الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: المَدينُ إذا ادَّعى الفَلَسَ ولم يُعلَمْ صِدقُه


إذا ادَّعى المَدينُ الفَلسَ ولم يُعلَمْ صِدقُه ولم يَتَبَيَّنْ إفلاسُه، حُبسَ حتَّى يَظهَرَ صِدقُه، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [741] ((الهداية)) للمرغيناني (3/283)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/121). ، والمالِكيَّةِ [742] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/297)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/50). ، والشَّافِعيَّةِ [743] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (10/227)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/333). ، والحنابِلةِ [744] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/284)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/278). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [745] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أن يُحبَسوا في الدُّيونِ). ((الإجماع)) (ص: 104). وقال ابنُ رُشدٍ: (وكُلُّهم -أي: فُقَهاءِ الأمصارِ- مُجمِعونَ على أنَّ المَدينَ إذا ادَّعى الفَلَسَ ولم يُعلَمْ صِدقُه؛ أنَّه يُحبَسُ حتَّى يَتَبَيَّنَ صِدقُه أو يُقِرَّ له بذلك صاحِبُ الدَّينِ). ((بداية المجتهد)) (4/76). وقال ابنُ تيميَّةَ: (ومَن كان قادِرًا على وفاءِ دَينِه وامتَنَعَ أُجبِر على وفائِه بالضَّربِ والحَبسِ، ونَصَّ على ذلك الأئِمَّةُ من أصحابِ مالِكٍ والشَّافِعيِّ وأحمَدَ وغَيرهم. قال أبو العَبَّاسِ: ولا أعلمُ فيه نِزاعًا). ((الفتاوى الكبرى)) (5/397). لكِن خالَف في ذلك عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، فقالا: لا يَجوزُ أن يُحبَسَ أحَدٌ في دَينٍ. قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أن يُحبَسوا في الدُّيونِ، وانفرَدَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، فقال: يُقَسَّمُ مالُه ولا يُحبَسُ). ((الإجماع)) (ص: 104). وقال الماوَرديُّ: (أمَّا إن لم تَقُمِ البَيِّنةُ بإعسارِه وجَبَ حَبسُه بدُيونِه إن سَأل الغُرَماءُ حَبسَه، وحُكيَ عن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ واللَّيثِ بنِ سَعدٍ: أنَّه لا يَجوزُ أن يُحبَسَ أحَدٌ في دَينٍ). ((الحاوي الكبير)) (6/333). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عنِ الشَّريدِ بنِ سُوَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرضَه وعُقوبَتَه)) [746] أخرجه البخاريُّ مُعلَّقًا بصيغة التمريض (2401) باختلاف يسير، وأخرجه موصولًا أبو داود (3628)، والنسائي (4689) واللفظ لهما. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (4689)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/656)، وحسَّنه ابن حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (2/217)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3628). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَعني بإباحةِ العِرضِ: المُطالَبةَ والتَّوبيخَ بالمُماطَلةِ، وبالعُقوبةِ: الحَبسَ [747] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/333). .
2- عن بَهزِ بنِ حَكيمٍ، عن أبيه، عن جِدِّه رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَبَسَ رَجُلًا في تُهمةٍ)) [748] أخرجه أبو داود (3630) واللفظ له، والترمذي (1417)، والنسائي (4876) مطوَّلًا. حسَّنه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1417)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1114)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7063). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لمَّا جازَ حَبسُه في تُهمةٍ لم تَثبُتْ عليه فأَولى أن يَجوزَ حَبسُه في دَينٍ ثَبَتَ عليه [749] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/333). .
ثانيًا: لأنَّ الحَبسَ طَريقٌ إلى استيفاءِ الحَقِّ، فإذا كان لا يُتَوصَّلُ إلى الحَقِّ إلَّا به كان مُستَحَقًّا، كمُلازَمةِ المَدينِ [750] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/333). .
ثالثًا: لأنَّ المُماطَلةَ ظُلمٌ والوفاءَ واجِبٌ؛ فيَحبسُه القاضي دَفعًا للظُّلمِ، وتَحصيلًا للحَقِّ إلى مُستَحِقِّه [751] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/333). .

انظر أيضا: