرِ بالتَّعجيلِ له، وهو بذلك عَكسُ الرِّبا؛ فإنَّ الرِّبا يَتَضَمَّنُ الزِّيادةَ في أحَدِ العِوَضَينِ في مُقابَلةِ الأجَلِ، وهذا يَتَضَمَّنُ بَراءةَ ذِمَّتِه مِن بَعضِ العِوَضِ في مُقابَلةِ سُقوطِ الأجَلِ، فسَقَطَ بَعضُ العِوَضِ في مُقابَلةِ سُقوطِ بَعضِ الأجَلِ، فانتَفعَ به كُلُّ واحِدٍ مِنهما، ولَم يَكُنْ هنا رِبًا لا حَقيقةً ولا لُغةً ولا عُرفًا؛ فإنَّ الرِّبا الزِّيادةُ، وهيَ مُنتَفيةٌ هاهنا [146] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/331، 332)، ((إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان)) لابن القيم (2/684). .

انظر أيضا: