الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: اشتِراطُ حُكمِ القاضي في رَفعِ الحَجْرِ عنِ المَجنونِ


لا يُشتَرَطُ حُكمُ القاضي في رَفعِ الحَجْرِ عن المَجنونِ إذا عَقَل، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [456] ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/58)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/292)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/84، 85). ، والشَّافِعيَّةِ [457] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/161)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/356). ، والحنابِلةِ [458] ((الإنصاف) للمرداوي (5/237). ويُنظر: ((المحرر في الفقه)) لمجد الدين ابن تيمية (1/346). ، وهو مقتضى مَذهَبِ الحَنَفيَّةِ [459] عِندَ الحَنَفيَّةِ: إذا بلغَ الصَّبيُّ راشِدًا يُرفَعُ عنه الحَجْرُ، أمَّا إذا بلغَ غَيرَ رَشيدٍ فعِند أبي حَنيفةَ يُرفَعُ عنه الحَجْرُ إذا بلغَ خَمسًا وعِشرينَ سَنةً، وعِند أبي يوسُفَ ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ: لا يُرفَعُ عنه الحَجْرُ حتَّى يُؤنَسَ منه الرُّشدُ، وأمَّا المَجنونُ فيَزولُ عنه الحَجْرُ بالإفاقةِ. ولم يَنُصُّوا في ذلك على رَفعِ الحَجْرِ بحُكمِ الحاكِمِ. ((الهداية)) للمرغيناني (3/282)، ((العناية)) للبابرتي (9/262). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/172). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [460] قال ابنُ قُدامةَ: (لا يُعتَبَرُ في زَوالِ الحَجْرِ عنِ المَجنونِ إذا عَقَل حُكمُ حاكِمٍ، بغَيرِ خِلافٍ). ((المغني)) (4/343). وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (إذا عَقَل المَجنونُ ورَشَدَ انفكَّ الحَجْرُ عنه، ولا يَحتاجُ إلى حُكمِ حاكِمٍ بغَيرِ خِلافٍ). ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (4/510). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثٍ: عنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكبَرَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ)) [461] أخرجه النسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041)، وأحمد (24694). وأخرجه أبو داود (4398) بلفظ: ((وعن المبتلَى حتى يبرَأَ)) بدَلَ المجنونِ، ورواه الحاكم (2350)، والبيهقي (11453) بلفظ: ((وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ)). صحَّحه الحاكمُ، وقال: على شرط مسلم، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3432). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ)) فإنَّه اقتَضى زَوالَ رَفعِه بالإفاقةِ [462] يُنظر: ((إبراز الحكم من حديث رفع القلم)) للسبكي (ص: 96). فقَط، فلا يُشتَرَطُ حُكمُ القاضي في رَفعِه.
ثانيًا: لأنَّ الحَجْرَ على المجنونِ ثبت بغَيرِ حُكمِ حاكِمٍ؛ فيَزولُ بدونِه [463] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/344، 353). .
ثالثًا: لأنَّنا لو وقَفْنا تَصَرُّفاتِ النَّاسِ على الحاكِمِ كان أكثَرُ الخَلقِ مَحجورًا عليه [464] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/353). .
رابعًا: لأنَّ الحَجْرَ إنَّما كان للعَجزِ عنِ التَّصَرُّفِ في المالِ على وَجهِ المَصلحةِ حفظًا لمالِه عليه، فمتى أفاقَ المَجنونُ زال الحَجْرُ لزَوالِ سَبَبِه [465] يُنظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (4/510). .

انظر أيضا: