الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: الصُّلحُ مَعَ إنكارِ المُدَّعى عليه


يَجوزُ الصُّلحُ مَعَ إنكارِ المُدَّعى عليه [147] كأن يَقولَ شَخصٌ لآخَرَ: هذا المُسَجِّلُ لي، فيَقولَ مَن بيَدِه المُسَجِّلُ: لا، ليس لك، فهذا إنكارٌ، ثُمَّ يُصالحُ عَنه بمالٍ؛ بأن يَتَصالَحا على أن يُعطيَه مِائةَ ريالٍ عَن هذا المُسَجِّلِ. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/240). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [148] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/30/31). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/40). ، والمالِكيَّةِ [149] اشتَرَطَ المالكيَّةُ للصُّلحِ على الإنكارِ ثَلاثةَ شُروطٍ: أن يَكونَ الصُّلحُ جائِزًا على دَعوى المُدَّعي، وعَلى دَعوى المُدَّعى عليه، وألَّا يَكونَ فيه تُهمةُ فَسادٍ. ((الكافي)) لابن عبد البر (2/878)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/354)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (3/312)، ((منح الجليل)) لعليش (6/135). ، والحَنابِلةِ [150] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/397، 398)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/139). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
وصَف اللهُ تَعالى جِنسَ الصُّلحِ بالخَيريَّةِ، ومَعلومٌ أنَّ الباطِلَ لا يوصَفُ بالخَيريَّةِ، فكان كُلُّ صُلحٍ مَشروعًا بظاهرِ هذا النَّصِّ إلَّا ما خُصَّ بدَليلٍ [151] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/40). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الصُّلحُ جائِزٌ بَينَ المُسلِمينَ إلَّا صُلحًا أحَلَّ حَرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا)) [152] أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ مختصَرًا قبلَ حديثِ (2274)، وأخرجه موصولًا أبو داود (3594) واللفظ له، وأحمد (8784) مختصَرًا. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5091)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594)، وقال ابنُ القَطَّانِ في ((الوهم والإيهام)) (5/211): ينبغي أن يقالَ فيه: حَسَنٌ، وصحَّح إسنادَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/319)، وقال النَّوويُّ في ((المجموع)) (9/376): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
ظاهرُه يَقتَضي جَوازَ الصُّلحِ في حالِ الإنكارِ والإقرارِ [153] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/194). .
ثالثًا: لأنَّ الصُّلحَ شُرِعَ للحاجةِ إلى قَطعِ الخُصومةِ والمُنازَعةِ، والحاجةُ إلى قَطعِها في التَّحقيقِ عِندَ الإنكارِ [154] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/40). .

انظر أيضا: