الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالثُ: إذا ماتَ المَدينُ مُفلِسًا ووجَدَ الدَّائِنُ مَتاعَه عِندَه


إذا ماتَ المَدينُ مُفلِسًا ووجَد الدَّائِنُ مَتاعَه عِندَه فهو أُسوةُ الغُرَماءِ [595] أسْوَةُ الغُرَماءِ: الأُسْوَةُ: القدوةُ، أىْ: يَقْتَدِى بهم، فيكونُ مِثلَهم. والمعنَى أنَّ الدائنَ يكونُ مثلَ بقيةِ الغرماءِ في المالِ، فلا يَنفرِدُ أحدُ الغرماءِ بالمالِ الموجودِ للمفلسِ دونَ الآخرِ. يُنظر: ((الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي)) لابن عبد الهادي (2/492)، ((مجمع بحار الأنوار)) للكَجراتي (1/59). ، وهذا مَذهَبُ المالِكيَّةِ [596] ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/50)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/61). ، والحنابِلةِ [597] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/161، 162). ، وهو اختيارُ الصَّنعانيِّ [598] قال الصَّنعانيُّ: (قَولُه: «فإن ماتَ المُشتَري فصاحِبُ المَتاعِ أُسوةُ الغُرَماءِ» فيه حَذفٌ تَقديرُه، فمَتاعُ صاحِبِ المَتاعِ أُسوةُ الغُرَماءِ، وهذا دالٌّ على التَّفرِقةِ بَينَ المَوتِ والإفلاسِ). ((سبل السلام)) (2/77). ، والشَّوكانيِّ [599] قال الشَّوكانيُّ: (قَولُه: «وإن ماتَ المُشتَري... إلخ» فيه دَليلٌ على أنَّ المُشتَريَ إذا ماتَ والسِّلعةُ التي لم يُسلِّمِ المُشتَري ثَمنَها باقيةٌ، لا يَكونُ البائِعُ أَولى بها، بل يَكونُ أُسوةَ الغُرَماءِ، وإلى ذلك ذَهَبَ مالِكٌ وأحمَدُ). ((نيل الأوطار)) (5/291). ، وابنِ عُثَيمين [600] قال ابنُ عُثَيمين: (قال: «وإن ماتَ المُشتَري فصاحِبُ المَتاعِ أُسوةُ الغُرَماءِ»... يَعني: ليس له حَقٌّ فيه، هو وغَيرُه سَواءٌ، ونَبقى مُفرِّعينَ على المِثالِ السَّابقِ الذي باعَ عليه سَيَّارةً بعَشَرةِ آلافِ ريالٍ، وكان الدَّينُ الذي عليه مِائةَ ألفٍ لتِسعةِ غُرَماءَ آخَرينَ، قُلنا: لصاحِبِ السَّيَّارةِ أن يَأخُذَ سَيَّارَتَه عن دَينِه، لكِن لو ماتَ الذي اشتَرى السَّيَّارةَ قَبل أن يَأخُذَ البائِعُ سَيَّارَتَه صارَ البائِعُ أُسوةَ الغُرَماءِ، أي: أنَّ هذه السَّيَّارةَ تَكونُ مُشتَرَكةً بَينَ الغُرَماءِ العَشَرةِ بالتَّساوي، وهذا الشَّرطُ أيضًا يُمكِنُ أن يُؤخَذَ منَ الحَديثِ مِن قَولِه: «مَن أدرَكَ مَتاعَه بعَينِه عِندَ رَجُلٍ قد أفلَسَ»، وبَعدَ مَوتِه لا يَكونُ أدركَه عِندَ الرَّجُلِ، بل يُقالُ: أدركَه عِندَ الورَثةِ، وحينَئِذٍ يَكونُ القَيدُ في قَولِه: «عِندَ رَجُلٍ قد أفلَسَ» مُخرِجًا لِما إذا ماتَ هذا المُفلِسُ وانتَقَل المَتاعُ إلى ورَثَتِه، فإنَّه لا حَقَّ لصاحِبِ المَتاعِ فيه، بل يَكونُ أُسوةَ الغُرَماءِ). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/107). وقال أيضًا: (الذي نَحنُ فيه الآنَ هذا الحَديثُ يَدُلُّ على أنَّه إذا ماتَ الغَريمُ المُفلِسُ فإنَّ صاحِبَ المَتاعِ أحَقُّ به من غَيرِه، والأوَّلُ يَدُلُّ على أنَّه أُسوةُ الغُرَماءِ، والرَّاجِحُ الأوَّلُ). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/109). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أدرَكَ مالَه بعَينِه عِندَ رَجُلٍ أو إنسانٍ قد أفلَسَ، فهو أحَقُّ به مِن غَيرِه)) [601] أخرجه البخاري (2402) واللفظ له، ومسلم (1559). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ يَدُلُّ بمَفهومِه على أنَّ صاحِبَ المَتاعِ لا يَرجِعُ على الورَثةِ؛ لأنَّه لم يَجِدْه عِندَ المُفلِسِ، وإنَّما وجَدَه عِندَ الوَرَثةِ، والحَديثُ نَصٌّ على مَن وجَدَ مَتاعَه عِندَ المُفلِسِ [602] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/342). .
ثانيًا: لأنَّ المِلْكَ انتَقَل عنِ المُفلِسِ إلى الورَثةِ، أشبَهَ ما لو باعَه [603] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/161، 162). .
ثالثًا: لأنَّه تَعلَّقَ به حَقُّ غَيرِ المُفلِسِ والغُرَماءِ، وهمُ الورَثةُ، فأشبَهَ المَرهونَ [604] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/341). .

انظر أيضا: