الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: الحَجْرُ على المَريضِ مَرَضَ المَوتِ


يُحجَرُ على المَريضِ مَرَضَ المَوتِ [401] ويُطلَقُ عليه المرضُ المَخُوفُ، وهو الذي يُخافُ فيه الموتُ؛ لكثرةِ مَن يموتُ به، وما يَندُرُ وُجودُ الموتِ منه لا عِبرةَ به، والمرجِعُ في معرفةِ كَونِه مَخوفًا أمْ لا هم الأطبَّاءُ وأهلُ الخبرةِ بذلك. يُنظر: ((الأم)) للشافعي (4/112)، ((المغني)) لابن قُدامة (6/202)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/440). في تَبَرُّعاتِه فيما زادَ عن ثُلُثِ تَرِكَتِه [402] يُحجَرُ على المَريضِ مَرَضَ المَوتِ في التَّبَرُّعاتِ كالهِبةِ والصَّدَقةِ، ولا يُحجَرُ عليه في المُعاوَضاتِ كالبَيعِ والشِّراءِ إلَّا إذا اشتَمَلت على المُحاباةِ. يُنظر: ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/130)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/160)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/273). ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [403] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/184)، ((المبسوط)) للسرخسي (20/78)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (4/397). ، والمالِكيَّةِ [404] ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/632)، و (8/6)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/130). ، والشَّافِعيَّةِ [405] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/126)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/160). ، والحنابِلةِ [406] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/273)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/154)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (3/416). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ: ((أنَّ رَجُلًا أعتَقَ سِتَّةَ مَملوكينَ له عِندَ مَوتِه لم يَكُنْ له مالٌ غَيرُهم، فدَعا بهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجَزَّأهم أثلاثًا، ثمَّ أقرَعَ بَينَهم، فأعتَقَ اثنَينِ، وأرَقَّ أربعةً)) [407] أخرجه مسلم (1668). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً، فجَعل العِتاقَ في المَرَضِ منَ الثُّلثِ، ولم يُنفِذْ أكثَرَ منَ الثُّلثِ [408] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/146)، ((المغني)) لابن قدامة (6/192). .
2- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((عادَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ حَجَّةِ الوداعِ من مَرَضٍ أشفَيتُ منه على المَوتِ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بلَغَ بي منَ الوجَعِ ما تَرى، وأنا ذو مالٍ، ولا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ لي واحِدةٌ، أفأتَصَدَّقُ بثُلُثَي مالي؟ قال: لا. قال: فأتَصَدَّقُ بشَطرِه؟ قال: الثُّلُثُ يا سَعدُ، والثُّلثُ كَثيرٌ، إنَّك أن تَذَرَ ذُرِّيَّتَك أغنياءَ خَيرٌ من أن تَذَرَهم عالةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ)) [409] أخرجه البخاري (3936) واللفظ له، ومسلم (1628). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يَأذَنْ للصَّحابيِّ رَضِيَ اللهُ عنه بالصَّدَقةِ بأكثَرَ منَ الثُّلثِ [410] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (6/156). .
ثانيًا: منَ الآثارِ
عن عائِشةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّها قالت: (إنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ كان نَحلَها جادَّ عِشرينَ وسْقًا من مالِه بالغابةِ، فلمَّا حَضَرَته الوفاةُ قال: ... وإنِّي كُنتُ نَحلتُك جادَّ عِشرينَ وسْقًا، فلو كُنتِ جَدَدْتِيه واحتَزْتِيه كان لكِ، وإنَّما هو اليَومَ مالُ وارِثٍ) [411] أخرجه مالك (2/752) واللفظ له، والبيهقي (12362). صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (8/301)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/144)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (6/61)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (8/298). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أخبَرَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ عائِشةَ لو كانت قَبَضَتْه في الصِّحَّةِ تَمَّ لها مِلكُه، وأنَّها لا تَستَطيعُ قَبضَه في المَرَضِ قَبضًا يَتِمُّ لها مِلكُه، ولم تُنكِرْ ذلك عائِشةُ على أبي بكرٍ ولا سائِرُ الصَّحابةِ؛ فدَلَّ ذلك على موافقَتِهم لأبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه [412] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/146). .
ثالثًا: لأنَّ حَقَّ الورَثةِ تَعلَّقَ بالمالِ بوُجودِ المَرَضِ، فمُنِعَ التَّبَرُّعُ بزيادةٍ على الثُّلُثِ [413] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/25). .

انظر أيضا: