الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: ضالَّةُ الإبِلِ إذا كان في زَمَنِ الفَسادِ


يَجوزُ التِقاطُ ضالَّةِ الإبِلِ إذا كان في زَمَنِ الفسادِ والنَّهبِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1714] ((المبسوط)) للسرخسي (11/10)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/167). ، والمالِكيَّةِ [1715] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/122)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/176). ، والشَّافِعيَّةِ [1716] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/402 - 403). ، وقَولٌ للحنابِلةِ [1717] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/402). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَأله عنِ اللُّقَطةِ؟ فقال: ((اعرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنةً، فإن جاءَ صاحِبُها، وإلَّا فشَأنَك بها. قال: فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: لك أو لأخيك أو للذِّئبِ. قال: فضالَّةُ الإبِلِ؟ قال: ما لك ولها؟ مَعَها سِقاؤُها وحِذاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَأكُلُ الشَّجَرَ، حتَّى يَلقاها رَبُّها)) [1718] أخرجه البخاري (91)، ومسلم (1722) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((حتَّى يَلقاها رَبُّها)) إنَّما يُقالُ ذلك إذا كان قَريبًا أو كان رَجاءُ اللِّقاءِ ثابتًا، والدَّليلُ عليه أنَّه لمَّا سَأله عن ضالَّةِ الغَنَمِ قال: ((خُذها؛ فإنَّها لك أو لأخيك أو للذِّئبِ)) دَعاه إلى الأخذِ، ونَبَّهَ على المَعنى، وهو خَوفُ الضَّيعةِ، وأنَّه مَوجودٌ في الإبِلِ [1719] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/200). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن سُلَيمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ ثابِتَ بنَ الضَّحَّاكِ الأنصاريَّ أخبَرَه: (أنَّه وجَدَ بَعيرًا بالحَرَّةِ فعَقَله، ثُمَّ ذَكَرَه لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فأمره عُمَرُ أن يُعَرِّفَه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فقال له ثابتٌ: إنَّه قَد شَغَلني عن ضَيعتي! فقال له عُمَرُ: أرسِلْه حيثُ وجَدْتَه) [1720] أخرجه مالك (2/759) واللفظ له، وعبد الرزاق (18609)، والبيهقي (12438). ذكر العيني في ((نخب الأفكار)) (16/416) أنه ورد من ثلاثِ طُرُقٍ صِحاحٍ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه لم يُنكِرْه عليه، ولم يُعَنِّفْه في أخذِه إيَّاه؛ فدَلَّ ذلك على جَوازِه [1721] يُنظر: ((مشكل الآثار)) للطحاوي (12/160). .
2- عنِ ابنِ شِهابٍ قال: (كانت ضَوالُّ الإبِلِ في زَمانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلةً تَناتَجُ، لا يَمَسُّها أحَدٌ، حتَّى إذا كان زَمانُ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ أمَرَ بتَعريفِها، ثُمَّ تُباعُ، فإذا جاءَ صاحِبُها أُعطيَ ثَمَنَها) [1722] أخرجه مالك (2/759) واللفظ له، والبيهقي (12439). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه أمَرَ بالتِقاطِ الإبِلِ وتَعريفِها؛ فدَلَّ على جَوازِ التِقاطِها لمَصلحةِ أصحابِها [1723] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11). .
ثالثًا: في أخذِها إحياؤُها وحِفظُها على صاحِبِها؛ فهو أَولى مِن تَضييعِها، كَما هو مُقَرَّرٌ في سائِرِ اللُّقَطاتِ [1724] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11). .
رابعًا: لأنَّ الأخذَ حالَ خَوفِ الضَّيعةِ إحياءٌ لمالِ المُسلمِ، فيَكونُ مُستَحَبًّا، وحالُ عَدَمِ الخَوفِ ضَربُ إحرازٍ، فيَكونُ مُباحًا على أقَلِّ تَقديرٍ [1725] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/200).
خامِسًا: أنَّ الغَلَبةَ في ذلك الوَقتِ كانت لأهلِ الصَّلاحِ والخيرِ، لا تَصِلُ إليها يَدٌ خائِنةٌ إذا تَرَكَها واجِدُها، فأمَّا في زَمانِنا فلا يَأمَنُ واجِدُها وُصولَ يَدٍ خائِنةٍ إليها بَعدَه [1726] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11). .

انظر أيضا: