الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: ضالَّةُ الغَنَمِ ونَحوِها إذا كانت في الصَّحراءِ


يَجوزُ التِقاطُ ضالَّةِ الغَنَمِ ونَحوِها [1727] ويلحَقُ به ما لا يَمتَنِعُ بنَفسِه مِن صِغارِ السِّباعِ، كالفَصيلِ -ولَدِ النَّاقةِ-، والعِجلِ، والجَحشِ، ونَحوِه. يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/212). إذا كانت في الصَّحراءِ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1728] ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (6/124)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (7/333). ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (3/34). ، والمالِكيَّةِ [1729] عِندَ المالِكيَّةِ: إذا كانت في الصَّحراءِ ولم يَتيَسَّرْ حَملُها ولا سَوقُها للعُمرانِ، فله أكلُها، ولا يُعَرِّفُها، ولا ضَمانَ عليه، فإن تيَسَّرَ حَملُها أو سَوقُها للعُمرانِ حُمِلَت أو سيقَت، وعَرَّفها وُجوبًا، وليس له أكلُها، فإن أكلَها ضَمِنَها، فإن حَملها مَذبوحةً فرَبُّها أحَقُّ بها إن عَلِم به قَبلَ أكلِها، وعليه أجرةُ حَملِها. ((الشرح الكبير)) للدردير (4/122)، ((منح الجليل)) لعليش (8/240). ، والشَّافِعيَّةِ [1730] عِندَ الشَّافِعيَّةِ: الواجِدُ مُخيَّرٌ بينَ ثَلاثةِ أشياءَ: أحَدُها: أن يُمسِكَها ويُعَرِّفَها ثُمَّ يَتَمَلَّكَها. الثَّاني: أن يَبيعَها ويَحفَظَ ثَمَنها، ويُعَرِّفَها ثُمَّ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ. الثَّالثُ: أن يَأكُلَها إن كانت مَأكولةً، ويَغرَمَ قيمَتَها. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/326)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/119). ، والحنابِلةِ [1731] نَصَّ الحَنابلةُ على أنَّ المُلتَقِطَ يَلزَمُه فِعلُ الأصلَحِ لمالِكِه: الأوَّلُ: أكلُها وعليه قيمَتُها. الثَّاني: بيعُها وحِفظُ ثَمَنِها لصاحِبِها. الثَّالثُ: حِفظُها والإنفاقُ عليها مِن مالِه ولا يملِكُها، فإذا جاءَ صاحِبُها استَلمَها، ويَرجِعُ المُلتَقِطُ بما أنفقَ على الحيَوانِ إن نَوى الرُّجوعَ على مالِكِه، فإنِ استَوتِ الثَّلاثةُ خُيِّرَ بينَها. ((الإنصاف)) للمرداوي (6/404)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 212)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/225). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ [1732] قال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفقوا على الغَنَمِ أنَّها تُلتَقَطُ). ((بداية المجتهد)) (2/305). وقال أيضًا: (اتَّفَقوا على أنَّ لواجِدِ ضالَّةِ الغَنَمِ في المَكانِ القَفرِ البَعيدِ مِنَ العُمرانِ: أن يَأكُلَها). ((بداية المجتهد)) (2/307). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعوا على أنَّ ضالَّةَ الغَنَمِ في المَوضِعِ المخوفِ عليها: له أكلُها). ((الاستذكار)) (22/326). وقال ابنُ هُبَيرةَ: (إلَّا ضالَّةَ الغَنَمِ؛ فإنَّهم أجمَعوا على أنَّ مُلتَقِطَها في المَوضِعِ المَخوفِ عليها، له أكلُها). ((اختلاف الأئمة)) (2/60). وقال القُرطُبيُّ: (أجمَعوا أنَّ آخِذ ضالَّةِ الغَنَمِ في المَوضِعِ المَخوفِ عليها، له أكلُها). ((الجامع لأحكام القرآن)) (11/268). وقال الصَّنعانيُّ: (اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّ لواجِدِ الغَنَمِ في المَكانِ القَفرِ البَعيدِ مِنَ العُمرانِ أن يَأكُلَها). ((سبل السلام)) (3/950).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: جاءَ أعرابيٌّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَأله عَمَّا يَلتَقِطُه، فقال: ((عَرِّفْها سَنةً، ثُمَّ احفَظْ عِفاصَها ووِكاءَها، فإن جاءَ أحَدٌ يُخبرُك بها، وإلَّا فاستَنفِقْها. قال: يا رَسولَ اللَّهِ، فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: لك أو لأخيك أو للذِّئبِ. قال: ضالَّةُ الإبِلِ؟ فتَمَعَّرَ وَجهُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ما لك ولها؟ مَعَها حِذاؤُها وسِقاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَأكُلُ الشَّجَرَ)) [1733] أخرجه البخاري (2427) واللفظ له، ومسلم (1722). .
أوَجهُ الدَّلالةِ:
- الحَديثُ فيه إشارةٌ إلى جَوازِ أخذِ ضالَّةِ الغَنَمِ، كأنَّه قال: هي ضَعيفةٌ؛ لعَدَمِ الاستِقلالِ، مُعَرَّضةٌ للهلاكِ، مُتَرَدِّدةٌ بينَ أن تَأخُذَها أنتَ أو أخوك [1734] يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/408). .
- في قَولِه: ((هي لك أو لأخيك)) أضافها إليه، واللَّامُ للتَّمليكِ [1735] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/104).
ثانيًا: لأنَّه مالٌ يُتَوهَّمُ ضَياعُه، فيُستَحَبُّ أخذُه ليَرُدَّه على صاحِبِه؛ صيانةً لأموالِ النَّاسِ [1736] يُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (3/34). .
ثالثًا: لأنَّه يُخشى عليها التَّلَفُ والضَّياعُ؛ فأشبَهَ لُقَطةَ غيرِ الحيَوانِ [1737] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/103). .

انظر أيضا: